وهذا هو شأن أي دولة اسلامية متحضرة اذ تجمع قوانينها ما بين الشريعة الاسلامية السمحاء والقوانين الوضعية التي لابد منها للتعامل مع العالم ككل. ولذا سوف يدخل اعضاء البرلمان الجدد في تجربة ذات مسؤولية دينية ووضعية يغلب عليها الجد دون الهزل, وكلما كانت البلوى والاختبار اعظم كانت المثوبة والجزاء اجزل. فهل سوف تأتي لنا الانتخابات القادمة باعضاء برلمان بهذا التفكير وبكفاءات عالية واخلاص يرضى عنهم الله والمجتمع ويتمكنون من رسم مستقبل مستقر زاهر للعراق.
وفي خضم من هذا التفكيرعن رسم رؤية وتصورعن الانتخابات واذا بسؤال يعارض ويقاطع ما انا فيه: من شرع الانتخابات العراقية ومن جعلها المدخل الوحيد لتحقيق ما يطمح اليه جميع ابناء الشعب العراقي؟ وهل انها قُدمت لنا على طبق من ذهب بعد الاطاحة بالدكتاتورية سنة 2003؟ وهل ان مؤسس الديمقراطية في العراق المحامي المهاتما غاندي او نلسون مندلا او جورج بوش؟ الجواب هو ان أي تجربة من هذه التجارب سواء في الهند او افريقا او اميركا لها بيئات واجواء تختلف عما في العراق بل يمكن الذهاب ابعد من ذلك, والحقيقة ان التجربة العراقية وظروفها تختلف عن غيرها حتى بين الشعوب العربية, ولذلك فانه من الصعب ان تكون التجربة العراقية وصفة جاهزة تؤخذ من الغير وتطبق في العراق. الا ان المشترك بين العراق الجديد وتلك الدول وغيرها من الدول المتحضرة هو مفهوم الانتخابات الديمقراطية ومن هنا يتوجب على الدول الكبرى ان تحترم مفهوم الديمقراطية ولا تستغل نقاء مفاهيمه لنفسها وتشوه مفاهيمه عند غيرها بأي تبريراوتحت اية ذريعة اعلامية, وفي هذا الحال علينا ان نعرف من هو اول واصدق من نادى في العراق بانتخابات ديمقراطية بعد نهاية المجرم صدام, والسؤال اجاب عليه عدد من مفكري العالم ومراقبي الشأن العراقي؛ انه السيد السيد اية الله العظمى علي السيستاني.
لقد منّ الله سبحانه على الشعب العراقي بأن وضع حدا للظلم اذ انه يمهل ولا يهمل, فكان وعده ان قضى على اعتى طاغية في القرن الماضي وعصابة البعث المجرم, وفوق ذلك هيئ لنا سبحانه قيادة تتصف بالعلم والحلم والورع والعدل لتحل بدل الطغيان والرعونة والظلم, قيادة تخاف الله والرسول وكيف لا يكون كذلك فلاغرابة ان السيد اية الله السيستاني وبقية المراجع العظام ان يلتزم كل واحد منهم بمسيرة واخلاق وقيم النبي(ص)وان يحرس ويصون كل واحد منهم نفسه بعلمهما وقيمها فيكون الواحد منهم حارسا واكثر حرصا على مصلحة المسلمين كافة والعراقيين خاصة.
ومن هنا نرى ان المنصفين من اصحاب المعرفة والعلم سواء كانوا مسلمين او غير مسلمين اعترفوا بان مشيد ومؤسس الانتخابات اليمقراطية في العراق بعد سقوط الدكتاتورية هو السيد السيستاني وقد كتب عن هذه الحقيقة الاكاديمي الاول في العالم الملقب (ابو اللغات الحديثة)نوم جومسكي في مكانات مختلفة عن هذه الحقيقة اذ يقول:"ان الذي اسس الانتخابات الديمقراطية في العراق اية الله السيستاني رغم معارضة الاميركان والانكليز لها. وان الاميركان لايهمهم بعض الخارجين والمحاربين لهم لانه يمكن محاربتهم والقضاء عليهم ولكن الذي يهمهم هو احتجاج الحركات الشعبية الجماهيرية السلمية والتي جعلت من اية الله السيستاني رمزا لها ثم اخذت تطالب باجراء الانتخابات وفي النتيجة تراجع الاميركان والانكليز وسمحوا بالانتخابات, وبعد ان واجه الاميركان والانكليز هذه الحالة الجماهيرية انقلبوا على الشيعة وحاولوا تدميرهم وهذا الذي نراه ونلمسه الان."
وبالاضافة الى ما قاله جومسكي فان رئيس تحرير اشهر واهم جريدة بريطانية Financial Times ذكر في الشهر الثالث لعام 2006 ان الفضل في اجراء الانتخابات العراقية يعود الى اصرار اية الله ِالعظمى علي السيستاني الذي اعترض على ثلاثة مشاريع قدمتها قوات الاحتلال التي تقودها اميركا من اجل تأخير الانتخابات ثم تمويعها واضعافها, مما اضطرت قوات الاحتلال الى الرضوخ بقبول الانتخابات العراقية.ولهذا نرى ان التحركات الاميركية الماكوكية ما بين واشنطن والعراق تسير الان في درجة من الهستيريا في سبيل ان ترسم صورة البرلمان العراقي القادم حيث تعمل من اجل زج اكبر عدد من البعثيين وعملاء السعودية الوهابية في البرلمان من اجل صياغة مجلس برلمان تسوقه المخابرات الاميركية والصهيونية والسعودية, الا ان عين المرجعية الساهرة على العراق سوف تفوت الفرص على كل اعداء العراق, وهاهي اليوم مجتمعة لم تغمض العين حتى حلول واطلالة الانتخابات البرلمانية لسنة 2010 ومعرفة سلامتها من التزييف والتزوير, حيث شدد مكتب سماحة السيد السيستاني على الحضور الى المراكز الانتخابية وتفويت الفرص على الاخرين وعدم تحقيق مآربهم, وقد اكد البيان على اختيار افضل القوائم واحرصها على مصلحة الشعب العراقي, وكذلك على الناخب ان يختار من المرشحين في القائمة من يتصف بالكفاءة والامانة والالتزام بثوابت الشعب العراقي وقيمه الاصيلة.
ان الخوف الذي يلازم السعودية واسرائيل ثم دولة الاحتلال الاميرکي هو ان مسيرة الشعب على نهج الامام السيستاني سوف تخلق اجواء صعبة في المستقبل قد تواجه مخططات هذا الحلف الثلاثي وانصياع الناس الى توجيهات ونصائح المرجعية, مما سوف يساعد على الحفاظ وعدم نهب ثروات العراق وسلامة شعبه ومن كل ما يراد به من سوء.
ثم ان هذه الانتخابات اذا اخذت بمحمل الجد فسوف يطرح السؤال نفسه بعد نتائجها:هل ان الشعب العراقي يريد قوات الاحتلال ان تبقى في العراق؟ وقد كان الجواب على هذا السؤال الاحصائي في سنة 2006 ان 82% لايريدون وجودا للقوات الاميركية وقد اجريت هذه الاحصائية على طلبة الجامعات العراقية وهنالك احصائية قام بها معهد Brookings الاميركي في واشنطن في نفس السنة ان اكثر من 80% يفضلون الانسحاب الاميركي من بلدهم العراق, فما بالك الان والشعب العراقي يرى التدخل السافر والمنحاز في شؤونه الداخلية من قبل قوات الاحتلال وخاصة في الانتخابات البرلمانية القادمة.
ان اهم شيئ في تقويم وجدولة الاحداث السياسية في المجتمع الواحد هي الانتخابات البرلمانية, وهنالك من يرى ان البرلمان هو عبارة عن المحكمة العليا لذلك البلد, ولذا يجدر بالمرشح والناخب ان يتفقا ضمنيا على ان يكون المرشح ملما بالثقافة القانونية والتشريعية ولو بدرجة الطاعة والاحترام للاحكام القانونية وليس فقط بنصوص وفلسفة القوانين التي يجب ان تكون تحصيل حاصل تطمح اليها تشكيلة البرلمانات المتحضرة التي تخدم شعوبها وتتفانى في سبيل المصلحة العامة. لهذا السبب يجب ان يكون الناخب واعيا وعلى اطلاع الى حد ما بشخصية المرشح لان ما يؤشر عليه الناخب سوف يؤكد بقاء النائب السابق او اخراجه من البرلمان بل واخراج حتى رئيس السلطة التنفيذية اذا فشل حزبه في المعركة الانتخابية.
ومن هنا نجد كثيرا ما في الاقطار المتقدمة ان الانتخابات البرلمانية قد تقضي وتنهي بالمسيرة السياسية للكثير من الشخصيات والرموز المخضرمة في التأريخ السياسي كما حدث للسيدة ماركريت ثاتجر وجون ميجر ودنس هيلي وغيرهم من اعضاء وقادة البرلمان البريطاني ليستبدلوا بوجوه سياسية جديدة, اما في الامة العربية فان اعضاء برلماناتها يتمسكون ببقاء كرسيهم البرلماني كملك عضوض كما يتمسك قادتهم بكراسيهم الرئاسية والملَكية حتى الموت.
اما من ناحية الحملة الانتخابية فالمتعارف على بداية انطلاق حملتها ان لاتتجاوز عدة اسابيع قبل موعد الانتخابات ولم تقتصر هذه الحالة في العراق فقط وانما ايضا في معظم الدول الاوربية الا ان الواقع ان الحملات الانتخابية تبدآ قبل عدة اشهر حتى ليلة الانتخابات رغم الاعلان عن نهايتها مما تتعب وتستهلك قوى القائمين عليها. ثم ان هنالك هيئات مختصة باظهار علامات الفشل والنجاح مسبقا لكل حزب من خلال بعض التفاصيل كمعرفة اراء الناس عن طريق استمارات او طرق الاحصاء الاليكترونية ومعرفة اوضاع بعض المناطق الانتخابية التي تقرر وتحسم نتائج الانتخابات بشكل اجمالي وقبل الخوض فيها.
ان اخطر واسوء التوقعات لما تنتجه الانتخابات العراقية القادمة هو احتمال الرجوع الى المحاصصة والتوافقيات وهذا ما يجب حسمه في هذه الانتخابات وقطع دابره والا سيدخل العراق في السنوات الاربع القادمة في دهاليز مظلمة, وسوف تصبح دورة البرلمان القادمة في ازمة مستمرة وصراع واقتتال مع النفس رغم ابعاد شبح الحروب الطائفية والعنصرية التي تسعى اليها المخابرات الصهيونية والسعودية, فالشعب العراقي وباغلبيته الساحقة من الشمال الى الجنواب قد تخطى هذه النوع من التهديد وذلك بسبب عوامل ايجابية كثيرة اهمها حكمة مؤسسة المرجعية الدينية في النجف الاشرف التي تزيد خبرتها على اكثر من الف سنة ونستيطيع القول انها اقدم مؤسسة مدنية دينية تعتمد على نفسها بشهادة احمد امين صاحب سلسلة فجر الاسلام, وضحاه, وظهره, وفي كتابه يوم الاسلام الذي يتحدث فيه عن مقتل الامام الحسين (ع):"ومن ذلك الحين كان الشيعة ينصبون عليهم اماما من اهل البيت والامويون والعباسيون ينصبون عليهم خليفة من البيت الاموي او العباسي وكل يرى انه احق بالامر ويكون بينهما صراع ينتهي بقتل الامام الشيعي."ومن هذه العبارة نستنتج ان مؤسسة المرجعية قد عانت وقاومت عصور القهر والظلم ولم يمح ذكرها وذكر قيادتها الى يومنا هذا مدافعة عن المثل العليا في الاسلام مغذية استمرارها بنفسها فلم تكن يوما واعظة للسلاطين بل قريبة من الشعب واقفة الى جانبه عارفة بمصالحه, فثبت اساسها وغزرت ينابيع عيونها نتيجة لهذه المسيرة الطويلة التي اصبحت مصباحا ومنارا أُقتدي بها واعلام قُصد اليها من ارجاء العالم للنهل من علومها وادابها وجعل الله سبحانه فيها منتهى رضوانه وذروة دعائمه.
والمرجعية الدينية اليوم واثقة الخطوات تعرف جيدا ما يدور في البلاد وما يخطط اعداء العراق له فهي حريصة عل مصالح كل المواطنين وهي اليوم تحث ابناء الشعب العراقي على المشاركة المكثفة في الانتخابات, وتطالب من الناخب ان يختار المرشح الذي لاتشرف نفسه على طمع ولايتمادى في الزلة. لذلك اوصى مكتب الامام السيستاني بان على الناخب ان يختار من القوائم المشاركة ما هي افضلها واحرصها على مصالح العراق وكذلك بقية قادة الحوزة العلمية في النجف الاشرف. ان الصعوبة وليس المعضلة التي يواجهها المُنتخِب العراقي هي في الكم الهائل من المرشحين وعدد القوائم التي لامثيل ولا مضاهاة لها في أية دولة متحضرة ففي بريطانيا مثلا يوجد حزبان رئيسيان في التنافس على السلطة واي منهما يفوز يكون الامر محسوما دون محاصصات ولا توافقيات فقد كان الحزبان المتنافسان على تبادل السلطة هما حزب المحافظين وحزب الاحرار حتى الحرب العالمية الثانية ام بعدها الى يومنا هذا فان الحزبان الرئيسيان هما العمال والمحافظين اذ اصبح حزب الاحرار في المرتبة الثالثة.
ان دور الاحزا