وكالة أهل البيت (ع) للأنباء

المصدر : مركز الحرمين الإعلامي
الاثنين

١٥ يونيو ٢٠٠٩

٧:٣٠:٠٠ م
163353

آل سعود مصدر تشدّد الوهابية الرئيسي

غالباً ما يثار سؤال حول مصادر التشدد الديني في السعودية، ولكن في أحيان نادرة يطرح سؤال عن هوية المستفيد، لأن الخاسر بات معلوماً سواء كان جماعة محلية أو دول إقليمية، أو حتى قوى أجنبية وصل إليها ذراع التشدد الديني إنطلاقاً من السعودية أو من المناطق التي شكّل فيها قواعد انطلاق الى مناطق متفرقة من العالم.

ولأن السؤال عن المستفيد من التشدد الديني في السعودية يضيء على السؤال المركزي: من يصنع التشدّد الديني في هذا البلد؟، أي من هي الجهة التي تقف وراءه، وتمدّه بأشكال الدعم المالي والأمني والسياسي، فإن ثمة جهداً متعمّداً تقوم به الحكومة السعودية، وتحديداً الأمراء المكلّفين بـ (هندسة) التشدّد الديني، لناحية تضييع آثار العلاقة بين الحكومة والجماعات المتشدّدة التي تنشأ في المجتمع السلفي الوهابي، وتتخذ مسارات متعدّدة ثقافية، ودعوية، وخيرية، وإجتماعية وأخيراً عسكرية.

ما يلفت الإنتباه في موضوع الساعة، أي الإصلاح السياسي، يقدّم التشدّد الديني باعتباره عائقاً أمام الملك عبد الله لتنفيذ (أجندة) إصلاحية، وتفترض هذه المقاربة أن لدى الملك، بالفعل، (أجندة)، دع عنك أن تكون إصلاحية.

في تقرير وكالة (رويترز) نشر في 26 يونيو الماضي حول المعوّقات التي تحول دون تنفيذ الملك عبد الله للإصلاحات، تم فيها تسليط الضوء على رجال الدين المتشدّدين. وقال التقرير أنه في فبراير أقال الملك عبد الله رجلي دين متشددين من منصبين بارزين للحد من نفوذ النخبة الدينية التي أعاقت إصلاحات في قطاعي التعليم والقضاء وهي إصلاحات ضرورية لإيجاد دولة حديثة ومكافحة التشدد الاسلامي، في إشارة الى الشيخ صالح اللحيدان رئيس مجلس القضاء الأعلى، ورئيس هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر الشيخ إبراهيم الغيث.

ولفت تقرير الوكالة الى التغييرات الوزارية والإدارية الجديدة التي أعلن عنها الملك في فبراير الماضي، وقالت بأن وزارة التعليم تبحث منذ ذلك الحين، بعد أن أصبح لديها للمرة الأولى نائبة وزير، أفكاراً لتحسين التعليم بينما شهدت العاصمة الرياض أول عرض لفيلم سينمائي منذ 30 عاما ومسرحيات قليلة ومعارض فنية ترعاها الدولة. ونقلت الوكالة عن المحلل مصطفى العلاني الذي يتخذ من دبي مقرا له قوله بأن (عجلات الاصلاح تتحرك لكن رؤية تغييرات قد تستغرق سنوات. لكن الأهم أن العجلات تتحرك. الاصلاحات لا يمكن التراجع عنها. المجتمع لن يقبل ذلك).

ثم تنتقل الوكالة لتسليط الضوء على دور رجال الدين في إبطاء العملية الإصلاحية، وقالت بأنه منذ اعتلائه العرش عام 2005 ينظر كثير من السعوديين الى الملك عبد الله على أنه مؤيد للاصلاحات، لكن دبلوماسيين يقولون ان الكثير من رجال الدين وأيضا أعضاء بارزين بالأسرة الحاكمة يقاومون. ونقلت الوكالة عن الكاتب السعودي عبد الله العلمي قوله (يحاول الملك الموازنة بين الجماعات الدينية المحافظة والتكنوقراط والمتعلمين الذين يريدون إصلاحات اجتماعية). ويضيف (قاعدة التغيير لن تكون بين عشية وضحاها. لا نريد أن يحدث هذا بين عشية وضحاها لانه قد يأتي بنتائج عكسية وتكون له عواقب سلبية).

وتعلّق الوكالة بأن السلفيين المتشدّدين يقفون عقبة أمام أي انفتاح مفترض، وتضيف (يشير دبلوماسيون الى أنه حتى اذا كانت هناك رغبة في التغيير مثل إصلاح المناهج التعليمية بالمدارس لتحسين تأهيل السعوديين لسوق العمل فان هذا لا يعني أن التغييرات التي يصدر بها الأمر من أعلى تنفذها البيروقراطية كما هو مُخطط لها).

ونبّهت الوكالة إلى أن السعودية قطعت تعهّدات لمجلس الأمم المتحدة لحقوق الانسان في شهر يونيو الماضي بوقف التمييز ضد النساء بإنهاء وصاية الرجل على المرأة عند العمل والسفر والدراسة لكن نشطاء لا يتوقعون حدوث أي تغيير عما قريب.

ولكن عثرت رويترز على أول إشارة سلبية على نوايا التغيير لدى العائلة المالكة، وقالت بأنه بعد مرور ثلاثة أشهر على اجراء تغيير وزاري قررت الحكومة إرجاء الانتخابات البلدية لعامين مما قضى على الآمال بأن تتمكن النساء من التصويت للمرة الاولى. وخفّت ضغوط الولايات المتحدة حليف الرياض لاتخاذ خطوات سريعة نحو الاصلاح. ومن الطبيعي حين يذكر الإنقلاب على الإصلاح يرد إسم وزير الداخلية نايف الذي يقدّم دعماً مفتوحاً لهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.

هذه القراءة المبتسرة والسطحية تسترعي إعادة رسم صورة العلاقة بين المؤسسة الدينية والعائلة المالكة، وسنحاول هنا أن نستحضر التجاذبات التي جرت بين التيار الديني السلفي والأمراء منذ عهد الملك عبد العزيز وحتى اليوم.

ولنبدأ بما نقله المستشار السابق للملك عبد الله السابق عبد العزيز التويجري حول ما دار بين الإخوان وعبد العزيز بعد أن قرر بعض فلولهم ترك عبد العزيز والمغادرة الى الكويت أو العراق. يقول التويجري بعد أن وصلوا هناك وجدوا الإنجليز أمامهم، فقرروا الإدبار عائدين الى عبد العزيز وحين وصلوا الى خيمته، كان في استقبالهم رجاله الذين أمطروهم بالشتائم وكانوا يوكزوهم بالعصي ومؤخرة الأسلحة التي كانت بحوزتهم، وطلبوا منهم أن ينقسموا الى فسطاطين كيما يمرّ عبد العزيز بينهما، وحين مرّ بينهم كان يتصفح وجوههم ويسأل كل واحد منهم عن إسمه وإسم قبيلته ثم يقرّعه على فعلته، أي الفرار، ويذكّره بهباته عليه، ولكّن أحدهم لم ترق له وجبات التقريع المتواصلة، فقال له: إسمع يا عبد العزيز نحن فعلنا ما فعلنا، إن أردت أن تعفو وإلا فاقتلنا ولا تزيد في تقريعنا. فأجابه عبد العزيز: ماذا أفعل بكم، أنتم مثل يدي، ولا يمكن أقطعها.

هذه الحادثة تحمل دلالات هامة تساعد في فهم طبيعة التعامل الإستثنائي الذي حظي به عناصر الجماعات السلفية المسلّحة الذين انخرطوا في عمليات إرهابية سواء داخلية أو خارجية. نفهم أيضاً البرامج التي اعتمدتها (لجنة المناصحة) بتقديم حوافز مادية مغرية لهذه العناصر مثل التوظيف، والهبات المالية، وتحمل نفقات الزواج، وشراء سيارة للعائدين من غوانتنامو، وهي حوافز لم يحصل عليها آخرون ممن لم يحلموا سلاحاً أو يهدّدوا الأمن بقول أو فعل.

الإزدواجية في التعامل تقوم ببساطة على قاعدة التمييز بين العناصر المحسوبة على معسكر السلطة، والعناصر الخارجة عنه، فمهما بلغت أخطاء العناصر السلفية والنجدية فإنها تبقى قابلة للإستيعاب، لأنهم (أيدي) العائلة المالكة، بعكس الجماعات الأخرى التي تضمر، من وجهة نظر آل سعود، شراً بهم، وتريد الثأر لما اقترفوه من ويلات في المناطق الأخرى..

لا غرابة أن تلتزم العائلة المالكة الصمت حيال فتاوى وبيانات التكفير التي تصدر من علماء سلفيين متشدّدين، حتى وإن صدرت في ظل حشد داخلي حول (الحوار الوطني) أو حتى دولي حول (حوار الأديان). وقد تكون تلك البينات المتطرّفة بتحريض من الأمراء أنفسهم لتحقيق توازن إزاء تطلعات الجماعات الأخرى، وتثبيت المسوّغ المكرور القائل بأن رجال الدين يشكّلون عقبة أمام الإصلاح.

لم تكن فلتة لسان صدرت من وزير الداخلية الأمير نايف حين قال بأن (المملكة دولة سلفية) بل ويشدّد على ذلك بأنه (يفتخر بذلك). ولو صدرت هذه التصريحات عن أي دولة أخرى، باستثناء الكيان الإسرائيلي بطبيعة الحال، لواجهت حملة ضارية من الإعلام السعودي. مفارقة مثيرة، أن يتم استعلان سلفية الدولة في السعودية ويهودية الدولة العبرية في فلسطين المحتلة في وقت متقارب.

في 26 يونيو الماضي نشرت صحيفة (نيويورك تايمز) خبراً عن أدلة على وجود روابط مالية بين العائلة المالكة السعودية وتنظيم القاعدة، وقالت الصحيفة في محاولة للربط بين أفراد العائلة المالكة السعودية بتمويل القاعدة، قام محامو المدعين في قضية الحادي عشر من سبتمبر وشركات التأمن التي تمثلهم بجمع عدة مئات من الآلاف من الصفحات التي تتضمن تفاصيل مقابلات، وتقارير حكومية، وسجلات مالية، وشهادات تم الإدلاء بها أمام المحاكم، وغيرها من المواد. غير أن أربعة من هذه الوثائق لم يتم وضعها في سجل المحكمة، ولكن تم تقديمها مباشرة إلى صحيفة نيويورك تايمز (ونشرت الصحيفة صورة منها). وينفي محامو العائلة المالكة أي صلة لها بتمويل تنظم القاعدة، ويقولون أن الادعاءات التي تسوقها أسر ضحايا هجمات الحادي عشر من سبتمبر ضعيفة ومضللة.