وكالة أهل البيت (ع) للأنباء

المصدر : ابنا
الثلاثاء

١٥ أكتوبر ٢٠٢٤

١:٣٨:٣٩ م
1494963

حرب استنزاف ستخسرها "إسرائيل" مجدداً

تتصاعد الأصوات في "تل أبيب"، التي تتهم بنيامين نتنياهو بأنه يجرّ "المجتمع الإسرائيلي" خلفه إلى مغامرة غير ذات جدوى، عسكرياً واقتصادياً، ويتورط في حرب استنزاف طويلة، ستؤدي في نهاية المطاف إلى انهيار "إسرائيل".

  وفقا لما أفادته وكالة أنباء أهل البيت (ع) الدولية ــ أبنا ــ حرب الاستنزاف التي ستخسرها "إسرائيل" مجدداً السيد شبل يقول الخبير العسكري الصيني، المُتوفَّى في القرن الخامس قبل الميلاد، صن تزو، إنّ حروب الاستنزاف ليست أفضل طريقة لتحقيق الفوز، ففيها يعتقد كِل الطرفين أنه قادر على نيل الانتصار، لكن ما يحدث، في الغالب، أن الأمور تنتهي بامتلاك كِلا الجانبين موارد أقل، وتكون المحصلة «صفراً» لجميع الأطراف المتصارعة. لكنّ هذا الرأي الشائع في العلوم العسكرية حتى الساعة، ينطبق على الشعوب والأمم التي لديها تاريخ طبيعي ووجود مستقر وقَدْر من التكافؤ فيما يتعلق بالقوى البشرية والإرادة، وجميع ما سبق لا ينطبق على وضع "إسرائيل" في الصراع الدائر اليوم. طوال عامٍ وأكثر، لم ينجح "جيش" الاحتلال في تحقيق الانتصار على فصائل المقاومة داخل قطاع غزة، على رغم التورّط في هذا المستوى الفاضح من المجازر.

ومع الوقت تتصاعد الأصوات في "تل أبيب"، التي تتهم بنيامين نتنياهو بأنه يجرّ "المجتمع الإسرائيلي" خلفه إلى مغامرة غير ذات جدوى، عسكرياً واقتصادياً، ويتورط في حرب استنزاف طويلة، ستؤدي في نهاية المطاف إلى "انهيار اسرائيل وليس حماس"، بحسب وصف الجنرال الإسرائيلي المتقاعد، إسحاق بريك، بناءً على اجتماعه بنتنياهو ست مرات خلال الحرب التي أطلقت عليها حكومة الاحتلال اسم "السيوف الحديدية".

لا يوجد سقف لرعونة اليمين المتطرف داخل "إسرائيل"، وإلا لَما كان "جيش" الاحتلال قرر توسيع رقعة القتال إلى حدّ الصدام المباشر مع المقاومة اللبنانية واغتيال أمينها العام السيّد حسن نصر الله، والشروع في الاجتياح البري لجنوبي لبنان، مع التلويح المستمر باقتراب موعد توجيه "ضربة قاصمة" إلى إيران، مع العلم بأن محور المقاومة بأكمله لم ينخرط في القتال إلا بهدف تخفيف الضغط عن قطاع غزة، ولإرغام نتنياهو على وقف عدوانه على الأبرياء الفلسطينيين، وهو مطلب دولي بالمناسبة، إذ لا توجد عاصمة في العالم إلا وتطالب بوقف العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة.

ما يحدث اليوم بين ساحات المقاومة والعدو الإسرائيلي هو، ببساطة، حرب استنزاف من النوع التقليدي والمكلّف في الآن ذاته، تجري في صورتها الأبهى في الميدان اللبناني، وفيها سيحاول كل جانب إلحاق أكبر قدر من الخسائر بالجانب الآخر، سواء فيما يتعلق بعدد المقاتلين الذين سيسقطون بين قتيلٍ وجريح، أو فيما يتعلّق بالمعدات العسكرية التي سيتم تدميرها.

وهناك شق آخر يتمركز حول الجانب المعنوي، وذلك تحديداً ما استهدفه وزير الحرب الإسرائيلي، يوآف غالانت، عندما وجّه طائراته المحمّلة بالقنابل الأميركية لاغتيال السيّد حسن في السابع والعشرين من الشهر الفائت، لكن عمليات المقاومة خلال الأسابيع الماضية ربما عكست الآية.

لدى العرب تجربة في هذا النوع من الحروب، خلال شهور وأعوام ما بعد حزيران/يونيو 1967، فبعد أن صاغت قمة جامعة الدول العربية، والتي عُقدت في الخرطوم، سياسة "اللاءات الثلاث "، التي تحظر الصلح والاعتراف والتفاوض مع "إسرائيل"، أعلن الزعيم المصري جمال عبد الناصر أن المبادرة العسكرية هي التي ستجبر العدو على إزالة آثار العدوان، ثمّ استؤنفت الأعمال القتالية على طول قناة السويس.

اتخذت في البداية شكل مبارزات مدفعية محدودة وتوغلات في سيناء، ومع حلول عام 1969، وسّع الجيش المصري عملياته، وتم رسمياً إعلان انطلاق حرب الاستنزاف في آذار/مارس، والتي تميزت بالقصف واسع النطاق على طول قناة السويس، والحرب الجوية المكثفة وغارات الكوماندوس، وانتهت مع تشييد حائط الصواريخ شرقي القناة، إذ تم بناء أكبر نظام مضاد للطائرات تم تنفيذه حتى الآن في تلك المرحلة من التاريخ.

لم تستنزف الحرب دماء الإسرائيليين فقط (الخسائر تجاوزت 1400 قتيل، في بعض التقديرات)، بل حطّمت ما هو أهم: معنوياتهم، إذ تأكد أن العرب عازمون على مواصلة القتال على رغم هزيمة الأيام الستة، وأنّ "تل أبيب" لن تنال الاعتراف الإقليمي، و"شعبها" لن يحصل على الأمان.

بهذا السياق، يرى الباحث الإسرائيلي جدعون ريميز أن الهزيمة في حرب الأيام الألف كانت من نصيب "إسرائيل"، وأن "جيش" الاحتلال تكبّد خسائر كبيرة، وهو ما أرغم القيادة الإسرائيلية، في نهاية المطاف، على قبول وقف إطلاق النار، عبر التجاوب مع مبادرة وزير الخارجية الأميركي وليام روجرز، والتي دخلت حيّز التنفيذ في آب/أغسطس 1970، لأن الدفاعات الجوية السوفياتية، والتي استخدمها المصريون، كانت تُسقط طائرات الفانتوم الأميركية بمعدل ثابت.

ما الذي خسرته "إسرائيل"، وأين يكمُن ضعفها؟ على المستوى الاستراتيجي، تكبّد الكيان خسائر فادحة، وربما هي المرة الأولى في تاريخ "إسرائيل" القصير، تدور الحرب داخل "حدودها"، والصواريخ التي تنطلق من ساحات المقاومة باتت تطال كل بقعة في الأراضي المحتلة، ولم يعد ثمة مكان آمن يمكن أن يلجأ إليه المستوطنون، أو يستقر فيه نشاط اقتصادي، أو تزدهر داخله الأنشطة اليومية المعتادة. ولولا الدعم الأميركي المستمر - وآخر صوره منظومة صواريخ "ثاد" الدفاعية - لما استطاعت "إسرائيل" مواصلة عدوانها وحماقاتها. خلال الفقرات التالية، يمكن رصد صور الخسائر التي كابدتها "إسرائيل" خلال العام المنصرم حتى اليوم: أولاً: يقوم "جيش" الاحتلال باستدعاء جنود الاحتياط، مراراً وتكراراً، بحكم التحديات العسكرية المتنامية، والتي يوسّع نتنياهو رقعتها بوتيرة ثابتة.

هؤلاء الجنود باتوا يعانون الإرهاق الشديد، وبعضهم يخرج عبر وسائل الإعلام ليعبر عن معارضته سياسات الحكومة. في الوقت ذاته، يضطر القادة الإسرائيليون إلى مواصلة عمليات الاستدعاء نتيجة تقليص ست فرق خلال العقدين الماضيين، وهو ما يُنذر بخطر فقدان جيش الاحتياط خلال فترة قصيرة.