إن انتصار الثورة الاسلامية فی ايران أحدثت هلعا ُ كبيرا ً لدى زعما ء الفكر السلفی (الوهابی )حيث زاد قلقهم من احتمال تغلغل الفكر الشيعی فی المناطق المجاورة وإن فكرة نهوض الامة صار يزيد من ازعاجهم .
فی موسم الحج الذی أدى الشعب الايرانی العظيم والثائر الفريضة بما تمليه عليه الواجبات الثورية دعا الشعوب الاسلامية للوحدة ونبذ الفرقة أمام الهيمنة الامريكية والشيوعية العالمية والصهيونية ، فمن اجل حظر المظاهرات فی ايام الحج طالب الحكام السعوديون الزعماء الدينيون للمكتب السلفی لايجاد حلول لهذه القضية وان يصدروا فتاوى بهذا الشأن .
عبد العزيز بن باز ، مفتی الديار السعودية ، أصدر فتوى تحظر جميع أشكال التظاهر فی ايام الحج بحجة أن الحج فريضة عبادية يجب عدم الخلط فيها مع بقية القضايا من هذا المنطلق قامت شرطة ما يسمى بمكافحة الشغب باستخدام الهروات والاسلحة وانقضت على حجاج بيت الله الحرام وباستخدام كل الوسائل من سب وشتم وضرب وجرح استقبلواحجاج بيت الله الحرام وإن هذه الحساسية لدى النظام السعودی كما هی لحد الان .
قمت بكتابة هذا الكتاب من اجل الرد على فتاوى المفتی السعودی عبد العزيز بن باز و قمت ببسط مفصل يتناول اهداف فريضة الحج السياسية منها والاجتماعية عبر استخدام الآيات والروايات وسيرة المسلمين ذات الصلة:
إن الهدف التشريعی من وراء فريضة الحج ، دعوة الناس للخضوع امام الله وإن هذا الأمر نظرا لفرائض الحج الدينية يبدو لا غبار عليه اطلاقا .
إن القيام بعبادة الله و الوحدانية له ،بدءا بأول أعمال فريضة الحج انتهاءا بأخر عمل يؤدى فی الحج من قبل المسلم هی أمور واضحة كوضوح الشمس ،خاصة وأن هذه الاعمال تتزامن و ادعية مستحبة و تذاكير ترد ضمنها وتتزامن معها فی بعض الاحيان ومن بين جميع هذه الاعمال نخلص الى أن :
الحج ؛ التضرع والخشوع للباری عز وجل ، فی انقى و أعمق حالاته .
الحج ؛ عبارة عن عبادة تتحد فيها جميع العناصرمنها الخضوع و التضرع والزهد والتقوى والانقطاع من الشهوات وملذات الدنيا لاظهار العبودية والخشية لله عزو جل .
ان حجاج بيت الله الحرام بارتدائهم قطعتی قماش يبتغون الانقطاع من مظاهر الدنيا وبهارجها المادية و يسلمون لله وحده وينقطعون عن الابناء واللاسرة والوطن ليتجهون لله وحده وان أجواء البيت الحرام لايعمها سوى نداءات لبيك اللهم لبيك التی تدعو لله الخالق الاحد .
إن هذه القضية واضحة وضوح الشمس وهی أن مناسك فريضة الحج و تلك الاماكن بالتحديد التی تتم فيها تلك الشعائر والمواقف التی يقف فيها الحاج ، جعلت من مناسك الحج لتصبح من بين أعظم الشعائر العبادية والفرائض الدينية فی الاسلام على الاطلاق .
هنالك نقطة مهمة ايضا ً وهی أنه هل أن للشعيرة هذه بالاضافة الى بعدها المذهبی هنالك أبعادا أخرى من بينها الابعاد السياسية و الاجتماعية أم أنها تنحصر على البعد الدينی فقط ؟أوأن فريضة الحج تعتبر فريضة مثل فريضة صلاة الليل محصورة فی عبادة الخالق فقط دون أن تكون لهذه الفريضة علاقة ببقية القضايا السلامية العامة ؟
بعبارة أخرى ، هل أن الله فرض الحج على كافة المسلمين ؛ سواءا إمرأة كانت أو رجل أو شاب أو كهل كی يقوم هؤلاء بعبادة الخالق حصريا ًعبر هذه الفريضة دون الاخذ بأبعادها السياسية او الاجتماعية ؟ ! أو أن هذه الفريضة همزة وصل العبادة بالسياسة ومركز التقاء عبادة الله بالقضايا الاجتماعية والاقتصادية وهذا ما نرمی بحثه فی موضوعنا الحالی .
هل أن الايات القرانية والسنة النبوية وسيرة السلف الصالح تؤيد الشق الاخر من بحثنا وهو تمازج العبادة بالدين والسياسة والاقتصاد سوف نأتی بذكرهذه الامور أنفا ً .
1- لنراقب منافع شعائر الحج :
يصف القرآن الكريم الحج الابراهيمی للبيت الحرام بما يلی :
" و أذ ّن فی الناس بالحج يأتوكَ رجالاً وعلى كلّ ضامر ٍ يأتينَ فجّ ٍ عميق ٍ "
" ليشهدوا منافعَ لهم ويذكروا اسم الله فی أيام معلومات على ما رزقهم من بهيمة الانعام منها وأطعموا البائس الفقير "
" ثم ليقضوا تفثهم وليروا نذورهم وليطوفوا بالبيت العتيق "
" ذلك ومن يعظم حرمات الله فهو خير له عند ربه وأحلت لكم الانعام الا مايتلى عليكمم فاجتنبوا الرجس من الاوثان واجتنبوا قول الزور "
" حنفاء لله غير مشركين به ومن يشرك بالله فكأنما خرّ من السماء فتخطفه الطير أو تهوى به الريح فی مكان سحيق "
" ذلك ومن يعظم شعائر الله فإنها من ت قوى القلوب "
" لكم فيها منافع الى أجل مسمى ثم محلها الى البيت العتيق "
من بين جميع الايات الواردة أعلاه خذوا الاية الثانية على سبيل المثال وتعمقوا فی مفهوم الجملة التالية " وليشهدوا منافع لهم " لكی يتضح أنه :
أولا ً : الهدف من كلمة " المنافع " الواردة فی الاية وما المنافع التی تجلب فی إطار مناسك الحج فإذا اخذنا الشق الثانی من الاية " ويذكروا إسم الله " سوف يتضح لنا أن فی الحج منفعتان الاولى هی البعد العبادی وهو يحصل بذكر الله والشق الثانی هو البعد الاجتماعی والسياسی ويأتی عبر الحصول على منافع .
ثانيا ً : إن كلمة منافع فی الاية الكريمة هی تدل على البعد السياسی والاجتماعی حيث اللافت للانتباه انها تقدمت على ذكر الله الذی تجسد فی الآية مفهومها العبادی .
ثالثا ً : ذكر القرآن الكريم كلمة " منافع " بصورة مطلقة ولم يقيدها بقيد ما . وهذا إن دل على شئ فهو يدل على مفهوم المنافع الاشمل الذی يضم البعد الاقتصادی والاجتماعی و السياسی فيه ولا يحق لنا أن نطلق مفهوم المنافع فی الاية الواردةعلى بعد محدد سواء اردنا ان نحدده بالبعد الاقتصادی الفردی أم البعد العام . هذه الجملة تدل على أن الحج إضافة الى كونه شعيره عبادية فردية بوجود قرينة معنوية وهی "ويذكروا اسم الله "
إن مناسك الحج تتجاوز البعد الفردی العبادی لتصل االى المفهوم الشامل الذی يتصل اتصالا مباشرا بحياة المسلمين كافة . لنرى ماذا يقول الاستاذ الاسبق للازهر الشيخ محمود شلتوت فی تفسيره لهذه الاية حيث يقول :
" ( أن المنافع التی يجلبها الحج للانسان المسلم هی عبارة عن فلسفة اولية لفريضة الحج وإن المفهوم الاعم والاشمل لفريضة الحج لا يمكننا إيجازه فی بعد واحد إطلاق الحصر عليه ولكن فی الحج تتكون شبكة عامة وشاملة تضم جميع المنافع التی يتصورها الفرد منها الشخصية والاجتماعية فإذا كان التقرب لله وتزكية النفس هو الهدف من وراء الحج فإن تبادل الاراء وترسيم الخطوط العريضة للعلم والثقافة ايضا تجلبها مراسم الحج عبر هذا الملتقى العظيم فهی من منافع هذا الاجتماع وإن دعوة المسلمين من جميع انحاء العالم للتجمهر فی نقطة واحدة إسمها مكة لابد أن تكون وراء هذه الدعوة منفعة سامية وكذلك ... فإن المنفعة تتغير عبر تغير الزمان وظروف المسلمين .) "1
ويضيف الشيخ الاسبق للازهر قائلا ً: ( " نظرا لما تتمتع به فريظة الحج من أهمية فی الدين الاسلامی وكذلك الاهداف التی تجلبها شعائر الحج بشقيها الفردی والاجتماعی فمن المهم أن يهتم جميع رجال العلم والفكر والشخصيات العلمية والثقافية والمسؤولين السياسيين والحكوميين والاخصائيين الاقتصاديين والماليين و أساتذة الشريعة ورجال الحرب والجهاد (وأن يهتم كل فرد بحوزته واختصاصه ) " .
و يجدر بجميع الشرائح الاجتماعية أن يقبلوا نحو الاهتمام بهذه الفريضة على أصحاب الفكر والقلم والعقيدة وأهل الايمان وأصحاب الهمم والاهداف النبيلة الاجتماع فی موسم الحج لجعل مكة كندوة يجتمع فيها المسلمون حول راية الاسلام والتوحيد الخفاقة لجمع شمل المسلمين وأن يقوم هؤلاء بالسعی لمعرفة الاخر وأن يقدموا إستشارات وتعاون لبعضهم الاخر لنيل تلك الاهداف ومن ثم يعودوا ادراجهم نحو بلدانهم وبذلك حصلوا على أهداف تحقيق الوحدة الاسلامية وبذلك توحدت القلوب والمشاعر .... ") 2
انظروا الى هذه الايات :
" أنّ الله يدافع ُ عن ِ الذين آمنوا أنّ الله لايحب كل ّ خوان ٍ كفور .
أذنَ للّذينَ یُقاتلون َ بأنهم ظُلوا وإنّ الله على نصرهم لَقَدير ٌ .
الذينَ أخرجوا من ديارهم بغير ِ حقّ ٍ إلاّ أن يقولوا ربّنا الله ولو لا دفع ُ الله الناس َ بعضهم ببعض ٍ لهدّمت صوامع ُوبيع ٌ وصلوات ٌ ومساجد ُ يذكرُ فيها سام الله كثيرا ً ، ولينصرنَّ الله من ينصره إن الله لقویٌّ عزيز ٌ .
الّذينَ إن مكناهم فی الارض أقاموا الصلاة َ وأتوا الزكاةَ وأمروا بالمعروف ِ ونهوا عن المنكر ولله عاقبة الامور ."
هل أن تقدّم فريضة الحج على فريضة الجهاد فی الايات الاتية أعلاه فی القرآن كان على سبيل الصدفة ؟ ونقول حاشا للقرآن أن يأتی بآيات بصورة غير مدروسة وفی غير موضعها ومن المستبعد جدا ً أن يفقد القرآن تسلسله والترابط الوثيق بين آياته .
الوحدة فی السياق والعلاقة والترابط بين آيات القرآن الكريم يدفعنا الى القبول بان هنالك صلة بين الجهاد والحج وبين غرفة العمليات ( ندوة الفكر ) وميدان العمل والجهاد لإن فی مكة أفضل بقعة على وجه الارض لتلاقی وتلاقح افكار مسلمی العالم عبرلقاء زعمائهم الفكريين والروحيين خلال إقامتهم فی مكة ايام مناسك الحج و التفكير لايجاد حلول عملية لمواجهة العدو المتغطرس الذی يريد النيل من إرادتهم ومقدرات شعوبهم وأن يرغموالعدو على الاستسلام لقرارهم .
نعم هذه الندوة الالهية العظيمة التی لمت شمل ممثلی جميع البلدان الاسلامية تمثل فرصة ذهبية لكی يقوم الزعماء الروحيون للامة الاسلامية بالبحث عن حلول لازماتهم و اتخاذ مواقف سياسية ودفاعية مشتركة حيال قضاياهم وأن يقفوا صفا واحدا بوجه العدو الذی يتربص بمقدراتهم وان يلقنوه درسا لن ينساه أبدا ً .بالرغم من أن هذا الواجب الدينی ليس محدودا بايام الحج فقط وانما على المسلمين كافة الوقوف بوجه العدو بغض النظر عن الزمان والمكان .ولكن فی الحج فرصة ليس لها مثيل تسنح للمسلمين للعمل بواجبهم الدينی .
وليس الشيخ شلتوت وحده الذی يرى فی الاية شمولا من ناحية المنافع فهنالك مفسرون كثر من المذهب السنی مثل المفسر العملاق ال