وكالة أهل البيت (ع) للأنباء

المصدر : خاص ابنا
السبت

١٧ أبريل ٢٠١٠

٧:٣٠:٠٠ م
178729

بمناسبة رحیل النبي(ص)

حیاة خاتم الانبیاء

من الولادة الی البعثة

ولد خاتم النبيين وسيّد المرسلين محمّد بن عبداللّه‏ بن عبد المطّلب (صلي اللّه‏ عليه وآله وسلم) في السابع عشر من شهر ربيع الأوّل من عام الفيل .بعد أن فقد أباه. ثم استرضع في بني سعد ، ورُدّ الي اُمّه وهو في الرابعة أو الخامسة من عمره. وقد توفّيت اُمّه حين بلغ السادسة من عمره فكفله جدّه واختص به وبقي معه سنتين ثمّ ودّع الحياة بعد أن أوكل أمر رعايته الي عمّه الحنون أبي طالب حيث بقي مع عمّه الي حين زواجه. وسافر مع عمّه الي الشام وهو في الثانية عشرة من عمره والتقي ببحيري الراهب في الطريق فعرفه بحيري وحذّر أبا طالب من التفريط به وكشف له عن تربص اليهود به الدوائر. وحضر النبيّ (صلي اللّه‏ عليه وآله وسلم) حلف الفضول بعد العشرين من عمره وكان يفتخر بذلك فيما بعد، وسافر الي الشام مضارباً بأموال خديجة وتزوجها وهو في الخامسة والعشرين وفي ريعان شبابه ، بعد أن كان قد عُرف بالصادق الأمين، وقد ارتضته القبائل المتنازعة لنصب الحجر الأسود لحل نزاعها فأبدي حنكةً وابداعاً رائعاً أرضي به جميع المتنازعين.

الزواج المبارک

كان لابد لمثل شخصية محمد (صلي اللّه‏ عليه وآله وسلم) التي فاقت كلّ شخصيّةٍ من الاقتران بامرأة تناسبه وتتجاوب مع عظيم أهدافه وقيمه تواصل معه رحلة الجهاد والعمل المضنية وتصبر علي متاعبه ومصاعبه، ولم يكن يومذاك امرأة تصلح لمحمد (صلي اللّه‏ عليه وآله وسلم) ولهذه المهمة سوي خديجة، وشاء اللّه‏ ذلك فاتجه قلب خديجة بكلّ عواطفه نحو محمد (صلي اللّه‏ عليه وآله وسلم) وتعلق بشخصه الكريم. ولقد كانت خديجة (رضي اللّه‏ عنها) من خيرة نساء قريش شرفاً وأكثرهنَّ مالاً وأحسنهنَّ جمالاً، وكانت تدعي في الجاهلية بـ«الطاهرة» و«سيدة قريش». وكان كل رجال قومها حريصين علي الاقتران بها. وقد خطبها عظماء قريش وبذلوا لها الأموال، فرفضتهم جميعاً لما كانت تملك من عقلٍ راجحٍ يزن الأمور، ولكنّها اختارت محمداً (صلي اللّه‏ عليه وآله وسلم) لما عرفت فيه من النبل والأخلاق الكريمة والسجايا الفاضلة والقيم العالية. فطلبت النزول في ساحة عظمته، وعرضت نفسها عليه. وتظافرت النصوص التاريخية علي أ نّها هي التي أبدت أوّلاً رغبتها في الاقتران به. فذهب أبو طالب في أهل بيته، ونفرٌ من قريش لخطبتها من وليّها آنذاك وهو عمها عمرو بن أسد وكان ذلك قبل بعثة النبيّ (صلي اللّه‏ عليه وآله وسلم) بخمس عشرة سنة علي المشهور. وكان مما قاله أبو طالب في خطبته: «الحمد لربّ هذا البيت، الذي جعلنا من زرع إبراهيم وذرية إسماعيل وأنزلنا حرماً آمناً، وجعلنا الحكّام علي الناس، وبارك لنا في بلدنا الذي نحن فيه ... ثمّ إن ابن أخي هذا ممن لا يوزن برجل من قريش إلاّ رجح به ولا يقاس به رجل إلاّ عظم عنه، ولا عدل له في الخلق وإن كان مقلاًّ في المال؛ فإن المال رفدٌ جارٍ، وظل زائل، وله في خديجة رغبة ولها فيه رغبة، وقد جئناك لنخطبها إليه، برضاها وأمرها والمهر عليَّ في مالي الذي سألتموه عاجله وآجله... وله وربّ هذا البيت حظّ عظيم، ودين شائع ورأي كامل». لكن خديجة (رضي اللّه‏ عنها) عادت، فضمنت المهر في مالها.. فقال البعض: يا عجباً! المهر علي النساء للرجال فغضب أبو طالب، وقال: «إذا كانوا مثل ابن أخي هذا طُلبت الرجال بأغلي الأثمان وأعظم المهر، وإن كانوا أمثالكم لم يزوجوا إلاّ بالمهر الغالي». وتفيد بعض المصادر أن رسول اللّه‏ (صلي اللّه‏ عليه وآله وسلم) نفسه قد أمهرها، ولا مانع من ذلك حينما يكون قد أمهرها بواسطة أبي طالب، ومن خطبة أبي طالب يمكننا أن نستشف علو مكانة الرسول (صلي اللّه‏ عليه وآله وسلم) في قلوب الناس، وما كان يتمتع به بنو هاشم من شرف وسؤدد.

 

إعادة وضع الحجر الاسود

كان للكعبة منزلة كبيرة لدي العرب إذ كانوا يعتنون بها ويحجّون إليها في الجاهلية. وقبل البعثة النبوية بخمسة أعوام هدم السيل الكعبة فاجتمعت قريش وقررت بناءها وتوسعتها وباشر أشراف القريشيين والمكيين العمل، ولما تكامل البناء وبلغوا الي موضع الحجر الأسود اختلفوا في مَن يضعه في مكانه؛ فكل قبيلة كانت تريد أن تختص بشرف ذلك واستعدوا للقتال وانضم كل حليف إلي حليفه وتركوا العمل في بنائها ثم اجتمعوا في المسجد فتشاوروا واتفقوا علي ان يكون أول داخل علي الاجتماع هو الحكم بينهم وتعاهدوا علي الالتزام بحكمه فكان أول داخل محمد بن عبداللّه‏ (صلي اللّه‏ عليه وآله وسلم) فقالوا: هذا الأمين قد رضينا به، وأقدم النبيّ (صلي اللّه‏ عليه وآله وسلم) علي حلّ النزاع حين جعل الحجر في ثوب وقال: لتأخذ كل قبيلة بناحية من الثوب، ثمّ قال: ارفعوا جميعاً ففعلوا فلما حاذوا موضعه أخذه بيده الشريفة ووضعه حيث يجب أن يكون، وبعد ذلك أتمّوا بناءها. وروي بعض المؤرخين: أنهم كانوا يتحاكمون إلي النبيّ (صلي اللّه‏ عليه وآله وسلم) في الجاهلية لأ نّه كان لا يداري ولا يماري. لقد كان لهذا الموقف أثر كبير في نفوس تلك القبائل وأعطي الرسول (صلي اللّه‏ عليه وآله وسلم) رصيداً كبيراً وعمقاً جديداً لتثبيت مكانته الاجتماعية ولفت انتباههم إلي قدراته القيادية وكفاءته الإدارية مما ركّز ثقتهم بسموّ حكمته وحنكته وعظيم أمانته.

 

من البعثة الی الهجرة

وبُعث وهو في الأربعين وأخذ يدعو الي اللّه‏ وهو علي بصيرة من أمره ويجمع الإتباع والأنصار من المؤمنين السابقين. وبعد مضي ثلاث أو خمس سنوات من بداية الدعوة الي اللّه‏، أمره اللّه‏ بإنذار عشيرته الأقربين ثم أمره بأن يصدع بالرسالة ويدعو إلي الإسلام علانية ليدخل من أحبّ الإسلام في سلك المسلمين والمؤمنين. ومن ذلك الحين أخذت قريش تزرع الموانع أمام حركة الرسول (صلي اللّه‏ عليه وآله وسلم) وتحاول أن تمنع من انتشار الرسالة صادّةً بذلك عن سبيل اللّه‏ . وعمل النبيّ (صلي اللّه‏ عليه وآله وسلم) إلي فتح نافذة جديدة للدعوة خارج مكّة فارسل عدّة مجاميع من المسلمين الي الحبشة بعد أن حظَوا باستقبال ملكها (النجاشي) وترحيبه بقدومهم فاستقروا فيها بقيادة جعفر بن أبي طالب ولم يتركها جعفر الاّ في السنة السابعة بعد الهجرة. ولم تفلح قريش في تأليب النجاشي علي المسلمين ، فبدأت بخطّة جديدة تمثّلت في فرض الحصار الأقتصادي والأجتماعي والسياسي والذي استمرّ لمدة ثلاث سنوات ـ فلمّا أيسَتْ من إخضاع النبيّ (صلي اللّه‏ عليه وآله وسلم) وأبي طالب وسائر بني هاشم لأغراضها فكّت الحصار ولكن النبيّ (صلي اللّه‏ عليه وآله وسلم) وعشيرته بعد أن خرجوا من الحصار منتصرين أُمتُحِنوا بوفاة أبي طالب وخديجة ـ سلام اللّه‏ عليهما ـ في السنة العاشرة من البعثة وكان وقع الحادثين ثقيلاً علي النبيّ (صلي اللّه‏ عليه وآله وسلم) لأنّه فقد بذلك أقوي ناصرَينِ في عام واحد. وهنا رجّح بعض المؤرّخين تحقق حادثة الاسراء والمعراج والنبيّ في أوج هذا الحزن والضغط النفسي علي النبيّ (صلي اللّه‏ عليه وآله وسلم) وهو يري صدود قريش ووقوفها بكل ثقلها أمام رسالته ففتح اللّه‏ له آفاق المستقبل بما أراه من آياته الكبري فكانت بركات (المعراج) عظيمة للنبي وللمؤمنين جميعاً. وهاجر الرسول (صلي اللّه‏ عليه وآله وسلم) الي الطائف ليبحث عن قاعدة جديدة ولكنه لم يكسب فتحاً جديداً من هذه البلدة المجاورة لمكة والمتأثرة بأجوائها، فرجع الي مكّة بعد أن اختار جوار مطعم بن عدي فدخلها، وبدأ نشاطاً جديداً لنشر الرسالة وفي مواسم الحج حيث أخذ يعرض نفسه علي القبائل القاصدة للبيت الحرام لأداء مناسك الحج وللإتّجار فيسوق عكاظ ففتح اللّه‏ له أبواب النصر بعد التقائه بأهل يثرب، واستمرّت دعوته الي اللّه‏ وانتشر الإسلام في يثرب حتي قرّر الهجرة اليها بنفسه بعد أن أخبره اللّه‏ تعالي بكيد قريش حين أجمعت بطونها علي قتله والتخلّص منه نهائيّاً، فأمر عليّاً عليه السلام بالمبيت في فراشه وهاجر هو الي يثرب بكل حيطة وحذر، ودخلها وأهل يثرب علي أتمّ الاستعداد لاستقباله، فوصل (قبا) في غرّة ربيع الأوّل وأصبحت هجرته المباركة مبدأ للتأريخ الاسلامي بأمرٍ منه (صلي اللّه‏ عليه وآله وسلم).

 

من الهجرة الی الفتح

وأسّس النبيّ الخاتم (صلي اللّه‏ عليه وآله وسلم) أوّل دولةٍ إسلاميةٍ أرسي قواعدها طيلة السنة الاُولي بعد الهجرة بدءاً بكسر الأصنام وبناء المسجد النبوي الذي أعدّه مركزاً لنشاطه ودعوته وحكومته وبالمؤاخاة بين المهاجرين والأنصار ليقيم بذلك قاعدة شعبية صلبة يقوم عليها بناء الدولة الجديدة، هذا مضافاً إلي كتابة الصحيفة التي نظم فيها علاقة القبائل بعضها مع بعض والمعاهدة التي أمضاها مع بطون اليهود حيث كانت تشتمل علي الخطوط العامة لأوّل نظام إداري وحكومي إسلامي. ولقد واجهت الدولة الإسلامية الفتية وكذا الدعوة الإسلامية مواجهة شرسة من جانب قريش التي عزمت علي اكتساح الدعوة والدولة الإسلاميتين فشنّت الحرب بعد الحرب علي المسلمين وكان لابدّ للنبي (صلي اللّه‏ عليه وآله وسلم) والمسلمين من الدفاع. وبدأت سنوات الدفاع عن هذه الدولة الفتية وقد افتتحها بأوّل سريّة بقيادة عمّه حمزة في الشهر السابع بعد الهجرة وجهّز ثلاث سرايا الي نهاية العام الأوّل من الهجرة. ونزلت في هذا العام آيات كثيرة من سورة البقرة لترسم للنبي (صلي اللّه‏ عليه وآله وسلم) ودولته وأمّته أحكاماً خالدة وتفضح خطط المنافقين وتكشف مؤامرات اليهود ضدّ خاتم المرسلين ودولته العالمية الجديدة. لقد استهدفت قريش النبيّ (صلي اللّه‏ عليه وآله وسلم) ودولته من خارج المدينة، واستهدف اليهود هذه الدولة من داخل المدينة فرصد النبيّ تحركاتهم جميعاً، وتتابعت ثمان غزواتٍ وسريّتان طيلة العام الثاني بمافيها غزوة بدر الكبري في رمضان المبارك حيث افترضت فريضة الصيام وتمّ تحويل القبلة كلُّ ذلك أعطي لاستقلال الاُمّة ا