كما عودنا دوماً الإعلام المهرج في المنطقة فان زيارة الملك السعودي عبد الله إلى لبنان برفقة الرئيس السوري بشار الأسد قد وصفت بأنها زيارة تاريخية و لا مثيل لها على مر العصور و الأزمان!
من البديهي القول ان الساحة اللبنانية و منذ عدة عقود كانت و لازالت مسرحاً مفتوحاً للصراعات الإقليمية و الدولية بالرغم من صغر هذا البلد و عدم تأثيره واقعيا على سياسة اي دولة أخرى في حالة تحوله من دولة الأحزاب الى دولة القانون و المؤسسات.
من أمريكا الى إسرائيل الى سوريا الى السعودية و دول أخرى غربیة و عربیة تتصارع هذه الدول و الجهات من اجل مصالحها فقط و ربما الدفاع عن أهدافها و مبادئها و تصفية الحسابات السياسية وحتى العسكرية بين معظم هذه الدول على الساحة اللبنانية الضيقة التي في الواقع ينتفع فيها و منها كافة الأحزاب السياسية وغير السياسية اللبنانية التي تحصل على دعم مالي و مساعدات عسكرية خارجية تفوق حجم و قدرة تلك الأحزاب و الجماعات مئات المرات.
النظام السعودي و منذ عدة أعوام و بالتحديد بعد خروج القوات السورية من لبنان بعد جريمة اغتيال رفيق الحريري استلم الملف اللبناني بشكل مباشر و ظل هذا النظام يعتبر الداعم الأساسي للسنّة و غالبية المسيحيين و الدروز و الطوائف الأخرى لمواجهة قدرة حزب الله السياسية و العسكرية.
و نظراً لان المواقف السعودية تفتقر للدبلوماسية المرنة و الحنكة السياسية فان "الريال السعودي" كان دوما هو الذي يفرض رأيه و يتحكم بالكامل بمواقف و تصريحات القادة اللبنانيين المنبطحين تحت العباءة السعودية.
و في الأعوام السابقة و ربما حتى الان فشلت سياسية " الريال السعودي" بشق ما وصفت بالعلاقة الاستراتيجية بين سوريا و إيران و لم تتمكن الرياض من تغيير موقف دمشق من حزب الله لبنان لان النظام السوري يدرك جيداً ان انصياعه لسياسة "الريال السعودي" سوف يؤدي لتتحول سوريا الى إمارة تابعة للنظام السعودي او مسرحاً للصراعات السياسية الطائفية خاصة وان الرياض تطالب بالمقابل إضعاف النظام السوري طائفياً و سياسياً و عسكرياً و جعله ساحة لنشاط الجماعات الإرهابية او تلك التي تتشدق باسم الدين لارتكاب ابشع الجرائم ضد الإنسانية و قتل الأبرياء والعزل كما يحدث الآن في العراق و أفغانستان حيث تشارك السعودية وأنظمة أخرى بتمويل و دعم الإرهاب المنظم بشكل مباشر و غير مباشر.
و الحقيقة ان شخصيات و اطرافاً في سوريا و دول أخرى رضخت لسياسة "الريال السعودي" و شاركت بتدريب و إرسال المجموعات الإرهابية الى العراق بذريعة مقاتلة المحتلين هناك و إعطاء مبررات على ارض الواقع لحلف الناتو للبقاء مدة أطول في العراق لنهب ثرواته وإذلال شعبه.
من المؤكد ان النظام السعودي الذي يفتقد لاي دور ريادي واقعي في العالمين العربي و الإسلامي و لا يملك في ملفاته و اجندته اي مبادرات واقعية لحل الأزمات خارجة عن نطاق "سياسة الريال السعودي" بادر لاجبار الرئيس السوري للقيام "بأول زيارة يقوم بها رئيس جمهورية سوري للبنان للاعتراف به اولاً كدولة مستقلة و ليس "محافظة سورية" كما كان ينظر إليه و تتعامل معه سوريا في السابق.
و ثانياً لتحقيق مآرب و نوايا عجزت أمريكا و إسرائيل و دول أوروبية من تحقيقها في لبنان من خلال استغلال ملف اغتيال الحريري تحت غطاء دعم الوفاق الوطني في لبنان او بالأصح السعي لكسب الموقف السوري لصالح الأحزاب اللبنانية المؤيدة لسياسة "الريال السعودي" و إضعاف موقف إيران المؤيد والداعم الصريح لحزب الله و الرافض لنزع سلاح هذا الحزب الذي يقول انه لازال في حالة حرب مفتوحة مع إسرائيل.
و ثالثاً ان أمريكا وعبر النظام السعودي ابلغ النظام السوري ان المحكمة الدولية (التي يحركها الغرب كيفما يريد و يشاء) و لأسباب مصلحية غيّرت الاتهام الموجه الى سوريا ليتحدد هذه المرة ضد حزب الله لبنان بشأن اغتيال الحريري، و على سوريا وفقاً للمخطط الأمريكي و المسعى السعودي دفع ثمن تغيير الاتهام الذي كان سيطيح بنظام بشار الأسد او فرض عقوبات شديدة عليه بواسطة مجلس الأمن (الجهة الأخرى الخاضعة لارادة أمريكا).
قد يعترض المدافعون عن سياسة أمريكا و السعودية على التشكيك بـ "نزاهة" مجلس الأمن و المحكمة الدولية خاصة بشأن ملف الحريري.
و نرد عليهم بالقول لماذا اتهم النظام السوري بهذه الجريمة اولاً و لماذا أجبرت سوريا إخراج 60 ألف من قواتها العسكرية و الاستخباراتية من لبنان و لماذا التريث و السكوت كل هذه الأعوام عن كشف جريمة تم تصويرها بالكاميرات، و هوية منفذوها معروفة بالكامل لتلك المحكمة؟.
و الأهم من ذلك لماذا لم توجه المحكمة الدولية او مجلس الأمن اي اتهام او حتى إدانة لفظية و إعلامية لمجرمي حرب و قتلة و جناة ضد الإنسانية مثل الرئيس الأمريكي السابق بوش الابن و قادة حلف الناتو من الذين لم يعتذروا و لا يتأسفون على قصف و قتل مئات او آلاف من الأشخاص الأبرياء يعيشون في قرى محرومة و نائية او يقيمون مراسم عزاء او أعراس في أفغانستان والعراق عن طريق الخطأ!، بعد تصورهم انهم مجموعة خطيرة من الإرهابيين كانوا يحملون البنادق و المدافع بدلاً من العصي و الشموع !
رابعاً ان النظام السعودي لا يمكنه بتاتاً ان يكون طرفاً محادياً او نزيهاً لحل الأزمة في لبنان و لا في اي دولة أخرى نظراً لتاريخ و سياسة هذا النظام المعادية للسلام و للمقاومة و لحقوق الشعوب و الأمم. فهذا النظام هو الذي أوجد و جهز و دعم سراً و علانية تنظيم القاعدة و الجماعات السلفية المتطرفة و أعدها و أرسلها ضمن عشرات آلاف شخصا و بمليارات دولار الى أفغانستان تحت ذريعة مقاتلة الروس و بعدهم الأمريكان ليتحول هذا البلد بعد ذلك الى قاعدة تابعة للناتو بفضل غباء و عمالة زعماء القاعدة و سياسة "الريال السعودي".
و هذا النظام هو الذي خدع و موّل حرب نظام صدام حسين و حرضه ضد إيران و الكويت في إطار المخطط الأمريكي لإضعاف الأمة الإسلامية و قتل الملايين من أبناء الأمتين العربية و الإسلامية و تبرير احتلال المزيد من أراضي و حقول نفط دول المنطقة بواسطة حلف الناتو.
والنظام السعودي و بمشاركة حكام الإمارات أرسل و منذ أعوام خلت المجموعات الإرهابية المنظمة و المدربة الى أمريكا و دول أوروبية للقيام بأحداث 11 سبتمبر و تفجيرات لندن و مدريد و تهديد الغرب لا لشيء سوى تشويه سمعة و صورة العرب و المسلمين و نعتهم بالوحوش و المتخلفين و إعطاء المبررات لإرسال أساطيل الغرب الى المنطقة لنهب نفطها و ثرواتها و فرض سلطة الحذاء العسكري الأمريكي على رقاب الأمتين العربية و الإسلامية.
يا ترى نتساءل و نكرر قول عم الرسول البطل حمزة (رض): «ردها عليّ ان استطعت!»، يا ترى بعد كل هذه الحقائق و الفضائح عن النظام السعودي، هل يمكننا و لو اعلامياً ان نصف زيارة الملك عبد الله بالتاريخية و المصحوبة بالأمن و السلام و الاستقرار، ونعتبرها تدخل في نطاق إيجاد و تعزيز الوفاق الوطني في لبنان؟.
ام ان هذه الزيارة، خطوة تآمرية و خطة خبيثة تدخل في نطاق سياسة توزيع "الريال السعودي" الداعية لبث النفاق و شق الصفوف والتمهيد لحرب طائفية و تنفيذ المخطط الأمريكي ـ الإسرائيلي الداعي لضرب و إضعاف حزب الله و بث بذور الحقد و الكراهية والأفكار الرجعية و الوهابية على الأرض اللبنانية؟ لتنبت فيه بعد أعوام طفيليات الإرهاب و الإجرام المنظم و تنمو في ربوعه الخضراء الأعشاب الضارة للجماعات السلفية و الخوارج عن الأمة الإسلامية على شاكلة جماعة طالبان و تنظيم القاعدة و أذناب و أفخاذ أسرة عبد العزيز المنبوذة عربيا و إسلاميا.