وكالة أهل البيت (ع) للأنباء

المصدر : مجلة ثقافة التقریب
الاثنين

١٥ يونيو ٢٠٠٩

٧:٣٠:٠٠ م
164143

خصوصیة العالقة بین ایران و العالم العربی

لا أقصد بالعلاقات طبعا المراودات السیاسیة و التجاریة و السیاحیة، فهذه لا تشکل إلا السطح الظاهر من العلاقات التی یجیب أن یکون لها عمق إنسانی یضمن لها الدیمومیة و استمرار العطاء. إن الاقتراب بین أی جزأین من أجزاء العالم الإسلامی من الممکن أن یکون له هذا العمق الإنسانی إذا لم یقتصر علی الموسسات ذات الأهداف المحدودة، وإذا اتسع لیشمل البعد الشعبی أیضا. و من الممکن إن یکون اللقاء الشعبی عبر النخبات المثقفة، شرط أن تکون النخبات معبرة عن الضمیر الشعبی و عن عمق وجدان الإنسان فی المنظومة الإسلامیة ... لکن العلاقات العربیة ــ الإیرانیة لها خصوصیتها بین أیة علاقة أخری فی إطار العالم الإسلامی . فالعرب و الإیرانیون یمثلون السدة و اللحمة فی صرح الحضارة الإسلامیة و من هنا فإنهما فی حوارهما یقفان علی أرضیة صلبة قد لا تتوفر لإی لقاء بین جانبین فی المنظومة الإسلامیة، بل فی الأسرة الدولیة أجمع.

و اسمحوا لی هنا أن أقف قلیلا عند مسألة صاحب السهم الأوفی فی بناء الحضارة الإسلامیة، أهم العرب أو الإیرانیون ؟ إن هذا النقاش یدور عادة فی دراسات الباحثین العرب و الإیرانیون. لقد ذهب بعض القومین الإیرانین المتعصبین إلی أن ما أسموه « الغزو العربی » ، قد أباد حضارة عالمیة کبری شیدها الإیرانیون منذ أن أقاموا امبراطوریتهم ، و قالوا: إن هولاء الإیرانین عادوا فأشادوا حضارة إیرانیة أخری بعد ظهور الإسلام اتخذت اسم الحضارة الإسلامیة أی إن هولاء القومیین الإیرانیین عزوا النشاط العلمی و الثقافی الإسلامی لدی الإیرانیین علی مر عصور التاریخ الإسلامی إلی اسباب قومیة . و من الموسف أن بعض الباحثین العرب أیدوا هذا الإتجاه فی فهم الدور الإیرانی فی الحضارة الإسلامیة و أضفوا علیه طبعا شعوبیا موکدین أن الروح الشعوبیة هی التی دفعت الإیرانیین إلی هذه المساهمة الجادة فی بناء صرح العلوم و الثقافة الإسلامیة، وذهب بعض الباحثین العرب و الإیرانیین إلی تقابل أهمیة دور الجانب الآخر فی بناء الحضارة الإسلامیة.

و أنا فی مثل هذه المناقشات ذات المنطق القومی أطرح رأیا أزعم أنه رای الإسلام و القرآن والتاریخ ، و إقول: إن الفضل فی بناء الحضارة الإسلامیة یعود إلی الإسلام هو الذی إوجد التفاعل بین الإیرانیین و العرب و هذا التفاعل أو« التعارف » بالتعبیر القرآنی هو الذی أدی إلی هذا النماء الحضاری و الرشد الفکری و النضج الثقافی لقد شاءت سنة الله فی الأرض أن یستمر النماء فی خلقة البشر عن طریق التعارف بین الذکر و الأنثی ، کما شاءت سنّت أن یکون استمرار النمو الحضاری من تعارف الشعوب ذوی الانتماءات المختلفة.

و القرآن الکریم قرن تعارف  الشعوب بالتعارف بین الذکر و الأنثی فی إشارة مهمة إلی أن استمرار النماء البشری رهین بهذین الاقترانین : « یا أیها الناس إنّا خلقناکم من ذکر و أنثی و جعلناکم شعوبآ و قبائل لتعارفوا...».

و لئن قامت الحضارات العالمیة، بل حتی الحضارة الإسلامیة بعد هجرات بشریة، فلأن البناء الحضاری یتطلب اقتران شعوب مختلفة.

أردت بهذه الوقفة ان أقول : إن أی لقاء بین الإیرانیین و العرب سیعید للجانبین الدور فی المسیرالحضاریة . وإذ شاهدنا عطاء هذا اللقاء من قبل فی البصرة و بغداد و خوارزم و نیشابور و أصفهان و همذان و الري و عشرات مراکز اللقاء الحضاری الأخری، فنحن بفضل وسائل الإرتباطات الحدیثة نستطیع بإذن الله أن نجد خیر هذا العطاء یعم کل العالم الإسلامی من المحیط إلی المحیط لو تم اللقاء العربی الإیرانی فی إطاره الرسالی المطلوب.

وعلی الرغم من واقع التجزئة الألیم بین العرب وإیران فی العصر الحدیث و الحساسیات المفتعلة علی الصعیدین القومی و الطائفی بینهما، فإن خصوصیة هذه العلاقة بقیت متواصلة، وإن إیران تحتل مکان الصدارة فی بتنی القضایا العربیة، بل حتی فی زمن الشاه الذی سعی لأسباب معروفة أن یخلق عزلة بین إ یران و العرب، کان الشعب الإیرانی یعیش هموم العرب و آمالهم وآلامهم .

حین بدأت طلائع الصحوة الإسلامیة الحدیثة فی العالم العربی تجاوب معها الشعب الإیرانی عبر مواقف کثیرة جسدها نواب صفوی و آیة الله کاشانی، وحین هب الشعب الإیرانی بقیادة آِیة الله الکاشانی و الدکتور مصدق لتأمیم النفط تجاوب معه الشعب العربی أیما تجاوب. کما أن اتحاد الموقف الشعبی الإیرانی العربی أیما تجاوب. کما أن اتحاد الموقف الشعبی الإیرانی العربی تجاه قضیة فلسطین و التفاعل العربی مع الثورة الإسلامیة الإیرانیة هو مما یحتاج الی بیان .

الأغرب من ذلک، أن عبدالناصر ذا التوجه القومی العربی کانت له مکانة کبیرة فی ساحة الوعی الإسلامی الإیرانی،و کان السجناء الإسلامیون یتابعون مواقفه و خطاباته بدقة عبر مذیاع یصلهم خفیة إلی السجن. و قال لی قائد کبیر من قادة الثورة الإسلامیة: لقد بکیت و أنا فی زنزانة السجن الإنفرادیة عندما سمعت بنبأ وفاة عبدالناصر وسادنی هم کبیر. وکانت سلوتی الوحیدة آنئذ ما بثته إذاعة صوت العرب من تلاوة مستمرة للقرآن الکریم. عندما سألته عن السبب، خصوصا أنه من المعجبین جدا بسید قطب و ممن بکاه فی وفاته، أجاب: یهمنا عزة العرب، لأن العرب لا تنفک عن عزة المسلمین، و کان عبد الناصر رمزا لهذه العزة، وتلقینا وفاته وکأنها بدایة لأفول تلک العزة.

بقی أن أقول فی خصوصیة العلاقة العربیة ــ الإیرانیة فی إطار العالم الإسلامی، إن کلا الجانبین یمتلک رصیدا ضخما فی مد جسور اللقاء مع سائر أجزاء المنظومة الإسلامیة عبر الإشتراک اللغوی و الثقافی و التاریخی و الحوار و الموسسات التعلیمیة و مراکز البحث العلمی، إضافة إلی القنوات الرسمیة التی تحکمها المصالح السیاسیة و الإقتصادیة و الأمنیة.

هذه الخصوصیات تجعل العرب و الإیرانیین أقدر علی التحرک علی ساحة العالم الإسلامی، کما تجعلها مستهدفین أکثر من غیرهما فی عملیة الغزو الثقافی و تشویه الصورة أمام الرأی العام العالمی.

انتهی / 115