وكالة أهل البيت (ع) للأنباء

المصدر : الجزيرة
الجمعة

٨ ديسمبر ٢٠٢٣

٦:٤٠:٤٣ ص
1418294

الكيان الصهيوني ينفذ سياسة التهجير من خلال تنفيذ عمليات اغتيال مقصودة لأبرز أطباء غزة

لم يكن مستغربا وسط التأليب المتواصل في الشارع الإسرائيلي بعد عملية "طوفان الأقصى"، أن تصدر دعوة من أطباء إسرائيليين للجيش يطالبونه فيها بقصف المستشفيات الفلسطينية.

​​​​​​​وفقا لما أفادته وكالة أنباء أهل البيت (ع) الدولية ــ أبنا ــ يمتلك الكيان الصهيوني الغاصب للأراضي الفلسطينية، معلومات دقيقة حصل عليها عبر وسائل أجهزة متطورة وجواسيس وظفهم لغرض استهداف أبرز أطباء قطاع غزة في عمليات اغتيال مقصودة .
فمن ملجئه المؤقت في مدرسة للأونروا بمدينة خان يونس، أوجز رائد فروانة السيرة المهنية لعمه الدكتور عمر صالح فروانة، أبرز أطباء العقم وأطفال الأنابيب في قطاع غزة، بعد شهر من استشهاد الأخير تحت حطام منزله بحي تل الهواء جنوبي مدينة غزة منتصف ليل يوم 15 أكتوبر/تشرين الأول 2023 بعد عودته من عمله في مجمع الشفاء الطبي. أما الفاعل فكان طائرة حربية إسرائيلية تولت الإجهاز على الطبيب ليلا مع 16 من أفراد أسرته، ومنهم ابنة طبيبة معروفة بدورها اسمها آية، في وقت كُتبت فيه النجاة لطفلة واحدة من العائلة الممتدة.

عمر فروانة
شغل عمر فروانة منصب عميد كلية الطب في الجامعة الإسلامية بغزة، كما ساهم -حسب المتحدث- في تأسيس مستشفيي "الخدمة العامة" و"أصدقاء المريض" في غزة، وذلك بعد حصوله على بكالوريوس الطب من جامعة القاهرة، ودرجة الدكتوراه من جامعة ليدز، إحدى الجامعات الرائدة في المملكة المتحدة، وتمرنه في جامعة غرب أستراليا، مما منحه خبرة 30 عاما في علاج العقم وأطفال الأنابيب.
قبلها بيوم واحد أي في 14 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، غادر طبيب الحروق والجراح في مجمع الشفاء الطبي الدكتور مدحت صيدم، بعد دوام في المجمع استمر 7 أيام متواصلة، لتفقد عائلته، حسب بيان لوزارة الصحة. وبعيد وصوله سقط صاروخ إسرائيلي على منزل العائلة، ليستشهد الطبيب المعروف مع جميع أفرادها تحت ركام منزلهم. ويعمل صيدم -حسب زميله الطبيب أحمد مخللاتي- منذ 25 عاما، وشهد أغلب الحروب والتصعيدات السابقة في القطاع، وكان متفانيا في عمله.

همام اللوح
في 12 نوفمبر/تشرين الثاني 2023 صوبت طائرة حربية إسرائيلية ثالثة صواريخها إلى منزل طبيب زراعة الكلى الوحيد في غزة الدكتور همام اللوح، مما أدى لاستشهاده برفقة والده تزامنا مع اليوم الـ37 للحرب الإسرائيلية على القطاع المحاصر. ووفقا لشهادات حصل عليها معد التحقيق من مجمع الشفاء الطبي، قامت زوجة الطبيب اللوح بحمله إلى مسافة قريبة من المستشفى، ووضعته بمنتصف الطريق، ثم اتجهت إلى المجمع، وطلبت من فرق الإسعاف والطوارئ جلبه إلى داخل المجمع.
وفور شيوع نبأ استشهاد اللوح، انتشرت على وسائل التواصل الاجتماعي السيرة الغنية للطبيب الشاب، ليتبين من تقاطع معلومات أصدقائه وزملائه ومرضاه أنه عاد حديثا إلى وطنه لكي يقدم زكاة علمه وخبرته فيه، وكان كنزًا ثمينا للمنشأة الصحية في غزة، وأنه التحق بكلية الطب في جامعة صنعاء وتخرج منها عام 2011، ثم أكمل اختصاصه في الأمراض الباطنية وأمراض الكلى في الأردن. وحصل على المركز الأول في البوردين الأردني والعربي، وأنه فضّل العودة إلى غزة على أن يبقى في الأردن رغم كثرة الفرص.
كما كان الشهيد الطبيب اللوح أحد استشاريي الهلال الأحمر القطري في مشروع عمليات جراحية تخصصية للمرضى الفقراء بغزة. وقد وثق الطبيب الشهيد وفاءه لمرضاه في محادثة مسجلة انتشرت بعيد استشهاده على وسائل التواصل.

رأفت لبد
وفي ظروف مشابهة لأداة الجريمة ومسرحها وضحاياها، أجهزت آلة الحرب الإسرائيلية يوم 18 نوفمبر/تشرين الثاني الماضي على طبيب متميز آخر هو مدير مستشفى الباطنة في مجمع الشفاء الطبي الطبيب رأفت لبد. ويعد لبد -الذي استشهد مع عدد من أفراد أسرته- من أبرز أطباء الباطنة في قطاع غزة. وشغل منصب المدير العام لمستشفى الشيخ حمد للتأهيل والأطراف الصناعية بغزة، ومسؤولية تدريب الأطباء (بورد الباطنة في المستشفى الإندونيسي).
واستمر حصاد آلة الحرب الإسرائيلية ليشمل رئيس قسم علم الأمراض في الجامعة الإسلامية ومستشفى دار الشفاء الدكتور علي دبور، الذي استشهد في منزله مع والدته وابنه، والدكتور همام الديب جراح العظام المميز في العيادة التخصصية بالمستشفى العربي الخاص، والطبيب ميسرة الريس خريج جامعة الأزهر ثم كلية كينغز في لندن، التي حصل منها على درجة الماجستير في صحة المرأة.

عقل عظيم
وعن الريس الذي استشهد في منزله إلى جانب والده ووالدته وشقيقته الطبيبة عريب وشقيقته عزة وأولادها الثلاثة، كتبت زميلته الطبيبة النرويجية هني لوسيوس أنها عملت مع الريس وزملائه في تدريب طلاب طب غزة على الإسعافات الأولية المنقذ للحياة من 2016 إلى 2020. ووصفت لوسيوس الريس بالطبيب البارع، مؤكدة أن "العالم فقد عقلا عظيمًا".
وحصل معد التحقيق على أسماء 38 طبيبًا من قطاع غزة ممن استهدفهم الاحتلال الإسرائيلي بقتلهم من خلال قصف بيوتهم بشكل مباشر ومتعمد. ووثق كذلك استشهاد 24 طبيبا صيدلانيا، و11 طالب طب، و65 ممرضًا، و14 فني مختبرات، و6 علاج طبيعي، و3 أكاديميين في العلوم الصحية، و18 ضابط ورجل إسعاف.
وتبين أن الشهداء الأطباء الذين استشهدوا في منازلهم برفقة عائلاتهم، قضوا في عمليات اغتيال ممنهجة، علما بأن أيا منهم لم يكن قائداً سياسيًا أو عسكريًا لأي من الفصائل الفلسطينية، بل جميعهم يعملون في مهنة الطب، وكانوا ناشطين في خدمة الجرحى خلال الأيام الأولى للحرب.

كيف يستهدف الكيان الصهيوني الأطباء
ولفك لغز استهداف الأطباء في منازلهم، وما إذا كانت الأجهزة الأمنية الإسرائيلية تعرف التفاصيل الخاصة بالفئات المهنية وغيرها لكل سكان القطاع، قال الباحث المتخصص في الشأن الإسرائيلي حلمي موسى للجزيرة نت إن لدى تلك الأجهزة "معلومات استخبارية شبه دقيقة عن المدنيين في قطاع غزة، وتعرف امتلاك الناس لهذا البيت أو ذاك، وملكية المحلات التجارية والمنشآت، وكذلك أرقام هواتف كل السكان تقريبا. لديها معلومات كثيرة جدا عن الناس بسبب سيطرتها أصلا على السجل السكاني وعلى معابر دخول غزة الرسمية"، وأضاف أن ضباط تلك الأجهزة كانوا "يعبئون الفراغات بين حين وآخر، إما من خلال عملاء وإما عبر الضغط على عمال (فلسطينيين من العاملين داخل الكيان الصهيوني الغاصب) وإما من خلال المعلومات العامة. فلديهم سجل لطلاب المدارس والجامعات وما شابه".
ويخلص الباحث موسى إلى أن "الكيان الصهيوني المحتل للأراضي الفلسطينية" "كان يتحكم بحياة كل الناس حتى وهي خارج قطاع غزة بعد عملية الانفصال عن غزة. ما كانوا يجهلونه أحيانا أشياء تتعلق بالمقاومين في لحظة معينة. لكن غزة كانت ولا تزال المنطقة الأكثر مراقبة في العالم".
غير أن آلة الحرب الإسرائيلية امتدت، في حصادها أرواح أطباء قطاع غزة، إلى أولئك العاملين في مستشفيات غزة أثناء ممارستهم واجبهم المهني، وبينهم أعضاء من منظمة "أطباء بلا حدود" ومقرها باريس. ففي 21 نوفمبر/تشرين الثاني الماضي نعت المنظمة طبيبيها الدكتور محمود أبو نجيلة والدكتور أحمد السحار، كما نعت طبيبًا ثالثا وهو الدكتور زياد التتري، بعد استشهادهم بضربة استهدفت مستشفى العودة (جباليا)، أحد آخر المستشفيات المستمرة في العمل في شمالي غزة.
غير أن آلة الحرب الصهيونية امتدت، في حصادها أرواح أطباء قطاع غزة، إلى أولئك العاملين في مستشفيات غزة أثناء ممارستهم واجبهم المهني، وبينهم أعضاء من منظمة "أطباء بلا حدود" ومقرها باريس. ففي 21 نوفمبر/تشرين الثاني الماضي نعت المنظمة طبيبيها الدكتور محمود أبو نجيلة والدكتور أحمد السحار، كما نعت طبيبًا ثالثا وهو الدكتور زياد التتري، بعد استشهادهم بضربة استهدفت مستشفى العودة (جباليا)، أحد آخر المستشفيات المستمرة في العمل في شمالي غزة.
وكان الطبيبان أبو نجيلة والسحار -حسب بيان للمنظمة- موجودين في المرفق الصحي عندما ضُرب الطابقان الثالث والرابع منه. وتعرّض آخرون من الفريق الطبي لإصابات شديدة، من بينهم عاملون مع أطباء بلا حدود، حسب البيان ذاته.


مشاركة الإحداثيات
وأكدت المنظمة المعروفة بحيادها ومهنيتها، أنها تشارك معلومات حول مستشفى العودة بشكل دوري مع الأطراف المتحاربة إذ ما زال المستشفى في الخدمة ويوجد فيه فرق تابعة للمنظمة، كما أنها شاركت الإحداثيات مع السلطات الإسرائيلية قبل القصف بيوم واحد. وبينت المنظمة أن استهداف المرافق الطبية في غزة أصبح منهجيا. وقال مديرها كريستوس كريستوفي -في مؤتمر صحفي عقد في عمان يوم 30 نوفمبر/تشرين الثاني الماضي- إن "الحرب في غزة لا تستهدف حركة (المقاومة الإسلامية) حماس فقط، وإنما تطال القطاع بأكمله".
ولم يكن مستغربا وسط التأليب المتواصل في الشارع الإسرائيلي بعد عملية "طوفان الأقصى"، أن تصدر دعوة من أطباء إسرائيليين للجيش يطالبونه فيها بقصف المستشفيات الفلسطينية. ففي 5 نوفمبر/تشرين الثاني 2023، دعا عشرات الأطباء الإسرائيليين جيش الاحتلال الإسرائيلي إلى قصف مستشفى الشفاء بزعم أنه يضم مقرًا للمسلحين الفلسطينيين. جاء ذلك في عريضة متداولة على شبكات التواصل الاجتماعي وقّعها عشرات الأطباء الإسرائيليين، وأكدها موقع "هامحدش".

إفقاد الأمان
في الضفة المقابلة، يرجح المدير العام لوزارة الصحة بقطاع غزة منير البرش شبهة اغتيال الأطباء خلال الحرب الإسرائيلية المتواصلة منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023 على القطاع. ويقول  إن "أهم مقوم من مقومات الحياة في قطاع غزة الجوانب الصحية، والاحتلال أراد إفقاد غزة عنصر أمان، وهو الصحة العامة، من خلال استهداف الأطباء وقتل الأمل في نفوس الناس ودفعهم إلى الهجرة والنزوح". ويبين أن قطاع غزة "يحتاج من أجل تعويض الأطباء الذين استشهدوا خاصة أصحاب التخصصات النوعية إلى 35 عامًا".
من جهته، خلص نقيب أطباء فلسطين الطبيب شوقي صبحة إلى أن إسرائيل بالفعل نفذت عمليات اغتيال مقصودة ضد أبرز الأطباء الفلسطينيين في قطاع غزة، وأكثرهم خبرة. وأكد أن الأطباء المستهدفين في غزة منهم أصحاب تخصصات نوعية، ومعروفون بأنهم أصحاب مهنية مميزة.

الرأي القانوني

الناشطة القانونية في مجلس حقوق الإنسان رانيا ماضي، التي تعمل مع مؤسسة دولية لدى الأمم المتحدة، أكدت أن استهداف الأطباء في قطاع غزة خلال الحرب يعد عملية اغتيال.
وقالت رانيا للجزيرة نت إن "اتفاقية جنيف الرابعة والبروتوكولين الإضافيين تضمنت الفريق الطبي والعاملين فيه حتى سائقي سيارات الإسعاف وكل من يساعد الجرحى، ووفرت لهم حماية، وذهبت الاتفاقية إلى أن الطرفين المتنازعين عليهما إعلام بعضهما قبل بدء القتال بالأماكن التي توجد بها المستشفيات". وأوضحت أن القانون الدولي الإنساني نصّ على عدم انتهاك الوحدات الطبية بل حمايتها وفقاً للمادة 2 من بروتوكول عام 1977.

خلق كارثة
ورأى الدكتور غسان أبو ستة -الذي عمل خلال الحرب الأخيرة في مستشفيي المعمداني والشفاء- في السلوك العسكري الصهيوني تجاه الأطباء الفلسطينيين في غزة جزءا من حملة تطهير عرقي. وقال خلال محاضرة ألقاها في الخامس من ديسمبر/كانون الأول الجاري في معهد الدوحة للدراسات العليا إن "استهداف القطاع الصحي جزء من (عملية) خلق كارثة".
وأوضح قائلا: "أنا برأيي أن جثث الأطفال الخدج التي تركت في مستشفى النصر لم تكن خطأ، بل كانت أساسية في الطريقة الاستعراضية للقتل، بعدها ضرب سيارات الإسعاف والطواقم الطبية، واستشهاد أكثر من 280 بطريقة منهجية عبر استهدافهم لحظة عودتهم إلى منازلهم؛ كل هذا الهدف منه خلق كارثة تستمر بعمل التطهير العرقي بعد الحرب".

..................

انتهى / 232