وكالة أهل البيت (ع) للأنباء

المصدر : خاص ابنا
الاثنين

١٥ يونيو ٢٠٠٩

٧:٣٠:٠٠ م
157149

التصعيد الطائفي في العراق.. خلفياته و أهدافه

عاودت العمليات التفجيرية الارهابية ضد المدنيين الابرياء، تضرب بظلالها علی مناطق مختلفة من العراق ولاسيما في العاصمة بغداد.

وقد طاولت هذه الجرائم الوحشية أيضاً الزوار الايرانيين الذين يقصدون بكثافة العتبات المقدسة في النجف الاشرف وكربلاء والكاظمية وسامراء بعد الانفراج النسبي الذي شهده العراق إثر تطبيق خطة فرض القانون في أنحاء هذا البلد بتوجيه واهتمام بالغين من قبل رئيس الوزراء الاستاذ نوري المالكي وأعضاء حكومته.

ولاحظ المراقبون الدوليون أن الخطة قد أعطت ثمارها في إقرار الأمن والطمأنينة وضبط الاوضاع والنظام، بعدما عبث بها بقايا مخلفات النظام الصدامي والمجموعات التكفيرية الضالّة والعصابات الاجرامية، وهي التي استغلت الفلتان الناجم جراء الاحتلال الغربي بزعامة أميركا للعراق وتعمّد الغزاة الأجانب تجاهل التحركات المشبوهة، لإشاعة الرعب والهلع في أوساط الشعب، والإخلال بالعملية السياسية الآخذة في التبلور بعيداً عن الممارسات الدموية التي كانت سائدة خلال 35 عاماً من حكم الطاغية المقبور.

ولقد أثمر هذا الاستقرار فرصاً جوهرية لإعادة الحياة الطبيعية إلی جميع المناطق والمرافق الحيوية في العراق، ولاسيما تفعيل السياحة الدينية، نظراً لوجود مراقد الأئمة الأطهار(عليهم‌السلام) هناك، والرغبة الجامحة التي يحملها المسلمون عموماً وأتباع مذهب آل البيت النبوي الشريف خصوصاً في نفوسهم لزيارتها وتحمل أعباء السفر الطويل ومشاقه المعروفة لأجل ذلك.

ومما لا شك فيه أن التوصل المطرِّد بين الزوار الإيرانيين وأبناء الشعب العراقي والذي خلق ظروفا تفاؤلية للغاية يوما بعد آخر، ضرب عرض الحائط مجمل السياسات والتصرفات الطائفية للنظام السابق، هو الذي أشعل حرباً طاحنة ظالمة علي الجمهورية الاسلامية الايرانية ابتغاء إسقاط المشروع الاسلامي الحضاري الفتيِّ فيها وتسعير الخلافات المذهبية والطائفية بين الشعبين المسلمين الشقيقتين في كلا البلدين لإرباك هذا المشروع ووصمه بأنه لايمثل العقيدةالدينية لعموم الأمة في أرجاء المعمورة.

فالثابت حتي الآن أنّ الانفتاح الجماهيري الإيراني ـ العراقي قوّض المؤامرة المذهبية من جذورها، وأحال أحلام الطائفيين والتكفيريين والمجرمين إل‍ی سراب، حيث عادت المياه إلی مجاريها وكأن البلدين لم يقتتلا مدة 8 أعوام (1980 ـ 1988)، ولم تعد ثمة ضغائن وأحقاد حاول الدكتاتور وأعوانه تكريسها بغية تعميق الهوة والتناحر والتباعد بين العراقيين والإيرانيين.

من هنا يمكن تفسير المذبحة المروعة التي ارتكبها أعداء الشعبين المسلمين الجارين، في مدينة المقدادية بتفجيرهم مطعم ارتاده الزّوار الإيرانيون العائدون من زيارة العتبات المقدسة في العراق، لإقامة الصلاة وتناول الغداء والشاي وأخذ قسط من الراحة، وكذلك يمكن فهم الأهداف الخبيثة للتفجيرين الآثمين علي مقربة تخوم مزار الإمام الكاظمين(عليهماالسلام)، والذي راح ضحيتهما المئات من الشهداء والجرحی العراقيين والإيرانيين في يوم الجمعة (24 نيسان 2009)، وهو يوم تزدحم فيه هذه المنطقة الكائنة في جانب الكرخ من بغداد، بسبب توافد الناس من كل حدب و صوب إليها لإقامة صلاة الجمعة، والتشرف بزيارة مرقد اثنين من أئمة أهل بيت النبوة العظام(عليهم‌السلام)، وهما الإمام موسي بن جعفر الكاظم(ع) ومحمد بن علي الجواد(ع).

إذ من المؤكد أن هذا الانسجام الطبيعي بحكم الدين والجيرة والمشتركات الاجتماعية والتاريخية والجغرافية للعراقيين والايرانيين، وجه ضربة قاصمة لأصحاب مشروع الطائفية والمذهبية، ومنفذي أجندات الاستكبار العالمي والصهيونية البغيضة، فهؤلاء لم يَحْلُ لهم عودة الدفء والأخوة والتكامل والتكافل إلی العلاقات الايرانية ـ العراقية، وانحسار دور أزلام النظام البائد ذي التوجهات القمعية وتصدّيه ولاسيما المسلمين الشيعة، مع بُعد آخر وهو جنوح الدولة والحكومة العراقية الجديدة نحو تطبيع علاقاتها مع دول الجوار وبخاصة مع الجمهورية الاسلامية، باعتبارها طرفاً خيِّراً وجاراً محترماً، لا يمكن أن يصدر منها ما يفكِّر صفو الاوضاع في بلاد ما بين النهرين.

وقد برهنت طهران خلال السنوات الست الماضية علی هذه الحقيقة الساطعة بالكثير من الممارسات والسياسات المساندة للعراق حكومة وشعباً، وابرامها أكثر من 100 اتفاقية ومذكرة تفاهم تساهم في إحياء الحركة السياسية والاقتصادية والسياحية في هذا البلد الشقيق، علی الرغم من المزاعم والاتهامات الكاذبة التي حاولت عبثاً تصوير هذا الانسجام والتعاون الاستراتيجي علی أنه تدخل إيراني في شؤون العراق.

كما أن سيطرة حكومة السيد نوري المالكي علی زمام المبادرة في المجالات الأمنية والسياسية والاقتصادية أثارت هي الأخری كراهية أطراف عربية اقليمية كانت ولا تزال تتمنی تغيّر المسارات المتصلة بشكل نظام الحكم في بغداد لصالح الفئات الطائفية السابقة، وبالضدِّ من مصالح وتطلعات الاكثرية المسلمة من أتباع المذهب الجعفري.

وفي هذا المجال يمكن الإشارة إلی التحريض المذهبي الذي تشنه مصر والوهابية التكفيرية السعودية والقنوات التلفزيونية المتمركزة في بلدان عربية مطلة علی الخليج الفارسي، إلی جانب ما صدر مؤخراً من تصريحات أطلقها رئيس الاتحاد الدولي للعلماء المسلمين الدكتور يوسف القرضاوي، في معرض تحامله علی شيعة الإمام علي(عليه‌السلام)، وقوله بعدم جواز التعبد بمذهب الإمام الصادق(ع) مع أنه أستاذ أئمة المذهب الاسلامية الأربعة الحنفية والمالكية والشافعية والحنبلية.

علی أن استغلال النظام المصري لقضية المجاهد اللبناني سامي شهاب الذي كان يسعی إيصال الدعم والمساعدات إلی قطاع غزة، ساهم هو الآخر في تلغيم الجوِّ الإسلامي العام، علی خلفية الدعاية المصرية الإعلامية الشعواء ضد حزب الله وأمينه العام السيد حسن نصرالله (دام‌عزه)، وإثارة صناع القرار في القاهرة، لهذه القضية باتجاه مذهبي تحريفي يتناقض مع الحقيقة المعلنة، ويؤلب المسلمين السنة علی أخوانهم الشيعة ضمن خطاب سياسي بغيض وبعيد كلياً عن قيم الاسلام والأخلاق السامية التي يتحلی بها بنو أمة الرسول الأعظم محمد(ص). وبالقاء نظرة شاملة علی مجمل هذه الإرهاصات وتداعياتها السلبية، يمكن للمسلمين والعرب الوقوف علی أسباب ما يجري الآن من تصعيد للازمة ومحاولة لضرب التهدئة والأمان في العراق. فما يحدث الآن هناك يشكِّل مخططاً إجرامياً متكاملاً، تتواطأ فيه المجموعات المنبوذة المجهّزة بالاسلحة والمتفجرات المتنوعة والمدعومة بأموال البترول الخليجي ووسائل الإعلام الطائفية، مع إشراف واضح لقوات الاحتلال الاميركية والبريطانية والمخابرات الإسرائيلية علی مجريات تحركاتها وعملياتها الإرهابية، وكل ذلك من أجل إعادة العراق إلی المربّع الأول وتكرار السيناريو السياسي العروبي العنصري والطائفي فيه لكن بمكياج جديد.

انتهی / 102