كان فجر 14 نيسان/أبريل، عندما هاجمت القوات المسلحة لجمهورية إيران الإسلامية من الأراضي الإيرانية القواعدَ العسكرية للكيان الصهيوني في عمليةٍ رداً على اعتداء الكيان على القنصلية الإيرانية في دمشق. هناك نقطتان ينبغي أخذهما في الحسبان في بداية أيّ تحليل لهذا الحدث: الأولى، أن إيران لم تستخدم أحدث أسلحتها وقدراتها العسكرية الأساسية، إذْ تمتلك إيران طائرات من دون طيار وصواريخ أكثر حداثة ولم تستخدمها. في الواقع، إنّ الجمهورية الإسلامية لم تستخدم أحدث التقنيات. كانت تكلفة التجهيزات الإيرانية المستخدمة ضد أسلحة الكيان الصهيوني وحلفائه منخفضة جداً لدرجة أنّ حتى الدفاع الناجح للصهاينة يعدّ خسارة لهم. كما أن هذه الأسلحة الإيرانية الرخيصة، التي لم تكن من أحدث جيل، أصابت الهدف بكفاءة عالية وجعلت أسلحة العدو وتجهيزاته الأكثر تقدماً غير فعالة. ينبغي وضع ذلك بجانب هذه النقطة المهمة وهي أن إيران لم تستخدم المبدأ الأهم في الشؤون العسكرية، وهو عنصر المفاجأة، أي إنّ الجمهورية الإسلامية نفّذت العملية من دون عنصر المفاجأة، وهذه نقطة مهمة جداً. لأنه لو حدثت المفاجأة، فإن هذا المستوى من الدفاع نفسه لدى الكيان الصهيوني كان سيتعرض للمساءلة. لكن بغض النظر عن هاتين النقطتين، ينبغي الالتفات إلى أنه سُجّل رقم قياسي عسكري في العالم.
في هذه العملية، هاجمت الجمهورية الإسلامية قوة نووية، وهذا يعني أن المبدأ المهم الذي ينص على أن القوى التي تمتلك أسلحة نووية لا يمكن أن تتعرض هجوم دولة أخرى مباشر قد تضعضع. هذه مسألة مهمة جداً. الأهم من ذلك أنه في الوقت نفسه حاولت قوى نووية أخرى مساعدة الكيان الصهيوني لمواجهة الهجوم الإيراني، ولكنها أخفقت، أي إنّ جمهورية إيران الإسلامية واجهت عدداً من القوى النووية في الوقت نفسه وحققت هدفها في العملية. لقد سجّل هذا الحدث رقماً قياسياً مهماً على الساحة العسكرية العالمية وضَمن أمن البلاد لسنوات.
«الوعد الصادق»، تجلّي إرادة الشعب الإيراني
لقد كان غرب آسيا عملياً تحت سيطرة قوى من خارج المنطقة لمدة قرن على الأقل، أي منذ انهيار الإمبراطورية العثمانية وإضعاف إيران. في البداية، كانت بريطانيا ثم أمريكا مَن يحددان الكيفية التي ينبغي بها تأسيس المعادلات الإقليمية. كان «وعد بلفور» ثم «معاهدة سايكس بيكو» مَن حوّلا غرب آسيا إلى شكل وهيئة جديدَين. صُنع الكيان الصهيوني وأُدخلت المنطقة في أزمات، واستمر هذا الوضع لسنوات طويلة. لكن منذ بضع سنوات، توقفت هذا الوضع وتغيّر. لا يمكن تصوّر التحولات التي تشهدها المنطقة هذه الأيام من دون النظر إلى الجمهورية الإسلامية وحلفائها بوصفها قوة حاسمة. ظهرت ذروة هذا التغيير في الوضع أولاً في عملية «طوفان الأقصى»، ثم «الوعد الصادق». أثبتت جبهة المقاومة أنها قادرة على أن تُرسي نظاماً جديداً في المنطقة وتفرض إرادتها، وبالتالي أن تشغل الكيان الصهيوني لعدد من الأشهر. كما أثبتت جمهورية إيران الإسلامية عبر عملية «الوعد الصادق» أن الكيان الصهيوني وحلفاءه لم يعودوا هم مَن يقررون وضع المنطقة.
«الوعد الصادق»، دعماً لقضية فلسطين
إنّ كل ما يحدث في المنطقة هذه الأيام، بما في ذلك عملية «الوعد الصادق»، يرتبط بشكل أو بآخر بشبكة المقاومة في المنطقة، فما يُعرف بمحور المقاومة هو شبكة القوة في النظرة العلمية، شبكة متأسسة من أطراف ذات هدف مشترك، وهو تخليص المنطقة من الكيان الصهيوني والهيمنة الأمريكية. تعدّ إيران جزءاً مهماً من هذه الشبكة أيضاً وتعمل بوصفها مركز فصائل المقاومة المستقلة ونقطة وصلها. نتيجة لذلك إن نشاط إيران، كما حدث في عملية «الوعد الصادق»، يندرج تحت نشاط شبكة المقاومة. في الأساس إن محاولة الحكومات الغربية الحد من نفوذ إيران الإقليمي هي محاولة لإضعاف قوة هذه الشبكة أيضاً. أساساً، كان هجوم الكيان الصهيوني على مبنى القنصلية الإيرانية بمنزلة رد فعل. رد فعل على تمكّن مجموعة المقاومة من دفع هذا الكيان إلى اليأس في المجال العسكري. بعد عدد من الأشهر، لم يتمكن الكيان من تحقيق هدفه العسكري المنشود، وباعترافه إنّ بضعة آلاف من قوات المقاومة الفلسطينية ما زالت تنشط في غزة، ما يعني إخفاقه في المجال العسكري. من ناحية، سلبَ «حزب الله» الأمن من الكيان الصهيوني، ومن ناحية أخرى، صعّبت جماعة «أنصار الله» الأمور عليه وعلى حلفائه عبر إجراءاتها في البحر الأحمر. كما أن فضيحة الكيان صارت واضحة على الساحة السياسية. لذلك، حاول قادة هذا الكيان مهاجمة قلب شبكة المقاومة هذه عبر الاعتداء على القنصلية الإيرانية بوصفه ردّاً على نجاح هذه الشبكة. ظنّوا أن توجيه ضربة إلى إيران يمكن أن يضعف شبكة المقاومة ويحقق نجاحاً للكيان، ورأوا أنه رغم أنّ إيران لديها القدرة على الرد، ولكنّها لا تملك الإرادة اللازمة وستصاب شبكة المقاومة بضعف خطير. لكن هذا المشروع قد أخفق بسبب الرد الإيراني. بمعنى آخر، كان الكيان يسعى إلى إضعاف العلاقة بين إيران وفصائل المقاومة وتضعيف شبكة المقاومة، وهذا ما أخفق فيه. إن هجوم الكيان الصهيوني في سوريا والرد الإيراني على هذا الحدث هما جزء من المواجهة بين شبكة المقاومة والكيان الصهيوني، ولا يمكن عدّهما مجرّد ظاهرة تتعلق بدولة إيران.
«الوعد الصادق»، المدمّر لأسطورة قوة الكيان الصهيوني
يجب أن نلتفت إلى أن الكيان الصهيوني مدين في استمرار بقائه لبضع ركائز أساسية، إحداها الاستقرار الداخلي الذي ساعده في تشجيع اليهود من أنحاء العالم كافة على الهجرة إلى الأراضي المحتلة. لقد انتهى هذا الاستقرار منذ مدة طويلة. لقد رأينا في السنوات الماضية كيف كانت الحكومات الصهيونية تنهار الواحدة تلو الأخرى، وفي الوقت الحالي، صار التهديد الرئيسي لبقاء الكيان الصهيوني، أي تمكّن جمهورية إيران الإسلامية من تهديد الأراضي المحتلة بسهولة، يتمثل في أنّه لن يكون قادراً بعد الآن على جذب المهاجرين إليه عبر الوعد بالأمن والاستقرار. إحدى الركائز الأخرى للكيان كانت المكانة والصورة العالمية. لقد شُوّهت هذه المكانة في حرب الأشهر القليلة الماضية، فلم يترك مقتل أكثر من 30 ألف مدني سمعةً للكيان، كما أثار الهجوم على القنصلية الإيرانية ردود فعل كثيرة حول العالم ضده. لكن الركيزة الأخرى للكيان التي كان يعتمد عليها، هي القوة العسكرية. في يوم من الأيام، كان هذا الكيان يُعدّ إحدى القوى العسكرية الأولى في العالم. في الواقع، كان لدى قادة الكيان تصوّرٌ بأنهم إذا حدثت لهم مشكلات في الجوانب الداخلية ومسألة الاستقرار، فإنهم على الأقل يوفّرون أمناً خارجياً جيداً ويحمون الكيان من التهديدات الخارجية. لكننا رأينا أنه عبر عملية عسكرية محدودة من جانب إيران تلاشت هذه التصوّرات كلها، إذْ لم تتمكن أنظمة الدفاع المتنوعة لهذا الكيان وحلفائه من حماية نقاطه الحساسة من التهديدات. نظراً إلى كون قاعدة «نافاتيم» موجودة في نقطة محمية بشدة بواسطة أنظمة الدفاع لقربها من المنشآت النووية، فإنّ قدرة الردع لدى الكيان تضررت، بل وأُذلَّت. قبل ذلك، كان يسود الاعتقاد بأنه إذا هاجم أحد الكيان، فإنّ الكيان يستطيع الدفاع على نحو جيّد، ثم يردّ ردّاً قوياً وفورياً، ولكن هذا لم يحدث. في الواقع، لقد أصيبت الركيزة العسكرية للكيان الصهيوني بالوهن مثل سائر الركائز الأخرى بسهولة.
.............
انتهى/ 278