وفقا لما أفادته وكالة أنباء أهل البيت (ع) الدولية ــ أبنا ــ يصادف يوم غد 22 ذي الحجة شهادة ميثم التمار الأسديّ الكوفيّ (رضوان الله عليه)، ولأنه كان يبيع التمر في الكوفة لقّب بـالتمّار. كان ميثم من خواص أمير المؤمنين علي (عليه السلام)؛ لذا فقد خصّه بعلم البلايا والمنايا، كما أنّه من أصحاب الإمامين الحسن والحسين (عليهما السلام).
اسمه وكنيته ونسبه(1)
أبو سالم، ميثم بن يحيى النهرواني بالولادة، الأسدي بالولاء، الكوفي بالسكن، المعروف بميثم التمّار لبيعه التمر.
ولادته
لم تُحدّد لنا المصادر تاريخ ولادته، إلّا أنّه من أعلام القرن الأوّل الهجري، وولد في النهروان بالقرب من مدينة الكوفة.
صحبته
كان(رضي الله عنه) من أصحاب الإمام علي والإمام الحسن والإمام الحسين(عليهم السلام).
عتقه
«كان عبداً لامرأة من بني أسد، فاشتراه أمير المؤمنين(عليه السلام) منها وأعتقه، وقال له: ما اسمك؟ قال: سالم، قال: أخبرني رسول الله(صلى الله عليه وآله) أنّ اسمك الذي سمّاك به أبواك في العجم ميثم. قال: صدق الله ورسوله، وصدقت يا أمير المؤمنين، والله إنّه لاسمي، قال: فارجع إلى اسمك الذي سمّاك به رسول الله(صلى الله عليه وآله) ودع سالما. فرجع إلى ميثم واكتنى بأبي سالم»(۳).
مكانته العلمية
كان(رضي الله عنه) من خطباء الشيعة بالكوفة ومتكلّميها، ومن المتبحّرين في علم التفسير لقوله لابن عباس: «سلني ما شئت من تفسير القرآن، فإنّي قرأت تنزيله على أمير المؤمنين(عليه السلام)، وعلّمني تأويله»(۴).
من أقوال الأئمّة(عليهم السلام) فيه
۱ـ قال(رضي الله عنه): «دعاني أمير المؤمنين(عليه السلام) وقال: كيف أنت يا ميثم إذا دعاك دعي بني أُمية ابن دعيّها عبيد الله بن زياد إلى البراءة منّي؟ فقال: يا أمير المؤمنين، أنا والله لا أبرأ منك، قال: إذاً والله يقتلك ويصلبك، قلت: أصبر فذاك في الله قليل، فقال: يا ميثم، إذاً تكون معي في درجتي»(۵).
۲ـ قال الإمام الباقر(عليه السلام) لصالح بن ميثم: «إنّي أُحبّك وأُحبّ أباك حبّاً شديداً»(۶).
۳ـ قال الإمام الكاظم(عليه السلام): «إذا كان يوم القيامة نادى منادٍ: أين حواري محمّد بن عبد الله رسول الله(صلى الله عليه وآله)، الذين لم ينقضوا العهد ومضوا عليه؟ فيقوم سلمان والمقداد وأبو ذر.
ثمّ ينادي مناد: أين حواري علي بن أبي طالب(عليه السلام)، وصيّ محمّد بن عبد الله رسول الله(صلى الله عليه وآله)؟ فيقوم…وميثم بن يحيى التمّار… فهؤلاء المتحوّرة أوّل السابقين، وأوّل المقرّبين، وأوّل المتحوّرين من التابعين»(۷).
لقاؤه بالسيّدة أُمّ سلمة(رضي الله عنها)
«حج(رضي الله عنه) في السنة التي قتل فيها، فدخل على أُمّ سلمة(رضي الله عنها) فقالت: مَن أنت؟ قال: أنا ميثم، قالت: والله لربما سمعت رسول الله(صلى الله عليه وآله) يوصي بك علياً في جوف الليل.
فسألها عن الحسين، قالت: هو في حائط له، قال: أخبريه أنّي قد أحببت السلام عليه، ونحن ملتقون عند ربّ العالمين إن شاء الله. فدعت له بطيب فطيّبت لحيته، وقالت له: أما إنّها ستخضّب بدم»(۸).
عنده علم المنايا والبلايا
كان(رضي الله عنه) ممّن علّمهم الإمام أمير المؤمنين(عليه السلام) علم المنايا والبلايا، وهذه الحادثة خير شاهد على ذلك: «عن فضيل بن الزبير، قال: مرّ ميثم التمّار على فرس له فاستقبل حبيب بن مظاهر الأسدي عند مجلس بني أسد، فتحدّثا حتّى اختلف أعناق فرسيهما.
ثمّ قال حبيب: لكأنّي بشيخ أصلع، ضخم البطن، يبيع البطّيخ عند دار الرزق، قد صُلب في حُبّ أهل بيت نبيّه(عليه السلام)، يُبقر بطنه على الخشب.
فقال ميثم: وإنّي لأعرف رجلاً أحمر له صفيدتان، يخرج لينصر ابن بنت نبيّه فيُقتل، ويُجال برأسه في الكوفة. ثمّ افترقا، فقال أهل المجلس: ما رأينا أحداً أكذبُ من هذين.
قال: فلم يفترق أهل المجلس حتّى أقبل رُشيد الهجري فطلبهما، فسأل أهل المجلس عنهما، فقالوا: افترقا وسمعناهما يقولان كذا وكذا.
فقال رُشيد: رحم الله ميثماً ونسي: ويُزاد في عطاء الذي يجيء بالرأس مائة درهم، ثمّ أدبر، فقال القوم: هذا والله أكذبهم.
فقال القوم: والله ما ذهبت الأيّام والليالي حتّى رأيناه مصلوباً على دار عمرو بن حُريث، وجيء برأس حبيب بن مظاهر قد قُتل مع الحسين(عليه السلام)، ورأينا كلّ ما قالوا»(۹).
روايته للحديث
يعتبر من رواة الحديث في القرن الأوّل الهجري، فقد روى أحاديث عن الإمام علي(عليه السلام).
من أولاده
۱ـ شعيب، عدّه الشيخ الطوسي(قدس سره) من أصحاب الإمام الصادق(عليه السلام)(۱۰).
۲ـ صالح، عدّه الشيخ الطوسي(قدس سره) من أصحاب الإمامين الباقر والصادق(عليهما السلام)(۱۱).
۳ـ عمران، عدّه الشيخ الطوسي(قدس سره) من أصحاب الإمامين زين العابدين والإمام الصادق(عليهم السلام)(۱۲).
إخبار الإمام علي(عليه السلام) بقتله
قال الإمام علي(عليه السلام) له: «والله لتقطعن يداك ورجلاك ولسانك، ولتقطعن النخلة التي بالكناسة، فتشق أربع قطع، فتصلب أنت على ربعها، وحُجر بن عَدي على ربعها، ومحمّد بن أكثم على ربعها، وخالد بن مسعود على ربعها، قال ميثم: فشككت في نفسي وقلت: إنّ علياً ليخبرنا بالغيب! فقلت له: أو كائن ذاك يا أمير المؤمنين؟ فقال: إي وربّ الكعبة، كذا عهده إليّ النبي(صلى الله عليه وآله)»(۱۳).
وفي خبر آخر: «إنّك تُؤخذ بعدي، فتُصلب وتُطعن بحربة، فإذا كان اليوم الثالث ابتدر منخراك وفمك دماً، فيخضّب لحيتك، فانتظر ذلك الخضاب، وتُصلب على باب دار عمرو بن حريث عاشر عشرة، أنت أقصرهم خشبة، وأقربهم من المطهرة، وامضِ حتّى أريك النخلة التي تُصلب على جذعها.فأراه إيّاها.
فكان ميثم يأتيها فيصلّي عندها ويقول: بوركت من نخلة، لك خلقت ولي غذيت. ولم يزل يتعاهدها حتّى قطعت وحتّى عرف الموضع الذي يصلب عليها بالكوفة. قال: وكان يلقى عمرو بن حريث فيقول له: إنّي مجاورك فأحسن جواري، فيقول له عمرو: أتريد أن تشتري دار ابن مسعود أو دار ابن حكيم؟ وهو لا يعلم ما يريد»(۱۴).
تحقّق ما أُخبر به من قتله
«لمّا ولي عبيد الله بن زياد الكوفة ودخلها تعلّق علمه بالنخلة التي بالكناسة فتخرق، فتطيّر من ذلك فأمر بقطعها، فاشتراها رجل من النجّارين فشقّها أربع قطع.
قال ميثم: فقلت لصالح ابني فخذ مسماراً من حديد فأنقش عليه اسمي واسم أبي ودقّه في بعض تلك الأجذاع، قال: فلمّا مضى بعد ذلك أيّام أتاني قوم من أهل السوق فقالوا: يا ميثم انهض معنا إلى الأمير نشكو إليه عامل السوق، ونسأله أن يعزله عنّا ويولّي علينا غيره.
قال: وكنت خطيب القوم فنصت لي وأعجبه منطقي، فقال له عمرو بن حريث: أصلح الله الأمير تعرف هذا المتكلّم؟ قال: مَن هو؟ قال: ميثم التمّار الكذّاب مولى الكذّاب علي بن أبي طالب، قال: فاستوى جالساً فقال لي: ما تقول؟ فقلت: كذب أصلح الله الأمير، بل أنا الصادق مولى الصادق علي بن أبي طالب أمير المؤمنين حقّاً.
فقال لي: لتبرأن من علي، ولتذكرن مساويه، وتتولّى عثمان، وتذكر محاسنه، أو لأقطعن يديك ورجليك ولأصلبنّك، فبكيت، فقال لي: بكيت من القول دون الفعل، فقلت: والله ما بكيت من القول ولا من الفعل، ولكن بكيت من شك كان دخلني يوم خبّرني سيّدي ومولاي، فقال لي: وما قال لك؟ قال: فقلت: أتيت الباب فقيل لي: أنّه نائم، فناديت: انتبه أيّهاالنائم، فوالله لتخضبن لحيتك من رأسك.
فقال: صدقت، وأنت والله لتقطعن يداك ورجلاك ولسانك ولتصلبن، فقلت: ومَن يفعل ذلك بي؟ يا أمير المؤمنين؟ فقال: يأخذك العتل الزنيم ابن الأمة الفاجرة عبيد الله بن زياد. قال: فامتلأ غيظاً ثمّ قال لي: والله لأقطعن يديك ورجليك ولأدعن لسانك حتّى أكذّبك وأكذّب مولاك، فأمر به فقطعت يداه ورجلاه.
ثمّ أخرج فأمر به أن يصلب فنادي بأعلى صوته: أيّها الناس مَن أراد أن يسمع الحديث المكنون عن علي بن أبي طالب(عليه السلام)؟ قال: فاجتمع الناس، وأقبل يحدّثهم بالعجائب.
قال: وخرج عمرو بن حريث وهو يريد منزله فقال: ما هذه الجماعة؟ قالوا: ميثم التمّار يحدّث الناس عن علي بن أبي طالب، قال: فانصرف مسرعاً فقال: أصلح الله الأمير بادر فابعث إلى هذا مَن يقطع لسانه، فإنّي لست آمن أن يغيّر قلوب أهل الكوفة فيخرجوا عليك، قال: فالتفت إلى حرسي فوق رأسه فقال: اذهب فاقطع لسانه.
قال: فأتاه الحرسي فقال له: يا ميثم! قال: ما تشاء؟ قال: أخرج لسانك فقد أمرني الأمير بقطعه، قال ميثم: ألا زعم ابن الأمة الفاجرة أنّه يكذّبني ويكذّب مولاي هاك لساني، قال: فقطع لسانه وتشحطّ ساعة في دمه ثمّ مات، وأمر به فصلب، قال صالح فمضيت بعد ذلك بأيّام، فإذا هو قد صلب على الربع الذي كنت دققت فيه المسمار»(۱۵).
إخباره بقتل والي الكوفة
قام عبيد الله بن زياد بحبس ميثم، فالتقى(رضي الله عنه) في السجن بالمختار بن أبي عبيدة الثقفي، فقال له: «إنّك تفلت، وتخرج ثائراً بدم الحسين(عليه السلام)، فتقتل هذا الذي يقتلنا»(۱۶)، وفعلاً تحقّق ذلك بعد ستّة سنوات.
شهادته
استُشهد(رضي الله عنه) في ۲۲ ذي الحجّة ۶۰ﻫ، أي: قبل وصول الإمام الحسين(عليه السلام) إلى كربلاء بعشرة أيّام، بمدينة الكوفة، ودُفن فيها، وقبره معروف يُزار.
زيارته
السلام عليكَ أيّها العبدُ الصالح، يا ميثمَ بنَ يحيى التّمار، المطيعُ لله ولرسولهِ ولأميرِ المؤمنين ولفاطمةَ والحسنِ والحسين.. اشهدُ أنّكَ قد أقمتَ الصلاة، وآتيتَ الزكاة، وأمرتَ بالمعروف، ونهيتَ عن المنكر، وجاهدتَ في الله حقَّ جهادِهِ، وعملتَ بكتابهِ، مقتدياً بالصالحين، ومتَّبعاً للنبيين..
وأشهدُ أنّكَ قُتِلتَ مظلوماً شهيداً.. فلعنَ اللهُ مَنْ ظلمكَ، ومَنْ إفترى عليكَ، ولعنَ اللهُ مَنْ نَصَبَ لكَ العداوةَ والبغضاءَ إلى يومِ القيامةِ، وحشا اللهُ قبورَهم ناراً وأعدَّ لهم عذاباً أليماً..
جئتُك أيّها العبدُ الصالحُ زائراً قبرَكَ، مقرّاً بحقّكَ، معترفاً بفضلكَ، أسألُ اللهَ بالشأنِ الذي لكَ عندهُ أنْ يصلّيَ على محمّدٍ وآل محمّدٍ، وأنْ يقضيَ حوائجَنا في الدنيا والآخرةِ، ويجمعَنا وإيّاكُم في زمرةِ الفائزين معَ محمّدٍ وآلهِ الطاهرين، والسلامُ عليكَ أيّها الشهيدُ ورحمةُ الله وبركاتُه.
————————————————————————————————————
۱- اُنظر: معجم رجال الحديث ۲۰ /۱۰۳ رقم۱۲۹۴۵٫
2- الإرشاد ۱ /۳۲۳٫
3- رجال الكشّي ۱ /۲۹۴ ح۱۳۶٫
4- المصدر السابق ۱ /۲۹۵ ح۱۳۹٫
5- خلاصة الأقوال: ۱۶۹٫
6- رجال الكشّي۱ /۴۳ ح۲۰٫
7- الإرشاد ۱ /۳۲۴٫
8- رجال الكشّي ۱ /۲۹۲ ح۱۳۳٫
9- اُنظر: رجال الطوسي: ۲۲۴ رقم۳۰۰۷٫
10- اُنظر: المصدر السابق: ۱۳۸ رقم۱۴۵۷ و۲۲۵ رقم۳۰۲۴٫
11- اُنظر: المصدر السابق: ۱۱۸ رقم۱۱۹۷ و۲۵۶ رقم۳۶۲۰٫
12- رجال الكشّي ۱ /۲۹۷ ح۱۴۰٫
13- الإرشاد ۱ /۳۲۳٫
14- رجال الكشّي ۱ /۲۹۷ ح۱۴۰٫
15- الإرشاد ۱ /۳۲۴٫
.....................
انتهى / 323
اسمه وكنيته ونسبه(1)
أبو سالم، ميثم بن يحيى النهرواني بالولادة، الأسدي بالولاء، الكوفي بالسكن، المعروف بميثم التمّار لبيعه التمر.
ولادته
لم تُحدّد لنا المصادر تاريخ ولادته، إلّا أنّه من أعلام القرن الأوّل الهجري، وولد في النهروان بالقرب من مدينة الكوفة.
صحبته
كان(رضي الله عنه) من أصحاب الإمام علي والإمام الحسن والإمام الحسين(عليهم السلام).
عتقه
«كان عبداً لامرأة من بني أسد، فاشتراه أمير المؤمنين(عليه السلام) منها وأعتقه، وقال له: ما اسمك؟ قال: سالم، قال: أخبرني رسول الله(صلى الله عليه وآله) أنّ اسمك الذي سمّاك به أبواك في العجم ميثم. قال: صدق الله ورسوله، وصدقت يا أمير المؤمنين، والله إنّه لاسمي، قال: فارجع إلى اسمك الذي سمّاك به رسول الله(صلى الله عليه وآله) ودع سالما. فرجع إلى ميثم واكتنى بأبي سالم»(۳).
مكانته العلمية
كان(رضي الله عنه) من خطباء الشيعة بالكوفة ومتكلّميها، ومن المتبحّرين في علم التفسير لقوله لابن عباس: «سلني ما شئت من تفسير القرآن، فإنّي قرأت تنزيله على أمير المؤمنين(عليه السلام)، وعلّمني تأويله»(۴).
من أقوال الأئمّة(عليهم السلام) فيه
۱ـ قال(رضي الله عنه): «دعاني أمير المؤمنين(عليه السلام) وقال: كيف أنت يا ميثم إذا دعاك دعي بني أُمية ابن دعيّها عبيد الله بن زياد إلى البراءة منّي؟ فقال: يا أمير المؤمنين، أنا والله لا أبرأ منك، قال: إذاً والله يقتلك ويصلبك، قلت: أصبر فذاك في الله قليل، فقال: يا ميثم، إذاً تكون معي في درجتي»(۵).
۲ـ قال الإمام الباقر(عليه السلام) لصالح بن ميثم: «إنّي أُحبّك وأُحبّ أباك حبّاً شديداً»(۶).
۳ـ قال الإمام الكاظم(عليه السلام): «إذا كان يوم القيامة نادى منادٍ: أين حواري محمّد بن عبد الله رسول الله(صلى الله عليه وآله)، الذين لم ينقضوا العهد ومضوا عليه؟ فيقوم سلمان والمقداد وأبو ذر.
ثمّ ينادي مناد: أين حواري علي بن أبي طالب(عليه السلام)، وصيّ محمّد بن عبد الله رسول الله(صلى الله عليه وآله)؟ فيقوم…وميثم بن يحيى التمّار… فهؤلاء المتحوّرة أوّل السابقين، وأوّل المقرّبين، وأوّل المتحوّرين من التابعين»(۷).
لقاؤه بالسيّدة أُمّ سلمة(رضي الله عنها)
«حج(رضي الله عنه) في السنة التي قتل فيها، فدخل على أُمّ سلمة(رضي الله عنها) فقالت: مَن أنت؟ قال: أنا ميثم، قالت: والله لربما سمعت رسول الله(صلى الله عليه وآله) يوصي بك علياً في جوف الليل.
فسألها عن الحسين، قالت: هو في حائط له، قال: أخبريه أنّي قد أحببت السلام عليه، ونحن ملتقون عند ربّ العالمين إن شاء الله. فدعت له بطيب فطيّبت لحيته، وقالت له: أما إنّها ستخضّب بدم»(۸).
عنده علم المنايا والبلايا
كان(رضي الله عنه) ممّن علّمهم الإمام أمير المؤمنين(عليه السلام) علم المنايا والبلايا، وهذه الحادثة خير شاهد على ذلك: «عن فضيل بن الزبير، قال: مرّ ميثم التمّار على فرس له فاستقبل حبيب بن مظاهر الأسدي عند مجلس بني أسد، فتحدّثا حتّى اختلف أعناق فرسيهما.
ثمّ قال حبيب: لكأنّي بشيخ أصلع، ضخم البطن، يبيع البطّيخ عند دار الرزق، قد صُلب في حُبّ أهل بيت نبيّه(عليه السلام)، يُبقر بطنه على الخشب.
فقال ميثم: وإنّي لأعرف رجلاً أحمر له صفيدتان، يخرج لينصر ابن بنت نبيّه فيُقتل، ويُجال برأسه في الكوفة. ثمّ افترقا، فقال أهل المجلس: ما رأينا أحداً أكذبُ من هذين.
قال: فلم يفترق أهل المجلس حتّى أقبل رُشيد الهجري فطلبهما، فسأل أهل المجلس عنهما، فقالوا: افترقا وسمعناهما يقولان كذا وكذا.
فقال رُشيد: رحم الله ميثماً ونسي: ويُزاد في عطاء الذي يجيء بالرأس مائة درهم، ثمّ أدبر، فقال القوم: هذا والله أكذبهم.
فقال القوم: والله ما ذهبت الأيّام والليالي حتّى رأيناه مصلوباً على دار عمرو بن حُريث، وجيء برأس حبيب بن مظاهر قد قُتل مع الحسين(عليه السلام)، ورأينا كلّ ما قالوا»(۹).
روايته للحديث
يعتبر من رواة الحديث في القرن الأوّل الهجري، فقد روى أحاديث عن الإمام علي(عليه السلام).
من أولاده
۱ـ شعيب، عدّه الشيخ الطوسي(قدس سره) من أصحاب الإمام الصادق(عليه السلام)(۱۰).
۲ـ صالح، عدّه الشيخ الطوسي(قدس سره) من أصحاب الإمامين الباقر والصادق(عليهما السلام)(۱۱).
۳ـ عمران، عدّه الشيخ الطوسي(قدس سره) من أصحاب الإمامين زين العابدين والإمام الصادق(عليهم السلام)(۱۲).
إخبار الإمام علي(عليه السلام) بقتله
قال الإمام علي(عليه السلام) له: «والله لتقطعن يداك ورجلاك ولسانك، ولتقطعن النخلة التي بالكناسة، فتشق أربع قطع، فتصلب أنت على ربعها، وحُجر بن عَدي على ربعها، ومحمّد بن أكثم على ربعها، وخالد بن مسعود على ربعها، قال ميثم: فشككت في نفسي وقلت: إنّ علياً ليخبرنا بالغيب! فقلت له: أو كائن ذاك يا أمير المؤمنين؟ فقال: إي وربّ الكعبة، كذا عهده إليّ النبي(صلى الله عليه وآله)»(۱۳).
وفي خبر آخر: «إنّك تُؤخذ بعدي، فتُصلب وتُطعن بحربة، فإذا كان اليوم الثالث ابتدر منخراك وفمك دماً، فيخضّب لحيتك، فانتظر ذلك الخضاب، وتُصلب على باب دار عمرو بن حريث عاشر عشرة، أنت أقصرهم خشبة، وأقربهم من المطهرة، وامضِ حتّى أريك النخلة التي تُصلب على جذعها.فأراه إيّاها.
فكان ميثم يأتيها فيصلّي عندها ويقول: بوركت من نخلة، لك خلقت ولي غذيت. ولم يزل يتعاهدها حتّى قطعت وحتّى عرف الموضع الذي يصلب عليها بالكوفة. قال: وكان يلقى عمرو بن حريث فيقول له: إنّي مجاورك فأحسن جواري، فيقول له عمرو: أتريد أن تشتري دار ابن مسعود أو دار ابن حكيم؟ وهو لا يعلم ما يريد»(۱۴).
تحقّق ما أُخبر به من قتله
«لمّا ولي عبيد الله بن زياد الكوفة ودخلها تعلّق علمه بالنخلة التي بالكناسة فتخرق، فتطيّر من ذلك فأمر بقطعها، فاشتراها رجل من النجّارين فشقّها أربع قطع.
قال ميثم: فقلت لصالح ابني فخذ مسماراً من حديد فأنقش عليه اسمي واسم أبي ودقّه في بعض تلك الأجذاع، قال: فلمّا مضى بعد ذلك أيّام أتاني قوم من أهل السوق فقالوا: يا ميثم انهض معنا إلى الأمير نشكو إليه عامل السوق، ونسأله أن يعزله عنّا ويولّي علينا غيره.
قال: وكنت خطيب القوم فنصت لي وأعجبه منطقي، فقال له عمرو بن حريث: أصلح الله الأمير تعرف هذا المتكلّم؟ قال: مَن هو؟ قال: ميثم التمّار الكذّاب مولى الكذّاب علي بن أبي طالب، قال: فاستوى جالساً فقال لي: ما تقول؟ فقلت: كذب أصلح الله الأمير، بل أنا الصادق مولى الصادق علي بن أبي طالب أمير المؤمنين حقّاً.
فقال لي: لتبرأن من علي، ولتذكرن مساويه، وتتولّى عثمان، وتذكر محاسنه، أو لأقطعن يديك ورجليك ولأصلبنّك، فبكيت، فقال لي: بكيت من القول دون الفعل، فقلت: والله ما بكيت من القول ولا من الفعل، ولكن بكيت من شك كان دخلني يوم خبّرني سيّدي ومولاي، فقال لي: وما قال لك؟ قال: فقلت: أتيت الباب فقيل لي: أنّه نائم، فناديت: انتبه أيّهاالنائم، فوالله لتخضبن لحيتك من رأسك.
فقال: صدقت، وأنت والله لتقطعن يداك ورجلاك ولسانك ولتصلبن، فقلت: ومَن يفعل ذلك بي؟ يا أمير المؤمنين؟ فقال: يأخذك العتل الزنيم ابن الأمة الفاجرة عبيد الله بن زياد. قال: فامتلأ غيظاً ثمّ قال لي: والله لأقطعن يديك ورجليك ولأدعن لسانك حتّى أكذّبك وأكذّب مولاك، فأمر به فقطعت يداه ورجلاه.
ثمّ أخرج فأمر به أن يصلب فنادي بأعلى صوته: أيّها الناس مَن أراد أن يسمع الحديث المكنون عن علي بن أبي طالب(عليه السلام)؟ قال: فاجتمع الناس، وأقبل يحدّثهم بالعجائب.
قال: وخرج عمرو بن حريث وهو يريد منزله فقال: ما هذه الجماعة؟ قالوا: ميثم التمّار يحدّث الناس عن علي بن أبي طالب، قال: فانصرف مسرعاً فقال: أصلح الله الأمير بادر فابعث إلى هذا مَن يقطع لسانه، فإنّي لست آمن أن يغيّر قلوب أهل الكوفة فيخرجوا عليك، قال: فالتفت إلى حرسي فوق رأسه فقال: اذهب فاقطع لسانه.
قال: فأتاه الحرسي فقال له: يا ميثم! قال: ما تشاء؟ قال: أخرج لسانك فقد أمرني الأمير بقطعه، قال ميثم: ألا زعم ابن الأمة الفاجرة أنّه يكذّبني ويكذّب مولاي هاك لساني، قال: فقطع لسانه وتشحطّ ساعة في دمه ثمّ مات، وأمر به فصلب، قال صالح فمضيت بعد ذلك بأيّام، فإذا هو قد صلب على الربع الذي كنت دققت فيه المسمار»(۱۵).
إخباره بقتل والي الكوفة
قام عبيد الله بن زياد بحبس ميثم، فالتقى(رضي الله عنه) في السجن بالمختار بن أبي عبيدة الثقفي، فقال له: «إنّك تفلت، وتخرج ثائراً بدم الحسين(عليه السلام)، فتقتل هذا الذي يقتلنا»(۱۶)، وفعلاً تحقّق ذلك بعد ستّة سنوات.
شهادته
استُشهد(رضي الله عنه) في ۲۲ ذي الحجّة ۶۰ﻫ، أي: قبل وصول الإمام الحسين(عليه السلام) إلى كربلاء بعشرة أيّام، بمدينة الكوفة، ودُفن فيها، وقبره معروف يُزار.
زيارته
السلام عليكَ أيّها العبدُ الصالح، يا ميثمَ بنَ يحيى التّمار، المطيعُ لله ولرسولهِ ولأميرِ المؤمنين ولفاطمةَ والحسنِ والحسين.. اشهدُ أنّكَ قد أقمتَ الصلاة، وآتيتَ الزكاة، وأمرتَ بالمعروف، ونهيتَ عن المنكر، وجاهدتَ في الله حقَّ جهادِهِ، وعملتَ بكتابهِ، مقتدياً بالصالحين، ومتَّبعاً للنبيين..
وأشهدُ أنّكَ قُتِلتَ مظلوماً شهيداً.. فلعنَ اللهُ مَنْ ظلمكَ، ومَنْ إفترى عليكَ، ولعنَ اللهُ مَنْ نَصَبَ لكَ العداوةَ والبغضاءَ إلى يومِ القيامةِ، وحشا اللهُ قبورَهم ناراً وأعدَّ لهم عذاباً أليماً..
جئتُك أيّها العبدُ الصالحُ زائراً قبرَكَ، مقرّاً بحقّكَ، معترفاً بفضلكَ، أسألُ اللهَ بالشأنِ الذي لكَ عندهُ أنْ يصلّيَ على محمّدٍ وآل محمّدٍ، وأنْ يقضيَ حوائجَنا في الدنيا والآخرةِ، ويجمعَنا وإيّاكُم في زمرةِ الفائزين معَ محمّدٍ وآلهِ الطاهرين، والسلامُ عليكَ أيّها الشهيدُ ورحمةُ الله وبركاتُه.
————————————————————————————————————
۱- اُنظر: معجم رجال الحديث ۲۰ /۱۰۳ رقم۱۲۹۴۵٫
2- الإرشاد ۱ /۳۲۳٫
3- رجال الكشّي ۱ /۲۹۴ ح۱۳۶٫
4- المصدر السابق ۱ /۲۹۵ ح۱۳۹٫
5- خلاصة الأقوال: ۱۶۹٫
6- رجال الكشّي۱ /۴۳ ح۲۰٫
7- الإرشاد ۱ /۳۲۴٫
8- رجال الكشّي ۱ /۲۹۲ ح۱۳۳٫
9- اُنظر: رجال الطوسي: ۲۲۴ رقم۳۰۰۷٫
10- اُنظر: المصدر السابق: ۱۳۸ رقم۱۴۵۷ و۲۲۵ رقم۳۰۲۴٫
11- اُنظر: المصدر السابق: ۱۱۸ رقم۱۱۹۷ و۲۵۶ رقم۳۶۲۰٫
12- رجال الكشّي ۱ /۲۹۷ ح۱۴۰٫
13- الإرشاد ۱ /۳۲۳٫
14- رجال الكشّي ۱ /۲۹۷ ح۱۴۰٫
15- الإرشاد ۱ /۳۲۴٫
.....................
انتهى / 323