وكالة أهل البيت (ع) للأنباء

المصدر : ابنا
السبت

٣٠ نوفمبر ٢٠٢٤

٨:١٩:٣١ ص
1509475

اجتياح الكيان الصهيوني لبيروت 1982.. يوم طرد حزب الله قوات الاحتلال الإسرائيلي من لبنان

يعتبر طرد قوات الاحتلال الاسرائيلي من جنوب لبنان عام 2000 انتصارا كبيرا لحزب الله وحركات المقاومة في المنطقة، وشكّل هزيمة لدولة الاحتلال التي لم تستطع تحقيق أهدافها في ضمان حدود آمنة ومستقرة.

وفقا لما أفادته وكالة أنباء أهل البيت (ع) الدولية ــ أبنا ــ في صيف عام 1982، شنّت دولة الاحتلال الصهيونية عدوانا واسعا على لبنان بغية تحقيق أهداف عسكرية وسياسية إستراتيجية، كانت تلك الحرب جزءا من صراع أكبر بين الاحتلال ومنظمة التحرير الفلسطينية، التي كانت تستخدم الأراضي اللبنانية قاعدة لتنفيذ عملياتها الجهادية ضد الاحتلال الصهيوني.
ومن اللافت أن هذه الحرب تُعدّ لحظة محورية في تاريخ الصراع العربي الإسرائيلي لما خلّفته من دمار واسع، وتغيير في الخريطة السياسية للمنطقة، وتداعيات كبيرة على لبنان وفلسطين ودولة الاحتلال الصهيونية على حد سواء.
واليوم يعيدنا ما يقوم به الاحتلال الصهيوني الوحشي بعملياته الارهابية من خلال طائرات حربية تقصف مناطق سكنية بلا رحمة ورأفة جنوب لبنان والضاحية الجنوبية في بيروت مبررة بذلك من أجل استهداف قادة حزب الله اللبناني وحركة المقاومة الإسلامية (حماس) إلى أحداث عام 1982 المأساوية.
وللوقوف على أسباب الحرب الصهيونية على لبنان، لا بد من قراءة السياق التاريخي الذي سبقها، فعقب قيام السلطات في الأردن بطرد منظمة التحرير الفلسطينية عام 1970، التي تماشت مع رغبة أمريكية وصهيونية اتخذت المنظمة بقيادة ياسر عرفات من لبنان مقرا رئيسيا جديدا لها.
ولكن في تلك الفترة دخل لبنان في أتون الحرب الأهلية التي اندلعت عام 1975 بين الفصائل السياسية والطوائف المختلفة، أتاح هذا الصراع للكيان الصهيوني في تلك الأحداث فرصة ذهبية لغزو كبير لأراضي لبنانية.
وبحلول عام 1982، استخدمت منظمة التحرير الفلسطينية، الجنوب اللبناني لشن هجمات على الكيان الصهيوني الغاصب. ولا شك في أن هذا الوضع دفع الكيان المحتل لشن عملية عسكرية كبرى للقضاء على منظمة التحرير الفلسطينية وخلق واقع جديد في لبنان يخدم مصالحها.
ولكن من الملاحظ أن الحرب الأهلية اللبنانية وضغوط وهجمات منظمة التحرير الفلسطينية لم يكونا وحدهما السبب الأبرز الذي دفع تل أبيب للدخول بثقلها إلى الساحة اللبنانية، إذ كانت القيادة الإسرائيلية، وعلى رأسها رئيس الوزراء مناحيم بيغن ووزير الدفاع أرييل شارون، تسعى لتحقيق مكاسب سياسية داخل لبنان من خلال دعم الفصائل المسيحية، وعلى رأسها "القوات اللبنانية" التي كان يقودها بشير الجميّل.
فكانت تأملُ في إنشاء نظام لبناني حليف للكيان الصهيوني يمكن أن يؤدي إلى توقيع معاهدة سلام بين لبنان ودولة الاحتلال الصهيونية، شبيهة لمعاهدة كامب ديفيد مع مصر عام 1979، ومن ثم التفكير حول تحقيق مشورعها الأكبر في توسيع بمنطقة الشرق الأوسط.
بالإضافة إلى ذلك، كانت دولة الاحتلال تسعى إلى تحقيق نفوذ طويل الأمد في لبنان من خلال دفع الجميّل إلى السلطة، وقد نجحت في ذلك جزئيا حين جرى انتخاب بشير الجميّل رئيسا للجمهورية اللبنانية في أغسطس/آب 1982، لكنه اغتيل بعد فترة قصيرة، مما أدى إلى فشل هذا المشروع الصهيوني في لبنان.
وأما الجانب الآخر من الدوافع الإسرائيلية فكان مرتبطا بالسياسة الإقليمية، إذ سعت دولة الاحتلال الصهيونية إلى تقليص النفوذ السوري في لبنان وتحقيق ترتيب سياسي ومكاسب استراتيجية كبرى يمكن أن يؤدي إلى اتفاق لصالح دولة الاحتلال في النهاية.
وكان لدى شارون خطة تهدف إلى تغيير النظام السياسي في لبنان لصالح القوى المتحالفة مع دولة الاحتلال الصهيونية وعلى رأسها حزب الكتائب، وبالتالي تأمين حدود دولة الاحتلال الشمالية بشكل دائم.
وكما لا يخفى كانت هجمات منظمة التحرير الفلسطينية من جنوب لبنان تشكل تهديدا مباشرا للمستوطنات الإسرائيلية الشمالية، لهذا كانت أهداف دولة الاحتلال الرئيسية في إعلان الحرب لإنشاء منطقة عازلة في جنوب لبنان تكون تحت سيطرتها المباشرة أو عبر مليشيات متحالفة معها، وخاصة "جيش لبنان الجنوبي" الذي كُوّن من بعض اللبنانيين المتحالفين معها لحماية حدودها الشمالية.
وقد كانت هذه الفكرة بزغت فعليا في الإستراتيجية الصهيونية بعد اجتياحها المحدود لجنوب لبنان عام 1978 في عملية "الليطاني"، إلا أن هذه المنطقة لم تحقق الأمن الذي كانت دولة الاحتلال الصهيونية تطمح إليه.
ولهذا السبب اعتبرت القيادة الإسرائيلية -بقيادة الثلاثي بيغن وشارون وإسحق شامير– الحرب في عام 1982 فرصة لتوسيع هذه المنطقة العازلة وضمان القضاء على هجمات منظمة التحرير التي كانت تُشنّ على شمال دولة الاحتلال .
كما كانت حرب عام 1982 جزءا من إستراتيجية إسرائيلية أوسع تهدف إلى تعزيز نفوذها في الشرق الأوسط، وتغيير خريطة القوى السياسية في المنطقة لصالحها، إذ كانت القيادة الإسرائيلية ترى في هذه الحرب فرصة لإعادة تشكيل لبنان بطريقة تخدم مصالحها الإستراتيجية في المنطقة.
وبالإضافة إلى ذلك، كانت القيادة الإسرائيلية تسعى إلى إضعاف الدول العربية المتحالفة مع منظمة التحرير الفلسطينية أو التي تدعم القوى المعادية لدولة الاحتلال في لبنان، مثل سوريا، وبالتالي تحسين موقفها التفاوضي في أي محادثات سلام مستقبلية.
والأمر اللافت أن العملية جاءت في صالح دولة الاحتلال الصهيونية، فقد ضمنت السلام مع مصر عقب اتفاقية كامب ديفيد عام 1979، وما ترتّب على ذلك من تسكين الجبهة المصرية بصورة نهائية، وهو الأمر الذي دفعها لاتخاذ مغامرة جديدة في لبنان.

عملية "سلامة الجليل" ومآسيها!
وهكذا، وفي السادس من يونيو/حزيران 1982، أطلق العدو الصهيوني عملية عسكرية باسم "سلامة الجليل"، التي كانت تهدف في البداية إلى إنشاء منطقة عازلة تمتد حتى 40 كيلومترا داخل الأراضي اللبنانية لمنع هجمات منظمة التحرير الفلسطينية على دولة الاحتلال، ولكن وزير الدفاع شارون تجاوز هذا الهدف ودفع قوات الاحتلال الإسرائيلية نحو العاصمة بيروت.
وقد شاركت في الاجتياح قوات ضخمة من جيش الاحتلال الإسرائيلي شملت حوالي 76 ألف جندي، وأكثر من ألف دبابة، إضافة إلى دعم جوي وبحري كبير، وقد واجه مقاتلو منظمة التحرير الفلسطينية والمجموعات اللبنانية المتحالفة مع المنظمة معارك كبيرة ضد قوات الاحتلال الإسرائيلية، وأبلوا في ذلك بحدود إمكانياتهم.
وفي جانب آخر، أسفرت معركة الدبابات والطائرات بين القوات الإسرائيلية والسورية إلى وقوع خسارة كبيرة للجانب السوري، وفقدان ما يقارب من 80 طائرة سورية.
وسرعان ما تمكنت قوات الاحتلال الإسرائيلية من الوصول إلى بيروت الغربية، حيث كانت قيادة منظمة التحرير الفلسطينية موجودة هنالك، وكان الحصار الذي فرضته دولة الاحتلال على هذه المنطقة طويلا ومدمرا، إذ استمر لمدة قاربت الثلاثة أشهر، تعرضت خلالها المدينة لقصف جوي وبري وبحري عنيف، أدى إلى سقوط آلاف الضحايا من المدنيين، وتدمير أجزاء واسعة من المدينة.
وكانت بيروت في تلك المرحلة تحتضن عددا كبيرا من اللاجئين الفلسطينيين، مما جعل الحصار الصهيوني يتسبب في كارثة إنسانية كبيرة، وكما هي حربها اليوم على غزة لم تعبأ دولة الاحتلال بصورتها أمام العالم في حصارها ودكّها لبيروت في صيف 1982.

نتيجة الحرب ومجزرة صبرا وشاتيلا
مع استمرار الحصار وتصاعد الضغوط الدولية، خاصة من الولايات المتحدة وفرنسا، بدأت الجهود الدبلوماسية لإنهاء الصراع، ومع الجوع ونفاد السلاح وكثرة أعداد القتلى تم التوصل في نهاية المطاف إلى اتفاق بوساطة أميركية قضى بخروج منظمة التحرير الفلسطينية من بيروت بشكل آمن، وتوجّه مقاتلوها إلى تونس ودول عربية أخرى.
وفي 19 أغسطس/آب 1982، بدأ مُقاتلو مُنظمة التحرير الفلسطينية بقيادة ياسر عرفات مغادرة بيروت تحت حماية قوة دولية متعددة الجنسيات تضم جنودا أميركيين وفرنسيين وإيطاليين، وفي النهاية أُبعد أكثر من 14 ألف مقاتل فلسطيني من بيروت، مما أنهى فعليا وجود منظمة التحرير الفلسطينية في قسمها العسكري في لبنان، بل في الخارج أيضا.
وفي الوقت الذي خرجت فيه منظمة التحرير الفلسطينية بقيادة عرفات وقواته إلى تونس ودول عربية أخرى، فإنه كان من المفترض وفقا للاتفاق ألا تدخل قوات الاحتلال الإسرائيلية بيروت، ولكن رغم تنفيذ الشق الأول من الاتفاق، فإن دولة الاحتلال لم تعبأ به، ودخلت قواتها محتلة بيروت الغربية، وعقب ذلك بأيام قليلة تم انتخاب حليفها رئيس قوات الكتائب بشير الجميّل رئيسا للبنان.
كان دخول قوات الاحتلال الصهيونية إلى بيروت الغربية بالتعاون مع حليفها الجميل بداية لأعمال عنف قاسية أخرى، وذلك بخلاف أسابيع الحصار والدمار الماضية، وعلى الرغم من خروج منظمة التحرير الفلسطينية من لبنان فقد اغتيل بشير الجميّل في 14 سبتمبر/أيلول 1982، وقد جاء اغتياله بمثابة صدمة كبيرة لكل من دولة الاحتلال وحلفائها في لبنان، مما أدى إلى تطورات مأساوية فيما بعد.
ففي 16 سبتمبر/أيلول 1982، وبالتنسيق مع جيش الاحتلال الإسرائيلي الذي كان يسيطر على بيروت الغربية، اقتحمت مليشيا "القوات اللبنانية" التابعة للكتائب، ومليشيا "جيش لبنان الجنوبي" الموالي لدولة الاحتلال مخيمَيْ صبرا وشاتيلا للاجئين الفلسطينيين، وكانت قد حمّلتهم مسؤولية اغتيال الجميّل.
وعلى مدى 3 أيام متواصلة ارتكبت هذه المليشيات مجزرة وحشية بحق المدنيين العُزل، أسفرت عن مقتل ما لا يقل عن 3500 شخص معظمهم من الفلسطينيين العُزّل، بالإضافة إلى لبنانيين شيعة.
وكانت قوات الاحتلال الإسرائيلية بقيادة شارون تطوّق المخيمين وتوفر الدعم اللوجيستي للمليشيا، بما في ذلك إطلاق القنابل الضوئية مما سمح للمليشيات بتنفيذ تلك المجزرة، وقد أثارت هذه الجريمة البشعة غضبا دوليا واسعا حينذاك، واتُّهمت دولة الاحتلال بالتواطؤ وتسهيل عملية الإبادة الجماعية بحق المدنيين.
وأدى ذلك إلى اندلاع مظاهرات احتجاجية في فلسطين المحتلة نفسها ضد الحكومة، مما دفعها إلى تشكيل لجنة تحقيق خاصة عُرفت باسم "لجنة كاهان"، وقد وجدت اللجنة أن وزير الدفاع شارون يعدّ مسؤولا بشكل غير مباشر عن هذه المجزرة البشعة، فاضطر للاستقالة من منصبه وزيرا للدفاع، رغم أنه بقي شخصية مؤثرة في السياسة الإسرائيلية لسنوات طويلة فيما بعد.
خلَّف العدوان الصهيوني على لبنان عام 1982 دمارا هائلا على المستويات كافة، إذ أشارت التقديرات إلى أن ما بين 17 ألفا إلى 19 ألف شخص لقوا حتفهم في هذا العدوان العسكري، معظمهم من اللبنانيين والفلسطينيين والسوريين، بالإضافة إلى تدمير أجزاء واسعة من البنية التحتية اللبنانية، منها المباني السكنية والمرافق الحيوية في البلاد.
وعلى الرغم من أن الحرب حققت لإسرائيل هدفها المتمثل في إخراج منظمة التحرير الفلسطينية من لبنان، فقد ظهور "حزب الله" "المقاومة الاسلامية" في العام التالي، وهي حركة مقاومة لبنانية شيعية منذ ذلك الحين وحتى يومنا هذا، كان نواتها شباب مجاهدون حملوا السلاح لمقاومة الكيان المحتل وطرده من جنوب لبنان، ومنذ أواخر الثمانينيات وأوائل التسعينيات أصبح حزب الله قوة مُقاومة رئيسية ضد الاحتلال الإسرائيلي في جنوب لبنان ومازال.
واستطاعت المقاومة الاسلامية (حزب الله) ان تحقق انتصارا كبيرا ثانيا ضد الكيان الصهيوني الغاصب في حرم تموز عام 2006، وحينها بعث قائد الثورة الاسلامية الإمام السيد الخامنئي رسالة شفهية إلى قيادة حزب الله في الإيام الأولى للحرب على لبنان تموز 2006: يا اخواني هذه الحرب هي اشبه بحرب الخندق، حرب الاحزاب. وستبلغ القلوب الحناجر وتظنون بالله الظنون. ولكن توكلوا على الله. انا اقول لكم: انتم منتصرون حتماً، بل أكثر من ذلك، عندما تنتهي هذه الحرب بانتصاركم ستصبحون قوة لا تقف في وجهها قوة.
وكان من اللافت أنه بعد طرد منظمة التحرير الفلسطينية لم تنسحب قوات الاحتلال الصهيونية بشكل كامل، فقد استمرت في احتلال جزء مهم من الجنوب اللبناني، كما أنشأت منطقة أمنية خاضعة لسيطرة مليشيا "جيش لبنان الجنوبي" المتحالفة معها.
واستمر هذا الاحتلال حتى عام 2000، عندما انسحبت القوات الإسرائيلية بشكل كامل تحت ضغط عمليات المقاومة التي قادها حزب الله، حينها هرب أعضاء "جيش لبنان الجنوبي" إلى دولة الاحتلال وأوروبا، وسقط بعضهم الآخر في يد المقاومة التي قدّمتهم للمحاكمة.
ويعتبر طرد قوات الاحتلال الاسرائيلي من جنوب لبنان عام 2000 انتصارا كبيرا لحزب الله وحركات المقاومة في المنطقة، وشكّل هزيمة لدولة الاحتلال التي لم تستطع تحقيق أهدافها في ضمان حدود آمنة ومستقرة.
بل كان من اللافت أن انسحاب منظمة التحرير الفلسطينية من لبنان أدى إلى انتقال المقاومة إلى الضفة الغربية وغزة، واشتعال الانتفاضة، وظهور عمليات المقاومة المسلحة في الداخل الفلسطيني، بل الإعلان عن الجناح العسكري لحركة حماس، وهي كتائب الشهيد عز الدين القسام التي ظهرت تحت مسميات مختلفة منذ عام 1984 وأعوام 1987م وما تلا ذلك.

..................

انتهى / 232