وفقا لما أفادته وكالة أنباء أهل البيت (ع) الدولية ــ أبنا ــ نُشرت كلمة قائد الثورة الإسلامية، الإمام الخامنئي، في لقاء أعضاء اللجنة العلمية لمؤتمر الإمام الرِّضا (عليه السلام) الدَّولي الخامس الذي عُقِد بتاريخ 2024/05/08، وذلك صباح اليوم (الإثنين) 2024/05/13 في محلّ إقامة هذا المؤتمر في العتبة الرضويّة المقدّسة
بسم الله الرَّحمن الرَّحيم
بداية أودّ الإشادة بإحياء هذا المؤتمر وهذا الملتقى، فمعرفتنا بالأئمّة (عليهم السلام) – نحن في المجتمع الشيعيّ قبل الحديث عن الآخرين – يشوبها كثير من النقص. أحياناً نبالغ بالاهتمام بجانب معيّن، ولكنّ ذلك يكون على حساب الجوانب الأخرى ومن دون أن يقترن هذا الاهتمام بالإتقان والإحكام المطلوبين، وأحياناً لا نبدي حتّى هذا النحو من الاهتمام ونقنع بالقشور والاهتمام السطحيّ والأمور الشكليّة.
باعتقادي إنّ إحدى المسؤوليّات الكبرى التي على عاتقنا نحن الشيعة وأهل التشيّع هي تقديم أئمّتنا (عليهم السلام) للعالم، طبعاً بعض الأئمّة (عليهم السلام) – لأسباب معيّنة – معروفون، كالإمام الحسين وأمير المؤمنين (عليهما السلام)، فقد كتب عنهم الآخرون وتحدّثوا عنهم وهناك معرفة نسبيّة بهم خارج الدائرة الشيعيّة، بل حتّى خارج الدائرة الإسلاميّة، ولكنّ أكثر أئمّتنا (عليهم السلام) غير معروفين للآخرين. الإمام الحسن المجتبى (عليه السلام) بتلك العظمة غير معروف والإمام موسى بن جعفر (عليه السلام) والإمام الهادي (عليه السلام) والإمام الصادق (عليه السلام) مع تلك المنظومة العظيمة والنشاط الاستثنائيّ، هؤلاء لا زالوا مجهولين للآخرين. وإن تعرّض لهم غير الشيعة - حينما يكون المتحدّث ليس شيعيّاً، لن يتحدّث عن الإمام (عليه السلام) من حيث هو إمام الشيعة -، فإنّ ذلك قليل ومحدود. مثلاً يستحضر مؤلّف من العرفاء اسم الإمام جعفر الصادق (عليه السلام) في زمرة العرفاء فيتحدّث عنه في نصف صفحة أو أقلّ أو أكثر بصفته واحداً من العرفاء. المسألة في هذه الحدود لا أكثر.
في رأيي هناك ثلاثة أبعاد في حياة الأئمّة (عليهم السلام) ينبغي العمل عليها، أحدها البعد المعنويّ والإلهيّ، أي تلك القداسة، من حيث قدسيّة الأئمة (عليهم السلام)، فهذه الجهة لا يمكن إهمالها ولا بدّ من تناولها والحديث عنها، وغاية الأمر أنه ينبغي أن نفعل ذلك بإتقان. أحياناً تُطلق بعض الكلمات ثمّ يُؤتى ببعض الروايات لتأييدها، ولكنّ الضعف في تلك الكلمات نفسها. علينا بيان الجانب الملكوتيّ للأئمّة (عليهم السلام)، الجانب المعنويّ والعرشيّ، إذ هذه ليست من المسائل التي نعمل فيها بالتقية، بل لا بدّ لنا من ذكر هذه المسائل وبيان الجانب المعنويّ والعرشيّ عند الأئمّة (عليهم السلام). كما هو الحال في خصوص النبيّ (صلّى الله عليه وآله)، لا بدّ من تناول هذه القضايا: عصمتهم وعلاقتهم بالله تعالى وعلاقتهم بالملائكة وولايتهم بذلك البعد المعنويّ فيها، مثل هذه الجوانب التي تكتنفها شخصيّتهم (عليهم السلام)، فلا بّد أن يُعمل عليها على نحو علميّ ومحكم وجميل.
البعد الثاني الذي ينبغي العمل عليه هو كلماتهم ودروسهم (عليهم السلام) - ما أشار إليه السادة في الجوانب المختلفة نفسه - في الأمور التي ترتبط بحياة الإنسان وفي المسائل المختلفة التي يحتاجها: الأخلاقيّات والمعاشرة والدين والأحكام، فلأئمتنا (عليهم السلام) كلام في هذه المسائل ولهم مدرستهم في ذلك ولا بدّ من تقديمها وبيانها. هناك جوانب قد لا نهتمّ بها كثيراً، ولكنّها أمور لها حيثيّتها في العالم، لو جئنا فرضاً إلى مسألة حماية الحيوان – من باب المثال -: انظروا حجم الروايات الواردة عن الأئمّة (عليهم السلام) عن هذه القضيّة، كم تُنووِلَت مسألة رعاية الحيوان وحمايته؟ فمن المهمّ طرح هذه المسألة وقولها ومعرفتها على مستوى العالم! من فينا اليوم يفكّر في هذا الجانب، وأيّنا يعمل على هذه القضيّة؟ في قضيّة المعاشرة، مثلاً المضامين التي تتناول العلاقة بغير الشيعّي أو بغير المسلم، فهذه المسائل جميعها تُعرِّض لها في رواياتنا تبعاً للقرآن الكريم. {لا يَنْهاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لم يُقاتِلُوكُمْ فِي الدِّين} (الممتحنة، 8)، هذه أمور دائماً ما ذكرناها وقلناها مراراً وتكراراً. لا بدّ من بيان هذه المسائل من كلمات أهل البيت (عليهم السلام) ونقلها للآخرين. لدينا هذه الكتب كلّها، مثلاً لدينا بحار الأنوار مئة جزء وغيره كثير من هذا القبيل، ولكنّها في النهاية ضمن دائرة خاصّة. ذات يوم قرأت أبياتاً من الشعر:
شراب أنت خالص معتّق ليَ / خبيء أنت في قعر الخابية
ما دمت في العزلة الآبدة / ولا تملأُ الكأس ما الفائدة؟[1]
لا بدّ للشراب الزلال الصافي أن يُسكب في الكأس ليروي، ولكنّه حبيس الجرّة. إنّ شرابنا الخالص هذا، هذا الشراب المعرفيّ لحياتنا الذي وصلنا من أئمّة أهل البيت (عليهم السلام)، لا زال في جراره، وليس ذلك فقط، بل ختمنا على رأس الجرة وأقفلناه. خُتم رأس الجرّة، إذ قديماً كانوا يختمونه. هكذا نحن فعلنا. هذا أمر غير سليم، فلا بدّ أن نظهر هذه الأمور للعالم بلغة اليوم وبأسلوب "فنيّ" وطُرقٍ صحيحة. لقد غدا التواصل مع العالم اليوم أمراً هيّناً، إذ إن أردت أن تتحدّث لبضع دقائق، يكفي وأنت جالس هنا في مكانك أن تضغط على مفتاح معيّن حتّى يسمع صوتك كلّ من تريد في أقصى نقاط العالم، في أستراليا وفي كندا وفي أيّ مكان. هذا أمر مهمّ جداً وعلينا أن نستثمر ذلك، ولكن تبقى مسألة اللغة مهمة جداً، فبأيّ لغة تريد أن توصل صوتك إلى العالم؟ هذا هو الشقّ الثاني الذي علينا العمل عليه في مسألة التعريف بالأئمّة (عليهم السلام).
الجانب الثالث هو الجانب السياسيّ، وهذا ما كان يهتمّ به هذا العبد ويعمل عليه بصورة أساسيّة في حياة الأئمّة (عليهم السلام) والسنوات التي عاشوها. ما الذي فعله الأئمّة (عليهم السلام)؟ ما الذي أرادوا فعله؟ إنّ الشقّ السياسيّ مهمّ جداً. ما كانت سياسة الأئمّة؟ أن يقتصر دور الإمام (عليه السلام) على بيان بعض الأحكام وذكر بعض التوجيهات الأخلاقيّة مع ما له من مقامات ومراتب إلهيّة أمرٌ لا يمكن للإنسان تعقّله إذا ما تأمّله جيّداً. لقد كان الأئمّة (عليهم السلام) يتطلّعون إلى أهداف كبرى، ويأتي على رأسها تأسيس المجتمع الإسلاميّ، الذي بدوره لا يمكن أن يتحقّق من دون إقامة الحكم الإسلاميّ، ما يعني أنّهم (عليهم السلام) كانوا يسعون إلى تحقيق حاكميّة الإسلام. هذا هو أحد الأبعاد المهمَّة للإمامة، فالإمامة تعني رئاسة الدين والدنيا ورئاسة المادة والمعنى، ومادّة الرئاسة هي هذه السياسة وإدارة البلاد وإدارة الحكومة، والأئمّة كلُّهم (عليهم السلام) كانوا يسعون وراء ذلك، كلّهم من دون استثناء. غاية الأمر، تختلف الأساليب تبعاً للمراحل المختلفة وتختلف المناهج وتختلف الأهداف القصيرة المدى، ولكنّ الهدف على المدى الطويل كان واحداً. هكذا هي القضيّة بطبيعة الحال.
في سياق الحديث عن الإمام الرضا (عليه السلام) - الذي سأختم كلامي به -: لو جئنا مثلاً إلى زمن الإمام الصَّادق (عليه السلام)، كانوا يأتون إلى الإمام (عليه السلام) ويسألونه عن علّة قعوده وعدم قيامه. هذا موجود في الروايات ولا بدّ أنّكم مررتم عليه: لمَ لا تخرج يا ابن رسول الله؟ وكان (عليه السلام) يجيب كلّ سائل على نحو ولا يذكر السبب نفسه في كلّ مرّة. لماذا كانوا يكرّرون السؤال عن القيام؟ السبب في ذلك أنّه كان يُفترض بالإمام (عليه السلام) القيام. كان الشيعة يعلمون ذلك وكان أمراً مسلّماً بينهم. عندما اعترضوا على الإمام الحسن المجتبى (عليه السلام) في مسألة الصلح، كان من بين الكلمات التي نُقلت مراراً عنه (عليه السلام) في جوابهم: «ما تدري لعلَّهُ فِتْنَةٌ لَكُم ومتاعٌ إلى حين»[2]، فلهذا الأمر وقته وأَمَدُه وأجله. ما يُدريكم؟ أفهذا موعد وأجل؟ لقد حدّدت هذا الموعد رواية الإمام التي يقول فيها: «إنَّ اللهَ جعلَ هذا الأمر في عام أو في سنة سبعين»[3]، كان يُفترض أن يحدث ذلك سنة سبعين، فالإمام المجتبى (عليه السلام) قال هذا الكلام في العام الأربعين أو الحادي والأربعين [للهجرة]، وكان من المقرَّر حدوث القيام في سنة سبعين وإقامة الحكومة الإسلامية، هكذا كان التقدير الإلهيّ. ثم يقول: «فَلمَّا قُتِلَ الحُسين (عليه السلام)، اشتَدَّ غضبُ اللهِ على أهلِ الأرضِ فَأَخَّرَهُ»[4]، وباستشهاد الإمام (عليه السلام) (في المحرم من عام 61)، تأخَّر هذا الأمر. بعد أن كان مقدّراً حصوله سنة سبعين، تأخّر بسبب شهادة سيّد الشهداء (عليه السلام) والعوامل الخارجية التي كان من الطبيعي أن تترتَّب على هذه الحقيقة. هذا وفي تعبير الرواية «اشتَدَّ غضبُ اللهِ على أهلِ الأرضِ»، ولكنَّنا نعلم أنَّ اشتداد الغضب هذا وما يترتَّب عليه يتوافقان مع هذه العوامل الظَّاهرية أو العوامل العادية، وعواملهما العادية نجدها في رواية أخرى أيضاً: «ارْتَدَّ النَّاسُ بعد الحُسين إلَّا ثلاثة» – طبعاً الارتداد هنا ليس بمعنى الرجوع عن الدين، بل إنّهم تردّدوا في مواصلة الطريق الذي كانوا يمضون فيه، فكيف لهم بتلك الأوضاع والظروف مواصلة الطريق؟ – [ارتدّ الناس] «ارْتَدَّ النَّاسُ بعد الحُسين...» كم عدد غير المرتدّين؟ ثلاثة أفراد: لا أعرف من، ومن، ويحيى بن أم الطويل. لم يبقَ أكثر من ثلاثة أفراد. «ثمَّ إنَّ النَّاسَ لَحِقُوا وكَثُرُوا»[5] كما يذكر الإمام الصادق (عليه السلام)، ثلاثون عاماً من مشقَّة الإمام السجّاد ومن بعده الإمام الباقر (عليهما السلام)، ثم هذا ما انتهى إليه الأمر وآلت إليه الأحوال.
إذاً بحسب الرواية التي تقدّم ذكرها، «أخَّرَ» الله المتعالي أمر الحكومة ذاك «إلى العام مئة وأربعين»[6]. كان يُفترض حدوث هذا الأمر عام 140، أي إنّ ما كان يُفترض حدوثه عام 70، أخَّره الله تعالى إلى العام 140. تلك المدة كانت مدة حياة الإمام الصادق (عليه السلام) الذي كانت وفاته سنة 148. لقد كانت هذه المسألة تُثار ويتكرر الحديث عنها بين الشيعة، بين خواصِّ الشيعة. ثمّ بعد ذلك يذكر الإمام (عليه السلام) في الرواية نفسها السبب وراء تأخّر هذا الأمر. لذا ترون أنَّ زُرارة الذي كان من أقرب المقرّبين من الإمام (عليه السلام) كما هو معلوم – هو من أهل الكوفة وكان يسكن فيها –، يبعث رسالة إلى الإمام (عليه السلام) يذكر فيها أنّ: ثمَّة شخصٌ من أصحابنا – من الشيعة - مطلوبٌ للسلطة بسبب دين كبير في عنقه، وقد مضى زمن وهو بعيد عن زوجه وأولاده بعد أن لاذ بالفرار وبات مشرّداً كي لا يُلقى القبض عليه، ويسأل زرارة الإمام (عليه السلام) إن كان هذا الأمر – كلمة الأمر هذه تتكرّر كثيراً في الروايات وهي تشير إلى الحكومة – سيحدث في عام أو عامين، صبرنا إلى حين حدوثه وتسلّمِكم زمام الأمور ويُقضى الأمر، أما إن كان سيطول أكثر، فنتظافر في ما بيننا على جمع هذا المبلغ وسداد دين هذا المسكين ليعود إلى منزله وأهله. هذا ما سأل عنه زرارة، وليس هذا بالأمر البسيط أو العابر. ما الذي يدعو زرارة إلى احتمال حدوث هذا الأمر في عام أو عامين؟ في رواية أخرى عن زرارة أيضاً، يقول: «واللهِ لا أرى على هذه الأعواد - يعني أعمدة المنبر - إلّا جعفر [الصادق]»، أي كان على يقين من أنَّ الإمام سيأتي ويجلس على منبر الخلافة، أي إنَّ هذا [الاعتقاد] كان موجوداً. ثمّ {يَمْحُوا اللهُ ما يَشاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الكِتابِ} (الرَّعد، 39)، فهذا هو القدر الإلهيّ ولكنّه ليس القضاء الإلهيّ، إذ القضاء الإلهيّ هو ذلك القَدَرُ المُثبَّت. بعبارة أخرى، لم يكن ذلك الموعد موعداً حتميّاً لهذا الأمر بسبب العوامل الخاصّة وما إلى ذلك.
إذاً الأئمّة (عليهم السلام) كانوا يسعون خلف هذا الأمر، وهذه مسألة مهمة جداً. انظروا إلى دور الإمام الرضا (عليه السلام) في هذا المجال. أنا الآن لا أذكر طبعاً ما جاء في تلك الخطبة التي تتحدَّثُون عنها، وكنت قبلها قد بعثت رسالةً إلى مشهد في السنة الأولى، حلَّلتُ فيها مسألة قبول الإمام الرضا (عليه السلام) ولاية العهد، أي قلتُ: كان هذا في الحقيقة صراعاً بين المأمون، المأمون العاقل والدَّاهية جداً والذكي، والإمام الرِّضا (عليه السلام). السبب في أنَّ المأمون دعا الإمام الرضا (عليه السلام) إلى خراسان وقرَّر [ذلك] وقال في البداية: أعطيك الخلافة. لم تُطرح مسألة ولاية العهد في البداية، إنَّما قال: أنا أعطيك الخلافة. لم يقبل الإمام، فأصرَّ فلانٌ، ثُمَّ قال: بما أنَّك لا تقبل، [فاقبل] إذن ولاية العهد. ما كان سبب إصرار المأمون على هذا الأمر؟ ذكرتُ أربعة إلى خمسة أسباب. كان المأمون يفكر في هذه الأهداف وكان يسعى وراء هذه الأمور. قَبِل الإمام (عليه السلام)، وقد ذكرت خمسة إلى ستة أسباب، أنَّه كيف حدث أنَّ الإمام قَبِل أيضاً، ولماذا فعل ذلك، وما كانت فوائد هذا الأمر. في الحقيقة، لقد انطلقت حركة عظيمة واستعرت حرب غير عسكريّة. في الواقع، اندلعت حرب سياسيّة بين الإمام (عليه السلام) والمأمون، وقد سحقه الإمام (عليه السلام) في هذه الحرب وهزمه عبر ما أقدم عليه، ما أجبر المأمون على قتل الإمام (عليه السلام)، وإلّا فالأمور بداية لم تكن على هذا النحو، فقد كان يجلّه ويطلب منه إقامة الصلاة وما شابه ذلك. حينها ذكرت السبب وراء فعل المأمون لما فعله والأهداف التي كان يصبو إليها والمنافع التي كان يتوخّاها، فيومها كان لدينا الصبر والجلد على هذه الأعمال كما هما لديكم اليوم، بحمد الله، أمّا الآن، فنحن بعيدون البعد كلّه عن هذه القضايا.
بناء عليه، ينبغي توضيح هذه الأبعاد الثلاثة في حياة الإمام الرضا (عليه الصلاة والسلام) وسائر الأئمّة (عليهم السلام). براعتكم في استخراج هذه الأبعاد الثلاثة أولاً، وتهذيبها من الإطناب وفضول الكلام والكلام الضعيف ثانياً، وثالثاً – أهمّها – اختيار اللغة المناسبة والمعاصرة والواضحة للمخاطب غير الشيعيّ، بل حتّى للمخاطب الشيعيّ، فإنّ بُعد بعض شبابنا عن هذه المعارف ليس بأقلّ من بُعد غير الشيعة وغير المسلمين، وهم غير مطّلعين على تلك المعارف، فبيّنوها لهم. في اعتقادي إن تحقَّق ذلك، فلن تبقى الأمور في حدود عقد المؤتمرات والخطب وما إلى ذلك، بل سيثمر ذلك فوائد ملموسة.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
[1] صائب التبريزي، «ديوان الأشعار»: «مِی نابی ولی از خلوت خُم *** چو در ساغر نمیآیی چه حاصل؟».
[2] اقتباساً من الآية {وَإِنْ أَدْرِي لَعَلَّهُ فِتْنَةٌ لَكُمْ وَمَتَاعٌ إلى حِينٍ} (الأنبياء، 111).
[3] الرواية كما في بحار الأنوار، ج. 52، ص. 105: «إنَّ الله تعالى كان وقَّتَ هذا الأمر في السبعين».
[4] بحار الأنوار، ج. 52، ص. 105.
[5] بحار الأنوار، ج. 71، ص. 220.
[6] «إلى أربعين ومائة».
.........
انتهى/ 278
بسم الله الرَّحمن الرَّحيم
بداية أودّ الإشادة بإحياء هذا المؤتمر وهذا الملتقى، فمعرفتنا بالأئمّة (عليهم السلام) – نحن في المجتمع الشيعيّ قبل الحديث عن الآخرين – يشوبها كثير من النقص. أحياناً نبالغ بالاهتمام بجانب معيّن، ولكنّ ذلك يكون على حساب الجوانب الأخرى ومن دون أن يقترن هذا الاهتمام بالإتقان والإحكام المطلوبين، وأحياناً لا نبدي حتّى هذا النحو من الاهتمام ونقنع بالقشور والاهتمام السطحيّ والأمور الشكليّة.
باعتقادي إنّ إحدى المسؤوليّات الكبرى التي على عاتقنا نحن الشيعة وأهل التشيّع هي تقديم أئمّتنا (عليهم السلام) للعالم، طبعاً بعض الأئمّة (عليهم السلام) – لأسباب معيّنة – معروفون، كالإمام الحسين وأمير المؤمنين (عليهما السلام)، فقد كتب عنهم الآخرون وتحدّثوا عنهم وهناك معرفة نسبيّة بهم خارج الدائرة الشيعيّة، بل حتّى خارج الدائرة الإسلاميّة، ولكنّ أكثر أئمّتنا (عليهم السلام) غير معروفين للآخرين. الإمام الحسن المجتبى (عليه السلام) بتلك العظمة غير معروف والإمام موسى بن جعفر (عليه السلام) والإمام الهادي (عليه السلام) والإمام الصادق (عليه السلام) مع تلك المنظومة العظيمة والنشاط الاستثنائيّ، هؤلاء لا زالوا مجهولين للآخرين. وإن تعرّض لهم غير الشيعة - حينما يكون المتحدّث ليس شيعيّاً، لن يتحدّث عن الإمام (عليه السلام) من حيث هو إمام الشيعة -، فإنّ ذلك قليل ومحدود. مثلاً يستحضر مؤلّف من العرفاء اسم الإمام جعفر الصادق (عليه السلام) في زمرة العرفاء فيتحدّث عنه في نصف صفحة أو أقلّ أو أكثر بصفته واحداً من العرفاء. المسألة في هذه الحدود لا أكثر.
في رأيي هناك ثلاثة أبعاد في حياة الأئمّة (عليهم السلام) ينبغي العمل عليها، أحدها البعد المعنويّ والإلهيّ، أي تلك القداسة، من حيث قدسيّة الأئمة (عليهم السلام)، فهذه الجهة لا يمكن إهمالها ولا بدّ من تناولها والحديث عنها، وغاية الأمر أنه ينبغي أن نفعل ذلك بإتقان. أحياناً تُطلق بعض الكلمات ثمّ يُؤتى ببعض الروايات لتأييدها، ولكنّ الضعف في تلك الكلمات نفسها. علينا بيان الجانب الملكوتيّ للأئمّة (عليهم السلام)، الجانب المعنويّ والعرشيّ، إذ هذه ليست من المسائل التي نعمل فيها بالتقية، بل لا بدّ لنا من ذكر هذه المسائل وبيان الجانب المعنويّ والعرشيّ عند الأئمّة (عليهم السلام). كما هو الحال في خصوص النبيّ (صلّى الله عليه وآله)، لا بدّ من تناول هذه القضايا: عصمتهم وعلاقتهم بالله تعالى وعلاقتهم بالملائكة وولايتهم بذلك البعد المعنويّ فيها، مثل هذه الجوانب التي تكتنفها شخصيّتهم (عليهم السلام)، فلا بّد أن يُعمل عليها على نحو علميّ ومحكم وجميل.
البعد الثاني الذي ينبغي العمل عليه هو كلماتهم ودروسهم (عليهم السلام) - ما أشار إليه السادة في الجوانب المختلفة نفسه - في الأمور التي ترتبط بحياة الإنسان وفي المسائل المختلفة التي يحتاجها: الأخلاقيّات والمعاشرة والدين والأحكام، فلأئمتنا (عليهم السلام) كلام في هذه المسائل ولهم مدرستهم في ذلك ولا بدّ من تقديمها وبيانها. هناك جوانب قد لا نهتمّ بها كثيراً، ولكنّها أمور لها حيثيّتها في العالم، لو جئنا فرضاً إلى مسألة حماية الحيوان – من باب المثال -: انظروا حجم الروايات الواردة عن الأئمّة (عليهم السلام) عن هذه القضيّة، كم تُنووِلَت مسألة رعاية الحيوان وحمايته؟ فمن المهمّ طرح هذه المسألة وقولها ومعرفتها على مستوى العالم! من فينا اليوم يفكّر في هذا الجانب، وأيّنا يعمل على هذه القضيّة؟ في قضيّة المعاشرة، مثلاً المضامين التي تتناول العلاقة بغير الشيعّي أو بغير المسلم، فهذه المسائل جميعها تُعرِّض لها في رواياتنا تبعاً للقرآن الكريم. {لا يَنْهاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لم يُقاتِلُوكُمْ فِي الدِّين} (الممتحنة، 8)، هذه أمور دائماً ما ذكرناها وقلناها مراراً وتكراراً. لا بدّ من بيان هذه المسائل من كلمات أهل البيت (عليهم السلام) ونقلها للآخرين. لدينا هذه الكتب كلّها، مثلاً لدينا بحار الأنوار مئة جزء وغيره كثير من هذا القبيل، ولكنّها في النهاية ضمن دائرة خاصّة. ذات يوم قرأت أبياتاً من الشعر:
شراب أنت خالص معتّق ليَ / خبيء أنت في قعر الخابية
ما دمت في العزلة الآبدة / ولا تملأُ الكأس ما الفائدة؟[1]
لا بدّ للشراب الزلال الصافي أن يُسكب في الكأس ليروي، ولكنّه حبيس الجرّة. إنّ شرابنا الخالص هذا، هذا الشراب المعرفيّ لحياتنا الذي وصلنا من أئمّة أهل البيت (عليهم السلام)، لا زال في جراره، وليس ذلك فقط، بل ختمنا على رأس الجرة وأقفلناه. خُتم رأس الجرّة، إذ قديماً كانوا يختمونه. هكذا نحن فعلنا. هذا أمر غير سليم، فلا بدّ أن نظهر هذه الأمور للعالم بلغة اليوم وبأسلوب "فنيّ" وطُرقٍ صحيحة. لقد غدا التواصل مع العالم اليوم أمراً هيّناً، إذ إن أردت أن تتحدّث لبضع دقائق، يكفي وأنت جالس هنا في مكانك أن تضغط على مفتاح معيّن حتّى يسمع صوتك كلّ من تريد في أقصى نقاط العالم، في أستراليا وفي كندا وفي أيّ مكان. هذا أمر مهمّ جداً وعلينا أن نستثمر ذلك، ولكن تبقى مسألة اللغة مهمة جداً، فبأيّ لغة تريد أن توصل صوتك إلى العالم؟ هذا هو الشقّ الثاني الذي علينا العمل عليه في مسألة التعريف بالأئمّة (عليهم السلام).
الجانب الثالث هو الجانب السياسيّ، وهذا ما كان يهتمّ به هذا العبد ويعمل عليه بصورة أساسيّة في حياة الأئمّة (عليهم السلام) والسنوات التي عاشوها. ما الذي فعله الأئمّة (عليهم السلام)؟ ما الذي أرادوا فعله؟ إنّ الشقّ السياسيّ مهمّ جداً. ما كانت سياسة الأئمّة؟ أن يقتصر دور الإمام (عليه السلام) على بيان بعض الأحكام وذكر بعض التوجيهات الأخلاقيّة مع ما له من مقامات ومراتب إلهيّة أمرٌ لا يمكن للإنسان تعقّله إذا ما تأمّله جيّداً. لقد كان الأئمّة (عليهم السلام) يتطلّعون إلى أهداف كبرى، ويأتي على رأسها تأسيس المجتمع الإسلاميّ، الذي بدوره لا يمكن أن يتحقّق من دون إقامة الحكم الإسلاميّ، ما يعني أنّهم (عليهم السلام) كانوا يسعون إلى تحقيق حاكميّة الإسلام. هذا هو أحد الأبعاد المهمَّة للإمامة، فالإمامة تعني رئاسة الدين والدنيا ورئاسة المادة والمعنى، ومادّة الرئاسة هي هذه السياسة وإدارة البلاد وإدارة الحكومة، والأئمّة كلُّهم (عليهم السلام) كانوا يسعون وراء ذلك، كلّهم من دون استثناء. غاية الأمر، تختلف الأساليب تبعاً للمراحل المختلفة وتختلف المناهج وتختلف الأهداف القصيرة المدى، ولكنّ الهدف على المدى الطويل كان واحداً. هكذا هي القضيّة بطبيعة الحال.
في سياق الحديث عن الإمام الرضا (عليه السلام) - الذي سأختم كلامي به -: لو جئنا مثلاً إلى زمن الإمام الصَّادق (عليه السلام)، كانوا يأتون إلى الإمام (عليه السلام) ويسألونه عن علّة قعوده وعدم قيامه. هذا موجود في الروايات ولا بدّ أنّكم مررتم عليه: لمَ لا تخرج يا ابن رسول الله؟ وكان (عليه السلام) يجيب كلّ سائل على نحو ولا يذكر السبب نفسه في كلّ مرّة. لماذا كانوا يكرّرون السؤال عن القيام؟ السبب في ذلك أنّه كان يُفترض بالإمام (عليه السلام) القيام. كان الشيعة يعلمون ذلك وكان أمراً مسلّماً بينهم. عندما اعترضوا على الإمام الحسن المجتبى (عليه السلام) في مسألة الصلح، كان من بين الكلمات التي نُقلت مراراً عنه (عليه السلام) في جوابهم: «ما تدري لعلَّهُ فِتْنَةٌ لَكُم ومتاعٌ إلى حين»[2]، فلهذا الأمر وقته وأَمَدُه وأجله. ما يُدريكم؟ أفهذا موعد وأجل؟ لقد حدّدت هذا الموعد رواية الإمام التي يقول فيها: «إنَّ اللهَ جعلَ هذا الأمر في عام أو في سنة سبعين»[3]، كان يُفترض أن يحدث ذلك سنة سبعين، فالإمام المجتبى (عليه السلام) قال هذا الكلام في العام الأربعين أو الحادي والأربعين [للهجرة]، وكان من المقرَّر حدوث القيام في سنة سبعين وإقامة الحكومة الإسلامية، هكذا كان التقدير الإلهيّ. ثم يقول: «فَلمَّا قُتِلَ الحُسين (عليه السلام)، اشتَدَّ غضبُ اللهِ على أهلِ الأرضِ فَأَخَّرَهُ»[4]، وباستشهاد الإمام (عليه السلام) (في المحرم من عام 61)، تأخَّر هذا الأمر. بعد أن كان مقدّراً حصوله سنة سبعين، تأخّر بسبب شهادة سيّد الشهداء (عليه السلام) والعوامل الخارجية التي كان من الطبيعي أن تترتَّب على هذه الحقيقة. هذا وفي تعبير الرواية «اشتَدَّ غضبُ اللهِ على أهلِ الأرضِ»، ولكنَّنا نعلم أنَّ اشتداد الغضب هذا وما يترتَّب عليه يتوافقان مع هذه العوامل الظَّاهرية أو العوامل العادية، وعواملهما العادية نجدها في رواية أخرى أيضاً: «ارْتَدَّ النَّاسُ بعد الحُسين إلَّا ثلاثة» – طبعاً الارتداد هنا ليس بمعنى الرجوع عن الدين، بل إنّهم تردّدوا في مواصلة الطريق الذي كانوا يمضون فيه، فكيف لهم بتلك الأوضاع والظروف مواصلة الطريق؟ – [ارتدّ الناس] «ارْتَدَّ النَّاسُ بعد الحُسين...» كم عدد غير المرتدّين؟ ثلاثة أفراد: لا أعرف من، ومن، ويحيى بن أم الطويل. لم يبقَ أكثر من ثلاثة أفراد. «ثمَّ إنَّ النَّاسَ لَحِقُوا وكَثُرُوا»[5] كما يذكر الإمام الصادق (عليه السلام)، ثلاثون عاماً من مشقَّة الإمام السجّاد ومن بعده الإمام الباقر (عليهما السلام)، ثم هذا ما انتهى إليه الأمر وآلت إليه الأحوال.
إذاً بحسب الرواية التي تقدّم ذكرها، «أخَّرَ» الله المتعالي أمر الحكومة ذاك «إلى العام مئة وأربعين»[6]. كان يُفترض حدوث هذا الأمر عام 140، أي إنّ ما كان يُفترض حدوثه عام 70، أخَّره الله تعالى إلى العام 140. تلك المدة كانت مدة حياة الإمام الصادق (عليه السلام) الذي كانت وفاته سنة 148. لقد كانت هذه المسألة تُثار ويتكرر الحديث عنها بين الشيعة، بين خواصِّ الشيعة. ثمّ بعد ذلك يذكر الإمام (عليه السلام) في الرواية نفسها السبب وراء تأخّر هذا الأمر. لذا ترون أنَّ زُرارة الذي كان من أقرب المقرّبين من الإمام (عليه السلام) كما هو معلوم – هو من أهل الكوفة وكان يسكن فيها –، يبعث رسالة إلى الإمام (عليه السلام) يذكر فيها أنّ: ثمَّة شخصٌ من أصحابنا – من الشيعة - مطلوبٌ للسلطة بسبب دين كبير في عنقه، وقد مضى زمن وهو بعيد عن زوجه وأولاده بعد أن لاذ بالفرار وبات مشرّداً كي لا يُلقى القبض عليه، ويسأل زرارة الإمام (عليه السلام) إن كان هذا الأمر – كلمة الأمر هذه تتكرّر كثيراً في الروايات وهي تشير إلى الحكومة – سيحدث في عام أو عامين، صبرنا إلى حين حدوثه وتسلّمِكم زمام الأمور ويُقضى الأمر، أما إن كان سيطول أكثر، فنتظافر في ما بيننا على جمع هذا المبلغ وسداد دين هذا المسكين ليعود إلى منزله وأهله. هذا ما سأل عنه زرارة، وليس هذا بالأمر البسيط أو العابر. ما الذي يدعو زرارة إلى احتمال حدوث هذا الأمر في عام أو عامين؟ في رواية أخرى عن زرارة أيضاً، يقول: «واللهِ لا أرى على هذه الأعواد - يعني أعمدة المنبر - إلّا جعفر [الصادق]»، أي كان على يقين من أنَّ الإمام سيأتي ويجلس على منبر الخلافة، أي إنَّ هذا [الاعتقاد] كان موجوداً. ثمّ {يَمْحُوا اللهُ ما يَشاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الكِتابِ} (الرَّعد، 39)، فهذا هو القدر الإلهيّ ولكنّه ليس القضاء الإلهيّ، إذ القضاء الإلهيّ هو ذلك القَدَرُ المُثبَّت. بعبارة أخرى، لم يكن ذلك الموعد موعداً حتميّاً لهذا الأمر بسبب العوامل الخاصّة وما إلى ذلك.
إذاً الأئمّة (عليهم السلام) كانوا يسعون خلف هذا الأمر، وهذه مسألة مهمة جداً. انظروا إلى دور الإمام الرضا (عليه السلام) في هذا المجال. أنا الآن لا أذكر طبعاً ما جاء في تلك الخطبة التي تتحدَّثُون عنها، وكنت قبلها قد بعثت رسالةً إلى مشهد في السنة الأولى، حلَّلتُ فيها مسألة قبول الإمام الرضا (عليه السلام) ولاية العهد، أي قلتُ: كان هذا في الحقيقة صراعاً بين المأمون، المأمون العاقل والدَّاهية جداً والذكي، والإمام الرِّضا (عليه السلام). السبب في أنَّ المأمون دعا الإمام الرضا (عليه السلام) إلى خراسان وقرَّر [ذلك] وقال في البداية: أعطيك الخلافة. لم تُطرح مسألة ولاية العهد في البداية، إنَّما قال: أنا أعطيك الخلافة. لم يقبل الإمام، فأصرَّ فلانٌ، ثُمَّ قال: بما أنَّك لا تقبل، [فاقبل] إذن ولاية العهد. ما كان سبب إصرار المأمون على هذا الأمر؟ ذكرتُ أربعة إلى خمسة أسباب. كان المأمون يفكر في هذه الأهداف وكان يسعى وراء هذه الأمور. قَبِل الإمام (عليه السلام)، وقد ذكرت خمسة إلى ستة أسباب، أنَّه كيف حدث أنَّ الإمام قَبِل أيضاً، ولماذا فعل ذلك، وما كانت فوائد هذا الأمر. في الحقيقة، لقد انطلقت حركة عظيمة واستعرت حرب غير عسكريّة. في الواقع، اندلعت حرب سياسيّة بين الإمام (عليه السلام) والمأمون، وقد سحقه الإمام (عليه السلام) في هذه الحرب وهزمه عبر ما أقدم عليه، ما أجبر المأمون على قتل الإمام (عليه السلام)، وإلّا فالأمور بداية لم تكن على هذا النحو، فقد كان يجلّه ويطلب منه إقامة الصلاة وما شابه ذلك. حينها ذكرت السبب وراء فعل المأمون لما فعله والأهداف التي كان يصبو إليها والمنافع التي كان يتوخّاها، فيومها كان لدينا الصبر والجلد على هذه الأعمال كما هما لديكم اليوم، بحمد الله، أمّا الآن، فنحن بعيدون البعد كلّه عن هذه القضايا.
بناء عليه، ينبغي توضيح هذه الأبعاد الثلاثة في حياة الإمام الرضا (عليه الصلاة والسلام) وسائر الأئمّة (عليهم السلام). براعتكم في استخراج هذه الأبعاد الثلاثة أولاً، وتهذيبها من الإطناب وفضول الكلام والكلام الضعيف ثانياً، وثالثاً – أهمّها – اختيار اللغة المناسبة والمعاصرة والواضحة للمخاطب غير الشيعيّ، بل حتّى للمخاطب الشيعيّ، فإنّ بُعد بعض شبابنا عن هذه المعارف ليس بأقلّ من بُعد غير الشيعة وغير المسلمين، وهم غير مطّلعين على تلك المعارف، فبيّنوها لهم. في اعتقادي إن تحقَّق ذلك، فلن تبقى الأمور في حدود عقد المؤتمرات والخطب وما إلى ذلك، بل سيثمر ذلك فوائد ملموسة.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
[1] صائب التبريزي، «ديوان الأشعار»: «مِی نابی ولی از خلوت خُم *** چو در ساغر نمیآیی چه حاصل؟».
[2] اقتباساً من الآية {وَإِنْ أَدْرِي لَعَلَّهُ فِتْنَةٌ لَكُمْ وَمَتَاعٌ إلى حِينٍ} (الأنبياء، 111).
[3] الرواية كما في بحار الأنوار، ج. 52، ص. 105: «إنَّ الله تعالى كان وقَّتَ هذا الأمر في السبعين».
[4] بحار الأنوار، ج. 52، ص. 105.
[5] بحار الأنوار، ج. 71، ص. 220.
[6] «إلى أربعين ومائة».
.........
انتهى/ 278