وكالة أهل البيت (ع) للأنباء

المصدر : خاص ابنا
السبت

١٧ يوليو ٢٠١٠

٧:٣٠:٠٠ م
186308

مدینة الأخدود في منطقة نجران السعودیة+صور

یعد موقع الأخدود 1 من أهم المعالم الأثریة وم التاریخیة في المملكة العربیة السعودیة ، و الأخدود مدینة أثریة قدیمة تقع الحزام الجنوبی من وادي منطقة نجران 2 ، و ما زالت آثارها قائمة تحكي تاریخ حضارات سادت ثم بادت ، و تمتد بقایا الأخدود إلی مسافة تزید علی 5/1 كیلومتر ، غیر أنه لم یتبق منها سوی الأطلال الأثریة المتناثرة التي تظهر بینها ندوب بعض الحفریات العشوائیة التي كان الغرض منها نهب الكنوز في الماضي.

و قد أظهرت النتائج المسحیة الوكالة الآثار و المتاحف بأن عمر هذه المنطقة التاریخي یبلغ نحو 25 قرنا، و یرجح ان یكون هذا التاریخ البدایة المعروفة للموقع الذي اكتسب همیة كبری منذ عصور سحیقة تجسدها الكتابات الهیروغلیفیة و المعینیة و السبئیة و العربیة و الكوفیة ، و نماذج الخط المسند ، و رسوم الجمال و الخیول و الأفاعي المنقوشة بطریقة الحفر الغائر.

كل هذا یؤكد أن الأخدود موقع تعاقبت علیه حضارات عریقة محلیة و اقلیمیة و دولیة ، و هو الموقع الذي كانت تقوم علیه مدینة نجران القدیمة ، و یقع علی الضفة الجنوبیة لوادي نجران بین قریتي القابل و الجربة ، و الموقع یتمثل في مدینة مركزیة یحیط بها سور بطول 532 م و عرض 220 م ، بنیت أساسات مبانیها من الأحجار المنحوتة بعنایة بارتفاعات تتراوح بین 2ـ 4 م ، و تمثل القلعة الفترة الرئیسة للاستیطان في الأخدود و التي ربما بدأت قبل 006 ق. م ، و استمرت حتی نهایة القرن الثالث المیلادي و هي الفترة تتزامن مع ا زدهار حضارة جنوب الجزیرة العربیة ، و لكن رغم تعاقب بصمات الحضارات و الأمم علی هذه المنطقة فلا خلاف علی ان أبرز الأحداث المرتبطة بها و اشهرها واقعة أصحاب الأخدود عام 525 م ، و التي ذكرها القرآن الكریم في سورة البروج حیث قال سبحانه و تعالی « قتل أصحاب الأخدود * النار ذات الوقود * إذ هم علیها قعود * و هم علی ما یفعلون بالمؤمنین شهود» 3، و قد وقعت حادثة الأخدود عندما دعا الملك ذو نواس  4 أخر ملوك حمیر أهل نجران للعدول عن دیانتهم النصرانیة و العودة إلی الدیانة الیهودیة التي كان یدین بها فأبوا ، فأمر بخد أخدود عظیم في الأرض.

و كان الناس یعرضون علی النار و یساومومن علهم یتراجعون عن دینهم فكانوا یتعادون فیها و یتدافعون ، و جاءت امرأة لها بابن ترضعه و كأنها تقاعست أن تقع في النار فقال الطفل " اصبری یا أماه فإنك علی الحقّ و في ذلك الیوم استشهد قرابة 20 ألفا و ظلت نجران علی مسیحیتها حتی دخلت في الإسلام في السنة العااشرة من الهجر.

و قد روي أن بدایة حادثة الأخدود عندما طلب ساحر ملك تلك البلاد من الملك أن یبعث له غلاما یعلمه السحر لیحل محله بعد موته ، فاختیر غلام  5و أرسل للساحر ، و كان الغلام یذهب للساحر لیتعلم منه ، و في طریقه كان یمر علی راهب ، فذات یوم جلس الغلام مع الراهب و أعجبه كلامه ، فأصبح یتردد علیه في كل مرة یتوجه فیها إلی الساحر.

و في أحد الأیام و أثناء ذهابه إلی الساحر شاهد حیوانا ضخما یسد الطریق علی الناس ، فقال الغلام في نفسه : الیوم أعلم أیهم أفضل ، الساحر أم الراهب ، ثم أخذ حجرا و قال : اللهم إن كان أمر الراهب أحب إلیك من أمر الساحر فاقتل هذه الدابة حتی یمضي الناس ، ثم رمی الحیوان فقلته ، و مضی الناس في طریقهم .

فتوجه الغلام للراهب و أخبره بما حدث ، فقال له الراهب : یا بنی ، أنت الیوم أفضفل مني ، و إنك ستبتلي ، فإذا ابتلیت فلا تدل علي .

فأجاب الغلام : أنا لا أشفي أحداًً إنّما یشقي الله تعالی ، فإن آمنت بالله دعوت الله فشفاك ، فآمن جلیس الملك ، فشفاه الله تعالی ، ولما التقی به الملك سأله : من رد علیك بصرك؟ فأجاب الجلیس بثقة المؤمن : ربي.

فغضب الملك و قال : ولك رب غیري ؟ فأجاب المؤمن دون تردد: ربي و ربك الله.

فثار الملك و أمر بتعذیبه ، ولم یزالوا یعذبونه حتی دل علی الغلام ، فأمر الملك بإحضاره ، ثم قال له مخاطبا: یا بني ، لقد بلغت من السحر مبلغا عظیما ، حتی أصبحت تبريء الأكمه و الأبرص و تفعل و ما تفعل .

فقال الغلام : إني لا أشفي أحدا ، إنما یشقي الله تعالی ، فأمر الملك بتعذیبه فعذبوه حتی دل علی الراهب ، و لما أحضل ، و لما أحضر آلراهب و قیل له : ارجع عن دینك أبی ، فجییء بمنشار و وضع علی مفرق رأسه ، ثم نشر فوقع نصفین ، ثم أحضر جلیس الملك و قیل له : ارجع عن دینك فأبی ، ففعل به كما فعل بالراهب ، ثم جییء بالغلام و قیل له : ارجع عن دینك فأبي ، فأمر الملك بأخذ الغلام لقمة جبل، و تخییره هناك ، فإما أن یترك دینه أو أن یطرحوه من قمة الجبل ، فأخذ الجنود الغلام ، و صعدوا به الجبل فدعی الفتی ربه: اللهم اكفنیهم بما شئت ، فاهتز الجبل و سقط الجنود ، و رجع الغلام یمشي إلی الملك ، فقال الملك : أین من كان معك؟ فأجاب : كفانیهم الله تعالی.

فأمر الملك جنوده بحمل الغلام في سفینة ، والذهاب به لوسط البحر ، ثم تخییره هناك بالرجوع عن دینه أو إلقاءه ، فذهبوا به ودعی الغلام ثم رجع إلی الملك ، فسأله الملك باستغراب : أین من كان معك ؟ فأجاب الغلام المتوكل علی الله : كفانیهم الله تعالی.

ثم قال الغلام للملك : إنك لن تستطیع قتلی حتی تفعل ما آمرك به ، فقال الملك : ما هو؟

فقال الغلام : أن تجمع الناس في مكان واحد و تصلبني علی جذع ، ثم تأخذ سهما من كنانتي و تضع السهم في القوس و تقول : بسم الله رب الغلام ثم ارمني ، فإن فعلت ذلك قتلتني .

استبشر الملك بهذا الأمر و أمر علی الفور بجمع الناس ، و صلب الغلام أمامهم ، ثم أخذ سهما من كنانته ، و وضع السهم في القوس ، و قال : باسم الله رب الغلام ، ثم رماه فأصابه فقتله ، ولما شاهد الناس ذلك صرخوا بصوت واحد : آمنا برب الغلام ، فهرع أصحاب الملك إلیه و قالوا : أرأیت ما كنت تخشاه لقد وقع ، لقد آمن الناس.

فأمر الملك بحفر شق في الأرض و إشعال النار فیها. ثم أمر جنوده بتخییر الناس ، فإما الرجوع عن الأیمان ، أو إلقائهم في النار، ففعل الجنود ذلك ، حتی جاء دور امرأة و معها صبي لها ، فخافت أن ترمی في النار ، فألهم الله الصبي أن یقول لها : یا أماه اصبري فإنك علی الحق .

و قد افلت بعض النجرانیین من قبضة (ذونواس ) و كان من بینهم دوس بن ثعبان الذي استجار بإمبراطور الروم طالبا النجدة و رأی الإمبراطور فرصة مواتیة لاحتلال الجزیرة العربیة فأرسل جیشا قوامه سبعة آلاف مقاتل بقیادة الرباط و معه ابرهة الأشرم ، تمكن جیش الرباط من القضاء علی دولة حمیر ، و نتیجة لذلك ظلت نجران علی مسیحیتها حتی ظهور الإسلام.

تقع مدینة الأخدود " أو مدینة رقمات عاصمة نجران القدیمة " علی مساحة 5 كیلو مترات مربعة علی الجزام الجنوبي من وادي منطقة نجران في المملكة العربیة السعودیة ، و تعد من أغنی المناطق بالآثار في الجزیرة العربیة حالیا لما تحتویه من كتابات و نقوشات علی الأحجار یعود تاریخا إلی اكثر من 1750 سنة تقریباً.

و رغم مرور آلاف السنین ما زالت العظام الهشة السوداء و الرماد الكثیفة شاهدة علی الحریق الهائل التي أصاب مدینة الأخدود في عام 525م ، و للآن تروي تلك الأطلال و المباني قصة أصحاب الأخدود الذین ورد ذكرهم في القرآن الكریم ، و ما زالت آثار ال حریق بادیة في أجزاء المدینة و علی جدارها و مبانیها بالإضافة الی عظام للبشر و للحیوانات التي حرقت.

و في عام 1997 م تم اكتشاف العدید من الأثریات و الأواني الفخاریة و أدوات الزینة و العملات ، ففي منطقة القلعة تم الكشف عن سور خارجي كبیر مشید من الحجارة المربعة و مزین من الأعلي بشرفات دفاعیة ، بداخله عدد من المباني الحجریة ، إضافة لكتابات و رسوم حیوانیة، و تم الكشف أیضا خارج القلعة عن عدد من المقابر و أساسات المباني و المعثورات المختلفة المتنوعة تعود للفترات البیزنطیة و الأمویة والعباسیة و ما بعد العباسیة ، و أظهرت التنقیبات الأثریة أن الموقع كان یعتمد ـ الی جانب كونه مركزا تجاریا. علی الزراعة و ذلك من خلال السدود و أنظمة الري التي وجدت بقایاها فیه و قد أظهرت النقوش العدیدة الكتشفة أن الموقع كان مركزا هاما لتجارة القوافل.