ولد في العام الثالث للهجرة، وهو بكرُ الزهراء فاطمة بنت رسول الله سيدة نساء العالمين(سلام الله عليها)، وكان المجتبى الحسن (سلام الله عليه) شبيهاً بجده النبي محمد (صلى الله عليه وآله وسلم)، حيث سماه النبيُّ وعَقَّ عنه يومَ سابعه.
وروى أصحاب رسول الله رواياتٍ عدة تظهر مدى تعلقه (صلى الله عليه وآله وسلم) بالحسن، إذ كان يقول دائماً :" اللهم إني أحبه فأحبه، وأحِبَّ من يحبه".
وجاء في"ذخائر العقبى" لمحبّ الدين الطبريّ عن أسماء بنت عُمَيس قولها: "أقبلتُ فاطمةَ (عليها السّلام) بالحسن فجاء النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) فقال: "يا أسماء هَلُمّي ابني"، قالت أسماء: "فدفعتُه إليه في خِرقة صفراء"، فألقاها عنه قائلاً: "ألَم أعهَد إليكُنّ ألاّ تَلفُّوا مولوداً بخِرقةٍ صفراء؟!"، فلَفَفتُه بخرقة بيضاء، فأخذه وأذّن في أُذُنه اليمنى وأقام في اليسرى، ثمّ قال للإمام عليٍّ (عليه السلام): "ما سَمّيتَ ابني؟"، قال: ما كنتُ لأسبِقَكَ بذلك، قال: ولا أنا سابق ربّي".
فهبط جبريل (عليه السلام) فقال: "يا محمّد، إنّ ربّك يُقرئك السّلام ويقول لك: عليٌّ منك بمنزلة هارون من موسى لكنْ لا نبيَّ بعدك، فسَمِّ ابنَك هذا باسم وَلَد هارون"، فقال: وما كانَ اسمُ ابنِ هارونَ يا جبريل؟ قال: شبّر، فقال (صلّى الله عليه وآله وسلّم): إنّ لساني عربيّ، فقال: سمِّهِ الحَسَن، ففعل".
مکانة الامام الحسن (ع) لدی خاتم المرسلین
لقد خصّ الرسول الأعظم حفيديه الحسن والحسين (عليها السلام) بأوصاف تنبئ عن عظيم منزلتهما لديه ، فهما : أ ـ ريحانتاه من الدنيا وريحانتاه من هذه الاُمّة1. ب ـ وهما خير أهل الأرض2 . ج ـ وهما سيّدا شباب أهل الجنة3. د ـ وهما إمامان قاما أو قعدا4 . ه ـ وهما من العترة (أهل البيت) التي لا تفترق عن القرآن الي يوم القيامة، ولن تضلّ اُ مّةٌ تمسّكت بهما5. و ـ وهما من أهل البيت الذين يضمنون لراكبي سفينتهم النجاة من الغرق6. ز ـ وهما ممّن قال عنهم جدّهم: «النجوم أمان لأهل الأرض من الغرق، وأهل بيتي أمان لأهل الأرض من الاختلاف»7. ح ـ وقد استفاض الحديث عن مجموعةٍ من أصحاب الرسول (صلي اللّه عليه وآله وسلم) أنّهم قد سمعوا مقالته فيما يخصّ الحسنين : «اللهمّ إنّك تعلم أنّي أُحبُّهما فأحبَّهما، وأحبّ من يحبّهما»8 . وعن سلمان أنّه سمع رسول اللّه (صلي اللّه عليه وآله وسلم) يقول : «الحسن والحسين ابناي، من أحبّهما أحبّني، ومن أحبّني أحبّه اللّه، ومن أحبّه اللّه أدخله الجنّة ، ومن أبغضهما أبغضني ومن أبغضني أبغضه اللّه ، ومن أبغضه اللّه أدخله النار»9. ط ـ وعن أنس : أنّ رسول اللّه سئِل أيّ أهل بيتك أحبّ إليك؟ قال : «الحسن والحسين» وكان يقول لفاطمة: «اُدعي ليَ إبنيَ» فيشمّهما ويضمّهما إليه !10 .
من فضائل الامام المجتبی(ع)
عبادته
أ ـ روي المفضّل عن الإمام جعفر بن محمّد الصادق (عليه السلام) عن أبيه عن جدّه : «إنّ الحسن بن علي بن أبي طالب كان أعبد الناس في زمانه، وأزهدهم وأفضلهم ، وكان إذا حجّ حجّ ماشياً ، وربّما مشي حافياً ، وكان إذا ذكر الموت بكي ، وإذا ذكر القبر بكي، وإذا ذكر البعث والنشور بكي ، وإذا ذكر الممرّ علي الصراط بكي ، وإذا ذكر العرض علي اللّه ـ تعالي ذكره ـ شهق شهقةً يغشي عليه منها . وكان إذا قام في صلاته ترتعد فرائصه بين يدي ربّه عزّوجلّ ، وكان إذا ذكر الجنة والنار اضطرب اضطراب السليم11 وسأل اللّه الجنّة وتعوّذ به من النار ، وكان لا يقرأ من كتاب اللّه عزّوجل (يا أيّها الذين آمنوا) إلاّ قال : لبيّك اللهمّ لبيّك ، ولم يُرَ في شيءٍ من أحواله إلاّ ذاكراً للّه سبحانه ، وكان أصدق الناس لهجةً وأفصحهم منطقاً ...»12. ب ـ وكان (عليه السلام) إذا توضّأ؛ ارتعدت مفاصله واصفرّ لونه، فقيل له في ذلك فقال : «حقٌ علي كلّ من وقف بين يدي ربّ العرش أن يصفرّ لونه وترتعد مفاصله». ج ـ وكان إذا بلغ باب المسجد رفع رأسه ويقول : «ضيفك ببابك ، يا محسن قد أتاك المسيء، فتجاوز عن قبيح ما عندي بجميل ما عندك يا كريم». د ـ وكان إذا فرغ من الفجر لم يتكلّم حتي تطلع الشمس وإن زحزح . ه ـ وعن الإمام محمّد بن علي الباقر (عليه السلام) : «أنّ الحسن (عليه السلام) قال : إنّي لأستحي من ربّي أن ألقاه ولم أمشِ الي بيته ، فمشي عشرين مرّة من المدينة علي رجليه».
حلمه و عفوه
لقد عُرف الإمام الحسن المجتبي (عليه السلام) بعظيم حلمه، وأدلّ دليل علي ذلك هو تحمّله لتوابع صلحه مع معاوية الذي نازع عليّاً حقّه وتسلّق من خلال ذلك الي منصب الحكم بالباطل، وتحمّل (عليه السلام) بعد الصلح أشد أنواع التأنيب من خيرة أصحابه، فكان يواجههم بعفوه وأناته، ويتحمّل منهم أنواع الجفاء في ذات اللّه صابراً محتسباً . وذُكر أنّ مروان بن الحكم شتم الحسن بن عليّ (عليه السلام)، فلمّا فرغ قال الحسن : إنّي واللّه لا أمحو عنك شيئاً، ولكن مهّدك اللّه ، فلئن كنت صادقاً فجزاك اللّه بصدقك ، ولئن كنت كاذباً فجزاك اللّه بكذبك، واللّه أشدّ نقمةً منِّي . وروي أنّ غلاماً له (عليه السلام) جني جنايةً توجب العقاب، فأمر به أن يُضرب، فقال : يا مولاي (الْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ)13، قال : عفوت عنك، قال : يا مولاي (وَاللّهُ يُحِبُّ الْمُـحْسِنِينَ)14، قال : أنت حرٌ لوجه اللّه ولك ضعف ما كنت أعطيك15. وروي المبرّد وابن عائشة: أنّ شاميّاً رآه راكباً فجعل يلعنه والحسن لا يردّ، فلما فرغ أقبل الحسن (عليه السلام) فسلّم عليه وضحك، فقال : «أيها الشيخ! أظنّك غريباً؟ ولعلّك شبّهت، فلو استعتبتنا أعتبناك، ولو سألتنا أعطيناك، ولو استرشدتنا أرشدناك، ولو استحملتنا حملناك ، وإن كنت جائعاً أشبعناك، وإن كنت عرياناً كسَوْناك، وإن كنت محتاجاً أغنيناك، وإن كنت طريداً آويناك ، وإن كان لك حاجة قضيناها لك ، فلو حرّكت رحلك إلينا وكنت ضيفنا الي وقت ارتحالك كان أعود عليك، لأنّ لنا موضعاً رحباً وجاهاً عريضاً ومالاً كثيراً» . فلمّا سمع الرجل كلامه بكي، ثم قال : أشهد أنّك خليفة اللّه في أرضه، واللّه أعلم حيث يجعل رسالته، وكنت أنت وأبوك أبغض خلق اللّه إليّ، والآن أنت أحبّ خلق اللّه إليّ ...16
کرمه و جوده
إنّ السخاء الحقيقي هو بذل الخير بداعي الخير، وبذل الإحسان بداعي الإحسان، وقد تجلّت هذه الصفة الرفيعة بأجلي مظاهرها وأسمي معانيها في الإمام أبي محمّد الحسن المجتبي (عليه السلام) حتي لُقّب بكريم أهل البيت . فقد كان لا يعرف للمال قيمةً سوي ما يردّ به جوع جائع، أو يكسو به عارياً، أو يغيث به ملهوفاً، أو يفي به دَين غارمٍ ، وقد كانت له جفان واسعة أعدّها للضيوف، ويقال: إنّه ما قال لسائلٍ «لا» قَطّ. وقال الشبلنجي في نور الأبصار عند ذكره لمناقب الإمام الحسن (عليهما السلام) أنّه سُئل: لأيّ شيء لا نراك تردّ سائلاً ؟ فأجاب : «إنّي للّه سائل وفيه راغب، وأنا أستحي أن أكون سائلاً وأردّ سائلاً ، وإنّ اللّه عوّدني عادةً أن يفيض نعمه عليَّ ، وعوّدته أن أفيض نعمه علي الناس، فأخشي إن قطعت العادة أن يمنعني العادة؛ وأنشأ يقول: إذا ما أتأني سائل قلتُ مرحبا بمن فضله فرض عليَّ معجل و من فضله فضل علي كلِّ فاضل و أفضل أيام الفتي حين يسأل17 واجتاز (عليه السلام) يوماً علي غلام أسود بين يديه رغيف يأكل منه لقمة ويدفع لكلب كان عنده لقمة اُخري ، فقال له الإمام : ما حملك علي ذلك؟ فقال الغلام : إنّي لأستحي أن آكل ولا اُطعمه . وهنا رأي الإمام فيه خصلة حميدة، فأحبّ أن يجازيه علي جميل صنعه، فقال له : لا تبرح من مكانك، ثم انطلق فاشتراه من مولاه، واشتري الحائط (البستان) الذي هو فيه، وأعتقه وملّكه إيّاه18.
تواضعه و زهده
إنّ التواضع دليل علي كمال النفس وسموّها وشرفها ، والتواضع لا يزيد العبد إلاّ رفعةً وعظمةً، وقد حذا الإمام الحسن (عل