وفقا لما أفادته وكالة أنباء أهل البيت (ع) الدولية ــ أبنا ــ رُوِيَ عن الإمام علِيَّ (ع) أنه قال: "مَنْ أَطاعَ رَبَّهُ مَلَـكَ، ومَنْ أَطَاعَ هَواهُ هَلَكَ".
معادلتان يكشف عنهما الإمام أمير المؤمنين (ع)، تعكسان رؤية الإسلام عن علاقة الإنسان بالله، وعلاقته بهواه، وتحدِّدان مصيره في الدنيا وفي الآخرة، من أطاع الله حق طاعته مَلَك أمره، وفاز في دنياه وآخرته، وبلغ كماله المنشود، ومن أطاع هواه أرداه وأهلكه، وشقي في دنياه وآخرته.
فأما الطاعة لله: فهي الانقياد التامّ لأوامر الله ونواهيه، انطلاقاً من عقيدة صحيحة، ووفق ما قرَّره الله من شريعته الكاملة الخالدة، وهي أي الطاعة تعبير عن الإيمان بأن الله هو الخالق الحكيم الذي يعلم ما يَصلُح للإنسان وما يفسده.
وبكلمة أخرى: الطاعة لله هي أنْ يضع العبد ما وهبه الله من الآلاء والنِّعم، حتى وجوده وإرادته، في الموضع الّذي يرضاه الله، والمروق من هذه الطَّاعة عدوان على الله وظلم، يقبحه العقل.
ومِمّا لا شكَّ فيه أن طاعة الله واجبة بحكم العقل، لأنه تعالى هو الذي خلق الإنسان في أحسن تقويم، ويُنعِم عليه بشتى النِّعم، الظاهر منها والباطن، ويدَبِّر جميع أموره، وبيده حياته وموته.
وطاعة الله حاجة للإنسان وليست حاجة لله تعالى، لأن الإنسان حتى يومنا هذا وعلى الرَّغم من تطوُّره العلمي والمعرفي غير أنه لم يتمكن من الاهتداء إلى النظام الأمثل والأصلح له، فالبشر مختلفون فيما بينهم في القانون الأصلح لهم، والإنسان لم يزل حتى لحظتنا الراهنة يتعرَّف على ذاته مادياً ومعنوياً، وحده الله خالق الإنسان والمحيط به، والعليم بتكوينه البدني والنفسي، والعليم بإمكاناته وطاقاته، والعليم بغاية خلقه والطريق الذي يبلغ به تلك الغاية، وحده الله القادر على سَنِّ القانون الأصلح له في دنياه وفي آخرته.
ومردود الطاعة ومنافعها يرجع إليهم وحدهم ولا يرجع إلى الله تعالى، فالله غني عنهم، عَصوه لا ينقصون من ملكه، ولا ينالون من سلطانه، وإن أطاعوه لا يزيدون في ملكه وسلطانه، وكما قال الإمام عَلِيّ (ع): "خَلَق الْخَلْقَ حِينَ خَلَقَهُمْ غَنِيًّا عَنْ طَاعَتِهِمْ، آمِنًا مِنْ مَعْصِيَتِهِمْ، لِأَنَّهُ لَا تَضُرُّهُ مَعْصِيَةٌ مِنْ عَصَاهُ، وَلَا تَنْفَعُهُ طَاعَةٌ مِنْ أَطَاعَهُ".
طاعة الله تجعل الإنسان مطمئناً أنه على الحق والصراط المستقيم، وتمنحه راحة البال وسكينة القلب، وتقرِّبه من الله، وتُبعده عن شياطين الجن والإنس، وتحرِّره من عبودية الشهوات والماديات، وتجعله مالكاً أمره بدل أن تملكه أهواؤه.
وأما الهوى فهو ميل النفس إلى ما تشتهيه من المَلَذّات والمُغريات، وغالباً ما يكون مخالفاً للعقل والشرع، وطاعته تؤدِّي بالإنسان إلى الانحراف عن الصراط المستقيم، وتوقعه في حبائل الشيطان، -والشيطان من الإنس لا يمكنه أن يسيطر على ضحيته إلا إذا أطاعت الهوى. قال تعالى: "وَلَا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ"﴿26/ ص﴾- كما تُبعده عن الله، وتُضعِف إيمانه، وتُفسِد عقله، وتُنهِك نفسه وتُهلكها، لأن الهوى لا يشبع، وليس له حد يقف عنده، فكلما أطاعه الإنسان رغب بالمزيد وهكذا يقضي الإنسان عمره لاهثاً مكابداً.
بقلم الكاتب والباحث اللبناني في الدراسات القرآنية السيد بلال وهبي
........
انتهى/ 278