وكالة أهل البيت (ع) للأنباء

المصدر : خاص ابنا
الاثنين

١٧ مايو ٢٠١٠

٧:٣٠:٠٠ م
181431

طلب الشفاعة من أولیاء الله

إنّ « الشفاعة » كلمة معروفة بیننا جمیعا، و هي تتردّد علی ألسنتنا في وقتها المناسب ، فمثلا: إذا دار الحدیث عن إنسان ارتكب جریمة و حكمت علیه الحكمة بالإعدام أو السجن أو غیرهما، ثم تدّخل إنسان آخر و توسّط له و أنقذه ممّا حكم علیه عندها نقول: إنّ فلانا « تشفّع » لفلان.

 

معنی الشفاعة

« الشفاعة » مشتقة من مادة الشفع ــ بمعنی الزوج ــ و یقابله : الوتر ــ بمعنی الفرد ــ و السبب في إطلاق الشفاعة عل الوساطة و « الشفیع » علی الوسیط هو أنّ جهود الوسیط و مساعیه تزدوج مع عوامل الإنقاذ والجهود و المساعي الأخری الموجودة في المشفوع له، فنتقذ المذنب أو المتهم من ورطته.

إنّ شفاعة أولیاء الله للمذنبین تأتي بسبب قرب هؤلاء من الله تعالی ، و مكانتهم و جاههم عنده سبحانه، فهم یشفعون ــ بإذن لله و ضمن شروط خاصة ــ للمذنبین و المجرمین كي یغفر الله لهم أو یقضی حوائجهم.

وبعبارة أخری: إن الشفاعة إعانة من أولیاء الله ــ بإذن الله ــ لأشخاص  لم یقطعوا روابطهم المعنویة مع الله وأولیائه، بالرغم من أنّهم مذنبون، هذا تعریف دقیق یجب الإنتباه الیه دائما.

وبتعیبر ثالث: أنّ الشفاعة هي إعانة موجودة عال لموجود دان، بشرط أن تكون في الداني القابلیة و الإستعداد لشمول الشفاعة له، من حیث صلاحیّته للتكامل و الرقي إلی مرتبة عالیة و درجة سامیة، وتحوّله إلی انسان صالح نزیه.

بعد هذه التعاریف المتعدّدة نقول: إنّ التاریخ الإسلامي یثبت أنّ المسلمین منذ عهد رسول الله (ص) وما بعده كانوا یطلبون الشفاعة من أولیاء الله الصالحین، سواء في حیاتهم أو بعد وفاتهم، ولم یعتبر أحد من علماء الإسلام بأنّ هذه الشفاعة معارضة للمبادئ و الأصول الإسلامیة.

حتی جاء ابن تیمیّة ــ في القرن الثامن الهجري ــ بأفكار شاذّة وآراء سقیمة، فاستنكر كثیرا من سنن المسلمین.

و بعده بثلاثة قرون جاء محمد بن عبدالوهاب النجدي، فرفع رایة الخلاف مع المسلمین وأحدث الفتنة والشقاق بینهم، وأحیاء مبتدعات ابن تیمیّة بأشدّ مما كان علیه.

إنّ الوهابیة تعتقد بالشفاعة ــ من حیث المبدأ ــ و لكن نقطة الخلاف بینها و بین المسلمین هي أنّها تحرّم الشفاعة بأولیاء الله في الدنیا، وقد عبّر الوهّابیون عن عقیدتهم هذه بعبارات قاسیة متضمّنة للإهانة و الإستخفاف بالأنبیاء و الأولیاء ونحن نتورّع حتی ذكر تلك العبارات.

ومما یقولون في الشفاعة: إنّ نبيّ الإسلام (ص) وسائر الأنبیاء و الأولیاء و الملائكة، لهم حق الشفاعة في الآخرة فقط، لكن طلب الشفاعة یجب أن یكون من الله لا منهم، بأن یقال:

« اللهم شفع نبّینا محمّدا فینا یوم القیامة. أو: اللهم شفع عبادك الصالحین. أو ملائكتك أو نحو ذلك مما یطلب من الله لا منهم، فلا یقال: یا رسول الله ــ  أو ــ  یا وليّ الله أسألك الشفاعة أو غیرها ممّا لا یقدر علیه إلا الله، فإدا طلبت ذلك في أیام البرزخ كان من أقسام الشرك». (1)

وهكذا تري الوهّابیین یرمون المسلمین بالشرك، لأنهم یسألون الشفاعة من النبي (ص) وأولیاء الله الصالحین في الدنیا و الآخرة.

نحن نقبل أن نتطرّق إلی مناقشة أدلّة الوهّابیّین نبدأ أوّلا بدراسة المسألة علی ضوء القرآن الكریم و السنّة الشریفة وسیرة المسلمین، ثم نتناول أدلة الوهّابیّین بالبحث و المناقشة.

الأدلة علی جواز طلب الشفاعة في الدنیا

إنّ دلیلنا علی جواز طلب الشفاعة في الدنیا یتركب من أمرین، ومع ثبوتها یتّضح الموضوع بالكامل، أمّا الأمران فهما:

1ــ إنّ طلب الشفاعة هو طلب الدعاء بالضبط

2ــ أنّ طلب الدعاء من الصالحین أمر مستحب في الإسلام.

والیك البحث عن هذین الأمرین:

 

1ــ طلب الشفاعة هو طلب الدعاء بالضبط

أنّ شفاعة النبي (ص) وسائر الشفعاء الصالحین لیست سوی الدعاء إلی الله تعالی، إذ إنهم ــ لمنزلتهم الوجیهة عند الله وكرامتهم علیه ــ یبتهلون إلیه سبحانه بالدعاء وطلب المغفرة للمذنبین، والله تعالی یستجیب دعاء هم فیشمل عباده العاصین برحمته و مغفرته و یغسل ذنوبهم ویكفّر عنهم سیئاتهم.

إنّ طلب الدعاء من الآخ المؤمن هو أمر مستحسن و لم یتردّد في حسنه أحد من علماء الإسلام و المذاهب المتعدّدة ــ حتی الوهابیة ــ فكیف بدعاء النبّي الأولیاء الصالحین؟!

طبعا... لا یمكن القول بأنّ حقیقة الشفاعة لا تجاوز الدعاء في مواقف یوم القیامة، ولكن یمكن القول بأنّ من المعاني الواضحة للشفاعة هو الدعاء، وأنّ من یخاطب أحد أولیاء الله ویقول:«یا وجیها عند الله إشفع لنا عند الله » لا یقصد إلّا هذا المعنی.

یروي نظام الدین النیشابوري في تفسیرقوله تعالی:

« ... من یشفع شفاعة سیئة یكن له كفل منها » (2)

یروي عن مقاتل أنّه قال:

الشفاعة إلی الله إنّما هي الدّعوة لمسلم.

وقد روی عن النبي (ص) أن دعوة المرء المسلم لأخیه بظهر الغیب مستجابة، عند رأسه ملك موكل كلّما دعا لأخیه بخیر، قال الملك الموكل به: آمین ولك بمثل.(3)

إنّ ابن تیمیة هو من الذین یعتبرون طلب الدعاء من الإنسان الحّي صحیحا، وعلی هذا الأساس فانّ طلب الشفاعة لا یختصّ بالنبيّ وأولیاء الله، بل یجوز ذلك من كلّ مؤمن یحظی بالوجاهة والمنزلة عنده سبحانه.

والفخر الرازي هو أحد الذین یفسّرون « الشفاعة » بالدعاء و التوسل إلی الله تعالی، فقد قال ــ في تفسیرقوله سبحانه:

«ویستغفرون للذین آمنوا ربّنا وسعت كلّ شيء رحمة...»(4)

قال: هذه الآیة تدلّ علی حصول الشفاعة من الملائكة للمذنبین.(5)

وإذا ثبتت هذه في حقّ الملائكة فكذلك في حق الأنبیاء، لانعقاد الإجماع علی أنّه لا فرق.

وقال أیضا:

وأیضا قال تعالی لمحمّد (ص): « واستغفر لذنبك وللمؤمنین و المؤمنات» فأمر محمدا أن یذكر ــ آولاــ الإستغفار لنفسه، ثم بعده یذكر الاستغفار لغیره، وحكی عن نوح(ع) آنّه قال: « ربّ اغفر لي ولوالدیّ ولمن دخل بیتي مؤمنا وللمؤمنین و المؤمنات».(6)

إنّ هذا التوضیح من الفخر الرازی شاهد علی أنّه یری معنی الشفاعة هو دعاء الشفیع للمذنب، وطلب الشفاعة هو طلب الدعاء منه.

وقد ورد في الأحادیث الشریفة أنّ دعاء المسلم لأخیه المسلم هو شفاعة له، فعن ابن عبّاس عن رسول الله (ص) أنّه قال:

« ما من رجل مسلم یموت فیقوم علی جنازته أربعون رجلا لا یشركون بالله شیئا إلا شفّعهم الله فیه».(7)

لقد جاء في هذا الحیدث ــ تعبیر « شفّعهم الله فیه » للذین یدعون لأخیهم المسلم.

وانطلاقا من هذا الحدیث فلو أنّ رجلا أوصی في حیاته إلی أربعین رجلامن أصدقائه الأوفیاء بأن یقوموا علی جنازته بعد وفاته ویدعوا له، فهو بذلك قد طلب الشفاعة منهم وهیّّأ أسباب عباد الله لنفسه.