ان الباطنیة قد وضعوا تعالیمهم السریة منذ القرن الاول لافساد دین الاسلام و إزالة ملکه فهم ما وضعوا شیئا یعتقدون حقیته و هدایة الناس بدعوتهم الیه ، و نقول الان انهم لما انتشرت دعوتهم و کثر عددهم و صار لهم قدرة علی الحرب اضرموا نیران الفتن و الحروب بخروجهم علی الدول الاسلامیة مرارا، و قد خابوا و لم ینالوا ما طلبوا بالمکیدة و لا بالقوة ، ثم صار لبعض رؤسائهم قناعة بعبادة اتباعهم لهم و بذلهم أموالهم في سبیلهم کأئمة الاسماعیلیة المتأخرین ، وضعفت دعوتهم حتی جددها البابیة في هذا العصر و اننا ننقل شیئا مما حفظه التاریخ من بعض الفرق الباطنیة.
قال أبو منصور عبدالقاهر بن طاهر البغدادي في کتابه (الفرق بین الفرق) و هو من علماء القرن الخامس توفي سنة 429 أي منذ تسعة قرون ما نصه في الفصل السابع عشر من فصل هذا الباب ـ أي الخامس ـ « في ذکر الباطنیة و بیان خروجهم عن جمیع فرق الاسلام» أعلموا أسعدکم الله أن ضرر الباطنیة علی فرق المسلمین أعظم من ضرر الیهود و النصاری و المجوس علیهم بل أعظم من مضرة الدهریة و سائر أصناف الکفرة علیهم بل أعظم من ضرر الدجال الذي یظهر في آخر الزمان . لان الذین ضلوا عن الدین بدعوة الباطنیة من وقت ظهور دعوتهم الی یومنا هذا أکثر من الذین یضلون في وقت ظهوره لان فتنة الدجال لا تزید مدتها علی اربعین یوما و فضائح الباطنیة أکثر من عدد الرمل و القطر. وقد حکی اصحاب المقالات ان الذین أسسوا دعوة الباطنیة جماعة منهم میمون بن دبصان المعروف بالقداح و کن مولی لجعفر بن محمد الصادق و کان من الاهواز . ومنهم محمد بن الحسین الملقب بذیذان و میمون بن دیصان في سجن و الی العراق أسسوا في ذلک السجن مذاهب الباطنیة.
ثم ظهرت دعوتهم بعد خلاصهم من السجن من جهة المعروف بذبذان و ابتدأ بالدعوة من ناحیتة فدخل في دینه جماعة من اکراد الجبل مع أهل الجبل العروف بالبدین ثم رحل میمون بن دیصان الی ناحیة المغرب و انتسب في تلک الناحیة الی عقیل بن ابي طالب و زعم انه من نسله . فلما دخل في دعوته قوم من الغلاة و الحلولیة إدعی انه من ولد محمد بن اسماعیل بن جعفر الصادق فقبل الاغبیاء ذلک منه علی (أن ) اصحاب الانساب (صرحوا) بأن محمد بن اسماعیل بن جعفر مات و لم یعقب .
ثم ظهر في دعوته الی دین الباطنیة رجل یقال له حمدان قرمط لقب بذلک لقرمطة في خطه أو في خطوه و کان في ابتداء أمره أکارا من أکرة سواد الکوفة و الیه تنسب القرامطة .
ثم ظهر بعده في الدعوة الی البدعة ابوسعید الجنابي و کان من مستجیبة حمدان و تغلب علی ناحیة البحرین و دخل في دعوته بنوشنیر ثم لما تمادت الایام بهم ظهر المعروف منهم بسعد بن الحسین و احمد بن عبدالله بن میمون بن دیصان القداح فغیر اسم نفسه و نسبه . و قال لاتباعه انا عبیدالله بن الحسن بن محمد بن اسماعیل بن جعفر الصادق . ثم ظهرت فتنته و أولاده الیوم مستولون علی أعمال مصر و ظهر منهم المعروف بابن کرویه بن مهرویه الدنداني من تلامذة حمدان قرمط و ظهر مأمون اخو حمدان قرمط بأرض فار س . وقرامطة فارس یقال لهم المأمونیة لاجل ذلک.
و دخل أرض الدیلم رجل من الباطنیة یعرف بأبي حاتم فاستجاب له جماعة من الدیلم منهم اسفار بن شرویه.
و ظهر بنیسابور داعیة لهم یعرف بالشعراني فقتل بها في ولایة ابي بکر بن محتاج علیها و کان الشعراني قد دعا الحسین بن علی المروروذي قام بدعوته بعده محمد بن احمد النسفي داعیة أهل ماوراء النهر و ابویعقوب السجزلي العروف ببندانه و صنف النسفي لهم کتاب المحصول وصنف لهم ابویعقوب کتاب اساس الدعوة و کتاب تأویل الشرائع و کتاب کشف الاسرار و قتل النسفي و المعروف ببندانه علی ظلالتهما و ذکر أصحاب الواریخ ان دعوة الباطنیة ظهرت أولا في زمان المأمون و انتشرت في زمان المعتصم . و ذکروا انه دخل في دعوتهم الافشین صاحب جیش المعتصم و کان مراهنا لبابک الخرمي مستعصیا بناحیة البدین و کان أهل جبله خرمیة علی طریقة المزدکیة فصارت الخرمیة مع الباطنیة یدا واحدة .و اجتمع مع بابک من أهل البدین و ممن انقم الیهم من الدیلم مقدار ثلاث مئة الف رجل .
و اخرج الخلیفة لقتالهم الافشین فظنه ناصحا للمسلمین و کان في سره مع بابک و توانی في القتال معه و دله علی عورات عساکر المسلمین و قتل الکثیر منهم . ثم لحقت الامداد بالافشین و لحق به محمد بن یوسف الثغري و أبو دلف القاسم بن عیسی العجلي و لحق به بعد ذلک قواد عبدالله بن طاهر و اشتدت شوکة البابکیة و القرامطة علی عساکر المسلمین حتی بنوا لانفسهم البلدة المعروفة ببیر زند خوفا من باین (کذا ) البابکیة و دامت الحرب بین الفریقین سنین کثیرة الی أن أظفر الله المسلیمن بالبابکیة فأسر بابک و صلب بسر من رأی سنة ثلاثة عشرین و مئتین ثم أخذ أخوه اسحاق و صلب ببغداد مع المازیار صاحب المحمرة بطبرستان و جرجان. و لما قتل بابک ظهر للخلیفة غدر الافشین و خیانته للمسلمین في حروبه مع بابک فأمر بقتله و صلبه فصلب لذلک.
و ذکر أصحاب التواریخ ان الذین وضعوا أساس دین الباطنیة کانوا من أولاد المجوس و کانوا مائلین الی دین أسلافهم و لم یجسروا علی إضهاره خوفا من سیوف المسلمین فوضع الاغمار منهم اساسا من قبلها منهم صار في الباطن الی تفضیل أدیان المجوس و تأولوا آیات القرآن و سنن النبي علیه السلام علی موافقه أساسهم. و بیان ذلک أن الثنویة زعمت أن النور و الظلمة صانعان قدیمان و النور منها فاعل الخیرات و المنافع ، و الظلام فاعل الشرور و المضار ، و ان الاجسام ممتزجة من النور و الظلمة و کل واحد منها مشتمل علی أربع طبائع و هي الحرارة و البرودة و الرطوبة و الیبوسة و الاصلان الاولان من الطبائع الاربع مدبرات هذا العالم . و شارکهم المجوس في اعتقاد صانعین غیر انهم زعموا أن احد الصانعین قدیم و هو الاله الفاعل للخیرات و الاخر شیطان محدث فاعل للشرور. و ذکر زعماء الباطنیة في کتبهم ان الاله خالق النفس فالاله هو الاول و النفس هو الثاني و هما مدبرا هذا العالم. سموهما الاول و الثاني و ربما سموهما العقل و النفس . ثم قالوا إنهما یدبران هذا العالم بتدبیر الکواکب السبعة و الطبائع الاول.
و قولهم إن الاول و الثاني یدبران العالم هو بعینه قول المجوس باضافة الحوادث إلی صانعین أحدهما قدیم و الاخر محدث إلا أن الباطنیة عبرت عن الصانعین بالاول و الثاني و عبر المجوس عنهما بیزدان و أهرمن فهذا هو الذي یدور في قلوب الباطنیة و وضعوا أساسا یؤدي الیه و لم یمکنهم إظهار عبادة النیران فاحتالوا بأن قالوا للمسلمین ینبغي أن تجمر المسجد و ان یکون في کل مسجد مجمرة یوضع علیها الند و العود في کل حال. و کانت البرامکة قد زینوا للرشید أن یتخذ في جوف الکعبة مجمرة یتبخر علیها العود ادا فعلم الرشید أنهم أرادوا من ذلک عبادة النار في الکعبة و ان تصیر الکعبة بیت نار فکان ذلک أحد أسباب قبض الرشید علی البرامکة
ثم ان الباطنیة لما تأولت أصول الدین علی الشرک احتالت أیضا لتأویل أحکام الشریعة علی وجوه تؤدي إلی رفع الشریعة انهم قد أباحوا لاتباعهم نکاح البنات والاخوات و شرب ا لخمر و جمیع اللذات . و یؤکد ذلک أن الغلام الذي ظهر منهم بالبحرین و الاحساء بعد سلیمان بن الحسین القرمطي سن لاتباعه اللواط و أوجب قتل الغلام الذي یمتنع علی من یرید الفجور به و أمر بقطع ید من أطفأ نارا بیده بقطع لسان من أطفأها بنفخة . و هذا الغلام هو المعروف بابن أبي زکریا الطامي و کان ظهوره في سنة تسع عشرة و ثلاث مئة و طالت فتنته إلی أن سلط الله تعالی علیه من ذبحه علی فراشه و یؤکد ما قلناه من میل الباطنیة الی دین المجوس أنا لا نجد علی ظهر الارض مجوسیا إلا و هو موادٌّ لهم منتظر لظهورهم في الدیار یظنون أن الملک یعود الیهم بذلک. و ربما استدل اغمارهم علی ذلک بما یرویه المجوس عن زرادشت انه قال لکتاست أن الملک یزول عن الفرس الی الروم و الیونانیة ثم یعود إلی الفرس ثم یزول عن الفرس الی العرب ثم یعود الی الفرس . و ساعده جاماسب المنجم علی ذلک . و زعم أن الملک یعود الی العجم لتمام الف و خمس مئة سنة من وقت ظهور زرادشت .
و کان في الباطنیة رجل یعرف بأبي عبدالله العردي یدعي علم النجوم و یتعصب للمجوس و صنف کتابا ذکر فیه ان القرن الثالث عشر من مولد محمد صلی الله علیه و آله و سلم یوافق الالف العاشر و هو نویة المشتري و القوس. و قال عند ذلک یخرج إنسان بعید الدولة المجوسیة و یستولي علی الارض کلها. و زعم انه یملک مدة سبع قرانات . و قالوا قد نحقق حکم زرادشت و جاماسب في زوال ملک العجم الی الروم و الیونانیة في أیام الاسکندر ثم عاد الی العجم بعد ثلاث مئة سنة ثم زال بعد ذلک ملک العجم الی العرب و سیعود الی العجم .
و قد وافق الوقت الذي ذکره أیام المکتفي و المقتدر و أخلف موعدهم و ما رجع الملک فیه الی المجوس. و کانت القرامطة قبل هذا المیقات یتواعدون فیما بینهم ظهور المنتظر في القران السابع في المثلثة الناریة . و خرج منهم سلیمان بن الحسین من الاحساء علی هذه الدعوی و تعرض الحجیج و أسرف في القتل فیهم . ثم دخل مکة و قتل من کان في الطواف و أغار علی أستار الکعبة و طرح القتلی في بئر زمزم و کسرها کر کثیرة من عساکر المسلمین و انهزم في بعض حروبه الی هجر فکتب للمسلمین قصیدة یقول فیها
أغرکم مني رجوعي الی هجر؟ فهما قلیل سوف یأتیکم الخبر
اذا طلع المریخ في أرض بابل و قارنه النجمات فالحذر الحذر