وكالة أهل البيت (ع) للأنباء

المصدر : وکالات
الأحد

٣ أكتوبر ٢٠١٠

٨:٣٠:٠٠ م
207427

خيارات الحكم فى العالم العربى بين التأبيد والتوريث

تحفل الصحف التونسية هذه الأيام بمناشدات تدعو الرئيس زين العابدين بن على إلى الترشح لولاية سادسة سنة 2014. وهو أمر أثار الانتباه والدهشة فى آن، ذلك أن كثيرين تساءلوا عن سر إطلاق حملة المناشدة قبل نحو أربع سنوات من موعد الانتخابات الرئاسية التالية.

ابنا : وازدادت شكوكهم وهواجسهم حين لاحظوا أن المناشدات جاءت عقب نداء بذات المعنى بادرت إليه اللجنة المركزية للحزب الدستورى الحاكم وأطلقت عليه «نداء المائة»، (وقعه 65 شخصا)، وعقبه دعت إلى توجيه «نداء الألف»، الأمر الذى بدا أنه دعوة لتوسيع نطاق الحملة، التى شارك فيها بعض المحامين والفنانين والصحفيين والجامعيين ورجال الأعمال المقربين من السلطة.. الخ.

 

رغم أن الجميع فوجئوا بالعملية، إلا أن فهم خلفياتها ومقاصدها لم يكن عصيا على المثقفين الوطنيين، الذين خبروا أساليب النظام التونسى وآلاعيبه. وكانت أسبوعية «الموقف» التى تعد أحد منابر الجماعة الوطنية فى مقدمة الجهات التى كشفت العملية، حين نشرت على صدر صفحتها الأولى (فى 3/9) تقريرا كتبه مديرها الأستاذ أحمد نجيب الشابى عنوانه كالتالى: «الرئاسة مدى الحياة.. بداية العد التنازلى».

 

وفى عدد تال (صدر يوم 17/9) نشرت الصحيفة ذاتها تقريرا آخر على صفحتها الأولى تحت عنوان يقول: «مناشدات التمديد مطية لمناورات الخلافة»، وتحت العنوان ذكرت ما يلى: لم يفاجأ التونسيون بانطلاق حملة مناشدة الرئيس بن على للتقدم لولاية سادسة (2014 2019)، لأنهم أدركوا منذ تنقيح الدستور (فى عام 2002) أن قيد السن على الرئاسة مدى الحياة كان مجرد وهم. ثم لأنهم اعتادوا على هذا الكرنفال الذى غدا من طقوس الحكم الثابتة.

 

حين تحريت الأمر وجدت أن حملة المناشدات تعد إحدى حلقات مسلسل تأبيد سلطة الرئيس بن على، وإزالة آخر العقبات الدستورية التى تحول دون بقائه للسلطة مدى الحياة، فى تكرار لذات الموقف الذى انقلب عليه منذ 23 سنة، حين انتزع السلطة من الرئيس السابق الحبيب بورقيبة. ذلك أن برلمانه كان قد قرر انتخاب «المجاهد الأكبر» مدى الحياة. وهو ما اعتبره السيد بن على، وزير الداخلية آنذاك، إحدى ذرائع انقلابه عليه،

 

وأعلن فى البيان الأول إن عهد احتكار السلطة مدى الحياة قد ولى، مشددا على أن الرئيس لا ينبغى أن يبقى فى السلطة لأكثر من ولايتين فقط، تكريسا للديمقراطية، وهو ما أخذ فى حينه على محمل الجد، فقرر البرلمان تعديل الدستور لكى ينص على أن يبقى الرئيس المنتخب فى منصبه لولايتين فقط، مدة كل منهما خمس سنوات، على ألا يزيد عمره عند ترشيحه على 75 عاما. وكما يحدث عادة فى أفلام ديمقراطية أخرى نعرفها جيدا، فقد طابت اللعبة للجالس على مقعد الرئاسة، فرتبت البطانة قبل نهاية السنوات العشر أمر المناشدة الشعبية التى أطلقت لتعديل الدستور وفتح الباب لتعدد الولايات بغير قيد. وامتثالا لنداء الشعب واستجابة لرغبته التى لا ترد،

 

هكذا قالوا تم تعديل الدستور واتخاذ اللازم فى جلسة «تاريخية» فى عام 2002. وبعدما مرت السنوات بسرعة تبين أن الرئيس بن على لن ينطبق عليه شرط السن (75 سنة) للترشح لانتخابات عام 2014، إذ سيكون عمره آنذاك 78 عاما. وكان الحل أن تطلق حملة المناشدات مرة أخرى لتعديل الدستور وإلغاء شرط السن، أيضا استجابة لنداء الشعب واستجابة لرغبته التى لا ترد(!)، وما الحملة الجارية الآن هناك إلا تنفيذ حرفى للمشهد الذى سبق عرضه عام 2002. وهو ما دعا أحد كتاب صحيفة «الموقف»، يّسر الساحلى، إلى كتابة تعليق ساخر لتقنين اللعبة دعا فيه إلى تعديل الدستور وإدخال «المناشدة» لأحد شروط شغل المناصب الحساسة فى الدولة، وإنشاء وظيفة «المناشد العام» للجمهورية لتنظيم العملية وتشكيل هيئة الأمر بالمناشدة والنهى عن احترام الدستور، وتحديد يوم وطنى للمناشدة لغرس القيمة فى نفوس الأجيال الجديدة ... إلخ.

 

فكرة الفيلم ليست جديدة، فقد تابعناها فى عدة أقطار عربية، الأمر الذى يثير السؤال التالى: هل باتت خيارات الحكم فى العالم العربى محصورة فى التأبيد والتوريث؟

انتهی/158