فرغم الزخم الدولي والشعبي الذي حشدته القوات الأميركية لاستئصال جماعة طالبان، لا تزال تلك الحركة تتمتع بهامش محدود استطاع ان يشكل قلقا مستمرا للعديد من تلك الدول.حيث أقر قائد القوات الأميركية والناتو في أفغانستان، الجنرال ستانلي ماكريستال، بأن القوات الاجنبية لم تتمكن من تحقيق الأهداف التي حددتها خطة إستراتيجية "خاطئة" وضعت قبل نحو ثمانية أعوام.وشهد العام الحالي تعزيزاً كبيراً في القوات الأميركية في أفغانستان، وكذلك في القوات البريطانية، على أنه برغم ذلك، فإن المناطق الجنوبية من البلاد تشهد معارك بين القوات الاجنبية ومسلحي طالبان، الأمر الذي أدى إلى ارتفاع كبير في الخسائر بين القوات الأميركية والبريطانية، بحيث أصبح شهر أغسطس/آب الماضي أكثر الشهور دموية لهاتين القوتين.وقال ضباط أميركيون كبار إن التقييم يبيّن أن طالبان تمارس نفوذاً واسعاً على ثلث أفغانستان، فيما أقر الأدميرال مايكل مولن، رئيس هيئة الأركان الأميركية المشتركة، مؤخراً بأن الوضع في أفغانستان "خطير ويتردّى بصورة متزايدة."ورفعت الولايات المتحدة عدد قواتها في أفغانستان إلى نحو 62 ألف عنصر، فيما تسعى وزارة الدفاع الأميركية إلى إضافة 6 آلاف آخرين، عدا عن وجود 35 ألف عنصر من حلف الناتو.في ذات السياق قال مسؤولون في وزارة الدفاع والكونغرس الاميركيين ان الجنرال ستانلي مكريستال قائد القوات الاميركية وحلف شمال الاطلسي في افغانستان يعتزم تقديم خيارات لصناع السياسة في محاولة لوقف انتصارات طالبان من بينها ارسال ما يتراوح بين 30 الف و40 الف جندي ومدرب اضافيين.ولكن البيت الابيض قال انه يريد مراجعة استراتيجية الحرب كلها قبل بحث طلب مكريستال.وفي تقييم متشائم جرى اعداده الشهر الماضي وتسرب لوسائل الاعلام في الاونة الاخيرة كتب مكريستال ان مهمته ستفشل على الارجح اذا لم تعزز قواته التي تزيد حاليا عن 100 الف جندي بينهم نحو 63 الف اميركي.ووصف الرئيس الاميركي باراك اوباما الذي امر بالفعل بارسال 21 الف جندي اضافي الى افغانستان هذا العام نفسه بانه "من جمهور المتشككين" في قضية ارسال مزيد من القوات ويقول انه يريد التأكد اولا من صحة الاستراتيجية.من جهته حذر مستشار الامن القومي الاميركي الاسبق (في عهد الرئيس جيمي كارتر) زبغنيف برجنسكي من ان الغرب قد يمنى بهزيمة في افغانستان تماثل تلك التي مني بها الاتحاد السوفييتي السابق ما لم يعمد الى ادخال تغييرات جذرية في الاستراتيجية التي يتبعها في ذلك البلد.وقال برجنسكي في كلمة القاها في مؤتمر للاستراتيجية الكونية نظمه بجنيف في سويسرا المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية الذي يتخذ من لندن مقرا له إن التدخل الغربي في افغانستان بلغ حجما يضاهي التدخل السوفييتي في ثمانينيات القرن الماضي.وبينما اعترف برجنسكي بأن ادارة الرئيس اوباما قد نأت بنفسها عن بعض الاهداف التعجيزية التي وضعتها لنفسها ادارة بوش السابقة فيما يخص افغانستان، اكد المستشار السابق - الذي لعب دورا في مساعدة الرئيس اوباما على بلورة سياسته الخارجية ابان حملته الانتخابية - بأنه ينبغي ادخل تغييرات اضافية على الاستراتيجية التي تعتمدها.واصدر برجنسكي تحذيرا واضحا ليس فقط لادارة اوباما بل للغرب بشكل عام، إذ قال: بنظري، نحن نخاطر الآن بأن نكرر، بالتأكيد ليس عن عمد، ما حدث للسوفييت. فقد غزونا افغانستان قبل ثماني سنوات وتمكننا من الاطاحة بحركة طالبان بثلاثمئة جندي فقط. اما الآن، وبعد ثماني سنوات، فإن عدد جنودنا في افغانستان بدأ يقترب من عدد الجنود السوفييت في الثمانينيات، بينما يقول قادتنا العسكريون إن النصر العسكري ما زال بعيد المنال. ورحب برجنسكي بالمقترح الذي طرحته الحكومات الالمانية والفرنسية والبريطانية بعقد قمة دولية تكون مهمتها وضع اهداف واضحة للتدخل العسكري في افغانستان الا انه اكد ان الوقت يمضي بسرعة ويجب على الغرب التصرف الآن.في غضون ذلك صرح رئيس هيئة الأركان البريطانية المقبل، سير ديفيد ريتشاردس، أن مهمة بلاده بأفغانستان قد تستغرق 40 عاماً.وكان مجلس العموم البريطاني قد انتقد في تقرير مؤخرا جهود الحكومة البريطانية في الحرب الأفغانية بالإشارة إلى إنها حادت عن أهداف تحقيق الأمن.وطال تقرير "اللجنة المختارة للشؤون الخارجية" بالانتقاد مهمة حلف شمال الأطلسي، بالإشارة إلى أن افتقاد رؤية موحدة وإستراتيجية تهدد مكانة التحالف العسكري الدولي.وانتقدت اللجنة المهام الموكلة إلى القوات البريطانية في أفغانستان باعتبار بأنها حادت عن الأهداف المرجوة.ومن جهتها اعلنت الامم المتحدة الجمعة ان اكثر من الف مدني قتلوا في اعمال العنف المتصاعدة في افغانستان خلال الاشهر الستة الاولى من عام 2009، ما يمثل زيادة بنحو الربع مقارنة بالفترة نفسها من العام الماضي.وذكرت وحدة حقوق الانسان في بعثة الامم المتحدة للمساعدة في افغانستان في تقرير لها ان زيادة عديد القوات الاجنبية التي اصبح عددها حاليا نحو 90 الف جندي، هي من بين اسباب ارتفاع عدد القتلى المدنيين.واكد التقرير ان الغارات الجوية الدولية تسببت في مقتل ما يزيد عن 64بالمائة من المدنيين الذين قتلوا في عمليات عسكرية، و20بالمائة من كافة المدنيين الذين قتلوا في الفترة من كانون الثاني/يناير الى حزيران/يونيو.وخلال الفترة نفسها من العام الماضي قتل 818 مدنيا . وفي الاشهر الستة الاولى من عام 2007 قتل 684 مدنيا، منهم 41 بالمائة بنيران قوات الامن و 46 بالمائة بيد المسلحين، حسب التقرير.واشار التقرير الى ان ثلث مناطق افغانستان تقريبا تتاثر بشكل مباشر بالنشاطات المسلحة حيث يتحمل السكان المدنيون في تلك المناطق تبعات الاقتتال.وجاء في التقرير انه "اضافة الى الزيادة الكبيرة في اعداد القتلى من المدنيين، فان الفئات الاكثر ضعفا في المجتمع تعاني كذلك من دمار البنية التحتية وخسارة مصدر الرزق وتدهور الخدمات الاساسية".وفي ذكرى الغزو يعبر الشارع الأفغاني عن استيائه من قرار واشنطن المرتقب زيادة عدد قوات الاحتلال، واعتبر ذلك سببا لزيادة التدهور الأمني، فيما توعدت حركة طالبان الاحتلال بحرب استنزاف طويلة ما لم يغادر البلاد.هذا و أبلغ الرئيس الأميركي باراك أوباما زعماء الكونغرس أنه «لن يقلص عديد القوات الأميركية في أفغانستان مشيراً إلى أنه «لم يقرر بعد إن كان سيستجيب لطلب قائد القوات الأميركية في أفغانستان بزيادة عدد القوات الأميركية».ونقلت صحيفة «نيويورك تايمز» الأميركية عن حاضرين لاجتماع البيت الأبيض، قول أوباما إنه «لا يخطط لتقليص القوات الأميركية في أفغانستان أو تغيير المهمة لتقتصر فقط وتركز على تنظيم القاعدة»، مؤكداً أن «الموضوع لا يتعلق بخفض عدد القوات في أفغاستان أو الانسحاب منها».وأشارت إلى أن أوباما «حاول خلال لقائه البحث عن أرضية مشتركة بين الجمهوريين والديموقراطيين في موضوع أفغانستان»، لافتة إلى أن «بعض الديموقراطيين قالوا إنهم سيدعمون أوباما مهما كان قراره فيما دعاه آخرون إلى إرسال مزيد من القوات».أما الجمهوريون، فضغطوا من أجل التصعيد من دون أي تأخر، ما أدى إلى جدل بين أوباما والسيناتور جون ماكين، الذي أوضح «أن الوقت ليس لمصلحتنا»، مضيفاً «يجب ألا تكون العملية متأنية».وذكرت الصحيفة أن أوباما «جمع المشرعين ليؤكد لهم أنه يأخذ قلقهم بالحسبان في ظل دراسته لطلب قائد القوات الأميركية في أفغانستان ستانلي مكريستال بزيادة القوات».
انتهی / 115