1ـ معني الرجعة
تعني الرجعة ـ كما هي في اعتقاد الإمامیة ـ أن الله سبحانه و تعالی سیعید قوما من الأموات الی الدنیا في صورهم التي كانوا علیها، و أن هؤلاء علی قسمین : من محض الإیمان محضاً في حیاته الأولی ، و من كان قد محض الكفر، محضاً فیها، ثم یدیل الله سبحانه و تعالی المحقین من المبطلین ، و المظلومین، من الظالمین، و أن ذلك سیحدث لدی قیام الإمام المهدي (ع)، ثم یصیرون بعد ذلك الی الموت.
و هناك من فسّر الرجعة بأنها تعني رجعة الحق الی نصابه و ذلك علی ید المهدي(عج).
و أن الأمر لا یشتمل علی إحیاء الموتی و عودة الاشخاص الی الدنیا من جدید.
و الرأي الأوّل هو الشائع بین جمهور الإمامیة أخذاً بما جاء عن آل البیت (ع) و لا سیّما منذ عهد الشیخ الصدوق و الشیخ المفید و السید المرتضی و الشیخ الطوسي و حتی العلّامة المجلسي و الحر العاملي، الی الفقهاء والعلماء المعاصرین.
2ـ رتبة الاعتقاد بها
من الواضح أن العقیدة الإسلامیة لها أصول و أسس متفق علیها، و فیها فروع و امتدادات قد یظهر الخلاف فیها من جهة من الجهات ، و الرجعة لیست من تلك الأصول التي لا یسوغ الخلاف فیها،و قد أجاد الشیخ محمد الحسین آل كاشف الغطاء حیث كتب، یقول : « لیس التدین بالرجعة في مذهب التشیع بلازم، و لا إنكاره بضار، و إن كانت ضروریة عندهم ، و لكن لا یناط التشیع بها وجوداً و عدماً ،و لیست هي إلا كبعض أشراط الساعة ؛ مثل نزول عیسی(ع) من السماء ، و ظهور الدجال، و خروج السفیاني ، و أمثالها من القضایا الشائعة عند المسلمین...»(1) و الرجعة بهذا المعنی تعد جانباً من الجوانب المكمّلة لفكرة المهدویة في الإسلام؛ و لذا تراهما یشتركان في مضمون واحد، هو انتظار العدالة و اندحار الباطل عند المطاف الأخیرمن التاریخ، بما یشیر الی أن النظام الدنیوي بیسیر باتجاه الحق ، و إذا كانت الأدیان السماویة قد آمنت بعودة بعض الأنبیاء، و اشترك المسلمون سنّة و شیعة من خلال اعتقادهم بأصل الفكرة المهدویة بذلك، فلا مانع من الإیمان بالرجعة كجانب تأكیدي علی ذلك الأصل و امتدادتفصیلي له، و بُعد بیاني شارح له.
من هنا فإن مفهوم الرجعة قد یأتي تكمیلاً و توسیعاً و تعمیقاً و شرحاً إضافیاً لأصل الفكرة المهدویة، التي آمن بها جمیع المسلمین، فإذا كان الأصل متفقاً علیه بین جمیع المسلمین، فإن التأكید علی هذا الأصل و تعمیقه أكثر من خلال فكرة تفصیلیة إضافیة لها ما یدعمها في الكتاب و السنّة، یعد فضیلة تستحق الاكبار و الاجلال، و مع ذلك هي كما قال السید محسن الأمین العاملي « أمر نقلي، إن صح النقل به لزم اعتقاده، و إلا فلا...»(2).
و من هذا المنطلق الأخیر وجدنا أن بعض علماء الإمامیة أنفسهم، ممّن لم تبلغ لدیهم دلالة نصوص الرجعة المقبولة عندهم حدّ القطع بهذا المعنی المشهور، قد ذهبوا الی تفسیرها علی نحو لا یلزم عودة الحیاة بعد الموت الی فریق من الناس، و إنّما یقف عند إرادة عودة دولة الحق و العدل، و هزیمة الجور و الظلم و الطغیان(3)
3ـ الأدلّة علی ثبوت عقیدة الرجعة
إن عملیة إثبات الرجعة و البرهنة علیها تمرّ بثلاث مراحل هي:
ألف: مرحلة إثبات إمكان الرجعة و عدم استحالتها.
و أفضل ما یثبت إمكانها بلحاظ الواقع هو أن الرجعة نوع من المعاد لا یختلف عنه شیئا، سوی أن الرجعة معاد دنیوي یكون في آخر الزمان لبعض الناس و هم أئمة الإیمان و رؤوس الكفر، و المعاد رجعة أخرویة شاملة لكل البشریة، وكل ما یؤتی به كدلیل علی إمكان المعاد یعدّ بنفسه صالحاً لأن یكون دلیلاً علی إمكان الرجعة و بالتالي فهذه المرحلة ـ و هي المرحلة العقلیةـ من البحث مشبعة بأدلة المعاد نفسها، و هي غنیة بغنی تلك الأدلة.
ب ـ مرحلة إثبات عدم تصادم فكرة الرجعة مع جانب من جوانب العقیدة الإسلامیة، إذ قد تكون الفكرة في نفسها ممكنة بلحاظ الواقع إلا أن الاعتقاد بها یتصادم أو یضعف جانباً معیناً من جوانب العقیدة الإسلامیة، فهل الرجعة مشتملة علی هذا الإثبات من جهتین:
1ـ إن فكرة الرجعة لیست فقط لا تتصادم مع جانب من جوانب العقیدة الإسلامیة، بل إنها تعطي تعمیقاً و تفعیلاً و زخماً أكبر لأصول الدین الخمسة، فهي مظهر یجسد قدرة الله سبحانه و تعالی المطلقة، و عدالة خط النبوات ،و فاعلیة الإمامة ، و واقعیة المعاد لیوم القیامة.
2ـ إن هذه الفكرة لها تطبیقات في الأمم و النبوات السابقة علی الإسلام و قد حكی القرآن الكریم هذه التطبیقات بنحو مؤكد، مما یدلّل بوضوع علی أن فكرة الرجعة لیست أنها لا تتصادم مع العقیدة الإسلامیة فحسب، بل إنها من متطلباتها و مستلزماتها، ذلك أن القرآن الكریم لا یحدّث بما ینافي التوحید، بل لا یأتي إلّا بما یدعم قضیة التوحید و یؤكد علی ما فیه، و الملاحظ للقرآن الكریم یجد أنه لا یكتفي بإشارة عابرة واحدة الی حصول مسألة الرجعة و تحققها في الامم السابقة علی الاسلام، بل یكرر هذه الإشارة بالنحو الذي یفید أنه یرید التأكید علیها، مما یدل علی أن فكرة الرجعة تعود بنفع مؤكد علی التوحید. ففي سورة البقرة نقرأ قوله تعالی: « ألم تر الی الذین خرجوا من دیارهم و هو الوف حذر الموت فقال لهم الله موتوا ثمّ أحیاهم إن الله لذو فضل علی الناس و لكن أكثر الناس لا یشكرون»(4) .
فقد روي المفسرون، و منهم ابن جریر الطبري، عدة روایات عن ابن عباس و وهب بن ممنبه و مجاهد و السدّي و ع طاء أنها في شأن قوم من بني إسرائیل هربوا من طاعون وقع في قریتهم فأماتهم الله و مرّ بهم نبي اسمه « حزقیل» فوقف متفكراً في أمرهم، و كانت قد بلیت أجسادهم، فأوحی الله إلیه، أترید أن أریك فیهم كیف أحییهم؟ فأحیاهم له و روی السیوطي مثل ذلك(5) (.
و نقرأ أیضاً قوله تعالی: « و إذ قلتم یا موسی لن نؤمن لك حتی نری الله جهرة فأخذتكم الصاعقة و أنتم تنظرون، ثم بعثنا كم من بعد موتكم لعلكم تشكرون»(6).و فیها روی المفسرون ـ و منهم الطبري ـ أنهم ماتوا جمیعاً بعد قولهم ذلك و أن موسی لم یزل یناشد ربه عزّوجل یطلب إلیه حتی رد إلیهم أرواحهم(7).
و نقرأ أیضاً قوله تعالی: « أو كالذي مرّ علی قریة و هي خاویة علی عروشها قال أنّی یحیی هذه الله بعد موتها فأماته الله مائة عام ثم بعثه قال كم لبثت قال لبثت یوماً أو بعض یوم قال بل لبثت مائة عام فانظر الی طعامك و شرابك لم یتسنّه و انظر الی حمارك و لنجعلك آیةً للناس و انظر الی العظام كیف ننشزها ثم نكسوها لحماً فلما تبیّن له قال أعلم أنّ الله علی كل شيء قدیر»(8).
و قد ذكر المفسرون ـ و منهم الطبري ـ عددا من الروایات تفید أنه عزیز أو أرمیا مرّ علی بیت المقدس بعد أن خربها نبو خذ نصر، فأراه الله قدرته علی ذلك بضربه المثل له في نفسه بالصورة التي قصتها الآیة(9).
و هناك آیات أخری تثبت وقوع الرجعة بعد الموت إذا شاء الله ذلك في الإنسان و الحیوان، منها الآیات:
« فقلنا اضربوه ببعضها كذلك یحیی الله الموتی و یریكم آیاته لعلّكم تعقلون»(10).