وكالة أهل البيت (ع) للأنباء

المصدر : خاص ابنا
الاثنين

١٧ مايو ٢٠١٠

٧:٣٠:٠٠ م
180104

الدور القیادي التنظیمي و تشكیل الثقافة الوحدویة

الشهيدان الاول و الثاني رائدا الوحدة و التجدید

كان للشهید الثاني اهتمام خاص بمؤلفات سلفه الشهید الأول حیث وضع شروحاً و تعلیقات عدّة علی مؤلفاته ، كما أن تلمیذه ابن العودي كشف عن الصلة الروحیة بین هاتین الشخصیتین المتباعدتین زمانا، المتقاربین في الثقافة و التصنیف الفقهي ، حتي أنّ الشهادة جمعت بینهما في خاتمة المطاف ، فلقّب محمد بن مكي بالشهید الثاني ، و لقب زین الدین العاملي بالشهید الثاني ، و عرف كلّ منهما بلقبه حتی طغی علی اسمه الحقیقي.

 

رائدا الوحدة الإسلامیة:

عمل الشهیدان علی تبرید كل مواقع التوتر بین المسلمین التي كان یراد لها أن تستعمر من خلال الجهل المتبادل أو الأسلوب القاسي في الخطاب و التجاذب أو الاستحضار الدائم للتاریخ الدامي الذي لا یفرز سوی ردات الفعل ، و ذلك للتخفیف من التشنجات المذهبیة التي كانت سائدة ، و كان طموحهما یتركز علی تحریر المذاهب من الجمود الذي یصبح المذهب معه متقوقعاً علی ذاته ، و منع استغلال التنوع المذهبي لإثارة الفتنة في المواقع الإسلامي و تحول هذه المذاهب إلی مجرد خادم للسلطة و أغراضها الخاصة ، لذلك فقد عملا علی إعادة تشكیل ثقافة إسلامیة تقوم علی ركائز من الوحدة في إطار التنوع، و تجمید الخلافات لحساب المصلحة الإسلامیة العلیا انطلاقا من قول أمیر المؤمنین (ع) : « لأسلمن ما سلمت أمور المسلمین و لم یكن بها جور إلّا عليّ خاصة» ، و دعیا إلی التلاقي بدل التفرقة ، و الی الاجتهاد المنفتح علی الرأي الاخر بكل تنوعه ، فواجها بجرأة العلماء الواثقین ، سلطات راسخة ، و مراكز قرار مستأثرة ، و أصحاب مصالح و نفوذ ضیقة و عابرة ،و لعل ذلك كان من أكثر ما ألّب علیهما الحاقدین و الجاهلین و المتعصبین علی حد سواء ، ما سهّل علی السلطات الرسمیّة أن تغتال الشهید الأول علی ید الممالیك ، و الثاني علی أیادي العثمانیین.

كما نجد أنهما یشكلان من خلال انفتاحهما صورة نموذجیة للعالم الذي لا یتعقد من الرأي الآخر و الاختلاف ، بل یسعی للتعرف علی ما عند الآخر ، و محاورته من موقع العارف القادر علی أن یحاضر فیه، و هما بعد أن أنهیا علومهما عند مراجع الین الشیعة و أساطین العلوم عندهم ، توجها إلی ماعند علماء السنّة من هذه العلوم، لقناعة لدیهما بضرورة وعي المذاهب الإسلامیة الأخری من مصادرها، لأن ذلك أسلم لنجاح الحوار معهم ، كما یدفع القرب من دصحاب المذاهب لتعریفهم بما هو موجود في الفقه الشیعي و الأصولي و مدرسة أهل البیت (ع) في العمق ، و بذلك ساهما في إزالة الجهل الذي كان مستحكماً بین المسلمین و في تخفیف حالة التشنج بینهم . فاكتمال الشخصیة العلمیة ضرورة لذاتها و لغیرها، و إن الاقتصار منها علی مساحة من دون أخری هو انتقاص من اكتمال العلم في الدین دون المذهب ، لذلك نجدهما یسارعان إلی الشام و العراق و مصر و مكة و المدینة و بیت المقدس لیطلعا علی ما لدی علماء هذه الدیار من علوم من دون النظر إلی طائفة العالم أو مذهب المتعلم ، فیروي الشهید الثاني كما جاء في الدر المنثور لحفیده الشیخ علي بن محمد بن الحسن بن زین الدین في ترجمته التي كتبها عن حیاته أسماء مشایخ فقهاء المذاهب الأربعة الذین درس علیهم في مصر ، مع تفصیل الكتب التي قرأها علیهم.

هذا و نجد عند الشهید الأول مثلما وجدنا عند الشهید الثاني من طول باع و درایة في  علوم أهل السنّة ، و جاء في بحار الأنوار ، أن الشهید غادر جزین إلی بلاد الشام ، ثم أقام في مدینة بغداد برهة من الزمن استجاز بعض علمائها ، و ممن استجازهم في بغداد شمس الأئمة محمد بن یوسف القریشي الكرماني الشافعي ، و مؤلف كتاب الكواكب الدرّیة في شرح صحیح البخاري . و شمس الدین أبو عبدالرحمن محمد بن عبدالرحمن المالكي المدرّس في المدرسة المستنصریة ببغداد، و شمس الدین محمد بن عبدالله البغدادي الحنبلي، و روي عنه صحیح البخاري و قرأ علیه كتاب الشاطبیة. هذا و قد ذكر الشهید أنه یروي عن أربعین شیخاً من مشایخ علماء السنّة في بعض ما كتبه من الإجازات و قد نقلت المصادر الشیعیة أن مجلس الشهید الأول بدمشق لم یكن یخلو من علماء الجمهور (السنة ) لخطته بهم ، و صحبته لهم ، و تتحدث بعض المصادر أن الشهیدین كانا یقومان بتدریس الفقه السني ، و كانا إذ اجتمع إلیهما الناس من المذاهب المتعددة أفتیا لكل علی مذهبه حتی قیل بحق أنهما أبرع من أفتی علی المذاهب الإسلامیة الخمسة..

فقد أوكلت السلطات العثمانیة ـ وفقا لهذه المصادرـ إلی الشهید الثاني مهمة تدریس الفقه علی المذاهب الخمسة في المدرسة النوریة ، إحدی مدارس مدینة بعلبك الرسمیة ، و قد أمضی زین الدین عمله في تدریس الفقه علی المذاهب الخمسة مضافاً إلی تدریسه بعض العلوم الأخری سنوات كانت آخر ما تمتع به هذا الفقیه من أوقات الأمان و السلامة ، حیث ترك التدریس سنة 955هـ/1548 مـ ، و عاد إلی بلدته (جبع) لیتفرغ للدرس و التألیف"

 

القیادة و الإدارة و التنظیم :

واجه الشهیدان حاجة ماسة لدی المجتمع الشیعي ، لمواجهة التحدیات التي كانت تعترضه ، فسعیا إلی إعادة تنظیمه من خلال إعادة الاعتبار لدور الفقیه و المؤسسة الدینیة و الحوزات التي یتربی منها الفقهاء و المناهج التعلیمیة التي تعتمد فیها، لكونها الحضن و الحامیة لهم من الانحراف و الذوبان في الواقع السیاسي المنحرف ، و اعتبرا أن دور المرجعیة الدینیة لا یتحقق من خلال الإفتاء للناس فحسب ، بقدر ما ینبغي أن ینظم هذا المجتمع حتی یكون قادراً علی إدارة شؤونه الداخلیة و الحفاظ علی مقدراته ، لا سیما في ظل الظروف الصعبة التي تتحداه من داخله ، لذلك كان الشهید الأول من بنی شبكة وكلاء من قبله كقضاء و حكام شرع في ما انتهت إلیه زعامته . و هو أول من دعا الناس الی دفع الحق الشرعي للمرجع بعد أن كان العلماء لا یتداولونه مع الناس، فكان له بذلك جبایة و أمر و حكم شرعي و مجموعة وكلاء و دعاة بصفته نائب الإمام المعصوم(عج) ، و هو بذلك أول فقیه نتلمس في كتبه و نصوصه وعیاً لمسألة السلطة و دور الفقیه في إدارة شؤون الأمة ، الأمر الذي دفع البعض لاعتباره من أبرز الفقهاء المتقدمین الذین قالوا بولایة الفقیه.

و لعل هذا الرأي الفقهي الجريء هو من أهم ما تفتق عنه فكر الشهید الأول في مسألة القیادة ، إذا كان یری أن أي تنظیم لشؤون الناس في ظل الفوضی السائدة و استشراء الفساد السیاسي و الاجتماعي و الاقتصادي لا یمكن أن نبدأ بإصلاحه إلّا مع وجود سلطة قادرة مقتدرة ، جامعة للمواصفات و الشرائط ، تقوم بتعبید الناس لله فیما یصلح أمر دینهم و دنیاهم أولاهم و آخرتهم ، و ما كان ذلك لیتم إلّا علی ید فقیه واع لشؤون عصره، و یحسن إدارته ، عالم عادل جامع للشرائط و المواصفات التي تؤهله القیام بهذه المهمة ، و قد قام بها شهیدنا الأول ضمن إمكاناته و دائرة سلطته و صلاحیاته كما كان یراها علی أكمل وجه ممكن في حینه...

و لم یكتف بذلك و إنما بدأ في سني السبعینات الهجریة 770هـ ، نشاطاً في مشروعه الذي یهدف إلی توحید الطائفة الشیعیة ، فقد نشر المدارس في المناطق المختلفة ، وعین الوكلاء في المساجد و البلدان و قراهما ، و فرض جبایة الزكاة و الخمس علی أتباعه في محاولة لتنظیم قواعد (المجتمع الشیعي )و المؤسسة الدینیة".

و مثل الذي كان عند الشهید الأول من أمور القیادة و الإدارة و التنظیم ، وجدنا مثیله عند الشهید الثاني الذي " یتلخص سعیه الدائب للحافظ علی شیعة بلاد الشام، و إبعادهم عن الدخول في الأزمات السیاسیة التي كان یراد إشعالها. و في هذا المنحی كان سفره إلی أسطمبول ، عاصمة الخلافة الإسلامیة آنذاك ، لفرض تأمین الغطاء الآمن للشیعة داخل السلطة العثمانیة ، كما عمل علی حمایة داخلهم في كل الذین كانوا یریدون تطویعهم لحسابات لا مصلحة لهم فیها".

و قد حرص الشهیدان علی أن لا یعزلا الواقع الشیعي عن المسلمین الآخرین ، لذا سعیا إلی علاقات مع الدولة المملوكیة و العثمانیة ، كما حرصا علی جعل الشیعة ینفتحون علی مواطنیهم من الدروز و المسیحیین في جبل لبنان و كسروان و غیرهما ، انفتاحهما علی الواقع السیاسي العام. و قد شعر الشهیدان بضرورة حضورهما في القضایا التي تهم الواقع الاسلامي و غیره.

لعلّ ما تقدم بعض ما حفلت به حیاة هذین العالمین الجلیلین، و لا نغالي أو نبالغ إذا قلنا إن ما أنتجاه في حیاتهما من علوم و معارف أغنی المكتبة الاسلامیة بعامة ، و المكتبة الشی