ولادة الامام علي (ع)وُلد الإمام علي ( عليه السلام ) في يوم الجمعة الثالث عشر من شهر رجب المبارك ، قَبل البعثة النبوية باثْنَتَي عشرة سنة ، في بيت الله الحرام ( الكعبة ) بمكّة المكرّمة . عن يزيد بن قعنب قال : كنتُ جالساً مع العباس بن عبد المطّلب ( رضوان الله عليه ) ، وفريق من بني عبد العزى بازاء بيت الله الحرام ، إذْ أقبلَتْ فاطمة بنت أسد أُمّ أمير المؤمنين ( عليه السلام ) ، وكانت حاملاً به لتسعة أشهر ، وقد أخذها الطلق فقالت : يا رَبِّ ، إنِّي مؤمنة بك ، وبما جاء من عندك من رسل وكتب ، وإنِّي مصدِّقة بكلام جدِّي إبراهيم الخليل ، وأنَّه بنى البيت العتيق ، فبحقِّ الذي بَنَى هذا البيت ، والمولود الذي في بَطْني ، إلاّ ما يسَّرتَ عليَّ ولادتي . قال يزيد بن قعنب : فرأيت البيت قد انشقَّ عن ظهره ، ودخلت فاطمة فيه وغابت عن أبصارنا ، وعاد إلى حاله ، فرمنا أن ينفتح لنا الباب فلم ينفتح ، فعلمنا أنَّ ذلك من أمر الله تعالى . ثمَّ خرجت في اليوم الرابع وعلى يدها أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ( عليه السلام ) . وهذه الحادثة ذكرها علماء المسلمين ومؤرِّخِيهم في كتبهم ، ومِمَّا ينبغي ذكره هنا أنَّ الفضل والكرامة التي نالها الإمام علي ( عليه السلام ) بولادته في جوف الكعبة لم يَنَلْه أحد في تاريخ الإنسانية على الإطلاق . وهكذا كان الإمام علي ( عليه السلام ) أوّل مولود ولد في الكعبة المشرِّفة ، ولم يولد فيها بعده سواه ، تعظيماً لَه من اللهِ سبحانه وإجلالاً .
جده الکریمعبدالمطّلب شيبة الحمد، وكنيته أبو الحرث، وعنده يجتمع نسبه بنسب النبيّ (صلي اللّه عليه وآله وسلم)وكان مؤمناً باللّه تعالي، كما كان يعلم بأنّ محمداً سيكون نبيّاً1. ولمّا حضرت عبدالمطلب الوفاة دعا ابنه أبا طالب، فقال له: يا بني! قد علمت شدّة حبّي لمحمّد (صلي اللّه عليه وآله وسلم) ووجدي به أُنظُر كيف تحفظني فيه؟.. قال أبو طالب: يا أبه! لا توصني بمحمّد فإنّه ابني وابن أخي2.
والده (مؤمن قریش)اسمه عبد مناف، وقيل: عمران3، وقيل: شيبة، وكنيته أبو طالب، وهو أخو عبداللّه والد النبيّ (صلي اللّه عليه وآله وسلم) لاُ مّه وأبيه. ولد أبو طالب بمكّة قبل ولادة النبيّ (صلي اللّه عليه وآله وسلم) بخمس وثلاثين سنة، وانتهت إليه بعد أبيه عبدالمطلب الزعامة المطلقة لقريش ، وكان يروي الماء لوفود مكّة كافّة لأنّ السقاية كانت له، ورفض عبادة الأصنام فوحّد اللّه سبحانه، ومنع نكاح المحارم وقتل الموؤدة والزنا وشرب الخمر وطواف العراة في بيت اللّه الحرام. ولمّا توفّي عبدالمطلب؛ تكفّل أبو طالب رعاية رسول اللّه (صلي اللّه عليه وآله وسلم) فكان أبو طالب يحبّه حبّاً شديداً لا يحبّه ولده، وكان لا ينام إلاّ إلي جنبه، ويخرج فيخرج معه، وكان يخصّه بالطعام دون أولاده4. وروي أنّ أبا طالب دعا بني عبدالمطلب فقال: لن تزالوا بخير ما سمعتم من محمّد (صلي اللّه عليه وآله وسلم) وما اتّبعتم أمره، فاتّبعوه وأعينوه ترشدوا. وما زالت قريش كافّة عن رسول اللّه (صلي اللّه عليه وآله وسلم) حتي مات أبو طالب (عليه السلام)5. توفّي أبو طالب (عليه السلام) قبل الهجرة بثلاث سنين وبعد خروج بني هاشم مع النبيّ (صلي اللّه عليه وآله وسلم) من الشِعب وعمره بضع وثمانون سنة6، وكان للنبي (صلي اللّه عليه وآله وسلم) تعلّق شديد بأبي طالب (عليه السلام)، فقد عاش في كنفه (43) عاماً منذ الثامنة من عمره الشريف حينما توفّي جدّه عبدالمطلب.. وقد ثبت أنّ أبا طالب كان موحّداً مؤمناً باللّه ومعتقداً بالإسلام أرسخ الاعتقاد، وبقي علي حاله هذه حتي وافاه الأجل، وإنّما أخفي إيمانه ليتمكّن من حماية رسول اللّه(صلي اللّه عليه وآله وسلم) أن يكون له شأن واتّصال مع كفّار مكّة، ليطّلع علي مكائدهم ومؤامراتهم، فكان يعيش حالة التقيّة، وكان مثله كأصحاب الكهف في قومهم، وهو ممّن آتاهم اللّه أجرهم مرّتين لإيمانه وتقيّته7.
ويمكن تقسم حيات الإمام إلى مراحل خمسة: 1- من الولادة إلى البعثة: حيث تكفله النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وعمره خمس سنوات فنشأ في حجره وتربى على يديه، حتى شاركه في عبادته قبل البعثة. 2- من البعثة إلى الهجرة: أول من أسلم بالنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) هو الإمام علي (عليه السلام) وكان عمره الشريف عشر سنين، وشاركه في تحمل أعباء الرسالة والدفاع عنها سرّاً وعلانية لمدة ثلاثة عشر عاماً في مكة، وكان يكتب له الوحي وبات على فراشه ليلة الهجرة مضحياً في سبيل النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ورسالته. 3- من الهجرة إلى وفاة الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم): شارك في جميع الغزوات خلال عشر سنوات عدا تبوك، حتى قيل أن الإسلام إنما قام بسيف علي وأموال خديجة ودفاع أبي طالب، وظهرت منه بطولات خارقة في جميع هذه المعارك الجهادية، حتى قال الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) في حقه يوم الخندق: "ضربة علي يوم الخندق تعدل عبادة الثقلين إلى يوم القيامة"، وكان الرسول يؤكد على خلافته من بعده منذ يوم الدار في بداية البعثة حتى وفاته وتوّجها ببيعة الغدير. 4- من وفاة الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) حتى خلافته: استمر في هذه المرحلة خمس وعشرين عاماً، اختار فيها الإمام الصبر السكوت حفظاً للإسلام والمسلمين، حيث اغتصب حقه في الخلافة وتعرض للكثير من الأذى والحيف، ومع استنكاره لمواقف المغتصبين لحقه في أحاديثه وخطبه لم يقصّر عن بذل الجهود لما فيه مصلحة الإسلام والمسلمين مع مواصلة لنشاطه العلمي، ونشر التعاليم الإسلامية وتربية مجموعة من المؤمنين على العلم والإسلام الأصيل. 5- من الخلافة حتى الشهادة: وفي المرحلة التي استمرت ما يقرب من خمس سنين حيث تولى الخلافة بعد أن بايعه المسلمون، وقد حكم بالعدل وتطبيق سنة الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) والإسلام الأصيل، مما أسخط ذوي الأطماع الذين لم توافق حياتهم ومتطلباتهم عدالة علي وتطبيق الإسلام الأصيل ولذلك حدثت المعارك الثلاث التي قام بها الناكثون، والقاسطون، والمارقون، فسميت هذه المعارك بالجمل وصفين والنهروان. وأخيراً استشهد الإمام في سبيل العدالة والإسلام الأصيل في محراب صلاته في مسجد الكوفة بيد أحد المارقين (الخوارج) في ليلة التاسع عشر من رمضان 40 هجري، وتوفي ليلة الواحد والعشرين منه.
علي (ع) یبلّغ سورة البراءةاستمرّ رسول اللّه (صلي اللّه عليه وآله وسلم) بتبليغ رسالته المباركة وأخذ ينشر الإسلام في ربوع الجزيرة العربية، وفي ذات الوقت كان يطارد فلول الشرك عسكرياً حتي أشرفت السنة التاسعة للهجرة علي نهايتها، فأصبح للإسلام كيان سياسي مستقلّ واُمّة تسودها علاقات متينة وأرض مترامية الأطراف وحدود منيعة، ولم يعد لقوي الشرك وجود خطير، فكان لابدّ من تصفيتهم، ونزلت علي رسول اللّه (صلي اللّه عليه وآله وسلم) سورة «براءة» وفيها التشريعات الّتي تحدّد موقفه من المشركين والعهود والأحلاف الّتي كان قد أبرمها معهم. وكان أفضل مكان لإعلان هذا القرار وقراءة هذا البيان الرسمي الإلهي هو البيت الحرام، وأفضل وقت له هو اليوم العاشر من ذي الحجّة حيث يجتمع المشركون من أطراف الجزيرة، فأرسل النبيّ (صلي اللّه عليه وآله وسلم) أبا بكر ليحجّ بالناس ويبلّغ سورة «براءة»، ولمّا انتهي إلي «ذي الحُلَيفة» وهو المكان المعروف اليوم بمسجد الشجرة، وإذا بالوحي ينزل علي النبيّ (صلي اللّه عليه وآله وسلم) ويأمره أن يرسل مكانه عليّ بن أبي طالب (عليه السلام)، فأرسل النبيّ عليّاً وأمره أن يأخذ الآيات من أبي بكر ويبلّغها بنفسه، فمضي نحو مكّة وهو علي ناقة النبيّ (صلي اللّه عليه وآله وسلم) حتي التحق بأبي بكر، فلمّا سمع رغاء الناقة عرفها فخرج فزعاً وهو يظنّه رسول اللّه (صلي اللّه عليه وآله وسلم) وإذا هو عليّ، فأخذ منه الآيات ورجع أبو بكر إلي المدينة خائفاً أن يكون قد نزل فيه ما أغضب النبيّ (صلي اللّه عليه وآله وسلم)، فقال: يا رسول اللّه! أَنزل فيَّ شيءٌ؟ فقال النبيّ (صلي اللّه عليه وآله وسلم): «لا، ولكنّي اُمرت أن اُبلّغها أنا أو رجل منّي». وانطلق عليّ (عليه السلام) في طريقه حتي بلغ مكّة، وعندما اجتمع الناس لأداء مناسكهم؛ قرأ عليهم الآيات الاُولي من السورة، ونادي في الناس: لايدخل مكّة مشرك بعد عامه هذا، ولا يطوف بالبيت عريان، ومن كان بينه وبين رسول اللّه عهد فعهده إلي مدّته8.
علي أول المؤمنینإنّ عليّ بن أبي طالب (عليه السلام) الذي تربّي في حِجر الرسول الطاهر الموحِّد لم يسجد لصنم قطّ، ولم يُشرك باللّه طرفة عين. وعندما نزل الوحي علي رسول اللّه الأمين (صلي اللّه عليه وآله وسلم) كان عليّ (عليه السلام) إلي جانبه، وكان أوّل من صدع بالإيمان برسالته (صلي اللّه عليه وآله وسلم) وقد شهدت بذلك عامّة مصادر التاريخ عند المسلمين. وقال أنس بن مالك: اُنزلت النبوّة علي رسول اللّه (صلي اللّه عليه وآله وسلم) يوم الإثنين وصلّي عليّ يوم الثلاثاء9. كما روي عن سلمان الفارسي أَنّه قال: أوّل هذه الاُمّة وروداً علي نبيّها (صلي اللّه عليه وآله وسلم) الحوض، أوّلها إسلاماً عليّ بن أبي طالب (عليه السلام)10. وعن العبّاس بن عبدالمطلب أنّه سمع عمر بن الخطاب وهو يقول: كفّوا عن ذكر عليّ بن أبي طالب إلاّ بخير، فإنّي سمعت رسول اللّه (صلي اللّه عليه وآله وسلم) يقول: «في عليّ ثلاث خصال، وددت أنّ لي واحدةً منهنّ، كلّ واحدة منهنّ أحبّ إليّ ممّا طلعت عليه الشمس»، وذلك أنّي كنت أنا وأبو بكر وأبو عبيدة بن الجرّاح ونفر من أصحاب رسول اللّه (صلي اللّه عليه وآله وسلم) إذ ضرب النبي علي كتف عليّ بن أبي طالب وقال: «يا عليّ، أنت أوّل المسلمين إسلاماً، وأنت أول المؤمنين إيماناً، وأنت منّي بمنزلة هارون من موسي، كذب من زعم أنّه يحبّني وهو مبغضك»11. وإذ اتّفق المؤرّخون علي أنّ أمير المؤمنين (عليه السلام) أوّل الناس إسلاماً12.
علي (ع) في حجة الوداع