وكالة أهل البيت (ع) للأنباء

المصدر : ابنا
الأحد

١٣ أكتوبر ٢٠٢٤

٣:٠٨:٢٣ م
1494275

هل انتصرت إسرائيل بشکل شامل؟

تقول الرواية التوراصهيونية إن موسى عليه السلام كان أول من مارس سياسة سحق العدو، فعندما عاد من جبل سيناء ومعه الوصايا العشر، وجد قومه يعبدون العجل الذهبي فأمر بذبح المذنبين عن آخرهم. وقبل موته قال لأتباعه وهم على وشْك دخول أرض كنعان في آخر الأمر، إنه يجب عليهم عندما يهزمون قبائل كنعان "أن يدمروهم تدميرًا كليًا وألا يقيموا معهم عهدًا وألا يظهروا لهم أية رحمة". وهنا بحسب زعمهم بدأت شلالات الدم في التدفق، ولن تتوقف حتى تحقيق النصر الكلي المزعوم.

  وفقا لما أفادته وكالة أنباء أهل البيت (ع) الدولية ــ أبنا ــ  تؤمن العقيدة العسكرية الإسرائيلية بأن "العدو العربي المرهوب" يجب سحقه بصورة كاملة، كما تؤمن بأنه إذا تُركت جمرة واحدة مشتعلة مهما كان احتراقها داكنًا خافتًا فإن نارًا ستندلع منها في آخر الأمر. وبحسب هذه العقيدة المتطرفة فإن التوقف في وسط الطريق يؤدي إلى خسارة ما هو أكثر مما لو كانت الإبادة كلية، فالعدو العربي سوف يتعافى وسيبحث عن الانتقام، فسحقه كليًا ووجوديًا هو الحل الأكثر نجاعة.

كما أن تركه – أي العدو – يذهب سيكون كتربية نمر سيلتهم إسرائيل فيما بعد إذا ما سنحت له الفرصة، وما يحدث داخل قطاع غزة منذ السابع من أكتوبر/ تشرين الأول من العام المنصرم أكبر دليل على سياسة الاجتثاث والاقتلاع الممنهجة التي تمارسها إسرائيل على "أعدائها وغرمائها اللِداد".

إنّ رفع شعار "سحق العدو" يمثل ثابتًا إستراتيجيًا في العقيدة العسكرية الإسرائيلية، فلا يمكن تحقيق الأمن والسلام الأبديَين اللذين تأمل إسرائيل في الحصول عليهما من الأعداء إلا عبر اختفاء أولئك الأعداء، وهذا الاختفاء يتطلب وجبات من الأشلاء البشرية المقطعة وأنهارًا من الدماء المسكوبة التي تروي خارطة إسرائيل الكبرى.

وبالعودة إلى تاريخ إسرائيل الدموي، وبحسب إحصائيات وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا) فقد تم تهجير حوالي 750 ألف فلسطيني من مدنهم وقراهم، كما تم تدمير أكثر من 500 قرية فلسطينية بالكامل خلال حرب 1948، وما بعدها، وقد بلغ عدد اللاجئين الفلسطينيين 6 ملايين لاجئ، موزعين على دول الطوق: (الأردن، ولبنان، وسوريا).

كما بلغ عدد النازحين داخليًا، وفقًا لتقارير حقوق الإنسان حوالي 400 ألف، ويقدر إجمالي الأراضي الفلسطينية التي استولت عليها إسرائيل حتى العام 2023، بما يزيد عن 85% من الأراضي الفلسطينية التاريخية، حيث يُترك للفلسطينيين الآن أقل من 15% من الأراضي، وهي موزعة على الضفة الغربية وقطاع غزة الذي دمرته آلة الحرب الإسرائيلية في أكبر إبادة وتجريف بشري وجغرافي، حيث بلغ عدد المجازر التي ارتكبتها إسرائيل 3123 مجزرة، كانت محصلتها أن بلغ عدد المهجّرين من قطاع غزة منذ السابع من أكتوبر/ تشرين الأول حوالي 1.7 مليون نسمة؛ أي ما نسبته 83% من سكان غزة.

كما بلغ عدد القتلى أكثر من 41 ألف فلسطيني، بينهم أكثر من 15 ألف طفل، وحوالي 10 آلاف امرأة، كما تم تدمير أكثر من 66% من البنية التحتية للقطاع، ولتدعيم سيطرتها المطلقة على الأراضي الفلسطينية المصادرة اعتمدت الحكومات الإسرائيلية على "قانون أملاك الغائبين"؛ لمصادرة ممتلكات الفلسطينيين الذين هُجروا أو نزحوا عن قراهم ومدنهم، وها هي اليوم تقوم بترويج الإعلانات الاستيطانية في جنوب لبنان والتي تمثل الحدود الطبيعية لإسرائيل الكبرى.

أدركت إسرائيل وعبر عشرات السنين من الحروب مع العرب والفلسطينيين أن الوصول إلى الانتصار الشامل والكلي لن يتأتى إلا بالقضاء على ذلك الشعب الذي تسعى إلى قتله وإبادته، وعليه لا بدَّ من سحقه وحرمانه من فرصة العودة، والقانون الذي يحكم العداوات القاتلة ينصّ على أن "الصلح غير وارد"، بحيث لا يمكن أن يفوز إلا جانب واحد – وهو الجانب الإسرائيلي – ويجب أن يفوز كليًا.

الأركان الداخلية للنصر الكلي والشامل

دأبت إسرائيل، خلال تاريخها سيئ السمعة، على استخدم أبشع الأدوات للقضاء على خصومها؛ ظنًا منها أن تلك الأدوات ستؤدي إلى تقريب الحصول على "النصر الكلي المزعوم"، فقد عمدت إلى استخدام الأدوات العسكرية والاستخباراتية والقانونية.

إن تاريخ الاغتيالات في إسرائيل، والذي يعد أبرز أشكال البلطجة العسكرية والأمنية، مرتبط ارتباطًا عضويًا بوجودها، فقد عمدت إلى الاغتيالات السياسية منذ احتلالها الأراضي الفلسطينية، فلم تتوانَ في صيد كل الأهداف التي قد تقف حجر عثرة في وجه "مشروع النصر الكامل"، ومن أشهر تلك الاغتيالات كان اغتيال الشيخ أحمد ياسين مؤسس حركة حماس في 22 مارس/ آذار 2004، في هجوم صاروخي شنته الطائرات الحربية الإسرائيلية، واغتيال الرئيس ياسر عرفات مسمومًا في 11 نوفمبر/ تشرين الثاني 2004، بعد فترة من حصاره في مقر المقاطعة برام الله وسط الضفة الغربية.

ويعدّ اغتيال إسماعيل هنية رئيس المكتب السياسي لحركة حماس في 31 يوليو/ تموز 2024 في طهران استعراضًا قويًا للموساد الإسرائيلي، ورسالة واضحة وجلية لإيران وأذرعها في المنطقة بأن "الرعب المقيم" هو المحصلة النهائية لكل من يقف أمام إسرائيل، على الرغم من أن الاغتيال لا يمثل قيمة مضافة للأهداف الإستراتيجية، وهو ما طرح سؤالًا محوريًا حول جدوى اغتيال الشهيد إسماعيل هنية.

وتعود بنا الذاكرة إلى اغتيال القيادي بحركة حماس محمود المبحوح في 19 يناير/ كانون الثاني 2010، حين شكّل الموساد فريقًا من 26 فردًا لإتمام العملية، وكذا حاولت إسرائيل اغتيال القائد العام العسكري لكتائب القسام محمد الضيف (ابن الموت) أو (سيد التمويه) والذي أصاب إسرائيل بصداع مزمن لأكثر من ثلاثين عامًا، ولكن ما انفكت حركة حماس تشكك في الرواية الإسرائيلية وتنفيها مرارًا وتكرارًا.

ثم تم اغتيال الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله في مشهد يحبس الأنفاس مع مجموعة كبيرة من مساعديه وقادة الحزب، حيث تم توجيه سرب من المقاتلات الجوية، يحمل الرقم 69، ويعرف باسم "المطارق" في عملية تم تسميتها بـ "نظام جديد"، شاركت فيها أيضًا مقاتلات إسرائيلية من طراز "إف -15″، ومثل ذلك ضربة موجعة للحزب، وتلا ذلك استهداف القيادي في حزب الله السيد هاشم صفي الدين، وغيرهم الكثير من القيادات السياسية والعسكرية.

بالإضافة إلى أداة الاغتيالات، اتكأت السياسة الإسرائيلية في تحقيق "نصرها الشامل" على الأدوات الإدارية المتمثلة في الاعتقالات الإدارية، وهي ممارسة تسمح باعتقال الفلسطينيين لفترات طويلة دون محاكمة بناء على أدلة سرية.

فوفق مؤسسة الضمير لرعاية الأسير وحقوق الإنسان بلغ عدد الأسرى في السجون الإسرائيلية أكثر من 10 آلاف سجين، شكل المعتقلون الإداريون 3332 سجينًا، وشكّل الأطفال الأسرى نحو 240 طفلًا، ناهيك عما تم تسريبه من الانتهاكات القانونية والفضائح الجنسية بحق المعتقلين الغزيين في سجن أبو غريب الإسرائيلي "سدي تيمان" القابع في صحراء النقب، حيث أكد نادي الأسير الفلسطيني فظاعة تلك الانتهاكات، حيث يواجه المعتقلون معاملة وحشية وعمليات تعذيب ممنهجة أدت إلى بتر أطرافهم.

"الهروب إلى الأمام" هو أحد أدوات إسرائيل لتحقيق النصر الشامل، وهو يعني افتعال الأزمات أو تصديرها وخاصة أثناء فترات التهيج داخل البيت الإسرائيلي؛ بسبب الأوضاع الاقتصادية أو الاجتماعية أو السياسية. إذ تلجأ عند ذلك إلى العمليات العسكرية واسعة النطاق، ومن بين ذلك عدة حروب ضد غزة: في 2002 جاءت ما سميت بعملية "السور الواقي"؛ ردًا على الهجمات الانتحارية المتكررة داخل إسرائيل في ذروة الانتفاضة الفلسطينية الثانية.

وكذا حرب 2008 فيما سمي بعملية "الرصاص المصبوب" بعد تصاعد الهجمات الصاروخية من القطاع والتي أرادت إسرائيل من خلالها تقويض حركة حماس، وتعزيز أمنها الداخلي، بالإضافة إلى حرب 2014 فيما سمي بعملية "الجرف الصامد" عندما شن الجيش الإسرائيلي عملية واسعة النطاق ضد قطاع غزة بعد تصاعد التوترات؛ بسبب مقتل ثلاثة مستوطنين إسرائيليين.

لبنان وجنوبه اكتويا أيضًا بنار الطاووسية الإسرائيلية، سواء في حرب لبنان الأولى 1982، أو حرب لبنان الثانية 2006، ففي الأولى كانت إسرائيل تواجه تحديات داخلية متعلقة بالأمن في شمال البلاد؛ بسبب الهجمات التي شنتها الفصائل الفلسطينية من لبنان، كما كانت هناك توترات داخلية سياسية واقتصادية، حين قرر رئيس الوزراء الإسرائيلي آنذاك مناحيم بيغن، ووزير الدفاع أرييل شارون شن عملية عسكرية واسعة ضد منظمة التحرير الفلسطينية في لبنان، استغلت الحكومة الإسرائيلية التوترات على الحدود لتوحيد المجتمع الإسرائيلي وتخفيف الضغوط الداخلية.

أما في الحرب الثانية فقد شنت إسرائيل حربًا شاملة على لبنان، وفرضت عليه حصارًا بحريًا وجويًا، وأسفرت المعركة عن سقوط 165 قتيلًا إسرائيليًا، ودفعت إسرائيل إلى مفاوضات غير مباشرة مع حزب الله تمت في 2008، ثم انسحبت إسرائيل من جنوب لبنان بمقتضى القرار الأممي رقم 1701.

ووفق تامير هايمان مدير معهد دراسات الأمن القومي ورئيس المخابرات العسكرية الإسرائيلي السابق، فإن حرب لبنان الثانية تعد فشلًا سياسيًا وعسكريًا واستخباراتيًا، فقد كشفت عن خلل بنيوي داخل إسرائيل على المستوى القيادي بشقيه السياسي والعسكري والاستخباراتي، وهو الخلل الذي أكّده "طوفان الأقصى" في السابع من أكتوبر/ تشرين الأول من العام المنصرم.