وفقا لما أفادته وكالة أنباء أهل البيت (ع) الدولية ــ أبنا ــ يعود تاريخ التشيع في السودان إلى عهد الفاطميين، وبفعل ضغوط مارسها صلاح الدين الأيوبي هاجر بعض السادة والأسر الشيعية الى السودان، ويعتبر "السادة الادريس" و"السادة المراغنة" و"السادة العريكيين" هم من شيعة السودان الأصلاء، كما أن "السادة آل الزاكي" هم من ذرية اسحاق المؤتمن - ابن الإمام الصادق (ع) -والسيدة النفيسة.
وما هو موجود اليوم من الشيعة الإثني عشرية في السودان هم أولئك الذين أصبحوا شيعة في العقود القليلة الماضية وعادوا إلى تشيعهم. وجميع الشيعة الأثني عشرية، هم السودانيون الأصلاء، وهناك في السودان الطوائف الصوفية وخاصة البعض منها كختمية وأنصار، يكنون لأهل البيت (ع) حبًا كبيرًا، ومكانة الإمام علي عالية عندهم جدًا.
وفيما يلي، نص الحوار مع السيد «محمد زکي السوداني» وهو من شيعة السودان درس في حوزة قم العلمية، حول أوضاع شيعة أهل البيت (ع) في هذا البلد:
أبنا: في البداية نرجو أن تذكروا عدد نفوس السودان، وما هو عدد السكان المسلمين والشيعة فيها؟
- تقع دولة السودان في شمال شرق القارة الأفريقية، وعدد سُكّانها 43 الى 44 مليون نسمة، و97 الى 98 بالمئة هم المسلمون، والشيعة هم القلة، ولا يمكن ان نذكر نسبة لهم، وعلى حد علمي، ليست هناك أي إحصائيات رسمية عن عدد الشيعة في السودان، طبعا تم السعي في الامر ولكن لا توجد إحصائية كاملة، ورغم أنه ورد في الأطلس الشيعي العالمي أن السودان فيه مليونان أو ثلاثة ملايين شيعي، ولكن هذا بعيد، وبالتأكيد ليس صحيحا، ونشرت الإستخبارات المصرية قبل ست سنوات أو سبع عدد إحصائية شيعة السودان ومصر، وأعلنت العدد انه 12 الف، ولكن لا أتسطيع تأييد هذه الرقم، ويحتمل ان يكون الأقل.
ونقصد بالشيعة الإثني عشرية على أساس تعاليم أهل البيت (ع) في معتقداتهم وممارساتهم، وإذا كان الأمر يتعلق بمحبة أهل البيت (عليهم السلام) أو مجرد ادعاء الشيعة مثل البعض الطوائف الصوفية، فمن المؤكد أن عدد الشيعة يزيد عن 12 مليون نسمة. ومن الممكن أن يكون أطلس شيعة العالم قد اعتبر أيضاً محبي أهل البيت عليهم السلام شيعة السودان.
أبنا: ما ذكرتموه هل يشمل جنوب السودان ؟
أقصد بلاد السودان، والتي انفصلت عنها فيما بعد أكثر من 23 بالمئة باسم "جنوب السودان"، عرق شعب جنوب السودان أفريقي، وتتكون من القبائل النيلية، و"جوبا" عاصمة جنوب السودان، عدد نفوس المسحيين والمسلمين في جنوب السودان، إما متساوية أو المسيحيون أكثر منهم، وبعض من جنوب السودان بلا دين، لهم عقائد محلية خاصة بهم ويعتقدون بالسحر والشعوذة.
انا أقصد بلاد السودان وعاصمتها الخرطوم، وقبل انفصال جنوب السودان، كانت الخرطوم مركز السودان، واسم السودان هو "جمهورية السودان" والجزء الذي انفصل عنها أطلق على نفسه اسم دولة "جنوب السودان"، واسم السودان هو "جمهورية السودان" والجزء الذي انفصل عنها أطلق على نفسه اسم دولة "جنوب السودان".
أبنا: هل يمكن القول ان المنطقة الغنية بالنفط انفصلت عن السودان؟
إذا كان المقصود من المنطقة الغنية بالنفط هو الاستخراج، نعم تم انفصال ما يقرب من 70% من المنطقة الغنية بالنفط من السودان، بالطبع لا أعرف النسبة بالضبط، لكن يتم استخراج النفط في الغالب من جنوب السودان.
أبنا: لقد ذكرتم ان المسلمين السودانيين يحبون أهل البيت (ع)، ما علائم هذا الحب في السودان؟
ان الإسلام في السودان يحمل سمة صوفية، والمقصود بالصوفيين، ليسوا (علي الله، الذين يألهون الامام علي)، وانما الأشخاص الذين هم أهل السلوك والعرفان، والغالبية من الصوفية، هم الفرقة القادرية، وعبد القادر الجيلاني، معروف الكرخي أو ابن العربي، يعتبرون مشايخهم، وغالبية الطوائف في السودان ليست لديها محبة خاصة لأهل البيت (ع)، فيما تعتقد الطريقة الهندية أن أئمتنا هم من الإمام علي (ع) الى الإمام المهدي (عج)، أي يعتبرون الأئمة الاثني عشر، أئمة لهم، وأغلب هؤلاء من السادات "الحسني" و"الحسيني"، كما ان الطريقة "المرغنية" هي طريقة ختمية من السادات الحسيني، وهي تعتقد بالائمة هم أهل البيت (ع)، وانهم معصومون، وفي عقائدهم يوجد أثر التشيع.
ونجل زعيم "الختمية المرغاني" هي طريقة صوفية في السودان، واسمه جعفر الصادق، وأسماء مثل فاطمة ورقية وزينب وكبرى وعلوية ومحبوبة أم الحسن وأم الحسين وأم الحسنين والزهراء والبتول وغيرها كثيرة في السودان، وفي بعض الأحيان تجد في عائلة واحدة ثمان بنات اسمائهن فاطمة بشكل ما، فمثلا في عائلتي اسم امي البتول، وأسماء خالتي، آمنة وزينب وكبرى، فيما اسم جدتي من طرف أمي، فاطمة واسم أخت جدتي الزهراء، والأسماء مثل الباقر والصادق وجعفر كثيرة في السودان، وطبعا ان الشائع في السودان تسمية الأولاد الذكور بـ"رضي" بدلا عن "رضا"، وأسماء مثل الباقر والصادق وجعفر تختص بالشيعة، وفرق أخرى في السودان تسمي أطفالها هذه الأسماء، والأسماء المركبة كثيرة في السودان كمحمد علي، ومحمد حسين، ومحمد حسن، ويبدو انها تركيب شيعي.
وكان للفاطميين المصريين، وهم شيعة في السودان، أثر كبير في السودان، وأسماء مثل كرار وحيدر هي أسماء تختص بالشيعة، وتسمية عقيل كثيرة في السودان، وهذه الحالة تشير الى ان دخول الإسلام جاء على أثر محبة أهل البيت (ع)، ولكن السودان مثل علويين سوريا كانوا بعيدين عن مراكز علمية شيعية، والحب وأسماء أهل البيت (ع) موجود في ثقافة الشعب السوداني، وتقول بعض الطرق الصوفية في ادبياتها إن العلم والمعرفة لهما طريقان، الأول علم الشريعة والثاني علم الحقيقة، وعلم الحقيقة يأتي عن طريق الوحي للنبي الخاتم (ص) ومنه الى الإمام علي(ع) والإمام الحسن (ع) والإمام الحسين(ع)، وعلى رأي البعض ينتقل هذا العلم الى باقي الأئمة عليهم السلام.
أبنا: هل لشيعة السودان حسينية ومسجد؟ وهل يقيمون مجالس عزاء في أيام المحرم وخاصة في التاسع والعاشر منها ؟
يمكن اعتبار فترتين لشيعة السودان. في السابق كان عدد لافت من شيعة السودان يؤمنون بالشهادات الثلاث، والبعض يطلق عليهم "زبالعه" والبعض الآخر "الباطنون"، وهؤلا تعرضوا لهجوم في فترة صلاح الدين الأيوبي ومن على شاكلته، وقبل مئة عام تقريبا اندلعت عدة حروب أدت الى إبادة أصحاب الشهادات الثلاث، وطبعا بقت آثارهم وخاصة في مناطق الشمال حيث تعود جذور إليها، ويقوم أهالي الشمال أي مناطق يطلق عليها نوبيون بيوم عاشوراء في بساتين النخيل ونهر النيل، يحضرون من اشجار النخل حطبا ويقيمون خيما ويحرقونها والناس يبكون ويلطمون؛ ولكن هذه الأعمال ليست بوعي وهي كعادات وتقاليد ولا يلتفت أهالي المنطقة إلى حقيقتها حتى يفهموا مغزاها. وطبعا البعض يعلمون ان هذه المراسم تتعلق بأهل البيت (ع) والإمام الحسين(ع). ولا زالت الشعيرة كانت قائمة واضمحلت في الوقت الحاضر، ولكن قبل 20 عاما أو 25 عاما كانت شائعة.
نعم يمكن متابعة القضية واستعادتها ولكن قد يكون لمتولي الحسينية له وجهة نظر أخرى، وانا أعلم ذلك، لقد جعل الشيعة في السودان بيوتهم وقفا لنشاطات ثقافية ودينية إما في سرداب بيوتهم أو في أماكن أخرى والنشاطات مستمرة، وكانت الفعالية الأخيرة لشيعة السودان في شهر رمضان المبارك في أيام استشهاد أمير المؤمنين(ع) وإحياء ليلة القدر، وبعد ذلك اندلعت الحرب، ولا أعلم فيما إذا كان الشيعة يقومون بفعاليات بعد الحرب في الخرطوم، واستبعد ذلك لأن الظروف غير مؤاتية ولكنها خطيرة.
أبنا: اين ينتشر الشيعة في الخرطوم، وفي أي مناطق يتواجدون بكثرة؟
من الطبيعي ان تواجد الشيعة في الخرطوم أكثر؛ لأنها مدينة كبيرة، واتصور ان فيها 10 ملايين أو أكثر، وطبعا الشيعة يعتبرون جزءا من المجتمع، ولا يوجد لهم منطقة خاصة بهم في الخرطوم؛ وانما في كل مكان من المدينة يتواجد الشيعة، وفي البعض المناطق يتمركزون بكثيرة.
وطبعا يوجد الشيعة في بعض الولايات مثل كردفان، دارفور، سنّار، بورت سودان في منطقة الشرق، بندر السودان، نهر نيل ومناطق عدة في البلاد، ولا اتصور أن هناك مدينة أو حتى قرية كبيرة في السودان لا يوجد فيها شيعة، مع أن عدد الشيعة قليل.
أبنا: تحدث لنا عن السلفيين في السودان
يُعتبر السلفيون من المسلمين، والمقصود من السلفيين ليسوا وهابيين، وانما هم يعتبرون السلف حجة، وفي البعض الأحيان يقصد من السلفية أشخاص ومجموعات ترتبط بالسعودية وأفكار وهابية، وفي أحيان أخرى تطلق على مجموعات لا تربطهم بالسعودية علاقة، مثل القاعدة والمجموعة التي تعمل كاخوان المسلمين، والذين لهم أفكار سلفية ووهابية ويطلقون على انفسهم "سروري".
والسلفيون دخلوا السودان منذ ما يقرب من مائة عام أو يزيد، ونشاطاتهم كثيرة وذات أثر، وطبعا الكثير من نشاطاتهم ليست بمعنى ان يكون الناس سلفيين، وانما الغالبية من الناس صوفيين، و من جانب آخر لهم حضور بارز في أمور أقتصادية وسوق السودان، ولهم حضور في أعمال ثقافية بالسودان وخاصة بالنصف الثاني من حكومة عمر البشير، ولكن في النصف الأول من حكومة عمر البشير، لم يعترف الدكتور ترابي زعيم اخوان مسلمي السودان السلفيين، وكان زعيم بعض أخوان المسلمين في السودان، الذين لم يعترفوا بالسلفيين، ولكن بعد انفصال الدكتور ترابي والأشخاص الذين كانوا من اخون المسلمين في الحكومة، كانت مرجعيتهم الفكرية سلفية، وللسلفيين مدارس ومساجد ولهم نشاطات واسعة .
أبنا: هل للسلفية حوزة علمية في السودان؟
نعم، لهم مدارس علمية ومعاهد دينية وجامعة وكلية ومطبوعات ويشتركون في المعارض، والسلفيون ينشطون بفعالية، وربما تم تشييد أو إعمار أكثر من نصف المساجد في ولايات الخرطوم على يد السلفيين، وللسلفيين دعم مالي كبير حيث يطبعون الكتب ويوزعونها مجانًا، فأنهم يشيدون المكتبات للمساجد في وقت ان الصوفيين لا يتمكنون من فعل ذلك، وكذلك ان السلفيين لهم نشاطات واسعة في مجال الاعلام وأمور أخرى.
واستطاع السلفيون بالرغم من نشاطاتهم الكثيرة بدرجة تحريف رأي العام، ولكنهم لم يكن لهم أثر بالمجتمع؛ وذلك بسبب نهجهم في تعامل بعفن وكلام بذيئ ويذكرون الشيوخ الصوفية بسوء الذين لهم موضع احترام لدى الناس، أي لم يصبح المجتمع وهابيا، ولكن استطاعوا أن يأثروا في الرأي العام والتوجه الفكري الى حد ما؛ ولذلك ان بعض الصوفيين أصبح فكرهم مثل السلفيين ولكنهم ليسوا سلفيين، ولكن مع هذا يمكن القول ان الشعب السوداني يرفضون أفعال التطرف والعنف الوهابي.
كما ان المرجعية الدينية كانت في يد السلفيين في السنوات الأخيرة أثناء ولاية عمر البشير؛ لذلك كان لهم نفوذ كبير في الاعلام والقنوات الحكومية الرسمية والإشراف على الصحافة والمطبوعات؛ لذلك، استطاع السلفيون أن يكون لهم تأثير كبير بفضل الأموال والامكانيات التي كانت لديهم، ولكن ما يمكن رؤيته هو أنه على الرغم من جذب عدد كبير من الناس إلى الوهابية، إلا أن لديهم أيضًا اخفاقات كبيرة، فمثلا من كل ألف شخص، يخرج شخص عن المذهب الشيعي، ولكن من كل عشرة أشخاص، ستة أشخاص يخرجون عن المذهب الوهابي، والشباب الذين يسمعون كلام الوهابيين في المساجد ويحضرون في تجمعاتهم، يدركون أن غاية الوهابيين ليست قضايا دينية وانما هدفهم المال والنفوذ، ولذلك يتركونهم.
أبنا: هل تنشط جماعة فتح الله غولن في السودان؟
جماعة فتح الله غولن ليست سلفية، ويتواجدون في السودان ولكن نفوذهم قليل.
أبنا: ما مقدار نشاطات الشيعة مقارنة الى نشاطات السلفيين ؟
عددنا مقارنة الى السلفيين اقل منهم؛ لذلك النشاطات ليست كثيرة، وحضورنا في مجال الإعلام قليل جدا، وفي الأساس لا يوجد لدينا مسجد، في حين ان السلفيين يملكون في الخرطوم لوحدها نحو أربعة آلاف مسجد، ولهم الى جانب كل مسجد مستوصف خيري أو مدرسة صغيرة، وتوجد في كل مسجد مكتبة وامام جماعة، يتواجد في كل الاوقات، والسلفيون يُفّرون له السكن مع الراتب والتسهيلات اللازمة، ويُأذن خادم المسجد ويخدم فيه، وفي العادة يخصصون دارا في المسجد لإمام الجماعة، وهو بدوره يقدم برنامج تعليم القرآن، والتجويد وعقائد الوهابية وغيرها، و من جانب آخر يقيمون نشاطات أعلامية وندوات، وكما كان لهم وزير في الحكومة، ويمكن القول بحكم تدخل السلفيين، فهم حزب سياسي أكثر مما يكونون جماعة مذهبية، وعلى اقل تقدير هناك اربع أو خمس جماعات وهابية وسلفية، وكل جماعة منها لها إمكانياتها الخاصة بها ومستقلة عن بضعها البعض في نشاطاتها، ولعل كان هناك عداء بينها، وليسوا كتلة واحدة، ولا يمكن مقارنة نشاطات الشيعة بالقياس الى السلفيين، ولا ينبغي الكلام في المقارنة لأنه لا توجد لدينا نشاطات تذكر.
أبنا: كيف يدخل الشيعة في الوقت الحاضر الى السودان
لقد سعد عدد من شباب طلاب الجامعات وكذلك من غير الطلاب، بإنتصار الثورة الاسلامية الإيرانية وسلطة الدين، واصبحوا شيعة سياسيين بدلا من عقائديين، وتشيعوا بالكامل وتعرفوا على التشيع، وأشخاص مثل طيب أحمد حسن متوكل وسليمان خالد قد تشعوا ومازالوا على قيد الحياة، وغالبية هؤلاء كانوا في تنظيمات الأخوان المسلمين، وكانوا اعضاء فيه، وبسبب تشيعهم تم طردهم من الاخوان المسلمين، وعندما خرجوا عن الاخوان المسلمين أهّلوا مجموعاتهم، وكان ذلك في تلك الفترة في بدايات الثورة أثناء الاضطرابات بايران؛ لذلك لم تكن لايران حضورا رسميا في السودان، إلا في حالة زيارة يقوم بها شخص من السودان الى ايران.
كما انه لم تكن هناك علاقات قائمة بين إيران والسودان، حيث قام الرئيس السوداني جعفر محمد النُميري بإرسال قوات عسكرية لمساعدة الجيش العراقي أثناء الحرب المفروضة، وجاء بعده صادق المهدي وأقيمت العلاقات بين البلدين وأصبحت ايران حاضرة في السودان.
وقبل حضور الجمهورية الاسلامية كان للشيرازيين بتوجهاتهم حضورا في السودان، وكان للسيد محمد التقي المدرسي وهو من علماء العراق "منظمة العمل" في السودان، وعليه فأن الشيرازيين كانوا سابقين بعد الثورة من حيث الوقت في تأهيل شيعة السودان، وكانت للثورة الاسلامية أثر بتشيع أشخاص في السودان، ولم يكن الشيرازيون بعيدين عن الثورة الايرانية كثيرا، ولكن فيما بعد بسبب بعض المشاكل التي برزت أدت الى تباعدهم عن الثورة أكثر.
أثناء مجيئ الشيرازيين في البداية، جاءوا بالجيل السوداني الشيعي الأول الى طهران، وبعد عودتهم من إيران كانوا نواة الشيعة في السودان، طبعا التواجد الذي نحن نعرفه، وقبل ذلك لا أعلم تواجد الشيعة في السودان، ولكن يبدو ان الشيعة لم يكن لهم حضورا في السودان قبل الشيرازيين، وهذه المجموعة هي التي ابتدأت بإدخال التشيع في السودان، وأصبحنا نحن شيعة أيضا.
وفي نهاية الثمانينات القرن الماضي أو النصف الثاني منها، اقيمت العلاقات بين الجمهورية الاسلامية الايرانية والسودان وافتتحت السفارة وتأسست الإستشارة الثقافية، وبدأت أعمال ثقافية وتبليغية لإيران في السودان، بعض الذين تأثروا بالثورة الإسلامية واستبصروا نظموا مجموعة خلقت نظرة سلبية لأفرادها عن الجمهورية الإسلامية، لكن المجموعة الأخرى لم تتخذ موقفا سلبيا تجاه إيران وأعلنت انهم مع الإمام الخميني (ره).
شيّدت جمهورية ايران الاسلامية في السودان سنة 1990 أو 1991 الميلادية مؤسسة اسمها كوثر والتي تتبع الإستشارة الثقافية وبدأت بنشاطات ثقافية، فيما واجه الشيرازيون سنة 2000 مشاكل في السودان، حيث انحلوا لعدة مجموعات ثم تلاشوا، وفي سنة 2001 بدأ آخرون من الجمهورية الاسلامية بنشاطات ولكنهم لم يكونوا من منظمات ثقافية، ولم يدم أكثر من عام، ومنذ ذلك الحين حتى الوقت الحاضر لم يكن تنظيم أو منظمة تنشط في السودان، وبالطبع ان النشاطات التي تتم هي نتيجة استشارات ثقافية تعتمد على نهج وذوق العمل الإستشاري للشخصية، ومنذ ذلك الحين رغم انه لم يكن هناك تنظيم إلا ان الميل الى التشيع لم يتوقف، وعدد الشيعة في ارتفاع، وكل يوم يتشيع شخص أو أكثر في السودان، وكان سياق الميل نحو التشيع، خاصة بعد فتح مجال الإعلام مثل الإنترنت والفضائيات ومواقع التواصل الاجتماعي، هو في ارتفاع كبير جدا، وبرأي ان السبب الداعي الى ارتفاع عدد الشيعة من الناس في السودان وخاصة في صفوف المتعلمين؛ هو الصمود وثقافة المقاومة ضد الغرب، وحتى الذين كانوا شيرازيين أقبلوا على ثقافة المقاومة وانها السبيل الوحيد لتوسيع التشيع ونيل العزة، وفي هذا الصدد ان الذين كانت نظرتهم تشائمية بالنسبة الى الثورة الاسلامية أقل ما يقال هو إذا لم تكن نظرتهم تفائلية، تلاشت نظرتهم التشائمية.
أبنا: ما هي نشاطات الشيعة بالوقت الحاضر في السودان
نشاطنا في السودان لا يمكن مقارنته بنشاط السلفيين. أستطيع القول على وجه اليقين أن تكلفة الأنشطة الشيعية مع عدة مجموعات من أماكن مختلفة قد لا تصل إلى عشرة آلاف دولار شهريا. هذه العشرة آلاف دولار تنفق على الإيجار والبناء والنفقات الجارية، والقليل منها يذهب إلى الأنشطة الثقافية والدينية.
وليس لدي معلومات كاملة ومن الذين يعملون وبأي مؤسسة يرتبطون، لكن ما أعلمه هو أنه لا توجد نشاطات للمؤسسات الثقافية الايرانية؛ لأن هناك عدة مؤسسات ثقافية في الجمهورية الإسلامية ولكل منها مسؤولية محددة خاصة بها. على سبيل المثال، يهتم المجمع العالمي لأهل البيت (ع) بأوضاع الشيعة في العالم، لكن منذ يوم تشكيله لم يكن للمجمع نشاط اعلامي أو برنامج اجتماعي في السودان. نعم، أحياناً كانوا يجتمعون، وكان هناك نقاش وكانوا يؤيدون برنامجاً معيناً، لكنه لم يستمر.
...............
انتهاء / 232
وما هو موجود اليوم من الشيعة الإثني عشرية في السودان هم أولئك الذين أصبحوا شيعة في العقود القليلة الماضية وعادوا إلى تشيعهم. وجميع الشيعة الأثني عشرية، هم السودانيون الأصلاء، وهناك في السودان الطوائف الصوفية وخاصة البعض منها كختمية وأنصار، يكنون لأهل البيت (ع) حبًا كبيرًا، ومكانة الإمام علي عالية عندهم جدًا.
وفيما يلي، نص الحوار مع السيد «محمد زکي السوداني» وهو من شيعة السودان درس في حوزة قم العلمية، حول أوضاع شيعة أهل البيت (ع) في هذا البلد:
أبنا: في البداية نرجو أن تذكروا عدد نفوس السودان، وما هو عدد السكان المسلمين والشيعة فيها؟
- تقع دولة السودان في شمال شرق القارة الأفريقية، وعدد سُكّانها 43 الى 44 مليون نسمة، و97 الى 98 بالمئة هم المسلمون، والشيعة هم القلة، ولا يمكن ان نذكر نسبة لهم، وعلى حد علمي، ليست هناك أي إحصائيات رسمية عن عدد الشيعة في السودان، طبعا تم السعي في الامر ولكن لا توجد إحصائية كاملة، ورغم أنه ورد في الأطلس الشيعي العالمي أن السودان فيه مليونان أو ثلاثة ملايين شيعي، ولكن هذا بعيد، وبالتأكيد ليس صحيحا، ونشرت الإستخبارات المصرية قبل ست سنوات أو سبع عدد إحصائية شيعة السودان ومصر، وأعلنت العدد انه 12 الف، ولكن لا أتسطيع تأييد هذه الرقم، ويحتمل ان يكون الأقل.
ونقصد بالشيعة الإثني عشرية على أساس تعاليم أهل البيت (ع) في معتقداتهم وممارساتهم، وإذا كان الأمر يتعلق بمحبة أهل البيت (عليهم السلام) أو مجرد ادعاء الشيعة مثل البعض الطوائف الصوفية، فمن المؤكد أن عدد الشيعة يزيد عن 12 مليون نسمة. ومن الممكن أن يكون أطلس شيعة العالم قد اعتبر أيضاً محبي أهل البيت عليهم السلام شيعة السودان.
أبنا: ما ذكرتموه هل يشمل جنوب السودان ؟
أقصد بلاد السودان، والتي انفصلت عنها فيما بعد أكثر من 23 بالمئة باسم "جنوب السودان"، عرق شعب جنوب السودان أفريقي، وتتكون من القبائل النيلية، و"جوبا" عاصمة جنوب السودان، عدد نفوس المسحيين والمسلمين في جنوب السودان، إما متساوية أو المسيحيون أكثر منهم، وبعض من جنوب السودان بلا دين، لهم عقائد محلية خاصة بهم ويعتقدون بالسحر والشعوذة.
انا أقصد بلاد السودان وعاصمتها الخرطوم، وقبل انفصال جنوب السودان، كانت الخرطوم مركز السودان، واسم السودان هو "جمهورية السودان" والجزء الذي انفصل عنها أطلق على نفسه اسم دولة "جنوب السودان"، واسم السودان هو "جمهورية السودان" والجزء الذي انفصل عنها أطلق على نفسه اسم دولة "جنوب السودان".
أبنا: هل يمكن القول ان المنطقة الغنية بالنفط انفصلت عن السودان؟
إذا كان المقصود من المنطقة الغنية بالنفط هو الاستخراج، نعم تم انفصال ما يقرب من 70% من المنطقة الغنية بالنفط من السودان، بالطبع لا أعرف النسبة بالضبط، لكن يتم استخراج النفط في الغالب من جنوب السودان.
أبنا: لقد ذكرتم ان المسلمين السودانيين يحبون أهل البيت (ع)، ما علائم هذا الحب في السودان؟
ان الإسلام في السودان يحمل سمة صوفية، والمقصود بالصوفيين، ليسوا (علي الله، الذين يألهون الامام علي)، وانما الأشخاص الذين هم أهل السلوك والعرفان، والغالبية من الصوفية، هم الفرقة القادرية، وعبد القادر الجيلاني، معروف الكرخي أو ابن العربي، يعتبرون مشايخهم، وغالبية الطوائف في السودان ليست لديها محبة خاصة لأهل البيت (ع)، فيما تعتقد الطريقة الهندية أن أئمتنا هم من الإمام علي (ع) الى الإمام المهدي (عج)، أي يعتبرون الأئمة الاثني عشر، أئمة لهم، وأغلب هؤلاء من السادات "الحسني" و"الحسيني"، كما ان الطريقة "المرغنية" هي طريقة ختمية من السادات الحسيني، وهي تعتقد بالائمة هم أهل البيت (ع)، وانهم معصومون، وفي عقائدهم يوجد أثر التشيع.
ونجل زعيم "الختمية المرغاني" هي طريقة صوفية في السودان، واسمه جعفر الصادق، وأسماء مثل فاطمة ورقية وزينب وكبرى وعلوية ومحبوبة أم الحسن وأم الحسين وأم الحسنين والزهراء والبتول وغيرها كثيرة في السودان، وفي بعض الأحيان تجد في عائلة واحدة ثمان بنات اسمائهن فاطمة بشكل ما، فمثلا في عائلتي اسم امي البتول، وأسماء خالتي، آمنة وزينب وكبرى، فيما اسم جدتي من طرف أمي، فاطمة واسم أخت جدتي الزهراء، والأسماء مثل الباقر والصادق وجعفر كثيرة في السودان، وطبعا ان الشائع في السودان تسمية الأولاد الذكور بـ"رضي" بدلا عن "رضا"، وأسماء مثل الباقر والصادق وجعفر تختص بالشيعة، وفرق أخرى في السودان تسمي أطفالها هذه الأسماء، والأسماء المركبة كثيرة في السودان كمحمد علي، ومحمد حسين، ومحمد حسن، ويبدو انها تركيب شيعي.
وكان للفاطميين المصريين، وهم شيعة في السودان، أثر كبير في السودان، وأسماء مثل كرار وحيدر هي أسماء تختص بالشيعة، وتسمية عقيل كثيرة في السودان، وهذه الحالة تشير الى ان دخول الإسلام جاء على أثر محبة أهل البيت (ع)، ولكن السودان مثل علويين سوريا كانوا بعيدين عن مراكز علمية شيعية، والحب وأسماء أهل البيت (ع) موجود في ثقافة الشعب السوداني، وتقول بعض الطرق الصوفية في ادبياتها إن العلم والمعرفة لهما طريقان، الأول علم الشريعة والثاني علم الحقيقة، وعلم الحقيقة يأتي عن طريق الوحي للنبي الخاتم (ص) ومنه الى الإمام علي(ع) والإمام الحسن (ع) والإمام الحسين(ع)، وعلى رأي البعض ينتقل هذا العلم الى باقي الأئمة عليهم السلام.
أبنا: هل لشيعة السودان حسينية ومسجد؟ وهل يقيمون مجالس عزاء في أيام المحرم وخاصة في التاسع والعاشر منها ؟
يمكن اعتبار فترتين لشيعة السودان. في السابق كان عدد لافت من شيعة السودان يؤمنون بالشهادات الثلاث، والبعض يطلق عليهم "زبالعه" والبعض الآخر "الباطنون"، وهؤلا تعرضوا لهجوم في فترة صلاح الدين الأيوبي ومن على شاكلته، وقبل مئة عام تقريبا اندلعت عدة حروب أدت الى إبادة أصحاب الشهادات الثلاث، وطبعا بقت آثارهم وخاصة في مناطق الشمال حيث تعود جذور إليها، ويقوم أهالي الشمال أي مناطق يطلق عليها نوبيون بيوم عاشوراء في بساتين النخيل ونهر النيل، يحضرون من اشجار النخل حطبا ويقيمون خيما ويحرقونها والناس يبكون ويلطمون؛ ولكن هذه الأعمال ليست بوعي وهي كعادات وتقاليد ولا يلتفت أهالي المنطقة إلى حقيقتها حتى يفهموا مغزاها. وطبعا البعض يعلمون ان هذه المراسم تتعلق بأهل البيت (ع) والإمام الحسين(ع). ولا زالت الشعيرة كانت قائمة واضمحلت في الوقت الحاضر، ولكن قبل 20 عاما أو 25 عاما كانت شائعة.
والصنف الثاني تاريخيا هم الذين استبصروا بعد انتصار الثورة الاسلامية الإيرانية، وهؤلاء من الشيعة الذين يقيمون مجالس العزاء في أيام المحرم، وذلك يعتمد على سياسة الحكومة، واذكر في التسعينيات كان الشيعة يحضرون مجالس عزاء في جامعات وأماكن عمومية، وعدد الشيعة لم يكن كثيرا كانوا يقيمون مجالس عزاء في عاشوراء وغيرها، وكذلك كان لهم برامج خاصة في مناسبات ولادات الأئمة(ع)، ولكن بعد ذلك بسبب مجيئ السلفيين الى البلاد، تغير انطباع عمر البشير تجاه الشيعة، وتم منع نشاطات ونشر كتب الشيعة في السودان؛ ولذلك اقتصرت نشاطات الشيعة في أماكن محدودة وفي البيوت، وكانت حسينية للشيعة صادرتها حكومة عمر البشير.
أبنا: هل يمكن للشيعة أن يتابعوا قضية الحسينية ويستعيدوها ؟نعم يمكن متابعة القضية واستعادتها ولكن قد يكون لمتولي الحسينية له وجهة نظر أخرى، وانا أعلم ذلك، لقد جعل الشيعة في السودان بيوتهم وقفا لنشاطات ثقافية ودينية إما في سرداب بيوتهم أو في أماكن أخرى والنشاطات مستمرة، وكانت الفعالية الأخيرة لشيعة السودان في شهر رمضان المبارك في أيام استشهاد أمير المؤمنين(ع) وإحياء ليلة القدر، وبعد ذلك اندلعت الحرب، ولا أعلم فيما إذا كان الشيعة يقومون بفعاليات بعد الحرب في الخرطوم، واستبعد ذلك لأن الظروف غير مؤاتية ولكنها خطيرة.
أبنا: اين ينتشر الشيعة في الخرطوم، وفي أي مناطق يتواجدون بكثرة؟
من الطبيعي ان تواجد الشيعة في الخرطوم أكثر؛ لأنها مدينة كبيرة، واتصور ان فيها 10 ملايين أو أكثر، وطبعا الشيعة يعتبرون جزءا من المجتمع، ولا يوجد لهم منطقة خاصة بهم في الخرطوم؛ وانما في كل مكان من المدينة يتواجد الشيعة، وفي البعض المناطق يتمركزون بكثيرة.
وطبعا يوجد الشيعة في بعض الولايات مثل كردفان، دارفور، سنّار، بورت سودان في منطقة الشرق، بندر السودان، نهر نيل ومناطق عدة في البلاد، ولا اتصور أن هناك مدينة أو حتى قرية كبيرة في السودان لا يوجد فيها شيعة، مع أن عدد الشيعة قليل.
أبنا: تحدث لنا عن السلفيين في السودان
يُعتبر السلفيون من المسلمين، والمقصود من السلفيين ليسوا وهابيين، وانما هم يعتبرون السلف حجة، وفي البعض الأحيان يقصد من السلفية أشخاص ومجموعات ترتبط بالسعودية وأفكار وهابية، وفي أحيان أخرى تطلق على مجموعات لا تربطهم بالسعودية علاقة، مثل القاعدة والمجموعة التي تعمل كاخوان المسلمين، والذين لهم أفكار سلفية ووهابية ويطلقون على انفسهم "سروري".
والسلفيون دخلوا السودان منذ ما يقرب من مائة عام أو يزيد، ونشاطاتهم كثيرة وذات أثر، وطبعا الكثير من نشاطاتهم ليست بمعنى ان يكون الناس سلفيين، وانما الغالبية من الناس صوفيين، و من جانب آخر لهم حضور بارز في أمور أقتصادية وسوق السودان، ولهم حضور في أعمال ثقافية بالسودان وخاصة بالنصف الثاني من حكومة عمر البشير، ولكن في النصف الأول من حكومة عمر البشير، لم يعترف الدكتور ترابي زعيم اخوان مسلمي السودان السلفيين، وكان زعيم بعض أخوان المسلمين في السودان، الذين لم يعترفوا بالسلفيين، ولكن بعد انفصال الدكتور ترابي والأشخاص الذين كانوا من اخون المسلمين في الحكومة، كانت مرجعيتهم الفكرية سلفية، وللسلفيين مدارس ومساجد ولهم نشاطات واسعة .
أبنا: هل للسلفية حوزة علمية في السودان؟
نعم، لهم مدارس علمية ومعاهد دينية وجامعة وكلية ومطبوعات ويشتركون في المعارض، والسلفيون ينشطون بفعالية، وربما تم تشييد أو إعمار أكثر من نصف المساجد في ولايات الخرطوم على يد السلفيين، وللسلفيين دعم مالي كبير حيث يطبعون الكتب ويوزعونها مجانًا، فأنهم يشيدون المكتبات للمساجد في وقت ان الصوفيين لا يتمكنون من فعل ذلك، وكذلك ان السلفيين لهم نشاطات واسعة في مجال الاعلام وأمور أخرى.
واستطاع السلفيون بالرغم من نشاطاتهم الكثيرة بدرجة تحريف رأي العام، ولكنهم لم يكن لهم أثر بالمجتمع؛ وذلك بسبب نهجهم في تعامل بعفن وكلام بذيئ ويذكرون الشيوخ الصوفية بسوء الذين لهم موضع احترام لدى الناس، أي لم يصبح المجتمع وهابيا، ولكن استطاعوا أن يأثروا في الرأي العام والتوجه الفكري الى حد ما؛ ولذلك ان بعض الصوفيين أصبح فكرهم مثل السلفيين ولكنهم ليسوا سلفيين، ولكن مع هذا يمكن القول ان الشعب السوداني يرفضون أفعال التطرف والعنف الوهابي.
كما ان المرجعية الدينية كانت في يد السلفيين في السنوات الأخيرة أثناء ولاية عمر البشير؛ لذلك كان لهم نفوذ كبير في الاعلام والقنوات الحكومية الرسمية والإشراف على الصحافة والمطبوعات؛ لذلك، استطاع السلفيون أن يكون لهم تأثير كبير بفضل الأموال والامكانيات التي كانت لديهم، ولكن ما يمكن رؤيته هو أنه على الرغم من جذب عدد كبير من الناس إلى الوهابية، إلا أن لديهم أيضًا اخفاقات كبيرة، فمثلا من كل ألف شخص، يخرج شخص عن المذهب الشيعي، ولكن من كل عشرة أشخاص، ستة أشخاص يخرجون عن المذهب الوهابي، والشباب الذين يسمعون كلام الوهابيين في المساجد ويحضرون في تجمعاتهم، يدركون أن غاية الوهابيين ليست قضايا دينية وانما هدفهم المال والنفوذ، ولذلك يتركونهم.
أبنا: هل تنشط جماعة فتح الله غولن في السودان؟
جماعة فتح الله غولن ليست سلفية، ويتواجدون في السودان ولكن نفوذهم قليل.
أبنا: ما مقدار نشاطات الشيعة مقارنة الى نشاطات السلفيين ؟
عددنا مقارنة الى السلفيين اقل منهم؛ لذلك النشاطات ليست كثيرة، وحضورنا في مجال الإعلام قليل جدا، وفي الأساس لا يوجد لدينا مسجد، في حين ان السلفيين يملكون في الخرطوم لوحدها نحو أربعة آلاف مسجد، ولهم الى جانب كل مسجد مستوصف خيري أو مدرسة صغيرة، وتوجد في كل مسجد مكتبة وامام جماعة، يتواجد في كل الاوقات، والسلفيون يُفّرون له السكن مع الراتب والتسهيلات اللازمة، ويُأذن خادم المسجد ويخدم فيه، وفي العادة يخصصون دارا في المسجد لإمام الجماعة، وهو بدوره يقدم برنامج تعليم القرآن، والتجويد وعقائد الوهابية وغيرها، و من جانب آخر يقيمون نشاطات أعلامية وندوات، وكما كان لهم وزير في الحكومة، ويمكن القول بحكم تدخل السلفيين، فهم حزب سياسي أكثر مما يكونون جماعة مذهبية، وعلى اقل تقدير هناك اربع أو خمس جماعات وهابية وسلفية، وكل جماعة منها لها إمكانياتها الخاصة بها ومستقلة عن بضعها البعض في نشاطاتها، ولعل كان هناك عداء بينها، وليسوا كتلة واحدة، ولا يمكن مقارنة نشاطات الشيعة بالقياس الى السلفيين، ولا ينبغي الكلام في المقارنة لأنه لا توجد لدينا نشاطات تذكر.
أبنا: كيف يدخل الشيعة في الوقت الحاضر الى السودان
لقد سعد عدد من شباب طلاب الجامعات وكذلك من غير الطلاب، بإنتصار الثورة الاسلامية الإيرانية وسلطة الدين، واصبحوا شيعة سياسيين بدلا من عقائديين، وتشيعوا بالكامل وتعرفوا على التشيع، وأشخاص مثل طيب أحمد حسن متوكل وسليمان خالد قد تشعوا ومازالوا على قيد الحياة، وغالبية هؤلاء كانوا في تنظيمات الأخوان المسلمين، وكانوا اعضاء فيه، وبسبب تشيعهم تم طردهم من الاخوان المسلمين، وعندما خرجوا عن الاخوان المسلمين أهّلوا مجموعاتهم، وكان ذلك في تلك الفترة في بدايات الثورة أثناء الاضطرابات بايران؛ لذلك لم تكن لايران حضورا رسميا في السودان، إلا في حالة زيارة يقوم بها شخص من السودان الى ايران.
كما انه لم تكن هناك علاقات قائمة بين إيران والسودان، حيث قام الرئيس السوداني جعفر محمد النُميري بإرسال قوات عسكرية لمساعدة الجيش العراقي أثناء الحرب المفروضة، وجاء بعده صادق المهدي وأقيمت العلاقات بين البلدين وأصبحت ايران حاضرة في السودان.
وقبل حضور الجمهورية الاسلامية كان للشيرازيين بتوجهاتهم حضورا في السودان، وكان للسيد محمد التقي المدرسي وهو من علماء العراق "منظمة العمل" في السودان، وعليه فأن الشيرازيين كانوا سابقين بعد الثورة من حيث الوقت في تأهيل شيعة السودان، وكانت للثورة الاسلامية أثر بتشيع أشخاص في السودان، ولم يكن الشيرازيون بعيدين عن الثورة الايرانية كثيرا، ولكن فيما بعد بسبب بعض المشاكل التي برزت أدت الى تباعدهم عن الثورة أكثر.
أثناء مجيئ الشيرازيين في البداية، جاءوا بالجيل السوداني الشيعي الأول الى طهران، وبعد عودتهم من إيران كانوا نواة الشيعة في السودان، طبعا التواجد الذي نحن نعرفه، وقبل ذلك لا أعلم تواجد الشيعة في السودان، ولكن يبدو ان الشيعة لم يكن لهم حضورا في السودان قبل الشيرازيين، وهذه المجموعة هي التي ابتدأت بإدخال التشيع في السودان، وأصبحنا نحن شيعة أيضا.
وفي نهاية الثمانينات القرن الماضي أو النصف الثاني منها، اقيمت العلاقات بين الجمهورية الاسلامية الايرانية والسودان وافتتحت السفارة وتأسست الإستشارة الثقافية، وبدأت أعمال ثقافية وتبليغية لإيران في السودان، بعض الذين تأثروا بالثورة الإسلامية واستبصروا نظموا مجموعة خلقت نظرة سلبية لأفرادها عن الجمهورية الإسلامية، لكن المجموعة الأخرى لم تتخذ موقفا سلبيا تجاه إيران وأعلنت انهم مع الإمام الخميني (ره).
شيّدت جمهورية ايران الاسلامية في السودان سنة 1990 أو 1991 الميلادية مؤسسة اسمها كوثر والتي تتبع الإستشارة الثقافية وبدأت بنشاطات ثقافية، فيما واجه الشيرازيون سنة 2000 مشاكل في السودان، حيث انحلوا لعدة مجموعات ثم تلاشوا، وفي سنة 2001 بدأ آخرون من الجمهورية الاسلامية بنشاطات ولكنهم لم يكونوا من منظمات ثقافية، ولم يدم أكثر من عام، ومنذ ذلك الحين حتى الوقت الحاضر لم يكن تنظيم أو منظمة تنشط في السودان، وبالطبع ان النشاطات التي تتم هي نتيجة استشارات ثقافية تعتمد على نهج وذوق العمل الإستشاري للشخصية، ومنذ ذلك الحين رغم انه لم يكن هناك تنظيم إلا ان الميل الى التشيع لم يتوقف، وعدد الشيعة في ارتفاع، وكل يوم يتشيع شخص أو أكثر في السودان، وكان سياق الميل نحو التشيع، خاصة بعد فتح مجال الإعلام مثل الإنترنت والفضائيات ومواقع التواصل الاجتماعي، هو في ارتفاع كبير جدا، وبرأي ان السبب الداعي الى ارتفاع عدد الشيعة من الناس في السودان وخاصة في صفوف المتعلمين؛ هو الصمود وثقافة المقاومة ضد الغرب، وحتى الذين كانوا شيرازيين أقبلوا على ثقافة المقاومة وانها السبيل الوحيد لتوسيع التشيع ونيل العزة، وفي هذا الصدد ان الذين كانت نظرتهم تشائمية بالنسبة الى الثورة الاسلامية أقل ما يقال هو إذا لم تكن نظرتهم تفائلية، تلاشت نظرتهم التشائمية.
أبنا: ما هي نشاطات الشيعة بالوقت الحاضر في السودان
نشاطنا في السودان لا يمكن مقارنته بنشاط السلفيين. أستطيع القول على وجه اليقين أن تكلفة الأنشطة الشيعية مع عدة مجموعات من أماكن مختلفة قد لا تصل إلى عشرة آلاف دولار شهريا. هذه العشرة آلاف دولار تنفق على الإيجار والبناء والنفقات الجارية، والقليل منها يذهب إلى الأنشطة الثقافية والدينية.
وليس لدي معلومات كاملة ومن الذين يعملون وبأي مؤسسة يرتبطون، لكن ما أعلمه هو أنه لا توجد نشاطات للمؤسسات الثقافية الايرانية؛ لأن هناك عدة مؤسسات ثقافية في الجمهورية الإسلامية ولكل منها مسؤولية محددة خاصة بها. على سبيل المثال، يهتم المجمع العالمي لأهل البيت (ع) بأوضاع الشيعة في العالم، لكن منذ يوم تشكيله لم يكن للمجمع نشاط اعلامي أو برنامج اجتماعي في السودان. نعم، أحياناً كانوا يجتمعون، وكان هناك نقاش وكانوا يؤيدون برنامجاً معيناً، لكنه لم يستمر.
...............
انتهاء / 232