وكالة أهل البيت (ع) للأنباء

المصدر : خاص ابنا
الخميس

١٨ مارس ٢٠١٠

٨:٣٠:٠٠ م
174582

الامام الحسین (ع) فی معترك الصراع

«حسین منّي و أنا من حسین، أحبّ الله من أحبّ حسیناً، حسینٌ سبطٌ من الأسباط».

الولادة المباركة:

(حسینٌ منّي) أمرٌ جليّ، فهو حفید الرسول (ص) و سبطه و ریحانته ، و قد ولد في بیت النبوة و مهبط الوحي سنة أربع للهجرة ، في الثالث من شعبان المعظم علی الأشهر في المدینة المنوّرة، من أبوین كریمین معصومین: هما علي بن أبي طالب ابن عم الرسول و وصیّه ، و فاطمة الزهراء بنت الرسول و بضعته. و قد حدّثت صفیة بنت عبدالمطلب عن طهارة الولادة المباركة هذه و توقع النبي و فرحه بها، إذ قالت : « لما سقط الحسین من فاطمة كنت بین یدیها ، فقال النبي(ص) هلمي إليّ بابني، فقلت یا رسول الله أنا لم أنظّمه بعدُ فقال : أأنت تنظّفیه!؟ إنّ الله قد نظّفه و طهّره. و روي أن رسول الله قام إلیه و أخذه ، فكان یسبّح و یهلّل و یمجد.»

لقد أرضع الأخلاق المحمدیة، و ربّي علی الشمائل العلویة، إذ كان رسول الله (ص) یحدب علیه و یُعنی به عنایة خاصة، و یمنحه من حنانه و محبته و وقته الشيء الكثیر، وقد أفاضت بهذا المصادر التاریخیة و كتب السیر و المظان، بما لا یمكن الاستشهاد به في هذه العالجة، حتی روی الرواة عن الامام الصادق (ع) أنه قال عن الحسین(ع): « كان یأتي النبي فیضع إیهامه في فمه فیمتصّ منها ما یكفیه الیومین و الثلاثة» فیرتشف من رحیق الرسالة، و ینمو لحمه و عظمه علی غذاء الاسلام ، و رواء الدوحة الهاشمیة « فكان النبي إذا رأی الحسین مقبلا قبّله و ضمّه إلی صدره و رشف ثنایاه و قال : فدیت من فدیته بابني ابراهیم».

و هكذا عاش الامام الحسین (ع) في كنف الوحي ست سنوات خضر مورقات یانعات، حتی وفاة جدّه الرسول الأعظم سنة عشرللهجرة في المدینة المنورة.

أمّا ( أنا من حسین)؟! فهذا ما تكفّلت بجوابه ضمناً هذه المقالة المتواضعة من خلال استجلاء البُعد الرسالي الممتد عن طریق نهضة الامام الحسین و ثورته في سبیل إصلاح دین جدّه ، إذ قال علیه السلام مبیّناً دواعي قیامه :« إنّي لم أخرج أشِراً، و لا بطِرا ، و لا مفسداً، و لا ظالماً، و إنما خرجت لطلب الإصلاح في أمّة جدّي، أرید أن آمر بالمعروف و أنهی عن المنكر، فمن قبلني بقبول الحقّ فالله أولی بالحق».

و لو لا ثورة الحسین هذه و نهضته الاصلاحیة الواعیة لحرّف الخط الرسالي، و زیّف الدین الاسلامي، و طمست معالم الشریعة المحمدیة الغرّاء ، و لظنّ الناس أنّ ولاة الأمر الظالمین الغاصبین الذین یتسلطون علی رقاب المسلمین نتیجة لظروف معیّنة، هم الممثلون الواقعیّون لهذا الدین ، و لظاعت الحقائق ، و انقلبت الموازین.

الفتوة الصاعدة:

بعد وفاة جدّه الرسول الأعظم (ص) توجهت عنایة أبیه الامام علي بن أبي طالب إلیه أكثر من ذي قبل، و راح یرعی فتوّته ـ و هو الفتی ـ و شبابه الصاعد كرعایته الحمیدة لأخیه الأكبر الامام الحسن(ع). و یعدّ كلاً منهما إعداداً خاصاً للقیام بدوره الإمامي المرسوم له ـ و ذلك عن طریق المواعظ الحسنة و الوصایا الحمیدة التي تزخر بها المظانّ من المصادرو « نهج البلاغة » ، إذ كان یرفع لهما كل یوم علماً من أخلاقه و فعاله ، و كان یصنع لهما ما كان یصنعه الرسول الكریم له ، حتی كأن فتوة الامام السحین (ع) كفتوة أبیه مضاءاً وصلابة في ذات الله لا تأخذه في الله لومة لائم ، إذ تروي لنا المصادر المعتبرة مواقفة البطولیة، و نقداته البناءة منذ نعومة أظفاره، و قد « عاش مع أبیه علي أمیر المؤمنین یتلقّی تعالیمه و ینهج نهجه ، و حضر معه حروبه ؛ في الجمل و صفّین و النهروان» ، و كان یصدع بالحقّ و كأنه یفرغ عن لسان أبیه، « فقد كان لمعاویة بالمرصد ، و حاسب ولاته أشد الحساب ، و لم یستطع معاویة بدهائه و تصنّعه في حلمه و مخاتلته في سیاسته أن یجلب ودّ الحسین و یكسبه إلی جنبه أو یهدّی ثورته و غضبه».

و كان الامام الحسین (ع) یعي دوره المنتظر لتسلّم أعباء الامامة و ثقل الإمانة بعد أخیه الامام الحسن (ع) ، المأمور بالصبر و الاحتساب في جنب الله ، و یا له من امتحان عجیب!! و مسؤولیة ضخمة ألقیت علی عاتقه بعد استشهاد أبیه أمیر المؤمنین سنة 40 للهجرةـ بعد تلك المحن و الحروب ـ في مسجد الكوفة و الصلاة بین شفتیه ، تلك المسؤولیة التي عرّضت شخصیته المقدسة للاستشهاد فداءً لأهداف الرساة الاسلامیة الغالیةـ و كان ذلك الصلح المفروض علیه مع معاویة استشهاداً من نوع خاصّ یقدمه لأمّة جدّه ، و نظرة بعیدة للمستقبل، و بذرة ثوریّة صامتة تمهّد لأسباب الثورة الحسینیة الهادرة ، بعد كشف الزیف الأموي المتلبّس بالنفاق و الریاء ، و بعد تساقط الأقنعة المموّهة لیبرز تحتها الوجه الظالم الطاغي، و یظهر علی حقیقته البشعة للعیان،« فإن معاویة بعد أن تم له السلطان علی البلاد الاسلامیة في عام الجماعة عالن الناس بطبیعة الحكم الجدید في كلمته التالیة: یا أهل الكوفة ، أترونني قاتلكتك علی الصلاة و الزكاة و الحج ؟ و قد علمت أنكم تصلّون و تزكون و تحجّون، و لكنّي قاتلتكم لأتمر علیكم و ألي رقابكم، و قد أتاني الله ذلك و أنتم كارهون، ألا إن كل دم أصیب في هذه مطلول، و كل شرط شرطته فتحت قدمي هاتین». فلم یعد الأمر ملتبساً لكل ذي مسكة عقل بأنّ هؤلاء الأدعیاء الطلقاء من بني أمیة قد تلبّسوا برداء الخلافة و الإمارة زوراً و بهتاناً، و قد كانت سیاسة معاویة « تقول علی المباديء التالیة:

  • الارهاب و التجویع

  • إحیاء النزعة القبلیة و استغلالها.

  • التحذیر باسم الدین و شلّ الروح الثوریة.

  • الإعداد القیادي:

    لقد رأی الامام الحسین(ع) تخاذل بعض الأنصار عن أبیه بالأمس حین قامت الحرب بینه و بین (أهل الجمل) في البصرة، « كما رأی كیف لعبت ید التمویه و الدجل في عقول الناس ، و كیف عاثت الفتنة في المجتمع الاسلامي في بدایة عهده الأوّل ، و كان هو (ع) أحد القادة و من باشر الحرب بنفسه یوم الجمل ، و حضر معركة صفین و اشترك فیها و تولی قیادة بعض القطعات، و أدرك كیف امتدّت لجیش أبیه المتماسك أیدِ عابثة تثیر غبار التشكیك و توقد نار الفتنة باسم الاصلاح و المطالبة بالحق أو المحاكمة للقرآن».

    كما عاش الامام الحسین مع أخیه الامام الحسن ـ علیهما السلام ـ بوعي عمیق ملؤه الاحترام و التقدیس لدور أخیه الذي لا یقدّر مثلَه، و لا یفهم مغزي صلحه إلّا شخصه، إذ لكل إمام دور معیّن یقوم به حسب متطلبات الحیاة المعاصرة و الظروف المحیطة به و حسب ما رسم له ، لذلك كان الامام الحسین لا یخالف للامام الحسن رأیاً « و لا یقطع دونه أمراً و لا یتقدّم علیه» حتی تسلّمه زمام القیادة و مسؤولیة الإمامة.

    ما قبل الثورة و تتهاوی أقنعة الزیف ، و تظهر روح التسلط الأموي علی رقاب المسلمین ، و یعهد معاویة لابنه یزید الفجور بالخلافة ، و كأنها (ملك عضوض). و یتسلم الشاب الغریر مقالید الحكم في الشام ، و هو علی ما علیه من شخصیة مائعة مهزوزة طائشة، وصفها الامام الحسین(ع) في أحد كتبه لمعاویة حین علم بالمیثاق قائلاً: « ... و فهمت ما ذكرت عن یزید من اكتماله و سیاسته لأمة محمّد!! ترید أن توهم الناس في یزید كأنّك تصف محجوباً أو تنعت غائباً ، أو تخبر عمّا كان ممّا احتویته بعلم خاصّ ، و قد دلّ یزید من نفسه علی موضع رأیه ، فخذ لیزید فیما أخذ فیه من استقرائه الكلاب المهارشة عند التهارش ، و الحمام السُبَّق لأترابهنّ، و القیان ذوات المعارف ! و ضرت الملاهي، تجده باصراً، و دع عنك ما تحاول ، فما أغناك أن تلقي الله من وزر هذا الخلق بأكثر ممّا أنت لاقیه ، فوالله ما برحت تقدح باطلاً في جور، و حنقاً في ظلم ، حتی ملأت الأسقیة ، و ما بینك و بین الموت إلّا غمضة...». و تسیر الأمور في صالح أجواء الثورة الحسینیة.و تكششف الحقائق للعیان أكثر فأكثر ، و یعیث یزید في الأرض فساداً ، و یأمر جن