ورغم أن الخسائر البشرية في غزة صعبة ومؤلمة، فإن الفلسطينيين لم يتركوا أرضهم تحت ضغط الحرب، مخالفين بذلك ما اعتادته إسرائيل في حروبها السابقة. فقد أصبحت الأرض لدى الفلسطينيين موازية للحياة. من جهة أخرى، نجحت حماس في شيطنة إسرائيل إعلاميًا، مما أفقد الأخيرة قدرتها على لعب دور الضحية كما في الحروب السابقة. كما عادت القضية الفلسطينية إلى الواجهة، مع الاعتراف دوليًا بأن احتلال إسرائيل لغزة لم يعد مقبولًا.
لا تدرك إسرائيل بعدُ أن احتلالها غزة سيؤدي إلى تنامي بيئة أكثر شراسة وعداءً لها على المدى البعيد، حيث لن يتسامح أي غزيّ معها، وأن إغلاق المجال السياسي وتشديد العنف في الحرب يمثلان "قبلة حياة" مستدامة لحماس. وعلى هذا المنوال، فالاعتقاد بأن جنوب إسرائيل سيكون في مأمن بعد هذه الحرب هو مجرد وهم؛ إذ ستظل هذه الجبهة مصدر استنزاف دائم لها.
ربما يكون اجتياح غزة نوعًا من النصر العسكري، لكن الهزيمة الإستراتيجية لإسرائيل ستتمثل في فقدانها عددًا من داعميها التقليديين. فالوعي الغربي أصبح قلقًا من العنف الذي تمارسه، وصورتها التقليدية باتت في مهب الريح.
ومع انتهاء الحرب، ستواجه إسرائيل مشاهد صادمة على الصعيد الداخلي، تبدأ من أزمة اقتصادية طاحنة؛ حيث يتم التعتيم على الخسائر الاقتصادية في ظلّ ضجيج الحرب. خسائر المصانع والمزارع وقطاع التكنولوجيا كبيرة، وتزايدت منذ بداية الحرب.
تُضاف إلى ذلك الخسائر البشرية الكبيرة، حيث سيخرج المواطن الإسرائيلي من الحرب وهو يعاني معاناة غير مسبوقة. هذه الواحة المدعومة غربيًا لم يعد لدى داعميها القدرة على الاستمرار في مساندتها بلا حدود، خاصة مع الإنهاك الذي يعانيه الغرب؛ بسبب الحرب الأوكرانية الروسية.