من الصعب فهم استمرار تغاضي القيادة السعودية عن التصرفات البذيئة لافراد ما يسمى بـ «هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر»، والممارسات التي يقومون بها لاستفزاز الحجاج والمعتمرين و لاسيما أتباع مذهب الامام جعفر الصادق(ع).
فقد تجاوزت هذه الجهة المشبوهة الكثير من الأطر الشرعيه والأخلاقية التي تحدد طريقة التعامل مع المسلمين من أهل القبلة. وبلغت في أغلب الأحيان حدَّ المروق من الدين، وهو ما قد يفسر أن ثمة أجندة سياسية تحرّك هؤلاء المحسوبين على الاسلام وهو منهم براء.
فبالإشارة الى امتلاك اعضاء هذه الهيئة، صلاحيات واسعة وخطيرة للاساءة الى الدين الحنيف وقيمه السامية التي تحض على إشاعة الرأفة والسماحة، والرحمة والأُلفة، مثلما هي تُنفِّر من الحقد والفظاظة والبغض والكراهية في ما بين بني أمة محمد(ص)، فإنّ المنطق والعقل يدعوان الأمة الاسلامية كافة الى التصدي لهذه الظاهرة التكفيرية المدعومة بلا حدود في إطار النظام السياسي القائم في بلاد نجد والحجاز، ووضعها عند حدّها ، لئلا يسري الفساد في الأرض، أو يتسلّط على أهلها أشباه هؤلاء الجهلة والقشريين من أمثال أعضاء تنظيم القاعدة وطالبان ومن لف حولهم.
ومن المعروف بأنّ القيادة السعودية التي راهنت على الفكر الوهابي التكفيري منذ القدم، قد اكتوت في السنوات القليلة الماضية بنيران منظريّه وأعوانهم ومريديهم، وتحمّلت أضراراً معنوية واعتبارية كبيرة، وتكبّدت خسائر جسيمة في الأرواح والممتلكات، على خلفية الأعمال الارهابية والتخريبية لتنظيم القاعدة الذي يعتبره المراقبون الجناح العسكري للوهابية التكفيرية في العالم، في داخل المملكة ، الأمر الذي أدّى الی زعزعة الأمن والاستقرار في البلاد، وخلق مخاوف مريعة للمواطنين الأبرياء ولا سيما للعائلة المالكة نفيها.
وفي ضوء ذلك فإنّ المراقب يَحارُ وهو يرى أعضاء «هيئة الأمر بالمنكر والنهي عن المعروف» وهم يصولون ويجولون في أرض الوحي والتنزيل ، ويعرّضون عباد الله وضيوفه في الحرمين الشريفين، ولأبشع المضايقات والايذاءات دون أن ينبري أحد في داخل البلاد، تتوافر فيه الحكمة والرشاد والنفوذ والغيرة على الاسلام، للجمهم وكبح جماحهم بعدما تمادوا في الغي والعمى، وشوّهوا الإسلام وأهله وأساؤوا الى القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة بتصرفاتهم الخرقاء والوحشية في أكثر الأحيان، وبالتحديد عندما يرتبط الموضوع بالمسلمين الشيعة وهم يشكلون نسبة 20 بالمائة من سكّان المملكة، أو بالحجاج والمعتمرين منهم، الذين يتوافدون من إيران والعراق ولبنان وباكستان والهند وافغانستان وسورية وكشمير واندونيسيا والبلدان العربية في حوض الخليج الفارسي وانحاء العالم المختلفة على أرض الوحي لتأدية شعائر الله في بيته الحرام الآمن، ولزيارة قبر نبيّه الأكرم في المدينة المنورة الطيّبة بطيب محمد وآله الطهر الميامين وأصحابه المنتجبين الراقدين بجواره في مقبرة البقيع (صلى الله على رسوله وآله وعلى الخيرة من صحبه والتابعين لهم بإحسان إلى قيام يوم الدين).
وإزاء ذلك فإنّ التعرض للزائرين الذاهبين إلى البقع الكريمة هنالك بدافع الشوق والحنين والقربة الى المولى الكريم تبارك وتعالى، لا يعني سوی أن أعضاء هذه (الميلشيا الدينية المتحجرة) الذين يتهجّمون على كل رائح وعاد هم فريقان:
إما أن يكونوا ممن خولط في عقولهم فلا يكادون يفهمون شيئاً. أو أنهم أناسٌ لم يتعلموا من الدين إلاّ الظاهر، ولم يأخذوا من القرأن إلاّ لقلقة اللسان، ولعلنا لا نبالغ اذا وصفناهم بقوله عزّ من قائل: { صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لاَيَرْجِعُونَ} (البقرة: 18).
وأمام هذا المشهد المؤسف والمزري في نفس الوقت لابد أن تتحمل القيادة السعودية مسؤولية تصرفات هذه «الهيئة» العاملة على إثارة الحزازات المذهبية والنعرات الطائفية، وأن تتخذ الاجراء السديد تفادياً لاستفحال الأمر وتوخياً لتوكيد اللحمة الاسلامية وتقويتها بين أهل القبلة والتوحيد والشهادتين ، عوضاً عن إمعان فئة ضالة مضلة في البغي والظلم والعدوان بحق ضيوف الرحمن في حرمه الآمن وذلك تحت ذريعة «الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر».
أما اذ حصل العكس فإن هذا يعني أن الفكر التكفيري الاقصائي هو سيّد الموقف في أرض نجد والحجاز، والمهيمن على صنع القرار السياسي في المملكة، وهو ما يجعل الهيئة المذكورة وأفرادها الجهلة هم الأوصياء على الدين وحرماته ومقدساته ـ والعياذ بالله من أن يكون الأمر كذلك ـ والمتحكمون بأرض الوحي والتنزيل ، وعندئذٍ ستكون اجراءاتهم المنافية للقرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة، سيفاً مصلتاً على رقاب ضيوف الرحمن حجّاجاً ومعتمرين، وحقداً مستديماً ضدّ المسلمين الشيعية في أنحاء المملكة.
وفي هذا الوضع يفترض بالقيادة السعودية التي تقيم الدنيا ولا تقعدها لتُبرهن للعالم على أنها داعية الوسطية والاعتدال في كل شيء، أن تحزم أمرها وتتصرف قبل فوات الأوان لاقتلاع هذه الشجرة الخبيثة من جذورها.
صفوة القول إن الفكر الجاهلي المتحجّر للجماعات التكفيرية هيئة أو تنظيم قاعدة او طالبان يُشكل تهديداً حقيقياً للامة الاسلامية، يتعين مكافحته بكل الوسائل الصحيحة، باعتبار أن اطلاق العنان له سيعود بمخاطر لا تحمد عقباها على الاسلام والمسلمين، وهو أمر ينبغي للعقلاء تفاديه قبل وقوع الكارثة.
...............
انتهی / 102