وكالة أهل البيت (ع) للأنباء

المصدر : خاص ابنا
الخميس

١٨ مارس ٢٠١٠

٨:٣٠:٠٠ م
173485

بمناسبة ولادته المباركة

سيرة الامام الهادي (عليه السلام)

ولد الإمام الهادي عليّ بن محمّد (عليهما السلام) ولد (عليه السلام) للنصف من ذي الحجّة سنة اثنتي عشرة مائتين و كانت ولادته (عليه السلام) في قرية (صريا) التي تبعد عن المدينة ثلاثة أميال محاطاً بالعناية الإلهية. فأبوه هو الإمام المعصوم  محمّد الجواد (عليه السلام) واُمّه الطاهرة سمانة المغربية .

وبشرّ الرسول (صلي اللّه‏ عليه وآله وسلم) بولادته في حديث طويل حول الأئمة (عليهم السلام) بقوله:« ... وأنّ اللّه‏ ركّب في صلبه ـ إشارة إلي الإمام الجواد (عليه السلام) ـ نطفة لا باغية ولا طاغية ، بارّة مباركة ، طيبة طاهرة ، سماها عنده عليّ بن محمّد فألبسها السكينة والوقار ، وأودعها العلوم ، وكل سرّ مكتوم ، من لقيه ، وفي صدره شيء أنبأه به ، وحذره من عدوه...».

وتنقسم حياة هذا الإمام العظيم إلي حقبتين متميّزتين : أمضي الأُولي منهما مع أبيه الجواد (عليه السلام) وهي أقلّ من عقد واحد . بينما أمضي الثانية ـ وهي تزيد عن ثلاثة عقود ـ وقد عاصر خلالها ستة من ملوك الدولة العبّاسية وهم : المعتصم والواثق والمتوكل والمنتصر والمستعين والمعتز . واستشهد في أيام حكم المعتز عن عمر يناهز أربعة عقود وسنتين . وقد عاني من ظلم العبّاسيين ـ كما عاني آباؤه الكرام مضاهر من شخصیة الامام الهادي

الکرم : كان (عليه السلام) من أبسط الناس كفاً ، وأنداهم يداً ، وقد روي المؤرّخون بوادر كثيرة من برّ الإمام الهادي (عليه السلام) وإحسانه إلي الفقراء وإكرامه البائسين ، نقتصر منها علي ما يلي : 1 ـ دخل أبو عمرو عثمان بن سعيد ، وأحمد بن إسحاق الأشعري ، وعليّ بن جعفر الهمداني علي أبي الحسن العسكري ، فشكا إليه أحمد بن إسحاق ديناً عليه ، فقال: يا أبا عمرو ـ وكان وكيله ـ ادفع إليه ثلاثين ألف دينار ، وإلي عليّ بن جعفر ثلاثين ألف دينار ، وخذ أنت ثلاثين ألف دينار. وعلّق ابن شهرآشوب علي هذه المكرمة العلوية بقوله : « فهذه معجزة لا يقدر عليها إلاّ الملوك ، وما سمعنا بمثل هذا لاقال إسحاق الجلاب: اشتريت لأبي الحسن (عليه السلام) غنماً كثيرة يوم التروية ، فقسمها في أقاربه.

الزهد: 

لقد عزف الإمام الهادي (عليه السلام) عن جميع مباهج الحياة ومتعها، وعاش عيشة زاهدة إلي أقصي حدّ ، لقد واظب علي العبادة والورع والزهد ، فلم يحفل بأي مظهر من مظاهر الحياة ، وآثر طاعة اللّه‏ علي كل شيء ، وقد كان منزله في المدينة وسرّ من رأي خالياً من كل أثاث ، فقد داهمت منزله شرطة المتوكل ففتّشوه تفتيشاً دقيقاً فلم يجدوا فيه شيئاً من رغائب الحياة ، وكذلك لما فتّشت الشرطة داره في سرّ من رأي، فقد وجدوا الإمام في بيت مغلق ، وعليه مدرعة من صوف وهو جالس علي الرمل والحصي ، ليس بينه وبين الأرض فراش .

إرشاد الضالین:

واهتمّ الإمام الهادي (عليه السلام) اهتماماً بالغاً بإرشاد الضالين والمنحرفين عن الحقّ وهدايتهم إلي سواء السبيل ، وكان من بين من أرشدهم الإمام وهداهم، أبو الحسن البصري المعروف بالملاح ، قال: دلني أبو الحسن ـ وكنت واقفياً ـ فقال لي: إلي كم هذه النومة أما آن لك أن تنتبه منها؟!» ـ فقدح في قلبي شيئاً وغشي عليّ وتبعت الحقّ.

العبادة:

إنّ الإقبال علي اللّه‏ والإنابة إليه وإحياء الليالي بالعبادة، ومناجاة اللّه‏ وتلاوة كتابه هي السّمة البارزة عند أهل البيت (عليهم السلام). أما الإمام الهادي (عليه السلام) فلم يرَ الناس في عصره مثله في عبادته وتقواه وشدّة تحرّجه في الدين ، فلم يترك نافلة من النوافل إلاّ أتي بها ، وكان يقرأ في الركعة الثالثة من نافلة المغرب سورة الحمد وأوّل سورة الحديد إلي قوله تعالي : (إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ ) وفي الركعة الرابعة سورة الحمد وآخر سورة الحجرات .

استجابة دعائه:

وقد ذكرت بوادر كثيرة من إستجابة دعاء الإمام (عليه السلام) عند اللّه‏ كان منها : 1 ـ ما رواه المنصوري عن عمّ أبيه، قال : قصدت الإمام (عليه السلام) يوماً ، فقلت له : يا سيّدي، إنّ هذا الرجل قد أطرحني ، وقطع رزقي ، وملّني، وما اُتّهم به في ذلك إلاّ هو علمه بملازمتي بك ، فإذا سألته شيئاً منه يلزمه القبول منك، فينبغي أن تتفضل عليَّ بمسألته ، فقال (عليه السلام) : «تُكفي إن شاء اللّه‏ ، فلما كان في الليل طرقتني رسل المتوكل رسولاً بعد رسول ، فجئت والفتح قائم فقال: يا رجل، ما تأوي في منزلك بالليل، كدّ هذا الرجل مما يطلبك، فدخلت فإذا المتوكل جالس في فراشه، فقال: يا أبا موسي نشغل عنك، وتنسينا نفسك؟! أي شيء لك عندي؟ فقلت: الصلة الفلانية، والرزق الفلاني: وذكرت أشياء فأمر لي بها ويضعفها، فقلت للفتح: وافي عليّ بن محمّد إلي هاهنا؟ فقال لا، فقلت: كتب رقعة؟ فقال: لا، فوليت منصرفاً فتبعني، فقال لي: لست أشك أنك سألته دعاءً لك، فالتمس لي منه دعاءً، فلما دخلت إليه (عليه السلام) قال لي: يا أبا موسي، هذا وجه الرضا». فقلت: ببركتك يا سيّدي ، ولكن قالوا لي : إنّك ما مضيت إليه ولا سألته. فقال: إنّ اللّه‏ تعالي علم منّا أنّا لا نلجأ في المهمات إلاّ إليه ، ولا نتوكّل في الملمّات إلاّ عليه ، وعوّدنا إذا سألناه الإجابة ، ونخاف أن نعدل فيعدل بنا. قلت: إنّ الفتح قال لي كيت وكيت. قال : إنّه الفتح يوالينا بظاهره ، ويجانبنا بباطنه ، الدعاء لمن يدعو به إذا أخلصت في طاعة اللّه‏ ، واعترفت برسول اللّه‏ (صلي اللّه‏ عليه وآله وسلم) وبحقّنا أهل البيت وسألت اللّه‏ تبارك وتعالي شيئاً لم يحرمك». 2 ـ روي أنّ عليّ بن جعفر كان من وكلاء الإمام (عليه السلام) فسعي به إلي المتوكّل فحبسه ، فطال حبسه ، واحتال من قبل عبيداللّه‏ فعرض ابن خاقان بمال ضمنه عنه ثلاثة آلاف دينار ، وكلّمه عبيد اللّه‏ فعرض جامعه علي المتوكّل ، فقال: يا عبيداللّه‏، لو شككت فيك لقلت : إنّك رافضي ، هذا وكيل فلان وأنا علي قتله (عازم خ ل). قال: فتأدي الخبر إلي عليّ بن جعفر فكتب إلي أبي الحسن (عليه السلام) يا سيّدي، اللّه‏ اللّه‏ فيَّ ، فقد واللّه‏ خفت أن أرتاب، فوقّع في رقعته: « أمّا إذا بلغ بك الأمر ما أري فسأقصد اللّه‏ فيك » وكان هذا في ليلة الجمعة. فأصبح المتوكّل محموماً ، فازدادت علته حتي صرخ عليه يوم الاثنين، فأمر بتخلية كل محبوس عرض عليه اسمه حتّي ذكرَ هو ، عليَّ بن جعفر، فقال لعبيداللّه‏ : لِمَ لَمْ تعرض عليَّ أمره ؟ فقال : لا أعود إلي ذكره أبداً ، قال: خلِّ سبيله الساعة وسله أن يجعلنيفي حل، فخلّي سبيله، وصار إلي مكة بأمر أبي الحسن (عليه السلام) فجاور بها...»4 . هذه بعض البوادر التي ذكرها الرواة من إستجابة دعاء الإمام (عليه السلام) ، ومن المؤكّد أنّ إستجابة الدعاء ليس من عمل الإنسان وصنعه ، وإنّما هو بيد اللّه‏ تعالي فهو الذي يستجيب دعاء من يشاء من عباده ، ومما لا شبهة فيه أنّ لأئمّة أهل البيت (عليهم السلام) منزلة كريمة عنده تعالي لأنّهم أخلصوا له كأعظم ما يكون الإخلاص ، وأطاعوه حقّ طاعته وقد خصّهم تعالي باستجابة دعائهم كما جعل مراقدهم الكريمة من المواطن التي يستجاب فيها الدعاء .

تکریمه للعلماء:

وكان الإمام الهادي (عليه السلام) يكرم رجال الفكر والعلم، ويحتفي بهم ويقدّمهم علي بقية الناس؛ لأنّهم مصدر النور في الأرض ، وكان من بين مَنْ كرّمهم أحد علماء الشيعة وفقهائهم ، وكان قد بلغه عنه أنّه حاجج ناصبياً فأفحمه وتغلّب عليه فسرّ الإمام (عليه السلام) بذلك ، ووفد العالم علي الإمام فقابله بحفاوة وتكريم ، وكان مجلسه مكتظّـاً بالعلويين والعبّاسيين ، فأجلسه الإمام علي دست ، وأقبل عليه يحدّثه ، ويسأل عن حاله سؤالاً حفياً ، وشقّ ذلك علي حضار مجلسه من الهاشميين فالتفتوا إلي الإمام ، وقالوا له : كيف تؤثر عامياً علي سادات بني هاشم من الطالبيين والعبّاسيين؟ فقال (عليه السلام): «إيّاكم وأن تكونوا من الذين قال اللّه‏ تعالي فيهم : ( أَلَمْ تَرَ إَلَي الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيباً مِنَ الْكِتابِ يُدْعَوْنَ إِلَي كِتَابِ اللّهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ يَتَوَلَّي فَرِيقٌ مِنْهُمْ وَهُم مُعْرِضُونَ ) أترضون بكتاب اللّه‏ عزّوجلّ حكماً ؟» فقالوا: بلي . قال: أليس اللّه‏ قال: ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قِيلَ لَكُمْ تَفَسَّحُوا فِي الْمَـجَالِسِ فَافْسَحُوا يَفْسَحِ اللَّهُ لَكُمْ الي قوله تعالي ـ : يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ...)فلم يرض للعالم المؤمن إلاّ أن يرفع علي المؤمن غير العالم ، كما لم يرض للمؤمن إلاّ أن يرفع علي من ليس بمؤمن ، أخبروني عنه؟ قال: (يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ) أو قال : يرفع اللّه‏ الذين أُوتوا شرف النسب در