النكث في اللغة هو نقض البيعة والمراد من قتال الناكثين: قتال الشيخين: الزبير وطلحة اللّذين نكثا بيعة الإمام وتبعهما طوائف من الناس، بترغيب وترهيب، وكان بدأ الخلاف انّ طلحة والزبير جاءا إلى عليّ وقالا له: يا أميرَ المؤمنين قد رأيتَ ما كنّا فيه من الجفوة في ولاية عثمان كلّها، وعلمت رأي عثمان في بني اُميّة، وقد ولاّك الله الخلافة من بعده، فوّلنا بعضَ أعمالك، فقال لهما: إرضيا بقَسم الله لكم. حتى أرى رأيي، واعْلما أنَّي لا أشرك في أمانتي إلاّ مَن أرضى بدينه، وأمانته من أصحابي، ومن قد عرفت دخيلتَه .
فانصرفا عنه وقد دخلهما اليأس فاستأذناه في العمرة
خرجا من عنده وهما غاضبان ويحتالان للخروج عن بيعته ونكثها، وفي ذلك الظرف القاسي، وصل إليهما كتاب معاوية يدعوهما إلى نكث البيعة وأن أهلَ الشام بايعوا لهما إمامين مترتبين، فاغترّا بالكتاب وعزما النكث بجد.
ثم دخلا على علىّ فاستاذناه في العمرة، فقال: ما العمرة تريدان، فحلفا له بالله انّهما ما يريدان غير العمرة، فقال لهما: ماالعمرة تريدان، وانّما تريدان الغدرة، ونكث البيعة، فحلفا بالله ما الخلاف عليه ولانكثَ بيعته يريدان وما رأيهما غير العمرة، فقال لهما: فأعيدا البيعة لي ثانية، فأعاداها بأشدّ مايكون من الأيمان والمواثيق، فأذنَ لهما فلمّا خرجا من عنده قال لمن كان حاضراً: والله لاترونهما إلاّ في فتنة يقتتلان فيها. قالوا: يا أميرالمؤمنين فمُرْ بردِّهما عليك.
قال: ليقضي الله أمراً كان مفعولا
خروج عائشة إلى مكة:
غادرت عائشة المدينة المنوّرة عندما حاصر الثوار بيت عثمان، ونزلت في مكة، ووصل خبر قتل الخليفة إليها وهي فيها، وكانت على تطلُّع إلى أين انتهت الثورة وإلى من آلت إليه الخلافة، فغادرت مكة إلى المدينة فلمّا نزلت «سرف» لقيها عبد ابن اُمّ كلاب فقالت له: «مهيم»؟ قال: قَتَلوا عثمان فمكثوا ثمانياً، قال: ثم صنعوا ماذا؟ قال: إجتمعوا على علىّ بن أبي طالب، فقالت: و الله إنّ هذه انطبقت على هذه إن تمّ الأمر لصاحبك، رُدّوني رُدّوني، فانصرفت إلى مكّة وهي تقول: قتل والله عثمان مظلوماً، والله لأطلبنّ بدمه، فقال لها ابن اُمّ كلاب: ولم؟ فوالله إنّ أوّلَ من اَمالَ حرفه لأنت، ولقد كنت تقولين: اقتلوا نعثلا فقد كفر. قالت: إنّهم استتابوه، ثم قتلوه، ولقد قلت وقالوا، وقولي الأخير خير من قولي الأوّل، فقال لها: ابن اُمّ كلاب:
منك البداء و منك الغير * و منكَ الرياح و منكِ المطر
و انتِ أمرتِ بقتل الإمام * و قلتِ لنا أنّه قد كفر
فهبنا اطعناكَ في قتله * و قاتلُه عندنا مَنْ اَمَر
و لم يسقط السيف من فوقنا * ولم تنكسف شمسنا و القمر
فانصرفت إلى مكّة فنزلت على باب المسجد فقصدت الحِجْرَ وسترت، واجتمع إليها الناس فقالت: يا أيّها النّاس انّ عثمان قد قتل مظلوماً والله لأطلبّن بدمه ثم إنّ طلحة والزبير بعدما استأذنا عليّاً غادرا المدينة ونزلا مكة، وكانت بينهما وبين عائشة صلة وثيقة يتآمرون ضد عليّ فلمّا بلغ عليّاً مؤامرة الزبير وطلحة وانّهما نكثا ايمانهما وعلى أهبة المكافحة معه، أشار بعض أصحابه أن لايتبعهما فأجاب علي بقوله: «والله لاأكون كالضبع تَنام على طول اللّدم، حتى يصلَ إليها طالبها، ويختلها راصدها، ولكن أضرب بالمقبل إلى الحق، المدبَر عنه، وبالسامع المطيع، العاصي المريب أبداً، حتى يأتي عليّ يومي»
مغادرة الشيخين وعائشة مكة:
اتّفق المؤامرون ومعهم جماعة من أعداء الامام، على أن يرتحلو إلى البصرة، ويّتخذوها مقرّاً للمعارضة المسلّحة.
وقد كان عبدالله بن عامر، عامل عثمان على البصرة، هربَ منها حين أخذ البيعة لعلي بها على الناس، جاريةُ بن قدامة السعدي، ومسير عثمان بن حنيف الأنصاري إليها على خراجها من قِبَلِ علىّ .
وانصرف عن اليمن عاملُ عثمان وهو يعلى بن متيه فأتى مكّة وصادف بها عائشه وطلحة والزبير ومروان بن الحكم في آخرين من بني اُميّة، فكان ممّن حرّض على الطلب بدم عثمان وأعطى عائشة وطلحة والزبير أربع مائة ألف درهم وكراعاً وسلاحاً وبعث إلى عائشة بالجمل المسمّى «عسكرا». وكان شراؤه عليه باليمن مائتي دينار فأرادوا الشام فصدَّهم ابن عامر، وقال لهم: إنّ معاوية لا ينقاد اليكم ولايعطيكم من نفسه النصفة، لكن هذه البصرة لي بها صنائع وعدد.
فجهّزهم بألف ألف درهم، ومائة من الابل وغير ذلك، فسار القوم نحو البصرة في ستمائة راكب، فانتهوا في الليل إلى ماء لبني كلاب، يعرف بـ«الحوأب» عليه اُناس من بني كلاب فعوت كلابهم على الركب، فقالت عائشة: ما اسم هذا الموضع؟ فقال لها السائق لجملها: «الحوأب»، فاسترجعتْ، وذكرت ما قيل لها في ذلك(1) وقالت: رُدّوني إلى حرم رسول الله، لاحاجة لي في المسير، فقال الزبير: تالله ما هذا «الحوأب»، ولقد غلط في ما أخبرك به، وكان طلحة في ساقة الناس فلحقها فأقسم بالله إنّ ذلك ليس بالحوأب وشهد معهما خمسون رجلا ممّن كان معهم .
فأتوا البصرة فخرج إليهم عثمان بن حنيف فمانعهم وجرى بينهم قتال، ثم إنّهم اصطلحوا بعد ذلك على كفِّ الحرب إلى قدوم علىّ، فلمّا كان في بعض الليالي، بيّتوا عثمانَ بن حنيف فأسَروَه وضربوه ونتفوا لحيته، ثم إنّ القوم استرجعوا وخافوا على مخلَّفيهم بالمدينة من أخيه: سهل بن حنيف وغيره من الأنصار، فخلوا عنه وأرادوا بيت المال فمانعهم الخُزّان والموكّلون به فقتل منهم سبعون رجلا من غير جرح، وخمسون من السبعين ضربت أعناقهم صبراً من بعد الأسر، وقتلوا حكيم بن جبلة العبدي وكان من سادات عبد القيس، وزهّاد ربيعة ونُسّاكها و تشاح طلحة والزبير في الصلاة بالنّاس، ثمّ اتّفقوا على أن يصلّي بالناس عبدالله بن الزبير يوماً ومحمّد بن طلحة يوماً في خطب طويل كان بين طلحة والزبير
مسير علي إلى جانب البصرة