وكالة أهل البيت (ع) للأنباء

المصدر : خاص ابنا
الاثنين

١٧ مايو ٢٠١٠

٧:٣٠:٠٠ م
179443

الإسلام یقظة دینیة و روحیة

ظل الإسلام یشكل خلال أربعة قرون ، المجتمع الأكثر حیویة و نشاطاً في العالم بإیمانه و ثقافته و مفهومه و إدراكه الاجتماعي.

أما الیوم ، فإن معظم البلاد الاسلامیة قد طوقت نفسها بتحالفات عالمیة متشعبة، حیث لم تعد صانعة للتاریخ ، بل أصبحت وسیلة بید القوی العالمیة ، لقد فقدت مبادرة صنع التاریخ بنفسها و أصبحت تعیش بدون أي برنامج مستقبلي واضح.

ما هي الأسباب التي أوجدت ذلك أوجدت ذلك الماضي الإسلامي العریق؟ و ماهي الأسباب التي أدت إلی الانحطاط الیوم؟ كیف یستطیع الاسلام الیوم أن یعود لیصبح قوة حیّة تحمل الأمل و الرجاء؟

انتشار الاسلام

في عهد رسول الله (ص) في القرن السادس المیلادي ، كان انتشار الإسلام سریعاً خاطفاً ، هذا الانتشار السریع لم یكن احتلالا عسكریاً بل كان ثورة ثقافیة.

فما هو السبب الرئیسي الذي أدی بالمسلمین الأوائل إلی الوصول إلی تلك القمة الحضاریة العالمیة؟

إن الإسلام لم یظهر كدین جدید مع ذرشادات النبي(ص) ، و لكنه القاسم المشترك لجمیع الأدیان السماویة: الخضوع لله.

أ ـ إنه المفهوم الوحید الموافق للقرآن: حیث إن الله تعالی یقول لمحمد(ص) « قل ما كنت بدعاً من الرّسل» .

إنّه الدین الأساسي و الأول لكل بني البشر منذ أن نفخ الله روحه في آدم.

فأبراهیم هو أبو المؤمنین ،و موسی و عیسی و محمد رسل الله المبلغون لقوانینه.

ب ـ هكذا ظهر الاسلام ـ أي الخضوع لله ـ لغیر المسلمین في الخارج، و الذین تقبلوه بهذا المفهوم.

لقد انتشر الاسلام بسرعة بین المسیحین الذین رفضوا مقررات المجتمع الدیني الذي عقد في نیس (1325م) ، و الذي أعلن فیه عن تألیه المسیح و عن عقیدة التثلیث.

في أسبانیا ، حتی عام 851م ـ أي بعد قرن و نصف من دخول الاسلامـ إلی هذا البلد لم یدخل أيّ رجل دین مسیحي في جدال مع المسلمین، لكنهم كانوا یجادلون بشدة الآریانیین الذین یحملون نفس العقیدة الاسلامیة بما یتعلق بالسید المسیح.

باختصار ، من الناحیة الروحیة ، الإسلام في مقابل إمبراطوریتین مختلفتین اجتاعیاً و روحیاً لم یكن یبدو كدین جدید محل دین آخر ، و لكنه (أي الاسلام) إستقبل بترحاب و حماسة من قبل الشعوب التي لم یعد إیمانهم بمعتقداتها یستطیع أن یعطي حیاتهم و قوانینها روحاً.

فالإسلام یشكل یقظة دینیة تعطي الحیاة تجدیدا لأعلی المستویات الروحیة عند الشعوب.

ثورة إجتماعیة:

في نفس الوقت الذي یشكل فیه الإسلام یقظة دینیة ، فإنه ثورة اجتماعیة عمیقة ، و هذا ه9و السبب الثاني لسرعة انتشاره ، إن الرسالة الاجتماعیة لمجتمع المدینة الاول هو أنه كان یخضع لجوهر الشریعة و أصولها التي تقول : الله واحده الآمر، الله وحده المالك، الله وحده العالم.

و هكذا ولدت أمة تأصّلت فیها روح المساواة . فكل التوجهات الاجتماعیة الأساسیة في القران (مثل تشریع الزكاة، و تحریم الربا، و إدانة تخزین الأموال و الثروات ، و اكتنازها)، تتجه نحو تجنب تكدیس الثروات من جهة، و الشقاء و الحرمان في الجهة المقابلة.

في البلاد التي دخلها الإسلام كانت الأرض توزّع علی من یصلحها و یحییها (هذه الارض كانت حتی ذلك الوقت مستغلة من قبل ملاك إقطاعیین ، و ملوك خاملین أو رجال دین شرهین) مقابل ضریبة بسیطة . إذاً نلاحظ أنّه خلال انتشار الإسلام لم تحدث إلا بعض المعارك الحربیة و التي كانت ضد الملوك و الإقطاعیین المعزولین عملیاً عن شعوبهم: (معركة الیرموك ، و القادسیة، و نهاوندفي الشرق، و معركة ریوباربات في أسباینا).

الشعوب استقبلت المسلمین كرجال محررین و مؤمنین مخلصین یحترمون عقائد الغیر و یصححونها بواسطة رسالة خاتم الانبیاء.

الانحطاط الأموي:

إن أول انحطاط ـ في المجتمع الاسلامي ـ ابتدأ بالثورة الأمویة المضادة اجتماعیاً و سیاسیاً ، و التي رافقها تضلیل و تحریف دیني حوّل الیقظة الدینیة إلی عملیة تقدیس للنظام الحاكم.

بعد المرحلة الاولی تحوّل الحكم إلی ملكیة مترفة باذخة ، قطعت رابطة بروح المجتمع الاسلامي الأول في المدینة، و لكن في الوقت نفسه اتجهت إلی تقلید الحكم الطاغوتي المترف في الإمبراطوریة البیزنطیة.

ذلك النظام الأموي المستبد علی الثروات العظیمة و فساده المهین، شكل أحد القروح الآكلة في جسم الاسلام، و ذلك بأفساده للروح الإسلامیة عند المسلمین في الداخل ،و إعطائه صورة مخزیة عن الإسلام لغیر المسلمین في الخراج، و الیو م فإن الأنظمة القائمة في بعض الدول العربیة الغنیة تقوم بنفس الدور و تمثل نفس وصمة العار التي سنها الأموین.

لقد جرّ هذا الانحطاط الخلقي وراءه انحرافات عقائدیة خطیرة ، فحینما سیطر الأمویون علی مقالید السلطة وجهوا أكبر طعنة إجرامیة ضد الإسلام و التي هي:

ـ ابتداع عقیدة تبریر لوجود سلطات ملكیة استبدادیة.

ـ ایجاد مدرسة فكریة تعلّم الناس الخضوع و الاستسلام لهذه السلطات الجائرة.

و لتوضیح ذلك نجد أن عهد السلطة الأمویة قد كثرت فهي الأحادیث المختلفة حول القضاء و القدر، والتي تدعو إلی الالتزام بعیدة "الجبریة" و التي كان همها الطعن بتلك الفئة من المسلمین التيكانت تسعی للحفاط علی روح رسالة القرآن التي تقول بأن الإنسان یملك حریة الاختیار و العمل في حیاته.

فمثلاً نجد في مقابل الأتقیاء من المسلمین الساخطین علی الانحطاط الخلقي لأمرائهم ، كان هناك وعاظ سلاطین یرددون مقولة: « عندما یكون علی رأس الأمة ملك فهذا یعني أن الله أراد ذلك و ما علیكم إلا الطعة و الخضوع».

أننا لو سایرنا هؤلاء في معتقداتهم فسنصبح مثلهم بعیدین عن النبویة القائلة : « أفضل الجهاد عند الله كلمة حق أمام سلطان جائر».

انفتاح حضاري:

في بدایة العصر العباسي حصل انفتاح علی ثقافات الحضارات السائدة في ذلك الوقت في الهند و إیران و سوریا و الیونان و المصر.