وكالة أهل البيت (ع) للأنباء

المصدر : خاص ابنا
الجمعة

٣ سبتمبر ٢٠١٠

٧:٣٠:٠٠ م
202452

أسطورة أم حقیقة؟

عبدالله بن سبأ

قلّما يصدر كتاب يتناول البحث عن تاريخ الإسلام إلاّ وعبداللّه‏ بن سبأ يحتلّ مكاناً فيه.

إنّ هذا الرجل الموهوم قد صوروه بألوان من الصور، وأبرزوه بمختلف الأشكال، وقد وصفوه بأنّه بطل يخوض غمار الأهوال ويتحمّل مشقّة الأسفار في مختلف الأمصار، فلا يخلو منه مكان. وله هيمنة علي العقول والأفكار حتي أنصاع له جمع من الصحابة ـ والعياذ باللّه‏ ـ واعتنقوا مبادئه كما يقولون! وأصبح أبو ذر خرّيج مدرسة محمّد (صلّي اللّه‏ عليه و آله)، ومن شهد له الرسول بالصدق، وعمّار بن ياسر المعذّب ـ هو وأبوه وأُمّه ـ ، في اللّه‏ من أنصار دعوته، وحملة عقيدته، والمتأثرين بأفكاره.

فالثورة علي عثمان من دسائسه، وحرب الجمل من تصلّبه، ووقعة صفّين عن أمره، ومبادئ التشيّع من تفكيره وآرائه و.. و.. و..

فيالمهزلة العقل وإسفاف الآراء، وخفّة الأحلام! ويالضياع الحقّ وظهور الباطل! ليكون من نتائجه التصديقبأُكذوبة ابن سبأ وظهور نتاجات وكتابات كالتي نحن بصدد تفنيدها.

لقد حان الوقت لأنّ‏نلتفت إلي الوراء لنكشف حقيقه نشأة هذه الأُسطورة ونقف علي عواملها.

ومن المؤسف أن نري اليوم من يستسلم لمثل هذه الأُسطورة ويتخلّي عن الأخذ بمقاييس العلم وأحكام العقلمستسلماً للنقل رغم وضوح جوانب الوضع وتهافت هذه القصّة الاُكذوبة.

وللمثال نذكر ما كتبه بعض أُولئك الرجال حول قضية ابن سبأ واستنتاجهم منها أُموراً تَرَكّز بحثهم عليها فمنهم :

ما قیل حول عبد الله بن سبأ

أبو زهو

الشيخ محمّد أبو زهو ـ من علماء الأزهر الشريف وأُستاذ كلية اُصول الفقه في الوقت الحاضر1 ـ قال تحت عنوان «التشيّع ستار لأعداء الإسلام»:

ويقيني أنّ التشيّع كان ستاراً احتجب وراءه كثير من أعداء الإسلام، من الفرس واليهود، والروم، وغيرهم ليكيدوا لهذا الدين ويقلبوا نظام هذه الدولة الإسلامية... ثمّ أخذوا يسلكون به مفاوز الفتن والمهالك...وأصل هذه الفتنة علي ما ذكره المؤرخّون: رجل يهودي يُدعي عبداللّه‏ بن سبأ، غلا في حبّ عليّ حتي زعم أن اللّه‏ تعالي حلّ فيه، وأخذ يؤلّب الناس علي عثمان... إلخ .

هذا ما يقرّه الشيخ المعاصر محمّد أبو زهو ويرسله إرسال المسلّمات، فيلقيه علي طلاّبه ليؤدّي رسالة الأجيال التي تحمل في طياتها انتصار اليهود علي المسلمين، وأنّ رجلاً واحداً منهم استطاع بمكره وخداعه، أن يسوق أصحاب محمّد ويستدرجهم لأغراضه، ويفتنهم بدعوته فيستسلموا له بدون تدبّر وتفكير، ويقوموا بأمر لا باعث له إلاّ دعاية رجل يهودي فاستجابوا لدعوته، وخضعوا لإرادته وحاشاهم من ذلك، وهم أجلّ وأسمي، من أن ينزلوا إلي هذا الحضيض. ولكن الشيخ اقتنع بدون ما يوجب ذلك فنسأل اللّه‏ لنا وله الهداية .

أحمد أمین

وهذا الاُستاذ أحمد أمين يصفه بأنّه ممّن أوعز إلي أبي ذر ـ صاحب رسول‏اللّه‏ (صلّي اللّه‏ عليه و آله) ـ بتعاليمه فتأثّر بها إذ يقول : رأيه قريب جداً من رأي مزدك في الأموال. ولكن من أين أتاه هذا الرأي؟ يحدّثنا الطبري عن جواب السؤال فيقول: «إنّ ابن السوداء لقي أبا ذر فأوعز إليه بذلك، وإنّ ابن السوداء هذا أتي أبا الدرداء وعبادة بن الصامت، فلم يسمعا لقوله، وأخذه عبادة إلي معاوية وقال له: هذا واللّه‏ الذي بعث عليك أباذر2.

ثم يقول بعد ذلك: ونحن نعلم أن ابن السوداء هذا لقب لُقِّب به عبداللّه‏ بن سبأ، وكان يهودياً من صنعاء، أظهر الإسلام في عهد عثمان، وأنّه حاول أن يفسد علي المسلمين دينهم، وبثّ في البلاد عقائد كثيرة ضارّة قد نعرض لها فيما بعد، وكان قد طوف في بلاد كثيرة ـ في الحجاز، والبصرة،والكوفة، والشام، ومصر ـ فمن المحتمل القريب أن يكون قد تلقّي هذه الفكرة من مزدكية العراق أو اليمن، واعتنقها أبو ذر حسن النية في اعتقادها وصبغها بصبغة الزهد التي كانت تجنح إليها نفسه، فقد كان من أتقي الناس، وأورعهم وأزهدهم في الدنيا، وكان من الشخصيات المحبوبة، التي أثّرت في الصوفية3.

من أین بدأت قصة أبن سبأ و أین انتهت؟

ابن سبأ کما يقولون عنه هو مثير الخلافات بين المسلمين وهو مؤسّس مذهب يربو أتباعه علي مئة مليون4، وهو البطل الذي استطاع أن يحقّق آماله في مصر ـ بعد أن فشل في غيرها من البلدان الإسلامية ـ فجمع الجموع، وتوجه إلي عاصمة المسلمين، وفيها الخليفة عثمان ليقلب نظام الحكم، وقد تمّ له ما أراد كما ذكره الشيخان: أبو زهو، وأبو زهرة وغيرهما .

وهو الذي سيطر علي مشاعر أبي ذر الصحابي الجليل ـ الذي وصفه رسول‏اللّه‏ (صلّي اللّه‏ عليه و آله) بالصدق ـ فأعلن علي معاوية إنكاره في احتكار الأموال .

وبغض النظر عن مصدر القصة، والبحث عن سندها، ومعرفة رجالها فإنّ العقل يحكم بسقوطها عن الاعتبار، لما فيها من مخالفة للعقل وبعد عن الحقّ وعدم ارتباطها بالواقع.

وفيها طعن علي كبار الصحابة، وتوهين لرجال الإسلام، ووصفهم بالبلاهة ـ علي حدّ تعبير بعضهم ـ وانصياعهم لأقوال وافد غريب، وداعية شرك وإلحاد، هذا من جهة. ومن جهة ثانية أنّ فكرته لم تلقَ نجاحاً إلاّ في مصر، فإنّهم انخدعوا فيه بسرعة، ومالوا إليه بأقصر وقت، وهو داعية مجهول، ورائد غريب، كيف يقوم فيهم بكلّ صراحة، ومن دون حذر، يدعوهم ويؤلّبهم علي الانتفاضة ضد سلطان قائم، ويحثّهم علي العصيان بدون سبب ولا سابقة؟

ولنترك الحديث للدكتور طه حسين حول أُسطورة ابن سبأ وما فيها من مخالفات للواقع ـ باختصار ـ .

يقول الدكتور في كتابه الفتنة الكبري عثمان الفصل (14 ):

وهناك قصّة أكبر الرواة المتأخرون من شأنها، وأسرفوا فيها حتي جعلها كثير من القدماء مصدراً لما كان من الاختلاف علي عثمان، ولما أورث هذا الاختلاف من فرقة بين المسلمين لم تمح آثاره، وهي قصّة عبداللّه‏ بن سبأ الذي يعرف بابن السوداء. قال الرواة: كان عبداللّه‏ بن سبأ يهودياً من أهل صنعاء حبشي الأُم، فأسلم في أيّام عثمان، ثم جعل يتنقل في الأمصار يكيد للخليفة ويغري به، ويحرّض عليه، ويذيع في الناس آراء محدثة أفسدت عليهم رأيهم في الدين والسياسة جميعاً...

وإلي ابن السوداء يضيف كثير من الناس كل ما ظهر من الفساد والاختلاف في البلاد الإسلامية، أيام عثمان، ويذهب بعضهم إلي أنّه أحكم كيده إحكاماً، فنظم في الأمصار جماعات خفية تتستر بالكيد؛ وتتداعي بينها إلي الفتنة، حتي إذا تهيّأت لها الاُمور وثبت علي الخليفة؛ فكان ما كان من الخروج والحصار وقتل الإمام.

ويخيّل إليَّ أنّ الذين يكبّرون من أمر ابن سبأ إلي هذا الحدّ يسرفون علي أنفسهم وعلي‏التاريخ إسرافاً شديداً، وأوّل ما نلاحظه أنا لا نجد لابن سبأ ذكراً في المصادر المهمة التي قصت أمر الخلاف علي عثمان، فلم يذكره ابن سعدحين قصّ ما كان من خلافة عثمان، وانتقاض الناس عليه، ولم يذكره البلاذري في أنساب الأشراف، وهو فيما أري أهم المصادر لهذه القصة وأكثر تفصيلاً. وذكره الطبري عن سيف بن عمر، وعنه أخذ المؤرّخون الذين جاءوا بعده فيما يظهر . ولست أدري أكان لابن سبأ خطر أيّام عثمان أم لم يكن؟ ولكن أقطع بأنّ خطره ـ إن كان له خطر ـ ليس ذا شأن، وما كان المسلمون في عصر عثمان ليعبث بعقولهم وآرائهم وسلطانهم طارئ من أهل الكتاب أسلم أيّام عثمان...

ومن أغرب ما يروي من أمر عبداللّه‏ بن سبأ هذا أنّه هو الذي لقن أباذر نقد معاوية فيما يقولون من أنّ المال هو مال اللّه‏، وعلمه أنّ الصواب أن يقول: إنه مال المسلمين. ومن هذا التلقين إلي أن يقال إنّه هو الذي لقّن أبا ذر مذهبه كلّه في نقد الأمراء والأغنياء... فالذين يزعمون أنّ ابن سبأ قد اتّصل بأبي ذر فألقي إليه بعض مقاله يظلمون أنفسهم، ويظلمون أبا ذر ويَرْقون بابن السوداء هذا إلي مكانة ما كان يطمع في أن يرقي إليها. والرواة يقولون: إنّ أبا ذر قال ذات يوم لعثمان بعد رجوعه من الشام إلي المدينة: لا ينبغي لمن أدي ز