وكالة أهل البيت (ع) للأنباء

المصدر : خاص ابنا
السبت

١٧ أبريل ٢٠١٠

٧:٣٠:٠٠ م
178215

بمناسبة ایام انتصار الثورة الاسلامیة

البعد التاریخي لنهضة الامام الخمیني

ليست الاحداث التاریخیة کائنات من اجناس شتی ... لیست احجارا یقذف بها المجهول في برکة راکدة فتهز میاهها لتحدث فیها دوائر تتباعد عن المرکز ثم تتلاشی الی الابد... انها کائنات حیة تتوالد و تتعاطی عبر صیرورة التاریخ ... انها حرکة ، و للحرکة دوافعها و تحرکاتها الکامنة و الفاعلة ، و لها آثارها التي هي أحداث جدیدة ، ولیدة ، ستنجب هي الاخری عبر حرکتها الدائبة أحداثا اخری ...

فلیس هناک حدث تاریخي مقطوع الجذور عن الاسباب و المبررات .. و ما هذه الاسباب و المبررات الا معطیات التاریخ التي تتعاضد في صناعة ذلک الحدث القادم . هذا هو التاریخ في حرکته و صیرورته ، سواء کانت حرکته تصاعدیة مطردة ، او انها رسمت مسارا متعرّجاً ، صعوداً و هبوطاً، فعلی اي حال کان فلیس في التاریخ (طفرات تاریخیة ) من صنف الطفرات الوراثیة في الجینات، لیس فیه معجزة خارقة للعادة، إلّا في احداث معدودة ، کالطوفان ، انفلاق البحر لموسی لیهلک فرعون ، و حتی في مثل هذه الاحداث لا تأتي المعجزة الا حلقة في نسق تاریخي، و من خلاله فقط تکتسب مبرراتها ، فحتی المعجزة بهذا المعني هي ولیدة الحدث او النسق التاریخي...

و من هنا فان الحدث التاریخي، اي حدث ، انما یکتسب معناه الحقیقي من خلال البحث عن جذوره التاریخیة، و موقعه في صیرورة التاریخ، و لیس من خلال اجتثاث جذوره من الارض و تحویلها صوب السماء ، کما یفعل المغالون عادة و هم یستعرضون عظماءهم ظانین خطأً ان الارتباط بالسماء یکون من قبل الجذور، بل ظانین ان المقدس لیس له بالارض صلة ، و ما کان له صلة بالارض فهو ارضي لا تمتزج به القداسة.

و لیس الامر کذلک ، فکل ما یستحقه صانع الحدث التاریخي الکبیر من تعظیم انما هو آت من تفعیل کامل قدراته في استثمار المعادلات التي اذا ما احسن استثمارها ، اتت بالتغییر المطلوب ، الحدث التاریخي ، خلافا لسائر الناس الذین تمر علیهم الفرص دون ان یشعروا، و تطرق علی رؤوسهم المنبهات و المحفزات ، فلا یستفیقون ، بل و حتی اولئک الذین ینفعلون مع التحدیات و لکن دون المستوی المثمر الخلّاق ... الشریحة الاولی هم عظماء البشر ، و هم صانعوا التاریخ بهذا المعنی.

في هذه القراءة نود الوقوف علی هذا المعنی الاخر للنهضة ، نهضة الامام الخمیني، المعنی الذي یضفیه علیها موقعها في حرکة التاریخ، و استجاباتها الخلاقة لتحدیاته ، و حواراته البناءة مع متغیراته.

هذا ما اردناه من البعد التاریخي ، و قد وضعنا له تخطیطاً رباعیاً ، سنقف عند ابعاده الاربعة: « الجذر التاریخي» و « المعرفة التاریخیة » و « المعطی التاریخي الفکري، التراث» و « المعطی الفلسفي، تفسیر التاریخ».

1ـ الجذر التاریخيتعد التحدیات التي اسهمت في تکوین الحوافز نحو التحرک و الاصلاح و النهوض، هي اقرب الجذور التاریخیة لهذا النوع من الحرکة .. و في العصر الحدیث ، حیث ظهر اکثر من مشروع اصلاحي اسلامي کبیر، تعد الاخفاقات العثمانیة و التدهور السریع امام الغرب و ظهور حرکات قومیة اوم وطنیة انفصالیة متأثرة بالفکر الغربی ، هي اهم الحوافز الداعیة الی التحصن بالدین من خلال تجدید النظر في طبیعة تفسیر الدین و تطبیقاته ، اذ اصبحت التجربة العثمانیة ، و مثلها الصفویة ، فاشلة علی هذا الصعید.

في مثل هذه الظروف کان مشروع السید جمال الدین المعروف بالافغاني الانموذج الافضل لمشروع نهضوي اسلامي، یعید الوعي الی المسلمین ، و یوحّد صفوفهم و یفجّر طاقاتهم ، و قد کان لهذا المشروع صیت حسن ، و اثر کبیر في عموم بلدان المسلمین ، و لا سیما بعد وفاة صاحبه في سنة 1897م. و ان کان السید جمال الیدن قد طاف و تحرک في بلاد کثیرة ، و کان یحب ان یظهر بأنه افغاني سنّي ، فهو ایراني المولد درس بعض علوم الشریعة في حوزة النجف ، و هو علی صلة بکثیر من علماء الدین الشیعة و قد کان له الاثر الکبیر في حرکة التنباک ، سنة 1895م ، بل في نظر الشهید المطهري کان له دور کبیر ایضاً في ثورة الدستور« المشروطة» التي حدثت بعد وفاته بنحو عشر سنین.

فلقد عاصر السید جمال الدین الفترة التي کانت فیها ایران اکثر دول الشرق الاوسط تنازلاً للغرب و لروسیا القیصریة ، ففي عام 1872 منح ناصر الدین شاه بریطانیا اضخم تنازل تحصل علیه في التاریخ ، اذ وضع  تحت اختیارها . جمیع مصادر الثروة ا لصناعیة ... الامر الذي أثار غضب الروس الذین کانوا ینافسون الانجلیز علی (جنة ایران) ، علی حد تعبیر السید جمال الدین نفسه.

حلقات هذا الصراع الدائر حول استغلال و انتهاب العالم الاسلامي کان یدور کله في ذهن الامام الخمیني و هو یؤسس لمشروعه النهضوي الاصلاحي، فهو یقول : « ان المستعمرین و الحکام المستبدین و طالبي الجاه قد قسّموا الوطن الاسلامي و فصلوا الامة عن بعضها، وجعلوها شعوباً متفرقة، کما قام المستعمرون بتقسیم الدولة العثمانیة الکبری في زمانها ، فقد اتحدت روسیا و انجلترا و النمسا و سائر الدول الاستعماریة و دخلوا معها في حرب ، و من ثم احتلت کل دولة قسما من مناطقها ، و لئن کان اکثر حکام الدولة العثمانیة لا یتمتعون باللیاقة المطلوبة ، و بعضهم کان فاسداً و کان نظامهم نظام سلطنة ، لکن کان لا یزال خطر ظهور اشخاص صالحین من بین الشعب قائما بالنسبة للمستعمرین ، لانه ربما قام هؤلاء باستلام الحکم بمساعدة من الناس و قضوا علی وجود الاستعمار . لذا قاموا بتقسیمها في الحرب العالمیة الاولی و بعد حروب متعددة ... لا سبیل لدینا لتحقیق وحدة امتنا الاسلامیة و اخراج وطننا و تحریره من تحت سیطرة و نفوذ المستعمرین و الدول العمیلة لها ، سوی بتأسیس دولة».

و في عام 1890 منحت حکومة الشاه ناصر الدین ما عرف بـ « امتیاز التنباک » للتاجر الانجلیزي تالبوت و شرکائه ، امتیازاً شاملا لعملیات شراء التبغ و بیعه و تصنیعه في کل البلاد. الامر الذي اثار سخط الشعب ، و تصدت له هذه المرة الزعامة الدینیة المیدانیة ، بقیادة المیرزا محمد حسن الشیرازي الذي کان آنذاک في سامراء ،و مساندة عدد من علماء الدین المخلصین ، من امثال : الشیخ حسن الکربلائي ، و الحاج میرزا جواد ، و آقا نجفي ، و میرزا محمد حسن آشتیاني، فحاولوا صرف الشاه عن هذا العقد لکنه لم ینصع تمام الانصیاع ، فاصدر المرجع الکبیر في وقته المیرزا الشیرازي فتواه الشهیرة بتحریم استعمال الدخانیات باي شکل من الاشکال. فاستجاب الشعب لهذه الفتوی استجابة اذهلت الشاه و اصحاب الامتیاز مما ادی الی ابطاله.

یستفید الامام الخمیني من هذه الفتوی في التنظیر لولایة الفقیه ، قائلا: « ان موضوع ولایة الفقیه لیس موضوعاً جدیداً جئنا به نحن ، بل ان هذه المسألة وقعت محلاً للبحث منه البدایة ، فحکم المرحوم الشیرازي في حرمة التنباک کان واجباً اتباعه حتی من الفقهاء الآخرین ایضاً ، و قد اتبع ذلک الحکم جمیع علماء ایران ما عدا بضعة اشخاص ، و هو لم یکن حکماً قضائیاً في خلاف بین بعض الاشخاص، بل کان حکماً ولائیاً ،حکومیاً ، اصدره ، رحمه الله بالعنوان الثانوي مراعاة لمصالح المسلمین. و کان الحکم مستمراً مادام العنوان موجوداً ، و بزوال العنوان ارتفع الحکم، و المرحوم المیرزا محمد تقي الشیرازي الذي حکم بالجهاد( في ثورة العشرین بالعراق) و کان ذلک بصفة دفاع بالطبع ، فقد اتبعه بقیة العلماء ، لانه کان حکماً ولائیاً حکومیاً.

فهو بعد ان یستعرض هذا الحدث و طبیعته کمحفز للحرکة ضد الاستعمار و الاستبداد و النفوذ الاجنبي في البلاد، یعتمده بعداً تاریخیاً في تدعیم النظریة، وهو ما یقع ضمن البعد الثاني « المعرفة التاریخیة» و قد اکتفیت بذکره هنا مع هذا التذکیر .

في مایس 1896 م اغتیل ناصر الدین شاه برصاص احد اتباع السید جمال الدین الافغاني ، فخلفه علی العرش ابنه مظفر الدین شاه، و کان ضعیفاً ، فتفشی الفساد في الوضع الاداري للبلاد، فبدأت المطالبة الشعبیة بالاصلاح الاداري، و بعد ان تفاقم الوضع تصدی علماء الدین الغیاری لقیادة المعارضة ، و کان في المقدمة منهم : السید محمد الطباطبائي ، و الشیخ فضل الله النوري، و السید عبدالله البهبهاني و مارسوا حرکة واسعة في التوعیة و التعبئة الجماهیریة ، حتی اظهروا الحرکة الفعلیة عام 1905م عندما قرر العلماء الثلاثة الاعتصام في مرقد السید عبدالعظیم بطهران ،و قد تحقق نجاح هذه الحرکة الدستوریة التي عرفت بالمشروطة في 15/آب/1906 اذ استجاب الشاه لمطالبهم باقرار النظام الدستوري في البلاد. لکن هذا الانتصار کان مضراً بمصالح الروس من جهة ،و لم یحظ بمساندة بریطانیا، المتنفذة الاخری في البلاد من جهة اخری ، فوظفت القوتان عملاءهما لاحباط هذا الانتصار بعد عام واحد.ذلک الحدث التاریخي المهم هو الاخر حظي باهتمام الامام الخمیني في التذکیر به کمرحلة من مراحل النهوض ضد الاستبداد و الاستکبار ، مذکراً بسبب اخفاقه، قائلا:« لقد کانت المؤامرة التي قامت بها دولة بریطانیا الاستعماریة في بدایة الحرکة الدستوریة لهدفین : الاول هو ما شاع في ذلک الوقت من السعي الی القضاء علی نفوذ روسیا القیصریة في ایران ، و الآخر هو اخراج الاحکام الاسلامیة من مجال العمل و التطبیق من خلال الاتیان بالقوانین الغربیة ».

بعد الحرب العالمیة الثانیة ، اصبحت ایران من حصة امریکا، و النفوذ الامریکي یتزاید في الشارع الایراني، فتأسست اکثر من حرکة ثوریة و اصلاحیة ، کان ابرزها تنظیم « فدائیي اسلام» بزعامة السید نواب صفوي الذي خاض کفاحاً مسلحاً ضد عملاء الاستعمار، ثم حرکة مصدّق الوطنیة ، و کان وراء ال