وفقا لما أفادته وكالة أنباء أهل البيت (ع) الدولية ــ أبنا ــ رُوِيَ عن الإمام علِيَّ (ع) أنه قال: "لَيْسَ كُلُّ مَغْرُورٍ بِناجٍ، وَلا كُلُّ طالِبٍ بِمُحْتاجٍ".
تحمل هذه الجوهرة الكريمة في طياتها حكمة عميقة تعبِّر عن واقع الحياة الإنسانية، وتكشف لنا عن حقائقها التي لا يمكن تجاوزها بحال من الأحوال، فقد أقامها الله تعالى على سُنَنٍ لا تتبدَّل ولا تتغيَّر، وعلى الإنسان أن يتواءم معها ويجاريها كي ينجح في حياته، لأن معاندتها ليست ممكنة، والعمل على خلافها يُردي الإنسان ويؤدي به إلى فشل عظيم.
ولكي يتسنّى لنا معرفة مراد الإمام أمير المؤمنين (ع) من هذه الجوهرة يجب أن نعرف معنى الغُرور أولاً، فالغُرور: الخِداع سواء كان خداعاً للآخرين، أم للنفس، والباطل، والمَغرورُ: المَخدوع، والغَرور: كلُّ ما خدع الإنسان من متاع الدنيا كالمال، والقوَّة، والعلم، والسُّلطة، والجاه، وجمال الجسم، وسوى ذلك. ومن معاني الغُرور الغِشُ، والتَّلبيسُ، والإخفاء، والتَزيين.
وعَرَّفَ بعضهم الغُرورَ بأنه: إعجاب الشخص بنفسه إلى حد احتقار أو استصغار كل ما يصدر عن الآخرين.
والغُرورُ مَذموم على كل حال، يذمُّه الله ويذُمُّه الناس، وينشأ من الجهل، فقد جاء في الحديث عن الإمام أمير المؤمنين (ع) أنه قال: "مَنْ جَهِلَ اغتَرَّ بنفسِهِ، وكانَ يَومُهُ شَرّاً مِن أمسِهِ" ويقول: "كَفى بالاغتِرارِ جَهلاً" ويقول: "أحمَقُ الحُمْقِ الاغتِرارُ".
وجاء في كتاب المَحَجَّة البَيضاء: "الغرور عبارة عن بعض أنواع الجهل، إذ الجهل هو أن يعتقد الشيء ويراه على خلاف ما هو به، والغرور هو الجهل إلّا أنّ كلّ جهل ليس بغرور، بل يستدعي الغرور مغروراً فيه مخصوصاً، ومغروراً به وهو الذي يغرّه، فمهما كان المجهول المعتقَد شيئاً يوافق الهوى، وكان السبب الموجِب للجهل شبهة ومَخِيلة فاسدة يُظنّ أنّها دليل ولا يكون دليلاً ، سمّي الجهل الحاصل به غُروراً، فالغرور هو سكون النفس إلى ما يوافق الهوى ويميل إليه الطّبع عن شبهة وخدعة من الشيطان ، فمن اعتقد أنّه على خير إمّا فِي العاجل أو في الآجل عن شبهة فاسدة فهو مغرور، وأكثر الناس يظنّون بأنفسهم الخير وهم مخطئون فيه، فأكثر الناس إذاً مغرورون، وإن اختلفت أصناف غرورهم واختلفت درجاتهم، حتّى كان غرور بعضهم أظهر وأشدّ من بعض".
ويكشف الإمام أمير المؤمنين (ع) عن أن الغُرور هو الشَّقاء بعينه، لأن المَغرور يستبدُّ برأيه ولا يستفيد مِمّا لدى الناس، والناس لديهم الكثير مما يُستَفادُ منه، فما أكثر الفوائد التي يخسرها المَغرور!
إن قول الإمام أمير المؤمنين (ع): "لَيْسَ كُلُّ مَغْرُورٍ بِناجٍ، وَلا كُلُّ طالِبٍ بِمُحْتاجٍ" يعني أن ليس كل شخص مَغرور أو مُتَكِّبر يُحقِّق النجاح، بل إن غُروره يشَكِّل عائقاً كبيراً أمام تحقيق أهدافه، حيث إن الشخص المَغرور يفتقر إلى التواضع والتعلُّم من الآخرين، والإفادة من تجاربهم، والأخذ بنصائحهم، فالغُرور ليس طريقاً للنجاح كما يتوَهَّم المَغرور، بل غالباً ما يؤدي به إلى الفشل، وإن نجح في بعض أعماله فسريعاً ما يفشل في سواها، والتجربة البشرية تشهد لذلك، ففي الحياة العَملية نجد أشخاصًا مغرورين يعتقدون أنهم يعرفون كل شيء، ولكنهم يفشلون بسبب عدم تقبلهم للنقد أو التعلم من الآخرين، فالطالب الذي يعتقد أنه يعرف كل شيء قد يفشل في الامتحانات لأنه لا يدرس بجدية ولا يستفيد من ملاحظات المعلمين، والشخص المغرور يجد صعوبة في الحفاظ على صداقاته لأنه لا يقدر مشاعر الآخرين ولا يتعامل معهم بتواضع، وفي عالم القيادة والإدارة نجد المدير المغرور غير قادر على قيادة مؤسسته بنجاح لأنه لا يستمع إلى آراء الآخرين ولا يتقبل النقد البَنّاء.
أما في القسم الثاني من كلامه فينبِّه (ع) إلى حقيقة أخرى، حقيقة نلمَسُها من أنفسنا ومن غيرنا، وهي أننا غالباً ما نطلب أموراً وأشياء نحن في غِنىً عنها ولا نحتاجها، وهذا ما عليه أكثر الناس اليوم حيث سادت ثقافة الاستهلاك، فترى معظم الناس يشترون ما لا يحتاجون إليه حاجة فعلية، بل يشترونه لمواكبة الجديد في الأسواق، أو للمباهاة والمفاخرة، وقد نجد أشخاصاً يسعون لتحقيق أهداف معينة ليس لأنهم يحتاجونها، بل لتحقيق مكانة اجتماعية أو لإرضاء رغباتهم الشخصية.
إن السَّعيَ وراء الأشياء يجب أن يكون بدافع الحاجة إليها، لا بدافع الاستهلاك والشراء ومسايرة الناس ومباهاتهم والمفاخرة بين أيديهم.
بقلم الكاتب والباحث اللبناني في الدراسات القرآنية السيد بلال وهبي
.......
انتهى/ 278
تحمل هذه الجوهرة الكريمة في طياتها حكمة عميقة تعبِّر عن واقع الحياة الإنسانية، وتكشف لنا عن حقائقها التي لا يمكن تجاوزها بحال من الأحوال، فقد أقامها الله تعالى على سُنَنٍ لا تتبدَّل ولا تتغيَّر، وعلى الإنسان أن يتواءم معها ويجاريها كي ينجح في حياته، لأن معاندتها ليست ممكنة، والعمل على خلافها يُردي الإنسان ويؤدي به إلى فشل عظيم.
ولكي يتسنّى لنا معرفة مراد الإمام أمير المؤمنين (ع) من هذه الجوهرة يجب أن نعرف معنى الغُرور أولاً، فالغُرور: الخِداع سواء كان خداعاً للآخرين، أم للنفس، والباطل، والمَغرورُ: المَخدوع، والغَرور: كلُّ ما خدع الإنسان من متاع الدنيا كالمال، والقوَّة، والعلم، والسُّلطة، والجاه، وجمال الجسم، وسوى ذلك. ومن معاني الغُرور الغِشُ، والتَّلبيسُ، والإخفاء، والتَزيين.
وعَرَّفَ بعضهم الغُرورَ بأنه: إعجاب الشخص بنفسه إلى حد احتقار أو استصغار كل ما يصدر عن الآخرين.
والغُرورُ مَذموم على كل حال، يذمُّه الله ويذُمُّه الناس، وينشأ من الجهل، فقد جاء في الحديث عن الإمام أمير المؤمنين (ع) أنه قال: "مَنْ جَهِلَ اغتَرَّ بنفسِهِ، وكانَ يَومُهُ شَرّاً مِن أمسِهِ" ويقول: "كَفى بالاغتِرارِ جَهلاً" ويقول: "أحمَقُ الحُمْقِ الاغتِرارُ".
وجاء في كتاب المَحَجَّة البَيضاء: "الغرور عبارة عن بعض أنواع الجهل، إذ الجهل هو أن يعتقد الشيء ويراه على خلاف ما هو به، والغرور هو الجهل إلّا أنّ كلّ جهل ليس بغرور، بل يستدعي الغرور مغروراً فيه مخصوصاً، ومغروراً به وهو الذي يغرّه، فمهما كان المجهول المعتقَد شيئاً يوافق الهوى، وكان السبب الموجِب للجهل شبهة ومَخِيلة فاسدة يُظنّ أنّها دليل ولا يكون دليلاً ، سمّي الجهل الحاصل به غُروراً، فالغرور هو سكون النفس إلى ما يوافق الهوى ويميل إليه الطّبع عن شبهة وخدعة من الشيطان ، فمن اعتقد أنّه على خير إمّا فِي العاجل أو في الآجل عن شبهة فاسدة فهو مغرور، وأكثر الناس يظنّون بأنفسهم الخير وهم مخطئون فيه، فأكثر الناس إذاً مغرورون، وإن اختلفت أصناف غرورهم واختلفت درجاتهم، حتّى كان غرور بعضهم أظهر وأشدّ من بعض".
ويكشف الإمام أمير المؤمنين (ع) عن أن الغُرور هو الشَّقاء بعينه، لأن المَغرور يستبدُّ برأيه ولا يستفيد مِمّا لدى الناس، والناس لديهم الكثير مما يُستَفادُ منه، فما أكثر الفوائد التي يخسرها المَغرور!
إن قول الإمام أمير المؤمنين (ع): "لَيْسَ كُلُّ مَغْرُورٍ بِناجٍ، وَلا كُلُّ طالِبٍ بِمُحْتاجٍ" يعني أن ليس كل شخص مَغرور أو مُتَكِّبر يُحقِّق النجاح، بل إن غُروره يشَكِّل عائقاً كبيراً أمام تحقيق أهدافه، حيث إن الشخص المَغرور يفتقر إلى التواضع والتعلُّم من الآخرين، والإفادة من تجاربهم، والأخذ بنصائحهم، فالغُرور ليس طريقاً للنجاح كما يتوَهَّم المَغرور، بل غالباً ما يؤدي به إلى الفشل، وإن نجح في بعض أعماله فسريعاً ما يفشل في سواها، والتجربة البشرية تشهد لذلك، ففي الحياة العَملية نجد أشخاصًا مغرورين يعتقدون أنهم يعرفون كل شيء، ولكنهم يفشلون بسبب عدم تقبلهم للنقد أو التعلم من الآخرين، فالطالب الذي يعتقد أنه يعرف كل شيء قد يفشل في الامتحانات لأنه لا يدرس بجدية ولا يستفيد من ملاحظات المعلمين، والشخص المغرور يجد صعوبة في الحفاظ على صداقاته لأنه لا يقدر مشاعر الآخرين ولا يتعامل معهم بتواضع، وفي عالم القيادة والإدارة نجد المدير المغرور غير قادر على قيادة مؤسسته بنجاح لأنه لا يستمع إلى آراء الآخرين ولا يتقبل النقد البَنّاء.
أما في القسم الثاني من كلامه فينبِّه (ع) إلى حقيقة أخرى، حقيقة نلمَسُها من أنفسنا ومن غيرنا، وهي أننا غالباً ما نطلب أموراً وأشياء نحن في غِنىً عنها ولا نحتاجها، وهذا ما عليه أكثر الناس اليوم حيث سادت ثقافة الاستهلاك، فترى معظم الناس يشترون ما لا يحتاجون إليه حاجة فعلية، بل يشترونه لمواكبة الجديد في الأسواق، أو للمباهاة والمفاخرة، وقد نجد أشخاصاً يسعون لتحقيق أهداف معينة ليس لأنهم يحتاجونها، بل لتحقيق مكانة اجتماعية أو لإرضاء رغباتهم الشخصية.
إن السَّعيَ وراء الأشياء يجب أن يكون بدافع الحاجة إليها، لا بدافع الاستهلاك والشراء ومسايرة الناس ومباهاتهم والمفاخرة بين أيديهم.
بقلم الكاتب والباحث اللبناني في الدراسات القرآنية السيد بلال وهبي
.......
انتهى/ 278