وكالة أهل البيت (ع) للأنباء

المصدر : خاص ابنا
الثلاثاء

١٧ أغسطس ٢٠١٠

٧:٣٠:٠٠ م
192255

بمناسبة ذکری شهادته (ع)

سیرة الامام علي الهادي(علیهم السلام)

نسبه الشریف

هو أبو الحسن عليّ بن محمّد الجواد بن عليّ الرضا بن موسي الكاظم بن جعفر الصادق بن محمّد الباقر بن عليّ زين العابدين بن الحسين السبط بن عليّ بن أبي طالب (عليهم السلام) وهو العاشر من أئمة أهل البيت (عليهم السلام) . اُمّه أُمّ ولد يقال لها سمانة المغربية1 وعرفت باُمّ الفضل2.

 

ولادته و نشأته

ولد (عليه السلام) للنصف من ذي الحجّة أو ثاني رجب سنة اثنتي عشرة أو أربع عشرة ومائتين3. وكانت ولادته (عليه السلام) في قرية (صريا) التي تبعد عن المدينة ثلاثة أميال4.

 

کنیته و ألقابه

يكنّي الإمام (عليه السلام) بأبي الحسن ، وتمييزاً له عن الإمامين الكاظم والرضا (عليهما السلام) يقال له أبو الحسن الثالث . أمّا ألقابه فهي : الهادي ، والنقيّ وهما أشهر ألقابه، والمرتضي ، والفتّاح والناصح ، والمتوكل، وقد منع شيعته من أن ينادوه به لأنّ الخليفة العبّاسي كان يُلقّب به5. وفي المناقب ذكر الألقاب التالية : النجيب ، الهادي ، المرتضي ، النقي ، العالم ، الفقيه ، الأمين ، المؤتَمن ، الطيب ، العسكري، وقد عرف هو وابنه بالعسكريين (عليهما السلام)6.

 

مراحل حیاة الامام الهادي(ع)

يمكن تقسيم حياة الإمام الهادي (عليه السلام) التي ناهزت الأربعين سنة إلي مراحل متعددة بلحاظ طبيعة مواقفه وطبيعة الظروف التي كانت تحيط به . غير أنّ التقسيم الثنائي يتواءم والمنهج الذي اتّبعناه في دراسة حياة الأئمة (عليهم السلام) ، والذي يرتكز علي تنوّع مسؤولياتهم وأدوارهم بحسب الظروف والملابسات السياسية والاجتماعية التي كانت تحيط بكل واحدٍ منهم، ووحدة الهدف الذي يعدّ جامعاً مشتركاً لكل مواقفهم (عليهم السلام)، والذي يتمثّل في صيانة الشريعة من التحريف وحفظ الأُمّة الإسلامية من الانحراف عن عقيدتها ومبادئها، وصيانة دولة الرسول (صلي اللّه‏ عليه وآله وسلم) من التردّي ما أمكن، والتمهيد لاستلام زمام الحكم حينما لا يتنافي مع القيم التي شُرّع الحكم من أجل تطبيقها وصيانتها . والمرحلة الاُولي من حياة الإمام الهادي (عليه السلام) تتمثّل في الحقبة الزمنية التي عاشها في ظلال إمامة أبيه الجواد (عليه السلام) وهي بين (212 ه ) إلي (220 ه ) ويبلغ أقصاها ثماني سنوات تقريباً . وقد عاصر فيها كلاً من المأمون والمعتصم العبّاسيين. والمرحلة الثانية تتمثل في الفترة الزمنية بين توليه (عليه السلام) لمنصب الإمامة في نهاية سنة (220 ه ) وإلي حين استشهاده (عليه السلام) في سنة (254 ه ) وهي أربع وثلاثون سنة تقريباً . وقد عاصر في هذه الفترة ستة من ملوك بني العبّاس، وهم علي الترتيب: 1 ـ المعتصـم (218 ـ 227 ه ). 2 ـ الـواثـق (227 ـ 232 ه ). 3 ـ المتوكـل (232 ـ 247 ه ). 4 ـ المنتصـر (247 ـ 248 ه ). 5 ـ المستعين (248 ـ 252 ه ). 6 ـ المعتــز (252 ـ 255 ه ). وسوف نتابع المرحلة الأُولي من حياة هذا الإمام العظيم في الفصل الثالث من الباب الثاني، ونقف عند أهم الأحداث التي ترتبط به في فترة حياته في ظل أبيه (عليه السلام) . وأمّا المرحلة الثانية من حياته المباركة فسوف ندرس ظروفها ونقف عند ملامحها ومتطلّباتها خلال الأبواب الثلاثة الأخيرة.

 

منزلة الإمام في المدينة:

تسلّم الإمام الهادي (ع) شؤون الإمامة فعلياً في عام 220ه وله من العمر حوالى ست سنوات. وقد مارس دوره التوجيهي كواحد من أئمة الهدى ومصابيح الدجى وفي طليعة أهل العلم للتوجيه السياسي ومصدراً لقلق السلطة العباسية وقتذاك، فكان (ع): "خير أهل الأرض وأفضل من برأه الله تعالى في عصره" كما يقول أحد العلماء المعاصرين له. ولذلك تسالم علماء عصره وفقهاءه على الرجوع إلى رأيه في المسائل المعقّدة والغامضة من أحكام الشريعة الإسلامية. مما جعل من مدرسته الفكرية في مسجد الرسول (ص) في المدينة محجّة للعلماء وقبلة يتوجه إليها طلاب العلم والمعرفة انذاك وقد نقلت عن لسانه الشريف الكثير من الاراء الفقهية والعقائدية والكلامية والفلسفية من خلال أسئلة أصحابه والمناظرات التي كان يجيب فيها على تساؤلات المشكّكين والملحدين بالحجة والمنطق... وبذلك احتل مكانة محترمة في قلوب الناس مما أزعج السلطة العباسية أن يكون للإمام هذا الدور وهذه الموقعية والتأثير فأحاطوه بالرقابة وعناصر التجسس لمعرفة أخباره ومتابعة تحركاته.

 

الإمام (ع) والسلطة:

والجدير بالذكر أن الدولة العباسية شهدت انذاك نوعاً من الضعف والوهن السياسي والإداري وتسلّط الأتراك وتحكّم الوزراء وضعف شخصية الخلفاء طيلة عهود المعتصم والواثق العباسيين مما سمح بهذا المناخ الفكري الخصب والتحرك الواسع للإمام الهادي (ع)، ولكن الأمور تغيّرت في عهد المتوكل العباسي الذي كان يحقد حقداً شديداً على ال البيت(ع) فكان يحاول الحط من سمعة الإمام علي بن أبي طالب (ع) والاستهانة به. كما قام بفعلته الشنيعة بحق الحائر الحسيني المقدّس فأمر بهدمه والتنكيل بزواره. وقد عانى منه العلويون شتى ألوان الأذى والاضطهاد، وأخيراً كان الإمام الهادي يحمل الرمز الهاشمي العلوي ويمثل محوراً دينياً لا يستهان به في البلاد الإسلامية انذاك. لذلك استعمل المتوكل على المدينة أحد أشد أعوانه وأخبثهم عبد الله بن محمد فكان يتحيّن الفرص للإساءة الى الإمام ويعمل على أذيته ويرسل التقارير والوشايات للإيقاع به، فكانت تصل إلى المتوكل أخبار الإمام مشحونة بالتفاف الجماهير حوله وورود الأموال الطائلة إليه من مختلف اقطار العالم الاسلامي مما يشكّل خطراً على الدولة، وإتماماً لهذه المؤامرة المدبّرة يرسل المتوكل إلى المدينة أحد أعوانه "يحيى بن هرثمة" بهدف إحضار الإمام الهادي (ع) إلى سامراء والتحرّي عن صحّة نيّة الإمام مناهضة السلطة. واستهدف المتوكل من هذا الإجراء:

     أولاً: فصل الإمام عن قاعدته الشعبية الواسعة والموالية. الأمر الذي كان يقلق السلطة لذلك عندما يصل يحيى بن هرثمة إلى المدينة يقول: "فلما دخلتها ضجّ أهلها وعجّوا عجيجاً ما سمعت مثله فجعلت أسكنهم وأحلف لهم أني لم أؤمر فيه بمكروه".

     ثانياً: إدانة الإمام مباشرة. ولذلك قام يحيى بن هرثمة بتفتيش دار الإمام (ع) تفتيشاً دقيقاً فلم يجد شيئاً سوى المصاحف وكتب الأدعية.

     ثالثاً: وضع الإمام تحت المراقبة المباشرة. ولذلك أكره على مغادرة المدينة والحضور إلى سامراء بصحبة أفراد عائلته حيث خضع للإقامة الجبرية عشرين عاماً وعدّة أشهر كان الإمام فيها مكرّماً في ظاهر حاله، يجتهد المتوكل في إيقاع حيلة به للحط من مكانة الإمام (ع) في قلوب الناس". ومن ذلك أنه عند دخول الإمام (ع) سامراء احتجب المتوكل عنه ولم يعيّن داراً لنزوله (ع) حتى اضطر الإمام إلى النزول في خان يقال له "خان الصعاليك" وهو محل نزول الفقراء من الغرباء. ومن ذلك أنه كان يوجّه إليه الأتراك فيداهمون منزله ويحضرونه ليلاً إلى مجلس المتوكل العامر بالخمر والمجون. ولكن هذه السياسة لم تثمر شيئاً بل كانت ترفع من مكانة الإمام ومقامه واستطاع بذلك أن يكسب ولاء عدد من حاشية المتوكل إلى درجة أن والدة المتوكل كانت تنذر باسمه النذور. وأمام هذا الواقع قرّر المتوكّل التخلص من الإمام فسجنه مقدمة لقتله. ولكن إرادة الله حالت دون ذلك فلم يلبث إلاّ قليلاً حتى هجم عليه الأتراك في قصره وقتلوه شر قتلة. ولم تنته محنة الإمام الهادي (ع) بهلاك الطاغية المتوكل، فقد بقي تحت مراقبة السلطة باعتباره موضع تقدير الأمة وتقديسها.

وثقل على المعتز العباسي ما يراه من تبجيل الناس للإمام وحديثهم عن ماثره وعلومه وتقواه فسوّلت له نفسه اقتراف أخطر جريمة في الإسلام حيث دسّ له السم القاتل في طعامه. فاستشهد الإمام (ع) في سنة 254ه من شهر ذي الحجة عن عمر يناهز الواحد والأربعين سنة.

 

محاولة إغتیال الامام الهادي (ع)

لقد دبرت السلطة الحاكمة آنذاك مؤامرة لقتل الإمام (عليه السلام) ولكنها لم تنجح، فقد روي : أنّ أبا سعيد قال: حدثنا أبو العبّاس فضل بن أحمد بن إسرائيل الكاتب، ونحن بداره بسامرة، فجري ذكر أبي الحسن (عليه السلام) فقال : يا أبا سعيد ، إنّي أحدثك بشيء حدثني به أبي؟ قال : كنا مع المعتزّ وأبي كاتبه، قال: فدخلنا الدار وإذا المتوكل علي سريره قاعد، فسلّم المعتزّ ووقف ووقفت خلفه، وكان عهدي به إذا دخل عليه رحّب به ويامره بالجلوس فأطال القيام، وجعل يرفع قدماً ويضع أخري، وهو لا يأذن له بالقعود، ونظرت إلي وجهه يتغير ساعة بعد ساعة ويقبل الي الفتح بن خاقان ويقول: هذا الذي يقول فيه ما تقول؟ ويردّد القول، والفتح مقبل عليه يسكته ويقول : هو مكذوب عليه يا أمير المؤمنين، وهو يتلظي ويشطط ويقول : واللّه‏، لأقتلن هذا المرائي الزنديق، وهو الذي يدعي الكذب، ويطعن في دولتي. ثم قال: جئني بأربعة من الخزر جلاف لا يفهمون، فجيء بهم ودفع إليهم أربعة أسياف ، وأمرهم أن يرطنوا بألسنتهم إذا دخل أبو الحسن. وأن يقبلوا عليه ب