الاعتقاد بظهور المهدي المنتظر في آخر الزمان؛ ممّا اتّفق و أجمع علیه المسلمون ، و في هذا الباب أحادیث صحّت من طرق عدیدة ، بل هي متوافرة.
قال الحافظ الآبري (ت : 363هـ ) : « قد تواترت الأخبار و استفاضت بكثرة رواتها عن المصطفی صلی الله علیه و سلّم ، في المهدي ، و أنّه من أهل بیته ، و أنّه یملك سبع سنین، و یملأ الأرض عدلاً، و أن عیسی علیه الصلاة و السلام یخرج ، فیساعده علی قتل الدّجال ، و أنّه یؤمُّ هذه الأمّة و عیسی خلفه، في طول من قصته و أمره»(1)(1) نقل قوله ابن حجر في « تهذیب التهذیب»: 7/133 ، دار الفكر ـ بیروت.
و حكم الكتاني بتواتر أحادیث الباب ، و حكی القول بالتواتر عن جماعة ، منهم : الحافظ السخاوي ، و محمد بن أحمد السفاریني الخنبلي ، و محمّد بن علي الشوكاني ... و غیرهم (2).(2) نظم المتناثر من الحدیث المتواتر : 228 ـ 229 ، دار الكتب السلفیة ـ مصر.
هذا؛ و أمّا ما صحّ من الأحادیث فكثیر ، نذكر منها:
ما عن أبي سعید الخدري، قال : قال رسول الله صلّی الله علیه و سلم : « لا تقوم الساعة حتّی تمتلیء الأرض ظلماً و عدواناً ، قال : ثمّ یخرج رجل من عترتي أو من أهل بیتي، یملؤها قسطاً و عدلاً ، كما ملئت ظلماً و عدواناً»(3) (3) مسند أحمد: 3/36 ، صحیح ابن حبان :15/236 ، المستدرك علی الصحیحین : 4/557، و غیرها.
و صحّحه الحاكم علی شرط الشیخین ، وافقه الذهبي (4) (4) الستدرك للحاكم و معه تلخیصه للذهبي : 4/557، دار المعرفة ـ بیروت، و قال الألباني: « و هو كما قالا»(5) (5) سلسة الأحادیث الصحیحة : 4/39 ـ 40، حدیث (1529) ، مكتبة المعارف. .
و عن أمّ سلمة ، قالت : « سمعت رسول الله صلّی الله علیه و سلّم یقول : المهدي من عترتي من ولد فاطمة»(6)(6)سننن أبي داود : 2/310، سنن ابن ماجة : 4/154 ، المستدرك علی الصحیحین : 4/557... و غیرها.
قال الألباني : « هذا سند جیّد ، رجاله كلهم ثقات ، وله شواهد كثیرة»(7) (7) سلسلة الأحادیث الضعیفة : 1/181، مكتبة المعارف. و قد جاء به هنا رداً علی الحدیث الموضوع « المهدي من ولد العباس عمي».
و قال محقّق « سیر أعلام النبلاء » : « سنده جیّد»(8) (8) سیر أعلام النبلاء : 10/663، مؤسسة الرسالة ـ بیروت.
قال الشیخ الألباني، بعد أن ذكر تصحیح الترمذي ، و الذهبي، و الحاكم ، و ابن حبان، و ابن تیمیة ، ما نصّه : « فهؤلاء خمسة من كبار أئمة الحدیث قد صحّحوا أحادیث خروج المهدي ، و معهم أضعافهم من المتقدّمن و المتأخرین ، أذكر أسماء من تیسّر لي منهم:
1ـ أبو داود في « السنن»؛ بسكوته علی أحادیث المهدي.
2ـ العقیلي.
3ـ ابن العربي في « عارضة الأحوذي».
4ـ القرطبي كما « أخبار المهدي » للسیوطي.
5ـ الطیبي كما في « مرقاة المفاتیح» للشیخ القاریء.
6ـ ابن قیم الجوزیة في « المنار المنیف » خلافاً لمن كذب علیه.
7ـ الحافظ ابن حجر في « فتح الباري».
8ـ أبو الحسن الآبري في « مناقب الشافعي » كما في « فتح الباري» .
9ـ الشیخ علي القاريء في « المرقاة».
10ـ السیوطي في « العرف الوردي».
11ـ العلامة المباركفوري في « تحفة الأحوذي».
و غیرهم كثیر و كثیر جداً»(1) (1) سلسلة الأحادیث الصحیحة للألباني : 4/41 ، في تعلیقه علی حدیث (1529)، مكتبة المعارف للنشر و التوزیع.
فتبیّن أنّه لا مجال للریب في ظهور المهدي المنتظر؛ لذلك ارتأینا أن یكون فصلنا هذا مختلفاً عمّا تقدّمه من الفصول ، حیث سنصب الكلام هاهنا علی مسألة ولادته(ع).
فإنّ اعتقاد الشیعة الإمامیة الاثنا عشریة علی أنّ المهدي المنتظر قد ولد ، و هو محمد بن الحسن العسكري (ع) ،و هو حي غائب عن الأبصار ، في حین انقسم علماء أهل السنة إلی فریقین : حیث قال جمٌّ غفیر منهم بنفس ما تقول له الشیعة الإمامیة ، بینما اكتفی فریقٌ آخر بذكر ولادة محمد بن الحسن مع إنكار مهدویته أو السكوت عن ذلك.
و الملاحظ أنّ جلّ من قال بولادة محمد بن الحسن ـ عجّل الله فرجه الشریفـ من المنكرین أو الساكتین عن مهدویته ؛ لم یقل بوفاته ، بل التزم الصمت إزاء ذلك ، ما عدا البعض الذین تكهّنوا بوفاته رجما بالغیب ... و هذا بنفسه یؤكد صحة ما تقول به الشیعة من كونه (ع) حیّا غائباً عن الأنظار.
ثمّ إنّ البعض راح ینكر ولادة محمد بن الحسن ؛ بدعوی أنّ الحسن العسكري مات من غیر عقب!
و هذا الفضل في الواقع ردّ علی هذا الزعم المفتقر إلی الدلیل، و الذي هو مع ذلك یصطدم مع مقتضی الأدلّة و البراهین، و التي تتصدّرها تصریحات و عبارات علماء و أعلام أهل السنّة الصریحة في ولادة ابن الحسن العسكري...
و لأجل أن تكون الرؤیة واضحة ؛ ارتأینا أن نقسّم الأقوال إلی قسمین : یتضمن الأوّل طائفة من أقوال علماء و أعلام أهل السنّة الذاهبین إلی ولادة محمد بن الحسن ، مع كونهم منكرین لمهدویته أو ساكتین عن ذلك ، و یتضمّن الثّاني طائفة من أقوال الذاهبین إلی ولادة محمد بن الحسن ، مع قولهم بكونه المهدي المنتظر وصلوات الله و سلامه علیه.
القسم الأول
من أقوال الذاهبین إلی ولادة محمد بن الحسن (ع) المنكرین لمهدویته أو الساكتین عن ذلك
1ـ ابن الأزرق الفارقي (ت : بعد 577هـ ):
قال : « إنّ الحجّة المذكور ولد تاسع شهر ربیع الأول ، سنة ثمان و خمسین و مائتین ، وقیل ثامن شعبان سنة ست و خمسین ، وهو الأصح...» (1) (1) نقل قوله ابن خلّكان في « وفیات الأعیان » : 4/30 ـ 31 ، دار الكتب العلمیة..
2ـ یاقوت بن عبدالله الحموي الرومي البغدادي (ت : 626هـ ):
قال في سیاق ذكره للإمامین الهادي و العسكري (ع) : « و دُفنا بسامرا ، و قبورهما مشهورة هناك ، و لولدهما المنتظر هناك مشاهد معروفة » (2) (2) معجم البلدان : ج5ـ6، ص 328 ، دار إحیاء التراث العربي.
3ـ ابن الأثیر الجزري (ت: 630 هـ ) :
قال :« و فیها [أي سنة 260 هـ ] توفّي أبو محمد العلوي العسكري ... و هو ومالد محمّد الذي یعتقدونه المنتظر...](1) (1) الكامل