وكالة أهل البيت (ع) للأنباء

المصدر : العالم
الجمعة

١٧ سبتمبر ٢٠١٠

٧:٣٠:٠٠ م
196181

الحكومة العراقية:

شراكة الكيانات.. شراكة مكونات

تكاد تجمع القوى السياسية العراقية على القول بضرورة تشكيل حكومة الشراكة الوطنية. وفي مقابل هذا يكاد ينسحب من التداول القول بتشكيل حكومة اغلبية سياسية.

ترى القوى السياسية الان بان المناخ السياسي العراقي الان لا يسمح بتشكيل حكومة الاغلبية التي تتطلب وجود معارضة سياسية بالمقابل ايضا. ثمة عزوف عن فكرة المعارضة السياسية، بل ان البعض يرى ان بقاء فريق ما في صفوف المعارضة يحمل معنى التهميش السياسي الذي يجاهر الجميع برفضه ايضا.

ماذا تعني حكومة الشراكة؟

هناك معنيان محتملان لهذا المصطلح، هما شراكة المكونات، وشراكة الكيانات. 

شراكة المكونات الاجتماعية

المعنى الاول ان حكومة الشراكة تعني مشاركة كل المكونات الاجتماعية والثقافية بالحكم. واعني بذلك المكونات العرقية اللغوية، مثل العرب والكرد والتركمان والكلدواشوريين، والمكونات الدينية مثل المسلمين والمسيحيين، والمكونات المذهبية مثل الشيعة والسنة.تتضمن هذه الحكومة معنى تمثيل المكونات. وهذا امر مطلوب وضروري في مجتمع تعددي، حيث لا يمكن تحقيق الاستقرار السياسي، ومن ثم الاندماج المجتمعي بدون شعور المكونات بانها موجودة في الحكم، وغير مقصية عنه. مفهوم المواطنة هنا، وهي الاساس في تكوين الهوية الوطنية المشتركة، لا يلغي مفهوم الانتماء الى مكونات عرقية او مذهبية تشكل اساسا في هويات فرعية لا بد من الاعتراف بوجودها وبحقها في حكم نفسها بنفسها، اولا، وبحقها في المشاركة في الحكم على المستوى الوطني. تزداد هذه الضرورة حين يرتفع منسوب الشعور بالانتماء الى الهويات الفرعية بشكل يفوق منسوب الشعور بالانتماء الى الهوية المشتركة. الا ان هذا لا يلغي اهمية العمل من اجل تعميق الشعور الثاني، والانتقال بالدولة الى مفهوم المواطنة، لتكون دولة مواطنين، اكثر من كونها دولة مكونات، مع عدم الغاء حق المكونات بالوجود والتعبير والتمثيل والمشاركة على المستوى الوطني العام. كما لا يلغي هذا حق المكونات بممارسة الادارة الذاتية لشؤونها الداخلية، كما هو حاصل للبريطانيين السكوتلانديين او الويلزيين او الايرلنديين، الذين يشاركون في الحكم على مستويين: المستوى الوطني في حكومة لندن وبرلمانها، والمستوى المحلي، حيث تقوم ادارات وبرلمانات محلية في مناطقهم. 

وتختلف طريقة مشاركة المكونات في الحكومة المركزية، من بلد الى اخر. ففي بلجيكا وسويسرا مثلا، تقوم المشاركة على اساس الديمقراطية التوافقية، رغم اجراء الانتخابات العامة على اساس المواطنة العامة. في حين تجري المشاركة في بريطانيا على اساس الديمقراطية التعددية او المواطنة المجردة، بسبب كون الاحزاب الوطنية المتنافسة احزاباً غير مغلقة ومنفتحة على مختلف المكونات، ما يمكنها من ادعاء تمثيل هذه المكونات على المستوى الوطني بدون الحاجة الى الاخذ بالديمقراطية التوافقية.شراكة المكونات على اساس الديمقراطية التوافقية تساعد على تحقيق نوع من التوازن وازالة المخاوف من خطر التهميش او الاستبعاد او الحرمان.لكنها في نفس الوقت لاتساعد على اقامة حكومة مستقرة، قادرة على التحرك والانجاز بسرعة مناسبة، من جهة، ولا تساعد على تسريع الاندماج المجتمعي، من جهة ثانية. بل على العكس قد تعمق الانقسام المجتمعي الذي يحمل معه خطر الانقسام السياسي، على مستوى الافراد وعلى مستوى الدولة، كما يحصل الان في بلجيكا.اما شراكة المكونات على اساس الديمقراطية التعددية فانها تساعد على تعميق الديمقراطية، وترسيخ مفهوم المواطنة، وتسريع الاندماج المجتمعي، مع قدرتها في نفس الوقت على تحقيق تمثيل المكونات.

لا يتحدث الدستور العراقي صراحة عن مشاركة المكونات. لكنه يتحدث في غير موضع عن التوازن في تشكيلات الدولة بين مكونات الشعب العراقي التي يسمي الكثير منها في سياق العديد من المواد.وفكرة التوازن، اضافة الى عوامل اخرى، ولدت من رحم فكرة التوافق في التشكيلات الحكومية، مع التوضيح بان هذه الفكرة مؤقتة، يجري العمل بها لحين ترسخ مبادئ الديمقراطية، بما في ذلك فكرة المواطنة، ثم تتم العودة الى نظام الديمقراطية التعددية، كما كان يقال في وقتها. وقد انعكس هذا على الموقف الدستوري من منصب رئيس الجمهورية. فرغم ان الدستور يشرع هذا المنصب ويضع له الكثير من المواد، الا انه يعود ويجمد كل هذه المواد في باب الاحكام الانتقالية، لكي يؤسس مجلس الرئاسة الذي سيتعين عليه ان يأخذ قراراته بالاجماع، وليس باغلبية الاصوات، على عكس الطريقة المتبعة في مجلس النواب، دون ان يغفل الاشارة الى ان هذا اجراء مؤقت سيتم بعده العودة الى نظام رئيس الجمهورية بعد الانتخابات الاخيرة. 

شراكة الكيانات السياسية

المعنى الثاني، ان حكومة الشراكة تعني مشاركة كل الكيانات او الاحزاب السياسية او الكتل البرلمانية في الحكومة.

لا ينص الدستور العراقي على وجوب الاخذ بمفهوم شراكة الكيانات السياسية.

على العكس من ذلك، ينص الدستور في المادة 76 على ان الكتلة النيابية الاكثر عددا هي صاحبة الحق الاولي في ترشيح من يتولى منصب رئاسة الوزراء. ويتعين على رئيس الجمهورية ان يكلف هذا المرشح، ابتداء. لكن يتعين على هذا المرشح ان ينجح في تأليف الحكومة خلال 30 يوما، والا فان رئيس الجمهورية سوف يكلف غيره. لا يشترط الدستور في الحالة الثانية ان يكون المرشح من الكتلة النيابية الاكبر. 

بعد ان ينجح المكلف بتشكيل الحكومة يعرض اسماء اعضاء وزارته، والمنهاج الوزاري، على مجلس النواب، ويعد حائزا ثقتها عند الموافقة على الوزراء منفردين والمنهاج الوزاري، بالاغلبية المطلقة. أي نصف اعضاء مجلس النواب زائدا واحد، مايعني 163 عضوا بالنسبة لمجلس النواب الجديد.

هذا هو العرف الدستوري المتبع في الانظمة الديمقراطية، حيث يكون رئيس الحزب الفائز باغلبية اعضاء البرلمان هو رئيس الحكومة حكما.

في الانتخابات الاسرائيلية الاخيرة كان حزب ليفني هو الكتلة الانتخابية الاكبر، وتم تكليفها بتشكيل الحكومة، لكنها فشلت في ذلك خلال المدة الدستورية المتاحة لها، وهي 30 يوما، ما فتح الباب امام تكليف نتينياهو، زعيم الكتلة الثانية الثانية من حيث عدد النواب. 

بعد اعلان نتائج الانتخابات العراقية الاخيرة، نشب خلاف بين السياسيين حول معنى الكتلة النيابية الاكبر. وتصور بعض الناس ان المقصود هو الكتلة التي فازت حازت العدد الاكبر من مقاعد مجلس النواب في الانتخابات. وهذا صحيح. لكن اذا قام نواب فائزون او قوائم انتخابية فائزة اخرى، بتشكيل كتلة برلمانية عن طريق الائتلاف والاندماج، بحيث اصبحت هذه الكتلة هي الكتلة الاكبر صاحبة الحق بترشيح من يتولى المنصب. والدستور لا يمنع من ذلك. وهذا ما ذهبت اليه المحكمة الدستورية، رغم انه لم تكن هناك حاجة لتوجيه السؤال اليها لوضوح المسألة بنص الدستور. فلا شبهة هنا تستدعي اللجوء الى المحكمة لتفسير النص الدستور الواضح.ومع ذلك، فان المنطق السياسي لا يمنع من تصور خيارين امام الكيانات السياسية لتشكيل الحكومة، وهذان الخياران هما: تشكل حكومة الاغلبية السياسية، او حكومة الشراكة السياسية، أي حكومة الائتلاف العريض الذي يضم كل او معظم الكتل السياسية الكبيرة، ولكل من الخيارين حسناته وايجابياته. 

حكومة الاغلبية السياسية

تتولى الكتلة البرلمانية الاكبر، او الحزب الفائز الاكبر في الانتخابات التشريعية تشكيل الحكومة. وعادة ما ينفرد الحزب الفائز بتشكيل الحكومة، كما هو الحال في نظام الحزبين، كما هو جار في بريطانيا والولايات المتحدة وغيرهما من الدول الديمقراطية. وقد يعمد حزبان او اكثر الى الائتلاف لتشكيل حكومة اغلبية سياسية، حينما يفشل أي حزب، بمفرده، بالفوز باغلبية مقاعد البرلمان. كما حصل مؤخرا في بريطانيا. 

واذا كانت الاغلبية السياسية هي التي تشكل الحكومة، فان الاقلية السياسية تشكل المعارضة. وفي بعض الدول يتم اعطاء المعارضة وضعاً دستورياً متميزاً، كما هو الحال في بريطانيا حيث تشكل الاقلية المعارضة حكومة الظل.

وكثيرا ما يستشير رئيس حكومة الاغلبية المعارضة، بشخص زعيمها، في الامور الوطنية المهمة. ما يعني ان الجلوس في مقاعد المعارضة لا يعني عدم القدرة على التأثير بالقرار الوطني، تنفيذيا او تشريعيا. 

لا تشير كلمة الاغلبية الى مكون عرقي او مذهبي او ديني معين، فلسنا هنا نتحدث عن اغلبية دينية او قومية او مذهبية، انما المقصود هو الاغلبية السياسية، القائمة على اساس رؤية سياسية او برنامج سياسي يوحد المؤمنين به بكيان سياسي عابر للتخوم العرقية او المذهبية او الدينية. وتتطلب هذه الحالة، في حالتها الافضل، وجود احزاب سياسية او كتل برلمانية عابرة للخطوط المذهبية او العرقية او الدينية.

الايجابية الاولى لهذه الطريقة في تشكيل الحكومة انها تعمق المضمون الديمقراطي لنظام الحكم، وتجعله محكوما بالارقام التي تفرزها الانتخابات. كما انها تمهد لبروز معارضة برلمانية قوية تملك القدرة على محاسبة الحكومة، الامر الذي يجعل الاخيرة اكثر حرصا في تصرفاتها.وتتمثل اهم سلبيات هذه الطريقة في احتمال بقاء فريق سياسي لفترة طويلة خارج الحكم، كما حصل لحزب الاحرار الديمقراطيين في بريطانيا، الذي لم تتح له المشاركة في الحكم لعدة قرون. وتتعاظم هذه السلبية اذا كان الحزب المقصود يمثل اقلية دينية او عرقية او مذهبية، ما يعني حرمان هذه الاقلية من المشاركة في الحكم. ويمكن معالجة هذه السلبية بعدة طرق، اسهلها اشتراط ان تكون الحكومات ممثلة لمثل هذه الاقليات، او الحرص على عدم قيام احزاب اقليات تؤدي الى الحاق الضرر بالاقلية التي تتنسب اليها، او غير ذلك من الطرق التي لن يعجز الفكر السياسي العملي عن التوصل اليها لحماية حقوق الاقليات العرقية او الدينية او المذهبية في المجتمع من المشاركة السياسية. لا يبدو ان الكتل السياسية العراقية جاهزة الان على الاخذ بهذه الطريقة، لثلاثة اسباب على الاقل: الاول لخوفها من الاقصاء والتهميش؛ والثاني، حرصها على الحصول على ما يوفره الاشتراك في الحكم من مكاسب؛ والثالث، عدم ايمانها بجدوى واهمية المعارضة في النظام السياسي الديمقراطي. 

حكومة الشراكة الجماعية

يعني هذا الخيار تشكيل حكومة الائتلاف الواسع والعريض الذي يضم كل الكيانات السياسية او الكتل البرلمانية. وهذا هو نفس النموذج الذي اعتمدته النخبة السياسية بعد انتخابات عام 2005. وهذا يعني انه لاجديد في مضمون مصطلح الشراكة السياسية يضاف الى مضمون مصطلح حكومة الوحدة الوطنية في ذلك العام. غاية ما في الامر، ان النخبة السياسية قررت عدم استخدام مصطلح حكومة الوحدة الوطنية، مدفوعة شعوريا او لا شعوريا، بالفشل الذي اصاب مفهوم حكومة الوحدة الوطنية، التي بقيت خاصة في السنتين الاوليتين من عمرها من دون انجاز حقيقي على المستوى الامني والسياسي والاقتصادي والخدمي. وكانت حكومة تمزقها الخلافات وشلت عملها المحاصصة السياسية. بل ادت الى شلل البرلمان الذي فقد القدرة الحقيقية على المراقبة والمحاسبة بسبب الحصانة السياسية التي تمتع بها وزراء الاحزاب، وهي حصانة غير دستورية، على حساب الحصانة الدستورية التي يتمتع بها النواب. 

تؤدي حكومة الشر