فرض حصار تام حول المناطق التي تتعرض للقصف، مما أدى إلى موت العديد من المرضى والأطفال والشيوخ من انتشار الأوبئة و نقص الغذاء والدواء. منع مواطنين من الدخول إلى المستشفيات وتلقي الخدمات الطبية. نهب واحتلال المنازل. اعتقال الآلاف من دون أي أوامر قضائية منهم مئات الطلاب دون سن الـ18، وشيوخ طاعنين في السن، ونساء، بل وحتى أطفال. محاكمات صورية لبعض المعتقلين من قبل محاكم استثنائية تخالف الدستور وأبجديات حقوق الإنسان. إهمال الجرحى في السجون بدون أي عناية صحية مما تسبب في وفاة الكثير. تعرض المعتقلين لمختلف أنواع التعذيب، ومن الأطفال من تعرض للعذيب. اعتداءات جنسية، إطلاق النار على المعتقلين وتركهم ينزفون حتى الموت. ضرب وجلد، تعمد إحداث الجروح بالآلات الحادة وبالكي والكهرباء حرمان من النوم، وتجويع، إجبار المعتقلين على قضاء حاجتهم في زنزانة صغيرة تحوي الكثير من السجناء، سب، وإهانة وعدم السماح لأسرته بزيارته، بل اعتقال بعض من يطالب بزيارتهم.
حملات طرد موظفين بسبب انتمائهم العرقي أو الفكري. مصادرة الكثير من الممتلكات الخاصة خصوصاً الفكرية منها ( المكتبات). اقتحام المنازل بصورة فجائية ووحشية وترويع الأسر التي تعيش فيه من أطفال وشيوخ ونساء وإشهار الأسلحة في وجوههم، مع إطلاق النار خارج وداخل المنزل بغرض الترهيب، والتحقيق معهم في تلك الحالة ثم أخذ رهائن من الأسرة أغلبهم أطفال عندما لا يجدون من يريدون. مراقبة غير القانونية لكل وسائل الاتصال الخاصة بأفراد الأسرة والتدخل في خصوصياتها.
هذه الأحداث ليست في إسرائيل، ولا في كوريا الشمالية، ولا هي تأريخ لمعاملة البيض للسود في جنوب أفريقيا، ولا هي وصف لما حصل للمسلمين في البوسنة والهرسك، إنها أحداث حصلت في اليمن، وفي زمن الإعلام والصوت والصورة.
أين الإعلام العربي؟
أثار تناول الإعلام العربي لحرب صعدة لدى الكثير من اليمنيين شكوكاً متعددة حول ما يُسمى بالإعلام العربي. فمنذ قيام الحدث إلى الآن قُتل الآلاف من المدنيين والعسكريين، واستخدمت أسلحة محرم استعمالها دولياً ضد المدنيين ، ودُمِّرت قرى ومنازل بأكملها، وجُرفت مزارع وقلعت أشجار، وحرق وتشويه، بل وسحل جثث بعض الشباب القتلى في صعدة، واعتقل ما يقرب من ألفي شخص، منهم أحداث لم يبلغوا سن الرشد القانوني بعد، وتمت ملاحقة رجل مسن تجاوز الثمانين من عمره...
هذا من جانب.
من جانب آخر توالت تهماً متعددة من: ادعاء الإمامة، وتنصيب أميراً للمؤمنين، وادعاء حق إلهي، وادعاء النبوة، وبتشكيل ميليشيات مسلحة، تشكيل تنظيماً سرياً مخالفاً للقانون، تلقي الدعم من جهات خارجية تهدف إلى زعزعة الأمن والاستقرار الذي تنعم به اليمن، تحالف مع اليهود أو تلقي دعم من قبل اليهود الذين يقاتلون معه، سعي لشق الصف الوطني والإساءة للوحدة اليمنية، اعتدى على أفراد الأمن والقوات المسلحة والمؤسسات الحكومية ومنع الموظفين من أداء واجباتهم، حرَّض المواطنين على عدم دفع الزكاة الواجبة للسلطة المحلية، الاعتداء على المساجد واقتحامها بقوة السلاح والاعتداء على خطباء المساجد وأئمتها والمصلين في المساجد، أثار الفتنة المذهبية والطائفية والعنصرية والترويج لأفكار مضللة وهدامة، دفع بالشباب المغرر بهم إلى دخول المساجد أثناء صلاة الجمعة لترديد شعارات تتنافى مع رسالة المسجد ودوره في الوعظ والإرشاد، أنزل علم الجمهورية اليمنية ورفع علم حزب يعمل في دولة خارجية (حزب الله)، قام أتباعه بقطع الطريق والاعتداء على النقاط الأمنية والعسكرية.
بالرغم من مع كل هذه العناصر والتي يثير أقلها رغبة أي إعلامي محترف، إلا أنه يمكن للمرء أن يضع على أصابعه مقالات الإعلام العربي التي تناولت الحدث، وهي كلها لا تعدو أخبار مقتطفة، أو تحليلات سطحية ومختزلة. وحتى هذا القليل الذي نُقل كان يمثل الموقف الرسمي للجهات الأمنية والعسكرية، ولم يوجد ما يمثل رؤية الأطراف المستهدفة أو حتى رؤية محايدة.
بل ذهبت بعض المؤسسات الإعلامية أكثر من هذا حيث ألصقت تهمة الإرهاب بحسين الحوثي، وبغيره ممن وقعوا في إطار التهم الأمنية الرسمية، بالرغم من أنه لم يعرف عن أي منهم أي نشاط إرهابي أو دموي وليس لهم أي امتدادات في الخارج، ولا يؤمنون بتصدير فكرهم، بل إن حسين الحوثي نفسه، وخلال المواجهات مع القوى الأمنية والجيش، لم يقم لا هو، ولا أي من أنصاره أو من المتعاطفين معه، ومنذ بدء نشاطه وإلى حين مقتله بأي اعتداء على أي جهة مدنية أو أجنبية. بل وتشهد تقارير السفارات الغربية وخاصة منها الأمريكية والبريطانية من خلال تصريحات إعلامية منشورة بأنه لم يعرف إطلاقاً على جماعة حسين الحوثي أنهم قد انخرطوا يوماً في أي أعمال إرهابية أو مسلحة على الإطلاق، وأن مواقفهم اثناء الحرب كانت مواقف دفاعية مجردة.
ثلاثة حروب نتج عنها الكثير من الجرائم والتجاوزات المريعة لحقوق الإنسان والاعتقالات التعسفية وتدمير القرى والمساكن والمدارس ودور العلم ومصادرة الممتلكات وممارسات أبشع وسائل التعذيب واعتقال الأطفال وتعريضهم للتعذيب، وإصدار أحكام جائرة على قضاة وعلماء ودعاة وصحفيين، ومفقودين لم يعرف مصيرهم حتى الآن. والإعلام العربي صامت.
صحيح أن السلطة تعمدت منذ بداية الحرب الأولى وحتى اليوم فرضت طوقاً محكماً من التعتيم الإعلامي الكامل على مجريات الأحداث، ومنعت وصول الصحفيين والإعلاميين وهيئات الإغاثة المحلية والدولية إلى مناطق الحرب واعتبرت المنطقة كلها منطقة عسكرية مغلقة، ولكن مع ذلك فإن ما تسرب من المادة الإعلامية الموثقة كانت تكفي لمن يريد معرفة طرفاً من الحقيقة.
بل تحدث عن هذه الجرائم الكثير من التقارير المحلية والدولية مثل تقرير مركز المرصد اليمني لحقوق الإنسان 2006وتقرير منظمة العفو الدولية 2005،2006، وتقرير وزارة الخارجية الأمريكية لحقوق الإنسان 2005 وتقرير وزارة الخارجية الأمريكية للحريات الدينية2005، وتقرير لجنة التضامن الإنساني ( تقرير عن حرب صعدة 2004-2005م)، وغيرها من التقارير الكثيرة، والتي أثارت لكثرتها ومصداقيتها أسئلة لدى بعض الحكومات الغربية.
انتهی/137