وأسباب هذا الامر ترجع إلی:
تغيير طويل المدى لا قصير الأمد
أكثر من 41 ألف فلسطيني، وأكثر من 3 آلاف لبناني فقدوا حياتهم. غزة، سوريا، اليمن، لبنان، وإيران تعرضت للقصف. إسرائيل قتلت قادة من حزب الله وحماس، وأهم القادة العسكريين الإيرانيين. وقد فعلت ذلك مستندةً إلى القوة العسكرية الأميركية الهائلة في البحر المتوسط.
تعيش إسرائيل نشوة انتصارها معتقدةً أنها استفادت على المدى القصير. لكنّ المفكرين اليهود، والمحللين، والأكاديميين الذين لم يفقدوا عقولهم يرون أن إسرائيل تخسر على المدى الطويل؛ لأن موجة معاداة إسرائيل تنتشر في جميع أنحاء العالم.
من اليابان إلى أيرلندا، ومن روسيا إلى جنوب أفريقيا، خرجت معاداة إسرائيل إلى الشوارع في عشرات الدول. وسنرى معًا كيف سيؤثر هذا مستقبلًا، وكيف سيتغير نظر الناس إلى اليهود وإلى دولة إسرائيل.
نتائج العداء لأميركا وإسرائيل
وعلى الرغم من أن هذه المناقشات لمَّا تظهر بعدُ في وسائل الإعلام التي تسيطر عليها إسرائيل، فإن التقارير الناتجة عنها تكشف أن العالم أصبح يذكر إسرائيل وأميركا بالكراهية، وأن غضبًا لم يُسبق له مثيل قد ولد.
وهم يحاولون تقدير العواقب المحتملة لهذا الغضب. وفي ظل صعود آسيا وتنافسها مع الصين، فإن سرعة تراجع أميركا أصبحت أكثر وضوحًا.
لقد أثارت السياسات الأميركية عدم الثقة بين حلفائها، مما دفع الدول التي كانت تفكر في التعاون معها في مشاريع مشتركة أو التوقيع على اتفاقيات أمنية إلى التردد. على الأقل، لن تغفل هذه الدول الآن فكرة تحقيق توازن مع الصين أو روسيا ضد أميركا. لأن الدعم الأميركي اللامحدود لإسرائيل، الذي يتجاوز المنطق والمصالح السياسية الواقعية، يصعب تبريره.
الشباب الذين خرجوا إلى الشوارع للاحتجاج ضد إسرائيل وأميركا لن ينسوا أبدًا ما حدث في غزة. وفي المستقبل، عندما يتم ذكر إسرائيل أو أميركا، سيتذكر الناس المجزرة التي بدأت في 7 أكتوبر/ تشرين الأول. لا أحد يعرف متى وأين وكيف سيتفجر هذا الغضب المتراكم، ولكن من المؤكد أنه لن يكون لصالح أميركا أو إسرائيل.
تسارع انحدار أوروبا
إذا نظرت إلى المظاهرات التي خرجت لدعم فلسطين في كل العواصم الأوروبية من لندن إلى فيينا، فستلاحظ الفجوة العميقة في الآراء بين الحكومات والشعوب. يعتقد البعض أن هذه المظاهرات نُظمت فقط من قِبل المسلمين في الشتات، ولكن في الواقع، شارك فيها أشخاص من ديانات وأعراق مختلفة.
وقد أُعلن أن 70 ألف شخص تحولوا إلى الإسلام خلال هذه الفترة. انتشرت الاحتجاجات في مجالات مختلفة، من عالم الأزياء إلى نجوم هوليود، ومن عالم الرياضة إلى الإعلام، حيث تم التعبير عن مشاعر مؤيدة لفلسطين ومعادية لإسرائيل بشكل شجاع. وسنرى في المستقبل كيف ستؤثر هذه الثقافة والمشاعر المتكونة على إسرائيل والولايات المتحدة.
فشل الدول الإسلامية في الاختبار
أنكرت أوروبا والولايات المتحدة كل القيم الإنسانية والمبادئ التي كانتا تدّعيانها خلال حرب غزة. من الآن فصاعدًا، إذا تحدث سياسي غربي أو أميركي عن حقوق الإنسان أو القانون أو القواعد الدولية، فسيتدخل أحدهم لإسكاته بـ "صفعة غزة". لقد فشلوا في هذا الاختبار، لكن هل نجحت الدول الإسلامية؟
ربما كانت خيبة الأمل التي تسببت فيها الدول الإسلامية أكبر. لقد راقبت المذبحة بسياسات صامتة، سلبية، وغير ذات معنى، مما خلق شعورًا عميقًا من الغضب وخيبة الأمل لدى الشعوب المسلمة. سقطت مفاهيم الأخوة الإسلامية، وحدة الأمة، والتدين تحت أنقاض المباني في غزة.
وسيواجه هؤلاء القادة الذين صاموا عن الكلام، إذا تحدثوا يومًا عن "الوحدة الإسلامية" أو "أخوة الدين"، نفس "صفعة غزة" التي تلقاها الغرب. عدم وجود احتجاجات في شوارعهم اليوم لا يعني أن الشعوب المسلمة لا تحمل في داخلها ألمًا وغضبًا لا يمكن نسيانه. ولا يمكن لأحد أن يتنبأ متى وكيف سيخرج هذا الغضب إلى الشوارع. ولكن من الواضح أنه لن يكون لصالح الأنظمة التي بقيت صامتة إزاء المذبحة.
ولادة أفكار وأنظمة جديدة
فقد الناس ثقتهم بالديمقراطية والمساواة والعدالة والحضارة الغربية وسيادة القانون بعد ما حدث في غزة. شاهد الجميع أن ديمقراطية الغرب وفهمه لحقوق الإنسان لا يعملان إلا لصالحهم. كما أدرك الناس أن الخطابات الدينية والشعارات الإسلامية كانت مجرد كلمات جوفاء.
لهذا السبب، بدأت أقرأ أفكار المثقفين الشجعان الذين ينتقدون كل ذلك. ليس فقط من المثقفين المسلمين، بل أيضًا لمثقفين غربيين شجعان وعادلين بدؤوا يتحدثون عن أن الأفكار والأنظمة الحالية غير قابلة للاستمرار.
في أميركا وأوروبا، كما اجتمع المسيحيون واليهود المناهضون للصهيونية، والبوذيون، واليساريون، والمتدينون على قضية مشتركة، سنرى مثقفين من مختلف الأديان والأفكار يجتمعون ويعملون معًا لابتكار أفكار وأنظمة جديدة للإنسانية.
سيكون الحديث في المستقبل عن الأنظمة والأفكار التي تتمحور حول العدالة والضمير والإنصاف بدلًا من الأفكار التي تعتمد على الدين أو العرق.
علمتنا غزة أن الضمير الإنساني يمكنه الاتحاد ضد الظلم والظالمين، بغض النظر عن خلفية الأشخاص.
ولهذا أيضًا، فإن يوم السابع من أكتوبر/ تشرين الأول ليس ذكرى لإحصائيات كارثية، بل هو اليوم الذي بدأت فيه التغييرات الكبيرة في العالم.