وكان عصر يزيد أخطر تحد شهده الإسلام. فكان على الامام الحسين أن يقوم بثورته ويقف بوجه الظلم والطغيان ويضحي بمهجته وعياله خشية على دين جده رسول الله من الزوال.
فاحيا الله ذكره وخلده واودع فيه سرا روحيا في قلوب الاحرار. وجعل استشهاده يتجدد مع الزمان يدور حيث دار. وجعل مظلوميته قائمة مستمرة في وجه الظلم والطغيان في كل زمان.
فحق علينا أن نحيي ذكرى استشهاد الإمام الحسين (عليه السلام) التي أوقفها الله وركبها ضمن النظام الكوني تدور مع الزمان. وأبى أن تمر ذكراه مرور الكرام كالأحداث الأخرى. وجعلها رمزا للتضحيات الجسام والمعارك عبر التأريخ رغم صغر معركة طف فاجعة كربلاء ورغم مدتها القصيرة... لساعات فقد هيمنت على التأريخ وجعلت الزمان يقف عندها والشعوب تحيي ذكراها.
حتى في أحلك ظروف المنع عبر التأريخ ومحاولات محو الذكرى وشطبها من ذاكرة التأريخ لكن الله جعلها صرخة مدوية لم تنته. فما تزال رايات المعركة تعلو. والمجالس والمسير والزيارات وسكب العبرات وما تزال استذكار فاجعة كربلاء بتفاصيلها حاضرة في قلوب الاحرار حتى الذين ركضوا لنصرة الحسين تتجدد كل عام بعد استشهاد الحسين ومسير السبايا وإحياء زيارة الأربعين ومقولة: هيهات منا الذلة...
وحق علينا إحياء ليلة العاشر من محرم ليلة استشهاده بالذكر والعبادة والدعاء لا النوم.. والتألم لقتل سيد الشهداء. وسكب العبرات في قلوب الاحرار. ولعن قتلته وكشف مؤامراتهم في هدم الدين من الداخل والقرآن الكريم وقتل الحسين ع بالبحث العلمي الرصين. وما نزال مختلفين مستهدفين، فمن يكتب عن الحسين ويستجلي الحقيقة فقد استهدف.
فالحسين عبرة بين عاطفة وعقل. فمن تبع العاطفة كفروه. ومن تبع العقل كذبوه وسفههوه. فلا يأخذ العقل بجريرة العاطفة التي تغفل عن جوهر قضية الامام الحسين (عليه السلام). إذ لم يهدأ التأريخ منذ قتل الحسين من ثورات ومكائد وغصب خلافة.
ليس البكاء على الحسين بكاء على رجل قتل قبل الف وأربعمائة سنة كما يرى السطحيون. فيسخرون. انه تاريخ خير امة أمة أخرجت للناس. انه مصادرة الإسلام. ما تزال الطف مؤثرة في الاسلام والمسلمين. متى ما حسمت انتصر الدين. وليست صرخة الحسين كلمة ذاهبة فالقرآن كلمة والحق كلمة والرجل كلمة والعالم كلمة...
إنً الله سبحانه شاء أن تبقى ذكرى استشهاد الامام الحسين. عبرة للظلم والظالمين والطغيان في كل زمان.
فهي ليست كلمة عابرة ولا حدث عابر. وليست الشعائر عاطفة فحسب من غير فهم دقيق لثورة الحسين التي ينبغي أن تتجدد على الظالمين واعداء الدين كل حين. وتصحيح انحراف مسار الدين القويم، دين محمد الأمين.
لقد أحيا استشهاد الامام الحسين (عليه السلام) الإسلام بعد أن خفت في عصر بني امية فلا نجد علماء وتابعين بل ضيقوا عليهم ولا سيما في عصر الحجاج. والتاريخ مليء بروايات هروب العلماء وقتلهم ولا سيما من الطالبيين، ناهيك عن استباحة مدينة رسول الله (صلى الله عليه وآله) التي انطلقت منها الدولة الاسلامية الرشيدة وما تزال قائمة. وحرق أستار الكعبة. فأي طمع بالسلطة هذا واي حقد وثأر للكفر الموؤد الموتور. لكن بعضهم لا يزالوا يجهلون الحقيقة. يدافعون عن يزيد ومعاوية وبنات طارق. وما يزال الموضوع يثير حساسية المتشددين. الذين يقرؤون التأريخ من غير تدبر. ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
ألوف المعارك والغزوات عبر التاريخ بعضها حروب كبيرة استمرت أياما وشهورا، كالفتوحات العظيمة كفتح الاندلس وبلاد فارس والقسطنطينية والحروب الصليبية والمعارك مع المغول وغيرها من الحروب التي أصبحت تاريخا لم تتجدد ذكراها. الا موقعة الطف في كربلاء التي استمرت ساعات لكنها رسخت في التاريخ تتجدد كل عام اختزلت التأريخ والمعارك. يحييها الناس بكل احداثها ومعانيها السامية مستمرة مع الزمان، ثورة قائمة وصيحة حق مستمرة على الظلم والظالمين واعداء الإسلام وتصحيح انحراف المسار وإحياء الدين ومحاربة الظلم والفجور وفضحهم في كل زمان. وما احوجنا إليها اليوم.
لقد ترك رسول الله فينا القرآن الكريم واوصى بالتمسك به كي لا نضل بعده. وجعل عترته أوصياء على القرآن وعلى دين الفطرة. حتى ينتقل الى الاجيال جيل بعد جيل فان الناس كانوا حديثي عهد بالإسلام خشية التفريط به. حتى رسخ اسس الإمامة. ومع ذلك ظهرت الاتجاهات والمذاهب والقراءات الشاذة والفلسفات والأحاديث الكاذبة والوضع والدس فانحرف الدين لولا القرآن الكريم وعترته.
يرفع جموع المحيين القرآن الكريم ردا على تدنيسه لان واقعة كربلاء أحق واقعة دافعت عن القرآن الكريم والاسلام لأنها هكذا كانت. فقد حاججهم الإمام الحسين بالقرآن لكن الشيطان استحوذ عليهم.
وبالإيمان والعزيمة واقعة الطف غيرت وجه التأريخ وما زال الأدباء يكتبون. والشعراء ينظمون:
قال الشاعر
وقف الزمانُ على ضَريحكَ سائلاً
ما السرُ فيكَ كلً يومٍ يخطرُ
أنتَ الذي أبقيت دين مُحمدٍ
ووهبت رب العرش طِفلاً يُنحرُ
قف يا زمان الآن فَخراً وانحني
هذا الذي أفنى ملوكاً سيطروا
باقٍ على مر السنين وكُلما
ينهار جيلٌ ألف جيل يظهرُ
منسوبة الى دُعبل الخزاعي.
وكما قال الشاعر في الادب الحسيني الشعبي:
يل غزيت العالم بسبعينها
خلدك باري السما بدارينها
انت سيد كل شهيد بكل زمان
وبالخلد سيد شباب الجنان
صار قبرك للخلق كعبة وأمان
من حييت بدم وريدك دينها.
ليس الحسين للشيعة بل للإنسانية من الديانات المختلفة النصارى والصابئة والغرب الا النواصب.
السلام على الحسين وعلى علي بن الحسين وعلى اولاد الحسين وأصحاب الحسين عليهم السلام. الحمد الله رب العالمين.
بقلم: د. حسن منديل حسن العكيلي