وكالة أهل البيت (ع) للأنباء

المصدر : خاص أبنا
الثلاثاء

٢٧ أغسطس ٢٠٢٤

٥:٥٦:٥٥ ص
1480967

قال «عبدالکریم برادران کرماني» في حوار مع وكالة أبنا: كان يطلق على منطقة "لطيفية" مثلث الموت، وبسبب اسم علي، كانوا يقتلون الشيعة رميا بالرصاص، الى درجة ان الأموات لم ينجوا منهم، فعندما كانوا يعلمون ان الجنازة اسم الميت علي، كانوا يهينونه بعد إنزاله أو يطلقون النار عليه، ولقد استشهد عدد كبير من المعزين الحسينيين في هذا الطريق.

وفقا لما أفادته وكالة أنباء أهل البيت (ع) الدولية ــ أبنا ــ بالتزامن مع اقتراب أربعينية الإمام الحسين (ع) ومشاركة ملايين زوار ابي عبد الله (ع) في مشاية الأربعين، قامت وكالة "أبنا" للأنباء الدولية بسلسلة حوارات مع شخصيات أكاديمية وعلمائية حول أهمية هذا الحدث العظيم الذي يتجدد كل عام.
وكانت وكالة "أبنا" حاورت المدير السابق في إدارة الترجمة بالمجمع العالمي لأهل البيت (ع) «عبدالکریم برادران کرماني»، والذي كان يعيش في مدينة الكاظمية ببغداد عاصمة العراق قبل انتصار الثورة الاسلامية في إيران، واللقاء حول حقبة حزب البعث الذي مارس الضغوط والانتهاكات ضد المعزين الحسينيين آنذاك، أدناه نص الحوار الكامل:

بدايةً تحدث عن مشاية الأربعين في عهد تضييق حزب البعث واستبداده
ان حزب البعث العربي الاشتراكي، هو حزب ذو تنظيم عال، تأسّس على يد جهات أجنبية، يتحرك وفق تخطيط مدروس، فكان يزوّد المواكب والهيئات الحسينية، الرز والسمن والمواد الغذائية الأخرى عام 1969، وكان التصور السائد هو ان هذا الدعم كان لوجه الله تعالى، ولكن الحقيقة كانت مختلفة، فان الحزب فعل ذلك للكشف عن هوية أصحاب المواكب والهيئات الحسينية، للتعامل معهم فيما بعد وفق خطط أعده مسبقا.
كانت مدينة الكاظمية تشهد آنذاك مواكب كبيرة (الضرب بالسلاسل أو الزناجيل على الظهور)، ومن مواكب الكاظمية التي كانت تنشط، موكب الخبازين، وموكب الإنباريين في حي الانباريين القريب من حرم الإمامين الكاظميين (ع)، وموكب جمهور الكاظمية التابع لمرقد شريف المرتضى (ره)، والموكب الكبير لمسجد "تُرك" القريب من الحرم، وكذلك موكب آل ماجد الذي يعتبر من مواكب هامة. وموكب جواهرية وأهل خالص من المواكب يمكن أن نذكرهما. وهناك أحياء أخرى بالكاظمية مثل حي بحيّة وأم النومي ونواب وشوصة وساحة الزهراء، كانت تُقام فيها مجالس عزاء وتُلقى خطب ذات قيمة كبيرة. كما ان هذه المواكب الحسينية تنطلق وتلطم على الصدور وتضرب بالسلاسل على الظهور بعد الظهر من كل يوم على وقع قصائد عقائدية ذات مضامين هادفة.
واستطاع حزب البعث ان ينفذ في المواكب عن طريق تزويدها بالمواد الغذائية، وأخذ يحدّ الحزب من القصائد التي تلقيها المواكب في مناسبات العزاء، وكان يطلب من المواكب تنظيم قصائد في (محو الأمية)، لأن ذلك كان من أنجازات الحزب، وأن تنعكس مضامينها في قصائد اللطم للمواكب. وهكذا بمرور الزمن أصبحت قصائد العزاء تثني حزب البعث وتمدحه، فيما الحزب كان يتخذ اجراءات مشددة بحق شعراء يرفضون قصائد تشيد بالحزب، فإما كان يزجهم بالسجن أو يشنقهم، أو يستسلموا لأوامر الحزب وينظموا قصائدهم في مدح سياسات الحزب وتلميع وجهه.
ولقد منع حزب البعث التطبير أي ضرب القامة على الرأس؛ حيث كانت مواكب كبيرة في الكاظمية تبدأ بالتطبير بعد صلاة الصبح حتى وقت الظهر، وخاصة مواكب فيلية (الأكراد الفليليون) ومواكب الاتراك التي كانت تطبر كثيرا، وكذلك منع ضرب السلاسل، وقصد الحزب بعد ذلك عزاء "التشابيه" حيث كان يُقام في يوم عاشوراء بمدينة الكاظمية، ومنعه كذلك، وبمرور الزمن منع الحزب المواكب التي كانت تخرج للعزاء، وأخيرا مارس ضغوطًا كبيرة حتى أنه منع مجالس عزاء تقام في البيوت.

كيف كانت مشاية الأربعين من بغداد والكاظمية إلى كربلاء في ذاك العهد؟
لم تكن مشاية الأربعين آنذاك على شكل مواكب وهيئات، وانما كانت شخصية أو مجموعة صغيرة من نفرين أو أكثر بقليل، يمشون من مدينة الكاظمية الى كربلاء المقدسة مشيا على الأقدام، وأذكر في سنة 1975 حتى سنة 1978 شاركت في مشاية الأربعين الى كربلاء سيرا على الأقدام.
ففي سنة 1977 الميلادية انطلقنا كمجموعة صغيرة الى النجف مشيا عى الاقدام في حين قد منع النظام البعثي المشي في الأربعين، وعلى إثر ذلك انتفض شيعة النجف، ولم نكن نعلم ذلك، وكنا نشاهد على طريق بغداد - كربلاء عجلات عسكرية ودبابات تحملها شاحنات تتجه نحو كربلاء، وكان طريق النجف وكربلاء حتى مدينة الحلة من اتجاه الكاظمية واحدة، ولم نعلم اين تتجه هذه الارتال العسكرية، الى النجف أو كربلاء، وكان جنود في معيتنا يحيوننا في الطريق، ولم يكن آنذاك خيم لمواكب حسينية في الطريق، ولكن في طريق النجف - كربلاء كان ثلاثة أماكن خاصة لإستراحة لزوار، واسمها خان الربع، وخان النص، وخان النخيلة القريبة من كربلاء. حيث كنا 4 - 5 أشخاص ننطلق ماشين نحو كربلاء ونستريح ليلتين أثناء الطريق للمبيت، ليلة في بلدة المحمودية القريبة من بغداد وليلة أخرى في بلدة مسيب والتي تبعد عن كربلاء 35 كليو مترا. وفي الحقيقة ان مواكب وأهالي هذه البلدتين يقومون بأعمال لا يمكن نسيانها، واتذكر اني صممت وأخي مع أصدقائنا ان نستريح ليلة بدلا من ليلتين، ونبيت في مسيب ونتجه نحو كربلاء، ولكن شقّ علينا الطريق وشعرنا بألم كبير في عضلة سيقاننا، حتى انه لم نستطع أداء الصلاة إلا بصعوبة ومشقة أثناء الركوع والسجود، عندها ذهبنا الى حسينية في بلدة مسيب التقانا رجل عجوز وخدمنا وجعلنا نخجل ونستحي. وكان أصحاب الحسينية يُدلكون الزوار ويدعوهم الى موائد فيها ما لذّ وطاب، ولم أشاهد مثل هذا في العراق ولا إيران، فكانت الصحون ملئية بالرز مع اللحم اللذيذ مع مقبلات متنوعة، وكان الأهالي يأتون ويستضيفون الزائرين الى بيوتهم ليخدموهم.
وفي عام 1977، لم نكن نعلم أن في مدينة النجف الأشرف انتضافة. وفي ذلك العام، كانت حسرة علينا فلم نكن نرى قطعة خبز أو فاكهة بسبب خوف الناس، حيث كان النظام منع ذلك. وأتذكر ان سيارة مصرية الصنع وقفت فجأة وسط الطريق وبالقرب من بلدة اليوسفية جنوب بغداد، تخيلنا انها تابعة لقوات أمنية. ففتحت أبوابها الأربعة معًا، وترجل منها أربعة شبان، ثم ألقوا صندوقًا مليئا بالفطائر والفواكه على الأرض وغادروا مسرعين. لقد كانوا خائفين جدًا لدرجة أنهم لم ينتظروا. فلم تكن آنذاك كما هو الحال الآن مواكب في طريق، فكان أهالي القرية أو بعض الناس يأتون بسياراتهم ويوزعون الطعام والفواكه والشراب على زوار الامام الحسين (عليه السلام) ويتفرقون بعد ذلك بسرعة.
وبعد انتصار الثورة الإسلامية في إيران أصبح الوضع في العراق في غاية الصعوبة، ومنع النظام المشي في الأربعين، وقلّ ما تجد من يسير الى كربلاء خلال الأربعين وذلك عبر البساتين والاشجار ليتواروا عن الأنظار.
وقد حكى أحد أقربائي، في بداية الثمانينات، انه ذهب مع آخرين إلى كربلاء عبر بساتين، فصادفوا أثناء الطريق امرأة تخبز الخبز، قال انه طلب منها خبزا. هل من الممكن أن تعطينا بعض الخبز؟ قالت: نعم، انتظروا قليلاً، سأذهب وأعود. وانتظرناها، فجأة جاء رجل عجوز وسألنا: ماذا تفعلون هنا؟ أخبرناه: جئنا لنأخذ خبزًا من سيدة كانت تخبز. قال لنا: اهربوا، لقد ذهبت لإبلاغ القوات الأمنية، الآن القوات الأمنية قادمة إليكم، فهربنا مسرعين.
ولقد منع محافظ النجف الأشرف في عام 1977، الشيعة من المشي في زيارة الأربعين، وقال إنه لا يمكنكم الذهاب إلى كربلاء هذا العام؛ وعلى إثر ذلك انتفض الناس في النجف وتظاهروا وتجمعوا في إحدى المحطات. وهاجمت قوات الأمن المواكب والهيئات الحسينية بالدبابات والطائرات والمروحيات، واراقت الطعام في القدور الكبيرة على الأرض، واعتقلت الكثيريين فيما أعدمت آخرين.
واتذكر في تلك الأيام ان الزوار عندما كانوا يذهبون من الكاظمية الى النجف يحملون معهم جهاز التسجيل لتشغيل بعض قصائد رثائية ومجالس عزاء. وقد اشتهرت في تلك الفترة قصيدة لعبد الرسول محيي الدين قرأها المرحوم ياسين الرميثي، فكان مطلعها:

يـحـسـيـن بـضـمـايرنه ... صــــحنــــه بيـــك آمنــه
لا صـيـحة عواطف هاي... لا دعوة و مجرد رآي
هـذي مـن مـبـادئـنـه ... صـحنــــه بيــــــك آمنـــــه

فكانت هذه القصيدة عقدية سياسية محكمة جدًا. وبلغني فيما بعد أنّ النظام أعدم المنشد. وفي نفس العام عندما وصلنا إلى كربلاء رأينا القوات الأمنية انتشرت في مدينة كربلاء وأخذت تعتقل أي نجفي يرونه. لأن الانتفاضة بدأت من النجف الأشرف. وكان آية الله الشهيد محمد باقر حكيم من بين المعتقلين.

أكانت هذه في فترة نظام صدام أم قبله ؟
كان صدام نائب الرئيس أحمد حسن البكر، وكان مجموعة من علماء النجف توسّطوا عند أحمد حسن البكر لإطلاق سراح السُجناء؛ ولكن استغل حزب البعث هذا الأمر وأعلن من خلال التلفاز أمرا يعاكس الحقيقة.
واتذكر عندما كنّا نذهب سيرا على الأقدام للزيارة كان البعثيون يضيّقون لتقليل عدد الزوار. فمثلا كنا نذهب مع الأصداق في ليالي الجمعة لزيارة الإمام الحسين(ع) في مُنْشَئَة صغيرة (سيارة كوستر اليابانية تقلّ 21 نفرا)، كان رجال الأمن يسألون الهويات الشخصية في سيطرة بداية بغداد - كربلاء، لغرض معرفة أين نذهب؟ ولماذا نذهب؟ ومارسوا بعض الضغط لتقليل عدد الزوار، ونجحوا في ذلك.
وذات يوم عندما ذهبنا من الكاظمية الى منطقة منصور في بغداد، جاء رجل بعد أن عَلِمَ اننا ذاهبون الى كربلاء قدّم لنا موزا وأشياء أخرى. ثم رأينا بعد برهة رجال أمن يرتدون ثيابا مدنية جاءوا واقتادونا الى بيت بلا أي لوحة. طلبوا الأسماء والعناوين، ثمّ قالوا: ماذا تريدون؟ لماذا تذهبون الى كربلاء؟ لماذا تذهبون سيرا على الأقدام؟ وقالوا: ان السيد الرئيس (صدام اللعين) يقول:«اضاعة دقیقة من العمل اضاعة فرصة من التقدم»، لماذا تقضون كل هذا الوقت في المشي؟ ولكننا أخبرناهم اننا نذهب الى السينما ونقضى ثلاث ساعات لمشاهدة الفيلم، ونقضي وقتنا في المشي ونستمتع، وأخيرنا كانت القوات الأمنية تتركنا لنذهب.
كانت الضغوط تشتد يومًا بعد يوم، حتى في مراقد الأئمة (ع) كان كذلك، وقد عزف الشباب بصور تدريجية عن المجيئ الى حرم الأئمة (ع) وحرم الإمامين الكاظمين(ع) وكذلك كربلاء قد خلت من الزوار. وكانت الضغوط على درجة لم يصل الناس صلاتهم في المسجد وكما ان البعض ترك صلاته. وكان آخرون بسبب الخوف والهلع الشديدين يذهبون الى البارات وشرب الخمر، وعندما يُسألون، يقولون: نأكل السلطة فقط ليفهم الآخرون لسنا ملتزمين بالدين ولا نصلي!
وحتى بعد سقوط صدام، فإن الأوضاع والظروف كانت صعبة جدا، حيث كان يطلق على منطقة "لطيفية" مثلث الموت، وبسبب اسم علي، كانوا يقتلون الشيعة رميا بالرصاص، الى درجة ان الأموات لم ينجوا منهم، فعندما كانوا يعلمون ان الجنازة اسم الميت علي، كانوا يهينونه بعد إنزاله أو يطلقون النار عليه، ولقد استشهد عدد كبير من المعزين الحسينيين في هذا الطريق، ولكن لم يفلح البعثون فما أرادوا فعله، ومع كل هذه الصعوبات والتفخيخات والخطف والقتل في طريق سامراء وكربلاء والنجف لم يستطعوا فعل شيء، ونرى ان المشاية أصبحت يوما بعد يوم رائعة وعظيمة.
فنشاهد زوارا يأتون مشيا على الأقدام من مدن أخرى في العراق عبر مسافات طويلة تقدر بـ 500 - 600 كليومتر، وتنصب مواكب كثيرة على الطرق، وبشغف وحب يدعون الناس لبيوتهم، يغسلون جوربهم ويكوون ثيابهم، ويقدمون أحيانا لزوار بعض النقود، ولقد ذكر بعض الأصدقاء عندما ذهبوا الى بلدة "بدرة" في محافظة الكوت، قال استضافونا في بيوتهم، تناولنا الفطور والعشاء، وعندما كنا نريد الرحيل وضع المضيّف المال في أيدينا ثم قال يمكنكم أن تأخذوا المزيد.
ونحمد الله ان مشاية الأربعين هي مصداق لدعوة النبي أبراهيم (ع)، عندما قال: «فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوي إِلَيْهِمْ» (ابراهیم: 37). وهو شيء لا يمكن وصفه. مع ان وسائل الإعلام الدولية عمدت لتمويه أخبار مشاية الأربعين؛ لكنها لم تستطع إخفاء هذا الأمر وهو ان هذا الحدث هو أعظم تجمع بشري في العالم.

في الختام هل لديكم كلمة أخيرة تود ان تقولها؟
تعتبر زيارة الأربعين (المشي سيرا على الأقدام) طريق الحرية، وهذا يعني ان الإنسان يمشي على هذا الطريق مع ذكرى الإمام الحسين(ع) ويوم عاشوراء، يفكر في حريته وتحرره من عبودية الأنا والمتعلقات الدنيوية الأخرى، واعتقد ان الدافع الأهم في زيار الأربعين هو السير على طريق الحرية. فإذا لم تكن هذه الحرية موجودة فستبرز مشاكل متتالية أخرى. فهذا حر بن يزيد الرياحي، أمام عمر بن سعد، كيف حرر نفسه من العبودية للآخرين، ولكن للأسف كان آلاف أشخاص من الأعيان وكبار القوم لم يتمكنوا في لحظات حرجة ان يتخذوا القرار، وتورطوا في الدنيا والآخرة. برأي ان السبب الرئيس في منع الحكومات من إقامة مراسم العزاء الامام الحسين(ع) هو ان الإمام الحسين (ع) كان كأبيه الفاروق الواضح بين الحق والباطل والمعيار الصحيح في إظهار الإسلام الحقيقي.

.....................

انتهى  /  323