مکارم الأخلاق:
قال ابراهیم بن عباس عن مکارم أخلاق الإمام (ع):
« ما رأیت، و لا سمعت بأحد أفضل من أبي الحسن الرضا (ع)، ما جفا أحدا قط ، و لا قطع علی أحد کلامه ، و لا ردّ أحدا عن حاجة ، و ما مدّ رجلیه بین جلیسه، ولا اتکأ قبله ، و لا شتم موالیه و ممالیکه، و لا قهقة في ضحکة ، و کان یجلس علی مائدته ممالیکه و موالیه ، قلیل النوم باللیل ، یحیي أکثر لیالیه من أوّلها الی آخرها، کثیر المعروف و الصدقة، و أکثر ذلک في اللیالي المظلمة». (1)
و من معالي أخلاقه انه کما تقلد ولایة العهد التي هي أرقي منصب في الدولة الإسلامیة لم یأمر أحدا من موالیه و خدمه في الکثیر من شؤونه وإنّما کان یقوم بذاته في خدمة نفسه، حتی قیل: إنه احتاج الی الحمام فکره أن یأمر أحدا بتهیئته له، و مضی إلی حمّام في البلد لم یکن صاحبه یظن أن ولي العهد یأتي الی الحمّام في السوق فیغسل فیه ، وإنما حمامات الملوک في قصورهم .
ولما دخل الإمام الحمّام کان فیه جندي ، فأزال الإمام عن موضعه، وأمره أن یصب الماء علی رأسه ، ففعل الإمام ذلک، و دخل الحمام رجل کان یعرف الإمام فصاح بالجندي هلکت، أتستخدم ابن بنت رسول الله (ص)!؟ فذعر الجندي، ووقع علی الإمام یقبل أقدامه، و یقول له متضرّعا:
« یا ابن رسول الله ! هلّا عصیتني إذ أمرتک؟».
فتبسم الإمام في وجهه و قال له ، برفق و لطف:
« إنها لمثوبة ، و ما أردت أعصیک فیما أثاب علیه ». (2)
زهده:
ومن صفات الإمام الرضا (ع) الزهد في الدنیا، و الاعراض عن مباهجها و زینتها، وقد تحدث عن زهده محمد بن عباد حیث قال: کان جلوس الرضا علی حصیرة في الصیف، و علی مسح ( الکساء من الشعر) في الشتاء، ولباسه الغلیظ من الثیاب حتی إذا برز للناس تزیا. (3)
والتقی به سفیان الثوري ــ و کان الإمام قد لبس ثوبا من خزــ فأنکر علیه ذلک و قال له : لو لبست ثوبا ادنی من هذا. فأخذ الإمام (ع) یده برفق ، و أدخلها في کمّه فإذا تحت ذلک الثوب مسح، ثم قال له :
« یا سفیان ! الخزّ للخلق ، و المسح للحق...». (4)
وحینما تقلّد ولایة العهد لم یحفل بأی مظهر من مظاهر السلطة، ولم یقم لها أي وزن ، و لم یرغب في أي موکب رسمي، حتی لقد کره مظاهر العظمة التي کان یقیمها الناس لملوکهم.
سخاؤه:
ولم یکن شيء في الدنیا أحب الی الإمام الرضا(ع) من الإحسان الی الناس و البر بالفقراء. وقد ذکرت بوادر کثیرة من جوده و إحسانه، و کان منها ما یلي:
1ـ أنفق جمیع ما عنده علی الفقراء، حینما کان في خراسان، وذلک في یوم عرفة فأنکر علیه الفضل بن سهل، و قال له : إنّ هذا لمغرم ....
فأجابه الإمام (ع):« بل هو المغنم لا تعدّنّ مغرما ما ابتغیت به أجرا و کرما ». (5)
2ـ و کان إذا أتی بصفحة طعام عمد الی أطیب ما فیها من طعام، ووضعه في تلک الصفحة ثم یأمر بها الی المساکین ، و یتلو قوله تعالی : ( فلا اقتحم العقبة ) ثم یقول:« علم الله عزّوجل أن لیس کل إنسان یقدر علی عتق رقبة فجعل له السبیل الی الجنة ». (6)
3ـ وروي: « أن فقیرا قال له : أعطني علی قدر مروّتک .
فأجابه الإمام (ع): « لا یسعني ذلک».
والتفت الفقیر الی خطأکلامه فقال ثانیا: اعطني علی قدر مروّتي.
وهنا قابله الإمام (ع) ببسمات فیّاضة بالبشر قائلا له : اذن نعم.
ثم قال:« یا غلام ! أعطه مائتی دینار». (7)
تکریمه للضیوف:
کان (ع) یکرم الضیوف، ویغدق علیهم بنعمه و احسانه و کان یبادر بنفسه لخدمتهم ، وقد استضافه شخص، و کان الإمام یحدثه في بعض اللیل فتغیّر السراج فبادر الضیف لاصلاحه فوثب الإمام،وأصلحه بنفسه،وقال لضیفه:« إنّا قوم لا نستخدم أضیافنا». (8)
عتقه للعبید:
ومن أحب الامور الی الإمام الرضا (ع) عتقه للعبید، وتحریرهم من العبودیة، و یقول الرواة: انه اعتق ألف مملوک. (9)
علمه:
و الشيء البارز في شخصیة الإمام الرضا (ع) هو احاطته التامة بجمیع أنواع العلوم و المعارف، فقد کان باجماع المؤرخین و الرواة اعلم أهل زمانه، و افضلهم و ادراهم باحکام الدین، و علوم الفلسفة و الطب و غیرها من سائر العلوم، و قد تحدّث عبدالسلام الهروي عن سعة علومه، وکان مرافقا له، یقول: « ما رأیت اعلم من علي بن موسی الرضا ، ما رآه عالم إلا شهد له بمثل شهادتي، و لقد جمع المأمون في مجالس له عددا من علماء الادیان، و فقهاء الشریعة و المتکلمین، فغلبهم عن آخرهم حتی ما بقي منهم أحد إلا أقرّ له بافضل، و اقرّ له علی نفسه بالقصور، و لقد سمعته یقول : کنت أجلس في (الروضة) و العلماء بالمدینة متوافرون فاذا عیّ الواحد منهم عن مسألة أشاروا الیّ بأجمعهم، وبعثوا اليّ بأجمعهم ، و بعثوا اليِّ المسألة فاجیب عنها...». (10)
قال ابراهیم بن العباس:« ما رأیت الرضا یسأل عن شيء قط إلاعلم و لا رأیت اعلم منه بما کان في الزمان الأول، الی وقته و عصره ، وکان المأمون یمتحنه بالسؤال عن کل شیء فیجیبه الجواب الشافي». (11)
قال المأمون:« ما أعلم احدا افضل من هذا الرجل ــ یعني الإمام الرضا ــ علی وجه الارض...». (12)
عبادته و تقواه:
و من ابرز ذاتیات الإمام الرضا (ع) انقطاعه الی الله تعالی ، و تمسّکه به، و قد ظهر ذلک في عبادته ، التي مثلت جانبا کبیرا من حیاته الروحیة التي هي نور، و تقوی وورع ، یقول إبراهیم بن عباس فی حدیث:«... کان (ع) قلیل النوم باللیل ، کثیر السهر، یحیي أکثر لیالیه من أوّلها الی الصبح و کان کثیر الصیام فلا یفوته صیام ثلاثة أیام في الشهر...». (13)
و یقول الشبراوي عن عبادته : إنه کان صاحب وضوء و صلاة، وکان في لیله کلّه یتوضّأ و یصلّي، ویرقد هکذا الی الصباح. (14)
لقد کان الإمام (ع) أتقی أهل زمانه، وأکثرهم طاعة لله تعالی. لقد سری حب الله في قلبه ، و تفاعل في عواطفه و مشاعره حتی صار من خصوصیات شخصیّته.
تسلّحه بالدعاء:
ومن مظاهر حیاة الإمام الروحیة تسلحه بالدعاء الی الله و التجاؤه إلیه في جمیع أموره، و کان یجد فیه متعة روحیة لا تعادلها أیة متعة من متع الحیاة.
وأثرت عن الإمام الرضا(ع) کوکبة من الأدعیة الشریفة کان من بینها ما یلي:
1ـ قال (ع):« یا من دلّنی علی نفسه، وذلّل قلبی بتصدیقه، أسألک الأمن و الإیمان في الدنیا و الآخرة ...». (15)
2ـ و قال (ع):« اللهم أعطنی الهدی و ثبتنی علیه ، واحشرنی علیه آمنا ، أمن من لا خوف علیه ، ولا حزن ولاجزع إنک أهل التقوی، وأهل المغفرة...».(16)
لقد دعا الإمام (ع) بطلب الهدایة، و الإنقیا الکامل الی الله الذي هو من أعلی درجات المقربین و المنیبین إلی الله تعالی.
المصدر: کتاب اعلام الهدایة
...............................................
الهامش:
1ـ عیون اخبار الرضا: 1 / 184 و عنه في بحار الأنوار: 49 / 90 ،91 و عنه في حیاة الإمام الجواد (ع) للقرشي: 35.
2ـ نور الأبصار: 138 ، عیون التواریخ: 3 / 227 مصور.
3ـ عیون أخبار الرضا: 2 / 178 ، المناقب 4 / 389.
4ـ المناقب: 4 / 389 ـ 390.
5ـ المناقب: 4 / 390.
6ـ المحاسن للبرقي: 2 / 146 ، ح 20 و عنه في بحار الأنوار: 49 / 97 ، ح 11.
7ـ مناقب آل أبي طالب: 4 / 390.
8ـ الکافي: 6 / 283 و عنه في بحار الأنوار: 49 / 102، ح 20.
9ـ التحاف بحب الاشراف: 58.
10ـ اعلام الوری: 2 / 64 و عنه في کشف الغمة: 3 / 106 ـ 107 و عنها في بحار الأنوار:49 / 100.
11ـ عیون أخبار الرضا: 2 / 180، الفصول المهمة: 251.
12ـ الإرشاد: 2 / 261.
13ـ بحار الأنوار: 49 / 91 عن عیون أخبار الرضا: 2 / 184.
14ـ الاتحاف بحب الاشراف: 59.
15ـ اصول الکافي: 2 / 579.
16ـ أعیان الشیعة: 4 / ق 2 / 197.
انتهی / 115