وكالة أهل البيت (ع) للأنباء

المصدر : خاص ابنا
الاثنين

١٧ مايو ٢٠١٠

٧:٣٠:٠٠ م
179460

الدور التربوي للدعاء في حركة الإصلاح

ما أن انتهت معركة كربلاء حتی بدأ الإمام زین العابدین (ع) یعد العدّة لإعادة صیاغة الأمة ، التي ترهلت و فقدت فعالیتها و دورها ، حتی وصل إلی سدة قیادتها رجل مثل یزید ، فاسق فاجر قاتل للنفس المحترمة ، دون أدنی ردة فعل من العناصر الفاعلة فیها.

دور الدعاء :

حرص الإمام الحسین (ع) من خلال ثورته و شعاراتها علی استنهاض الامة من أجل تغییر الواقع الفاسد، حیث أوضح ان هدفه هو طلب الاصلاح في أمة جده، معلناً استعداده للتضحیة في سبیل هذا الهدف السامي و في سبیل تحقیق أهداف ثورته.

و قد تنكر الكثیر من أفراد الأمة في ذلك الوقت للإمام (ع) و تخاذلوا عن نصرته ، بل انطلقوا لیحاربوه في جیش یزید ، حرصاً علی مكتسباتهم و مصالحهم، متخلین عن واجبهم الدیني و الأخلاقي ، بسبب فسادهم و ارتباطهم بالدنیا علی حساب دینهم و رسالتهم ، مما شكل حالة سلبیة في واقع الأمة.

وقد واصل الإمام زین العابدین مسیرة كربلاء و حرص علی متابعة خط الثورة الحسینیة رغم الضغوط التي واجهته، مستخدماً أسلوب الدعاء من أجل حفظ حركة الإصلاح ، و من اجل إعادة ربط الامة بالمفاهیم الاسلامیة الاصیلة ، حیث انتهج برنامجاً تربویاً و روحیاً ، من أجل أن یعزز ارتباطها بالله تعالی لیكون هو المنطلق و الهدف و الغایة.

لأجل ذلك كانت حركة الدعاء التي تمتد في كل واقع الأمة و لا تقف عند حدود طلب الحاجات الدنیویة من الله ، بل تدخل إلی كل تفاصیل هذا الواقع. حیث یمتد ذكر الله تعالی في الصباح و المساء ، و عندما تعرض للإنسان ملمّة و بلیّة و عند طلب الحوائج من الله ، و إذا اعتدي علیه، و عند البلاء و عند الاعتذار من تبعات العبادة ، و في دفع كید الاعداء و عند الشعور بالمسؤولیة تجاه الوالیدن و الأبناء و الجیران، لأن الله عندما یكون حاضراً في نفس الإنسان و الحیاة، فلن یخضع لأحد غیره ، و عند ما یستشعر هذا الإنسان رقابه خالقه، فلن یبیع مواقفه، و سیكون شامخاً... و عندما یحب الإنسان الله وحده فسینعكس هذا الحب حباً لرسالته، و غیرةً علیها، وحباً للقیم التي دعت لتحقیقها، وحباً للناس و قضایاهم و حاجاتهم و أهدافهم و مستقبلهم ، باعتبار أن الخلق كلهم عیال الله و أحبهم إلی الله أنفعهم لعیاله.

و لذلك توجه الإمام زین العابدین (ع) لتربیة الأمة من خلال الدعاء ، حتی تعرف الله حق معرفته، لتحبه و تعبده حق عبادته و تخلص له...

الإرتباط بالله :

و لذلك نراه یتوجه الی الله تعالی في دعاء السحر قائلا: " الحمدلله الذي أدعوه و لا أدعو غیره، و لو دعوت غیره لم یستجب لي دعائي، و الحمدلله الذي أرجوه و لا أرجو غیره، و لو رجوت غیره لأخلف رجائي».

ثم نراه یتوجه إلی الله معلناً الحب الخالص له ، و مؤكداً التوجه إلی أحد إلا من خلاله، و بعد إحراز مرضاته حیث یقول: " ... فكم قد رأیت یا إلهي من أناس طلبوا العزّ بغیرك فذلّوا ، و راموا الثّروة من سواك فافتقروا، و حاولوا الارتفاع فاتّضعوا... فأنت یا مولاي دون كلّ مسؤول موضع مسألتي ، و دون كل مطلوب إلیه وليّ حاجتي".

و یبین سبب ابتعاده عن الارتباط بغیر الله بقوله: "... و من سواك مرحوم في عمره ، مغلوب علی أمره ، مقهور علی شأنه".

ثم یؤكد أنه لا ینبغي طلب الحاجات إلا من الله تعالی لأنه مصدر النعم، « و ما بكم من نعمة فمن الله» ولذا من الخطأ الاعتقاد أن تلبیه الحاجات سیكون بفضل تدخل الزعماء و الحكام، لأن هؤلاء یعودون بأمورهم إلی الله و قد أوضح هذا الموقف في دعائه ، بصورة تصویریة رائعة: " اللهمّ ولي إلیك حاجة قد قصر عنها جهدي، و تقطّعت دونها حیلي، و سوّلت لي نفسي رفعها إلی من یرفع حوائجه إلیك، و لا یستغني في طلباته عنك، وهي زلّة من زلل الخاطئین ، وعثرة من عثرات المذنبین ، ثم انتهبت بتذكیرك لي من غفلتي ، و نهضت بتوفیقك من زلّتي ... وقلت : سبحان ربي كیف یسأل محتاج محتاجاً ، و أنّي یرغب معدم إلی معدم".

و لذا تراه عندما یعسر علیه الرزق یتوجه إلی الله واثقاً به ، مندداً بالذین یطلبون رزقهم عند الآخرین ، فیتنازلون عن مبادئهم و قیمهم لحساب الوصول إلی مال أو موقع ، یقول(ع):  " الّهمّ إنّك ابتلیتنا في أرزاقنا بسوء الظنّ ، حتّی التمسنا أرزاقك مند المرزوقین . اللهم وهب لنا یقیناً صادقاً تكفینا به من مؤونة الطلب، و ألهمنا ثقةً خالصةً تعفینا بها من شدّة النّصب".

و یتوجه الإمام (ع) إلی الله عزّوجل في الشدائد حیث یشعر بأن الله وحده الحامي و الحاضن و المعین عند الشدائد و الملمّات ، فلا یحتاج معه إلی أحد من خلقه ، فیخاطبه قائلاً: " أنت المدعوّ للمهمّات ،و أنت المفزع في الملمّات ، لا یندفع منها إلا ما دفعت ، و لا ینكشف منها إلا ما كشفت".

مشروع عملي :

وقد حرص الإمام زین العابدین (ع) علی التأكید أن العلاقة بالله ینبغي أن تتحول إلی مشروع عملي ینعكس علی الحیاة الخاصة و العامة في مختلف جوانبها الاجتماعیة و السیاسیة و الاقتصادیة ، و لهذا عندما كان یسأل الله حبه كان یدعوه أن یتحول هذا الحب إلی مسار عملي و لهذا كان یدعو : " اللهم إني أسألك حبك و حبّ من یحبك و حبّ كل عمل یوصلني إلی قربك... و أن تجعل حبي إیاك قائدا إلی رضوانك و شوقي إلیك ذائداً عن عصیانك".

و كان علیه السلام یبتدأ یومه بالتوجه إلی الله ، طالباً منه العون علی كل المسؤولیات في الحیاة ، فلا تقتصر في ذلك علی المسؤولیات العبادیة ـ علی أهمیة دورهاـ بل یؤكد المسؤولیات الرسالیة العمة تجاه الحیاة بكل عناوینها: " اللهمّ و وفّقنا في یومنا هذا ، و لیلتنا هذه ، و في جمیع أیّامنا ، لاستعمال الخیر و هجران الشر ، و شكر النعم ، و اتّباع السنن ،و مجانبة البدع ، و الأمر بالمعروف و النّهي عن المنكر ، و حیاطة الإسلام ، و انتقاص الباطل و إذلاله ، و نصرة الحقّ و إعزازه ، و إرشاد الضال و معاونة الضعیف و إدراك اللّیف".

و لذلك كان یعلّمنا ضرورة التوبة إلی الله و طلب المغفرة منه عندما نقصّر في القیام بمسؤولیاتنا العامة ، و الاستغفار عندما لا نقوم بواجباتنا العبادیة، في اسلوب تربوي ممیز، حیث یدعو(ع) : "اللهمّ إنّي اعتذر إلیك من مظلوم ظلم بحضرتي فلم أنصره ، و من معروف أسدي أليّ فلم أشكره".

كما أكد الإمام (ع) علی أن العلاقة بالله تجعل الإنسان یتحرك في اتجاه الأحسن و الاكمل و الأفضل ، كما دعا إلی أن نجعل لكل یوما برنامجا خاصا. لهذا كان له برنامج یومي علی المستوی الروحي و العملي ، حیث كان یدعو إلیه لیوّفقه لتنفیذه، لیكون العمر كله في رحاب الله و في ظل طاعته.

و بذلك أراد الإمام (ع) أن تنتج أمة ترتبط بالله حباً و شكراً و تقدیراً ،كما ترتبط به اخلاقاً و منهجاً و سلوكاً ، حتی یزیل المفاهیم التي كانت تعزل العلاقة بالله عن واقع الحیاة عندما تكون القلوب فقط مع الله و أولیائه، فیما تشهر السیوف علیهم و من هنا مثلثِ " الصحیفة السجادیة " كنزاً ثقافیاً للأمة علی المستوی الروحي و الحركي ، و علی مستوی فهم الواقع و مواجهة سلبیاته. فمن خلال هذه العلاقة بالله تزول كل الأسباب التي أدت إلی سیطرة الظالمین و المفسدین علی واقع الأمة ، و بالتالي إلی محنة عاشوراء و ما جری فیها.

انتهی/125