وكالة أهل البيت (ع) للأنباء

المصدر : ایکنا
الاثنين

١٥ يونيو ٢٠٠٩

٧:٣٠:٠٠ م
168752

آراء حكيمة لآیة الله الخامنئی حول صلح الإمام الحسن عليه السلام

إنّ تحليل عهد إمامة الإمام الثانی (ع) الذی كان يموج بالفتن، فی عصرنا الراهن هو مدعاة للاعتبار، وله أهمية خاصة عند أتباع مدرسة أهل البيت (ع)، وإن كان لا يخلو من صعوبة. ولقد كانت لآية الله العظمی السيد علی الخامنئی (حفظه الله) قبل الثورة الإسلامية دراسات واسعة وتحليلات شاملة فی هذا المجال؛ وهذا ما نلمسه فی ما سطّره فی مقدمة ترجمته لكتاب صلح الإمام الحسن، ذلك الصلح الذی يمثل أعظم مرونة متصفة بالشجاعة فی التاريخ.

يقول الإمام الخامنئی:‌ "الآن، ومن خلال تهيئة ترجمة هذا الكتاب القيم، ووضع الاسم الذی يجمع أشمل وأدل كتاب حول صلح الإمام الحسن (ع) بين يدی أصحاب اللغة الفارسية، قد حققت أحدى أمنياتی القديمة، وأشكر الباری تعالى شكراً كثيراً على ألطافه وتوفيقاته أن وفقنی لترجمة هذا الكتاب، وقد كنت أفكر لسنين طويلة فی أثر خاص بتحليل موضوع صلح الإمام الحسن، حتى أننی جمعت بعض المواضيع اللازمة لذلك، ولكن بعد ذلك منعتنی الميزات الكثيرة التی يتمتع بها هذا الكتاب عن فكرتی الأولى، وجعلتنی مضطراً لترجمة هذا الكتاب القيم ليس لشیء إلا لينتفع بقراءته أصحاب اللغة الفارسية مثلی، وليوضع لأول مرّة مثل هذا الكتاب الكامل والشامل الذی يتضمن هذا الموضوع الفائق الأهمية، فی معرض أفكار الباحثين والمحققين".

لقد كان للصلح أسبابه ودوافعه، ولا يمكن تركه أو الحياد عنه بأی شكل من الأشكال، ولم يكن الوضع يسمح بالاستشهاد آنذاك، فإنّ المرحوم «الشيخ راضى آل ياسين» (رضوان ‌اللَّه ‌تعالى ‌عليه)، يثبت فی هذا الكتاب (صلح الحسن) ـ الذی ترجمته قبل عشرين سنة وتمت طباعته ـ أن الظروف لم تكن تسمح للاستشهاد أبداً، ومن المعلوم أنّ كل قتلة لا تعد شهادة، بل إنّ القتل بشروط معينة يعتبر شهادة، وهذه الشروط لم تكن متوفرة آنذاك، ولو فرضنا أنّ الإمام الحسن (ع) قتل فی تلك الظروف فسوف لا يحتسب شهيداً، فلم يكن بالإمكان آنذاك أن يؤدی شخص ـ فی مثل تلك الظروف ـ حركة من الحركات المناسبة ثم يقتل ويطلق عليه شهيداً، كلا، بل يطلق عليه منتحراً. / كلمة ولی أمر المسلمين لدى لقائه مع طبقات مختلفة من الشعب (اليوم الخامس من شهر رمضان المبارك وولادة الإمام الحسين المجتبى عليه السلام) 22/1/1369ش

1ـ بعض أسباب صلح الإمام الحسن (ع)

الف: الحرب الإعلامية للعدو؛ لقد ذكرت فی أبحاثی حول حوادث تاريخ الإسلام إنّ الذی أدّى إلى هزيمة الإمام الحسن المجتبى (ع)، وكذا ظهور فتنة الخوارج، ومظلومية أقوى رجل فی التاريخ، هو عدم تمتّع الناس بالتحليل والشعور السياسی، فكان العدو يشيع خبراً فيقبله الناس بدون إمعان وتدبّر. / كلمة ولی أمر المسلمين فی لقائه مجموعة من التلاميذ وطلبة الجامعات بمناسبة «اليوم الوطنی لمقارعة الاستكبار»، 12/8/1372ش

ب: عدم وعی الناس؛ أخوتی الأعزاء، إنّنا اليوم فی أمس الحاجة إلى وحدة الكلمة أكثر من كل شیء، إنّ عدوّنا غامض جداً وهو يسعى بشكل خفی لتقويض الثورة، وهو لا يظهر بمظهر العدوّ، إنّه يحاول ذلك من خلال: النفاق، الخداع، الإعلام، بثّ روح اليأس، ومحاولة إحياء العصبية القومية والتاريخية والفئوية، لذا ينبغی الانتباه تماماً لدى مواجهته.

ولو لم يكن شعبنا على هذا المستوى من الوعی لأصابه ما أصاب المسلمين فی خلافة الإمام الحسن (ع) أو ما أعقب ذلك من عهد. إنّ سبب ذلك التمزق يعود إلى اختلاف الكلمة، فحافظوا على وحدة كلمتكم، واعلموا أنّ ذلك من أهم المسائل فی وقتنا الحاضر./ كلمة ولی أمر المسلمين فی مراسم بيعة جمع كثير من عشائر عرب خوزستان وأهالی نجف آباد، 19/3/1368ش

ج: ضعف تحليل الوقائع السياسية لدى عامة الناس؛ لقد ذكرت كثيراً عندما تفتقد الأمّة القدرة على التحليل، فستخدع ويكون مصيرها السقوط. إنّ أصحاب الإمام الحسن (ع) لم تكن لهم قدرة على التحليل، ولم يتمكنوا من فهم تداعيات الأمور وما الذی يدور حولهم، علماً أنّ أصعب المراحل التی تمر بها أی ثورة هی المرحلة التی يلتبس فيها الحق بالباطل، ففی عهد رسول الله (ص) كانت الصفوف مشخصة وواضحة، فمن جهة نجد الكفار والمشركين وأهل مكة، وقد كان كل مهاجر يحمل فی ذاكرته إحدى الخاطرات عنهم، فشخص يقول لقد ضربنی فلان فی التاريخ الفلانی، والآخر يقول لقد سجننی فلان، وآخر يقول فلان نهب أموالی؛ لذا لم توجد هناك شبهة.

ومن جهة أخرى نجد اليهود، الذين كان جميع أهل المدينة ـ من المهاجرين والأنصار ـ يعرفون مؤامراتهم وخدعهم، فالوضع كان واضحاً لم يكن عليه غبار، وفی مثل هذا الوضع تكون الحرب أمراً سهلا، كما أنّ حفظ الإيمان يكون سهلاً أيضاً.

لقد قمت فی مرحلة من مراحل حياتی بدراسة حكومة أمير المؤمنين (عليه الصلاة والسلام)، وما دار حولها من تداعيات دراسة مستفيضة لمدة خمسة سنوات تقريباً، وما تمكنت من استنتاجه هو أنّ التحليل السياسی حول ذلك كان ضعيفاً، وتوجد هناك مسائل أخرى أيضاً؛ إلا أنّ هذه المسألة كانت أهمها، فمع أنّ غالبية الناس كانوا مؤمنين، لكن إيمانهم كان إيماناً قابعاً تحت هودج أم المؤمنين حيث قاتلوا علياً (عليه السلام) وكانت نتيجتهم القتل؛ لأنّهم لم يكونوا قادرين على التحليل ./ كلمة ولی أمر المسلمين لدى لقائه طبقات مختلفة من الشعب (اليوم التاسع والعشرين من شهر رمضان المبارك)، 26/1/1370ش

عندما تعلو غبرة الفتن الغليظة، نتذكر عهد الإمام الحسن (ع)، وأنتم تعلمون ما الذی حدث حينذاك، كما تعلمون بوجود طبقة رقيقة من هذه الغبرة فی عهد الإمام أمير المؤمنين (ع) أيضاً؛ وكان بعض الأشخاص مثل عمار بن ياسر ـ الذی يعد أعظم فاضح للأعداء فی جبهة أمير المؤمنين عليه السلام ـ وبعض كبار صحابة الرسول (ص) يذهبون إلى الناس ويتكلمون معهم وينصحونهم، وعلى الأقل كانوا يزيلون بعض آثار تلك الغبرة من أمام أعين بعضهم، أما فی زمان الإمام الحسن، لم يتحقق حتى هذا المقدار القليل، فقد كان زمانه زمان شبهة وحرب مع الكفار المقنعين، من الذين يتمكنون من تسخير شعاراتهم لأهدافهم، لقد كان زماناً صعباً للغاية، ولم يكن بداً من الحذر فيه.

الحمد لله إننا لا نعيش فی مثل تلك الحقبة، ولم تزل صفوفنا واضحة، ولا تزال أغلب أصولنا وحقائقنا بينة، لكن يجب أن لا نكون واثقين من أنّ الأمر سيبقى كذلك دائماً، بل عليكم أن تكون واعين، وتتمتعون بالبصيرة، وعليكم أن تشخصوا هل أن قدراتكم مسخرة لله أم لا؟ وهذا يحتاج إلى بصيرة، فعليكم أن لا تتهاونوا فی ذلك. / كلمة ولی أمر المسلمين لدى لقائه طبقات مختلفة من الشعب (اليوم التاسع والعشرين من شهر رمضان المبارك)، 26/1/1370ش

حشود المعارضين

لقد نمى تيار معارض فی عهد الإمام الحسين (ع) إلى درجة أنّه تمكن أن يبرز بصورة مانع من الموانع، علماً أنّ هذا التيار المعارض لم يظهر فی زمان الإمام المجتبى (ع)، بل ظهر منذ زمن بعيد، ولو أراد شخص أن يبتعد قليلاً عن الأدلة العقائدية، ويستند فقط إلى الشواهد التاريخية، سيتمكن من القول أنّ هذا التيار لم يكن قد بدأ فی عصر الإسلام وحسب، بل أنّه كان استمراراً للأيام التی بدأ الرسول (ص) ينشر فيها دعوته ـ أی فی زمان وجود الرسول فی مكة المكرمة ـ

فبعد أن وصلت الخلافة فی عهد عثمان ـ الذی كان من بنی أمية ـ إلى هؤلاء القوم، كان أبو سفيان ـ الذی أصابه العمى فی ذلك الوقت ـ جالساً مع أصحابه يستمع لما يدور، فسأل: من الذی فی الاجتماع؟ فأجابوه: فلان وفلان وفلان، وعندما اطمئن إلى أنّ الجميع من المقربين من بنی أمية ولم يوجد غريب بينهم، خاطبهم قائلاً: «تلقّفنّها تلقّف الكرة»، وهذا ما ذكر فی تاريخ السنة والشيعة.

إنّ هذه ليست مسائل عقائدية، ونحن لا نريد أن نبحث هذه المسألة على أساس النظرة العقائدية؛ أی أننی لا أرغب أن أبحث المسائل على أساس هذه النظرة، بل أناقش ذلك على أساس النظرة التاريخية فقط، ومن المعلوم أنّ أبا سفيان كان مسلماً فی ذلك الوقت، وكان قد دخل فی الإسلام، إلا أنّ إسلامه كان بعد الفتح أو قريباً من الفتح، فلم يكن إسلامه فی وقت غربة الإسلام وضعفه، بل بعد اقتداره وقوته.

إنّ هذا التيار قد وصل إلى ذروة قوته فی عهد الإمام الحسن المجتبى (عليه الصلاة والسلام)، وإنّ هذا التيار ـ الذی برز من خلال معاوية بن أبی سفيان الذی تصدى للإمام الحسن (ع) ـ بدأ بالمعارضة والتصدی، وقطع الطريق على الحكومة الإسلامية ـ أی الإسلام فی إطار حكومة ـ واختلق معضلات كثيرة، أدت بالنتيجة إلى منع قيادة التيار الذی يؤدی إلى تأسيس الحكومة الإسلامية. /(اليوم الخامس من شهر رمضان المبارك وولادة الإمام الحسين المجتبى عليه السلام) 22/1/1369شحفظ النظام والحكومة فی إطار إسلامی

إنّ عهد الإمام المجتبى (عليه الصلاة والسلام)، وحادثة صلح هذا الإمام العظيم مع معاوية، أو ما يسمى بالصلح، تعتبر حادثة مصيرية وليس لها نظير فی جميع مناهج الثورة الإسلامية فی صدر الإسلام.سأوضح هذه المسألة توضيحاً مختصراً ثمّ أدخل فی أصل الموضوع.

إنّ الثورة الإسلامية، تعنی الفكر الإسلامی والأمانة التی أرسلها الله تعالى للناس وأطلق عليها الإسلام، وقد برزت فی عهدها الأول بعنوانها حركة فی إطار نهضة ومقاومة ثورية عظيمة، وذلك بالتزامن مع إعلان الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) عن هذا الفكر فی مكة، وقد أصطف أعداء الفكر التوحيدی والإسلامی لمقاومة ذلك؛ ليمنعوا هذا الفكر من التقدم، فقام الرسول (ص) من خلال دعوة القوى المؤمنة بتنظيم هذه الثورة، فأوجد مقاومة واعية وقوية ومتطورة جداً فی مكة، دامت ثلاثة عشر عاماً، وهذا كان هو العهد الأول من الرسالة.

وبعد ثلاثة عشر عاماً، أصبح هذا الفكر فی إطار حكومة ونظام، وتحول إلى نظام سياسی وحياتی لأمّة كاملة؛ نتيجة لتعليمات الرسول (ص) وشعاراته وتنظيماته وتضحياته ومجموعة العوامل الأخرى التی توفرت، وكان ذلك فی الوقت الذی تشرف فيه رسول الله (ص) بالقدوم إلى المدينة، وجعل له قاعدة فيها، ونشر من خلالها الحكومة الإسلامية، وتحول الإسلام إلى ثورة ودولة، وهذا هو العهد الثانی من الرسالة.

إنّ هذا النهج دام لمدة عشر سنوات من حياة النبی (ص)، وبعده فی عهد الخلفاء الأربعة، وبعد ذلك فی عهد الإمام المجتبى (عليه الصلاة والسلام) ـ الذی دام ستة أشهر تقريباً ـ حيث ظهر الإسلام بشكل حكومة، وكانت كل الأمور تسير على أساس نظام اجتماعی؛ أی أنّ الشعب كان يسير فی إطار حكومة وجيش وعمل سياسی وثقافی وقضائی، بالإضافة إلى تنظيم العلاقات الاقتصادية للشعب، وكل ذلك كان قابل للتطور، ولو ظلت الأمور تسير وفق ذلك، لتمكن الإسلام من تطبيق ذلك فی جميع نواحی العالم؛ أی أنّ الإسلام قد أظهر أنّه قادر على ذلك. /(اليوم الخامس من شهر رمضان المبارك وولادة الإمام الحسين المجتبى عليه السلام) 22/1/1369ش

لقد استشهد أمير المؤمنين (ع) بسبب تلك الأوضاع. ومن بعده جاء ابنه الحسن (ع) الذی لم يتسنّ له الصمود بوجه تلك الحالة أكثر من ستة أشهر، إذ تخلى عنه أنصاره وتركوه فريداً وحيداً؛ فرأى أنّه إذا سار لمحاربة معاوية بهذه الثلّة القليلة واستشهد فلن يطالب أحد حتى بثأره نتيجة لاستشراء الانحطاط الأخلاقی فی المجتمع الإسل