وكالة أهل البيت (ع) للأنباء

المصدر : اكنا
الاثنين

٢١ أكتوبر ٢٠٢٤

١٠:٢٣:٥٥ ص
1496759

ضرورة إختيار الصديق المناسب من منظور الإسلام

أكد الأسلام على ضرورة اختيار الصديق المناسب، والخليل المؤالف حیث قال الإمام علي(ع): "الصاحِبُ كالرُّقعَةِ فَاتَّخِذْهُ مُشاكِلاً، الرَّفيقُ كالصَّدِيقِ فَاختَرْهُ مُوافِقاً".

وفقا لما أفادته وكالة أنباء أهل البيت (ع) الدولية ــ أبنا ــ رُوِيَ عن الإمام علِيَّ (ع) أنه قال: "لَمْ يَهْنَأْ الْعيْشَ مَنْ قارَنَ الضِّدَّ".

هذه الجوهرة الكريمة تعكس حقيقة نفسية واجتماعية عميقة، مفادها أن الشخص الذي يعيش في مواجهة دائمة أو مخالطة مستمرة مع من يخالف مبادئه وعقائده، أو قِيَمَه، أو طبعَه، أو عاداته وتقاليده وأعرافه، أو أهدافه، لن يستطيع أن ينعم بالراحة والسكينة في حياته، بل يكون عَيشُه ضَيِّقاً نَكِداً، حتى ولو كان الذي يقارنه من أقرب الناس إليه، من زوج، أو وَلَد، أو ذي رَحِم، أو جار، أو شريك في الوطن، وهذا أمر تؤكِّده التجربة البشرية الطويلة، فكما لا يجتمع الضِّدان والنقيضان كذلك لا يهنأ عيش الضِّدين في طباعهما ومبادئهما.

وحدها النفوس المتشاكلة هي التي تستقر علاقاتها، ووحدها الأرواح المتجانسة هي التي يدوم ما بينها من وصال، ويطمئن عيش أصحابها، ووحدها النفوس المؤمنة بقَيَم واحدة، والمعتقدة بعقيدة واحدة، والمتفقة على أهداف واحدة أجدر من غيرها بثبات العلاقة ودوامها. رُوِيَ عن الإمام أمير المؤمنين (ع) أنه قال: "النُّفُوسُ أشكالٌ، فما تَشاكَلَ مِنها اتَّفَقَ، والناسُ إلى‏ أشكالِهِم أميَلُ".

ولذلك أكد الأسلام على ضرورة اختيار الصديق المناسب، والخليل المؤالف، قال الإمام أمير المؤمنين: "الصاحِبُ كالرُّقعَةِ فَاتَّخِذْهُ مُشاكِلاً، الرَّفيقُ كالصَّدِيقِ فَاختَرْهُ مُوافِقاً".

واشترط أن يكون الزوج كفؤاً لزوجه، قال تعالى: "وَلَا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّىٰ يُؤْمِنَّ وَلَأَمَةٌ مُؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكَةٍ وَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ وَلَا تُنْكِحُوا الْمُشْرِكِينَ حَتَّىٰ يُؤْمِنُوا وَلَعَبْدٌ مُؤْمِنٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكٍ وَلَوْ أَعْجَبَكُمْ أُولَٰئِكَ يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى الْجَنَّةِ وَالْمَغْفِرَةِ بِإِذْنِهِ وَيُبَيِّنُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ"﴿221/ البقرة﴾.

ورُوِيَ عن رسول الله (ص) أنه قال: "تَخَيَّرُوا لِنُطَفِكُم فانْكِحُوا الأكْفاءَ، وأنكِحُوا إلَيهِم" إن التأكيد على الكفاءة الإيمانية العقائدية -وهي التي تقتضي التوافق العقدي والفكري والقِيَمي- يراد منها الحرص على سلامة العلاقة الزوجية واستقرارها ودوامها.

كما دعا المسلم إلى اختيار البيئة الملائمة له للتَّوطُّن فيها، لأنه إذا أقام في بيئة غير ملائمة له ولدينه وقِيَمه فإما أن يتأثَّر بها وهذا يقضي على دينه -شيئاً فشيئاً- أو يعيش فيها في ضَنَك وضيق.

إنّ الاحتكاك المستمر بالضِدِّ، سواء كان ذلك في إطار العلاقات الإنسانية أو في البيئة الاجتماعية، يؤدي إلى توتر نفسي واضطراب داخلي، مِمّا يعكر صفوَ الحياة ويجعل من الصعب التمتع بالطمأنينة وصلاح البال.

إن طبيعة الحياة البشرية تحتاج إلى التوازن والانسجام حتى يستطيع الإنسان أن يشعر بالراحة النفسية والسعادة الحقيقية. أما مقارنة أو مخالطة أو مرافقة من يعارضك في أفكاره أو قيمه أو سلوكه فلن يُكتَب لها الدوام والاستقرار.

وهذه المقارنة أو المخالطة قد تكون على مستويات مختلفة:

المستوى النفسي: عندما يعيش الشخص مع أناس يختلفون عنه في المبادئ والقيم بشكل جذري، يشعر بصراع داخلي مستمر بين ما يؤمن به وبين ما يراه أو يسمعه أو يعيشه من حوله، هذا التناقض يسبب له الضيق والاضطراب الداخلي، ويحيل حياته جحيما لا يُطاق.

المستوى الاجتماعي: عندما يحيط الإنسان نفسه بمجتمع يتبنى قِيَماً أو سلوكيات معارضة لما يراه صَحيحاً أو مناسباً، يصعب عليه أن يتكيَّف مع هذا الواقع أو يشعر بالانسجام معه، مما يؤدي إلى شعوره بالعزلة النفسية والاجتماعية، وهذا أمر لا يناقش فيه أحد، فمن عاش في مجتمع مختلف عنه فإما أن يأتَلِف معه بالتنازل عن مبادئه وقيمه، أو يرتحل عنه.

الآثار النفسية والاجتماعية لمقارنة الضِّد:

أما الآثار النفسية: فإن العيش مع من يخالف الإنسان في القيم يؤدي إلى شعور مستمر بالقلق والتوتر، ومعلوم أن الإنسان يسعى عادة إلى الانسجام والتوافق، وعندما يجد نفسه في مواجهة مستمرة مع ما يخالفه، تؤدي إلى صراع بين ما يراه الإنسان صواباً وبين ما يواجهه في حياته اليومية من سلوكيات مخالفة، هذا الصراع يسبب شعوراً بالضيق والضياع، وقد يؤدي إلى الشك في النفس أو العقيدة التي يعتقد بها، مِمّا يزيد من شعوره بالوحدة والانعزال حتى وهو بين الناس.

وأما الآثار الاجتماعية: فإن مقارنة الضِّدِّ تؤدي في كثير من الأحيان إلى تفكك العلاقات الاجتماعية، وإذا كانت بين الشخص وقرينه خلافات جوهرية في القيم أو المعتقدات، فإن التواصل الفَعّال بينهما يصبح صعباً، مما يؤدي إلى فتور أو انقطاع في العلاقات، وضَعف الانتماء الاجتماعي، وعدم القدرة على الاندماج في المجتمع النقيض.

بقلم الكاتب والباحث اللبناني في الدراسات القرآنية السيد بلال وهبي
.........
انتهى/ 278