وكالة أهل البيت (ع) للأنباء

المصدر : خاص ابنا
الاثنين

١٧ مايو ٢٠١٠

٧:٣٠:٠٠ م
181772

هل ولایة الفقیه المطلقة دیکتاتوریة؟

إنّ مقتضی الأدلة التي قدّمناها لإثبات ولایة الفقیه هو ثبوت الولایة المطلقة له ، و معنی ذلك : أن جمیع الصلاحیات الثابتة للإمام المعصوم بوصفه ولي أمر المجتمع الإسلامي ثابتة أیضاً للوليّ الفقیه، إلّا إذا قام دلیل علی أنّ بعضاً من صلاحیات الإمام المعصوم لم تمنح للوليّ الفقیه ، و من هذا القبیل ما یراه المشهور من فقهاء الشیعة في مسألة الجهاد الابتدائي ، و أن إعلان هذا الجهاد من صلاحیّات الإمام المعصوم (ع) خاصة ، و مع غضّ النظر عن هذه الموارد القلیلة جداً لیس هناك أي تفاوت بین ولایة النبي و الأئمة المعصومین (ع) و بین ولایة الفقیه ، و هذا هو ما یعبّر عنه بـ( ولایة الفقیه المطلقة) ، و عبّر عنه مؤسس الجمهوریة الاسلامیة الإمام الخمیني (رحمة الله علیه ) بقوله : « ولایة الفقیه كولایة رسول الله(ص)».

و من الشبهات التي تثار أحیاناً علی أصل ولایة الفقیه ، و أحیاناً أخری علی كونها (مطلقة ) قولهم : إنّ ولایة الفقیه و خاصة ولایته المطلقة هي الحكومة الاستبدادیة ، و لیس الفقیه إلّا دكتاتوراً ، یعني : أن الفقیه حینما یتسلّم السلطة فإنه یفعل ما یشاء ، و ینفذ أيّ حكم یرید، و ینصّب و یعزل أي شخص یعجبه ، و باختصار : تكون صلاحیاته مطلقة و لا تتوجه له أیة مسؤولیة.

و بعبارة أخری : إنّ الحكومة نوعان : الحكومة اللیبرالیة التي تقوم علی أساس الانتخاب و رغبة الناس ، و الحكومة الفاشیستیة التي تخضع لرأي و تنظیر الفرد، و بالبیان الذي تقدمتم به لنظام ولایة الفقیه ، و بما تصرحون به أیضاً من أنّ نظام ولایة الفقیه لیس لیبرالیاً فیجب أن تقبلوا طبعاً أنه نظام فاشستي.

و في الجواب عن هذه الشبهة نقول : إنّ تقسیم الحكومة إلی قسمین و حصرها في نوعین : لیبرالي و فاشستي هو مغالطة ، إذ أنّ هناك قسماً ثالثاً للحكومة یمكن أن نتصوره ، لا یحكم فیه رئیس الدولة علی أساس رغبات و أذواق الناس (الحكومة اللیبرالیة ) ، و لا علی أساس رغباته و ذوقه الشخصي (الحكومة الفاشستیة ) ، و إنّما علی أساس رغبة و إرادة الله تعالی ، و التبعیة للقوانین و الأحكام الإلهیة ، و نظام ولایة الفقیه هو من النوع الثالث، و علیه لا یكون فاشستیاً.

و بهذا یتضح أیضاً أن القول بأن ولایة الفقیه المطلقة تعني أن للفقیه أن یتصرف بما یشاء ، و لای كون مسؤولاً أمام أحد هو قول لا واقع له ، و مردّه إلی الخطأ في تفسیر كلمة (مطلقة ) أو تعمد إساءة تفسیرها لإغراض خاصة ، و علی كل حال فاللازم هنا للردّ علی هذه المغالطة أن نوضّح المراد بقید « مطلقة » في عبارة (ولایة الفقیه المطلقة).

إن كلمة « المطلقة » تشیر إلی معانٍ مترابطة مع بعضها ، نشیر الیها في نقطتین:

الأولی: إنّ الولایة المطلقة للفقیه مقابلة للولایة (المحدودة ) التي كان یتمتع بها الفقهاء في زمان الطاغوت ، فإنه في عهد الطاغوت السابق علی انتصار الثورة الإسلامیة ، المعبّر عنه بزمان عدم بسط الید لم یكن بوسع الفقهاء الشیعة بسبب محدودیة قدراتهم ، و الموانع التي كانت تضعها حكومة الطاغوت أمامهم أن یتدخّلوا في الأمور الاجتماعیة ، و لم یكن باستطاعة الناس أن یرجعوا إلی الفقهاء إلّا بعض امورهم الاجتماعیة الخاصة بصورة سرّیة و بعیداً عن عیون السلطة ، فیرجعون الیهم ـ مثلاً ـ في موارد الزواج و الطلاق و الوقف و بعض المنازعات القانونیة ، و كان الفقهاء یبتّون في هذه الامور استناداً إلی الولایة الثابتة لهم ، و لكن كما أشرنا فإن إعمال الولایة من جانب الفقهاء كان محدوداً جداً ، و لم یكن بوسعهم أن یتدخلوا بمستوی الحق الثابت لهم شرعاً ،أو یتصرفوا بمقتضی الصلاحیات الممنوعة لهم شرعاً من الله تعالی و الأئمة المعصومین (ع) ، و بانتصار الثورة الاسلامیة في إیران و تشكیل الحكومة الإسلامیة من قبل الإمام الخمیني (رحمة الله علیه ) توفرت أرضیة إعمال الحاكمیة الكاملة للفقهاء الشیعة ، و تمكن الإمام بوصفه فقیهاً علی رأس هذه الحكومة من امتلاك ا لقدرة علی التدخل و إعمال حاكمیته التي یخوّله إیّاها منصب الولي الفقیه، ففي هذا الزمان تمكن الفقیه من استعمال مطلق الصلاحیات و الحقوق الممنوحة له من جانب صاحب الشریعة و مالك العالم و الإنسان ،و ازیحت من أمامه كافة العقبات التي كانت تضعها الحكومات الطاغوتیة ، و بناءً علیه فإنّ الولایة المطلقة للفقیه ، هي الولایة المقابلة لولایته المحدودة في زمان حكومة الطاغوت ، و منه یتضح أنه لیس لها أيّ علاقة بالدكتاتوریة و الاستبداد.

النقطة الثانیة : أنّ الولایة المطلقة للفقیه إشارة إلی أنّ كل فقیه یكون علی رأس السلطة ، فإنّ كلّ الصلاحیات و الحقوق اللازمة و الضروریة لإدارة الدولة تكون ثابتة له ، و بهذا اللحاظ لا وجود لأي تفوت بینه و بین الإمام المعصوم (ع) ، أي أنه لا یمكن القول بأن بعضاً من الصلاحیات و الحقوق التي تتوقف علیها إدارة الدولة تختص بالمعصوم (ع) فقط، فإذا كان علی رأس الدولة معصوم أمكنه الاستفادة من تلك الصلاحیات ، و أمّا الفقیه فلیس بإمكانه و لیس من حقه الاستفادة منها.

من البدیهي أنّ هذا الكلام لیس مقبولاً، ذلك أن تلك الحقوق و الصلاحیات إذا كانت لازمة لإدارة الدولة ، وعدمها یوجب الخلل في المجال الإدراي ، و لا یتمكن الحاكم بدونها من القیام بوظیفته في إدارة شؤون المجتمع فمعه لا یمكن عقلاً  اعتبار أي یفرق بین الإمام المعصوم و الوليّ الفقیه ، و أنّ أيّ نوع من المحدودیة للفقیه في مجال الحقوق و الصلاحیات مساوٍ تماماً لضیاع المصالح العامة ، و تفویت المنافع علی المجتمع الإسلامي ، فلا بدّ أن یتمتع الفقیه كالإمام المعصوم (ع) بمطلق الحقوق و الصلاحیات.

و اتضح بهذه النقطة الثانیة أنّ كلمة « المطلقة » لیس لها أيّ ارتباط بالحكومة الفاشستیّة أو الدیكتاتوریة ، و إنّما تشیر إلی أمر عقليّ و مسلّم و واضح جداً ، و مقبول و موجود لدی جمیع الحكومات.

و هناك موضوع آخر تشیر له الولایة المطلقة للفقیه یتعلق بهذا السؤال : هل أن ّ مجال تصرف و صلاحیّات الولي الفقیه منحصر بحدود القضایا الضروریة و الاضطراریة ، أو أنّه حتی لو لم تصل المسألة إلی هذا الحدّ، و لكن یوجد في البین رجحان عقلي أو عقلائي فإنّ الفقیه مجاز بالتصرف؟ یحسن توضیح الموضوع بمثال مناسب:

الفرض الأول: لو أنّ وضعیة المرور في المدینة تعاني من مشكلة جدیّة ، وبسبب قلة الشوارع أو ضیقها فإنّ أصحاب السیارات یضطرّون إلی التوقف ساعات متوالیة بنحو یقرر معه المختصون من ذوي الأمانة و الخبرة أن فتح بضعة شوارع عریضة لازم و ضروري.

أو أنّ تلوّث هواء المدینة وصل إلی حدّ أخذ معه المختصون و الأطباء یحذّرون الناس و الحكومة بصورة متكررة ، و اقترحوا أنّ طریق الحلّ یتمثل بإحداث حدائق واسعة.

ففي مثل هذه الموارد لا شك أنّ الوليّ الفقیه یستطیع الاستفادة من صلاحیّاته الحكومیة ، و یأمر بفتح الشوارع و إحداث الحدائق العامة ، حتی لو لم یرض أصحاب الأملاك و الأراضي التي تتعرض للهدم بسبب ذلك ، بعد إعطاء تعویضات عادلة لهم  تجبر خسائرهم.

الفرض الثاني : أنّه لو أردنا أن نجمّل إحدی المدن بإنشاء ساحة أو حدیقة عامة في إحدی مناطقها، و لكن لم یكن الوضع بحیث یترتب علی عدم إنشاء الحدیقة أو الساحة مشكلة في نظام المرور أو تلوّث الهواء ، و كان إنشاء الحدیقة أو الساحة مستلزماً لتخریب البیوت و الحوانیت و التصرف في الأملاك ، التي لایرضی بعض أصحابها أحیاناً بهدمها حتی لو عوّضتهم الدولة بما یساوي قیمتها الفعلیة ، فهل أن نظاق ولایة الفقیه شامل أیضاٍ لمثل هذه الموارد ، فیستطیع رغم عدم موافقتهم أن یصدر أمراًَ بالهدم و إقامة الحدائق و فتح الشوارع؟

إنّ ولایة الفقیه المطلقة معناها : أنّ صلاحیات الولي الفقیه لیست محدودة بحدّ الضرورة و الاضطرار ، و لكنّها مطلقة و شاملة حتی للأمور التي لا تصل إلی ذلك الحدّ ، إلّا أنها سائغة في نظر العقل و العقلاء ، فلیس من اللازم أن یكون الغرض من النحو الاول لكي یجوز للفقیه أن یأمر بفتح الشوارع و الحدائق و یتدخل في الأمور الاجتماعیة ، و إنّما صلاحیاته شاملة للفرض الثاني أیضاٍ ، و من الواضح أنّ مثل هذه الصلاحیات لیس لها أیة علاقة بالاستبداد و الدكتاتوریة و الفاشیّة.

و بهذا یتّضح أنّ ولایة الفقیه المطلقة لا تعني بحال أنّ الفقیه یتصرف كما یشاء ، دون أن یكون هناك مبنی و ملاك لتصرفاته ، و أنه لا یستند في حكمه إلّا لنظره الشخصي و مزاجه و میوله النفسیّة ، و إنّما الولي الفقیه هو المنفّذ و المطبق لأحكام الإسلام ، و أنّ دلیل ولایته یرتبط بتطبیقه لأحكام الشرع الإسلامي المقدّس، و تأمین مصالح المجتمع الإسلامي عن طریق تطبیق ه