وكالة أهل البيت (ع) للأنباء

المصدر : ابنا
الأحد

٢٣ يوليو ٢٠٢٣

١:٤٧:٤١ م
1381694

التكايا ودورها في إقامة المجالس وتقديم الخدمات وانطلاق المواكب

شكلت التكايا ملتقى ثقافي وفكري يتجمع فيها الأدباء والشعراء والمثقفون ورجال الدين للتداول في شؤون الأمة وانقاذها من الظلم، ولا يكون ذلك إلا من خلال الالتزام بنهج الإمام الحسين الخالد، فالأفكار المطروحة من خلال التكايا سواء ذلك في المجالس الحسينية أو من خلال القصائد وردات المواكب التي تنطلق منها، فإنها تحث المجتمع على الالتزام بنهج أهل البيت عليهم السلام ورفض كل أشكال الظلم والطغيان والفساد والإرهاب والاستبداد وكل الأمور التي يرفضها الإسلام جملة وتفصيلا.

وفقا لما أفادته وكالة أهل البيت (ع) للأنباء ــ ابنا ــ كلمة تكية جاءت في الأصل من كلمة المتكأ وكما نقرأ في القرآن الكريم: (هُمْ وَأَزْوَاجُهُمْ فِي ظِلَالٍ عَلَى الْأَرَائِكِ مُتَّكِئُونَ). ﴿ يس، ٥٦﴾ أما أصل هذه الشعيرة ففي أيام الدولة العثمانية في عاصمتها (الآستانة) كانت هنالك التكايا التي يتجمع فيها الطلبة لتعليم القرآن الكريم والأحكام الشرعية والطرق الصوفية، وأيضا كانت منطلقا لكل عمل خير واحسان في تلك الحقبة الزمنية في العهد العثماني، وفي الحقيقة إن الموالين لأهل البيت في المناطق المختلفة في العراق ولا سيما كربلاء المقدسة قد أخذوا تلك الفكرة وترجموها تكايا حسينية لانطلاق المواكب في العشرة الأولى من محرم الحرام، وهكذا كانت ولا تزال التكايا مركزا لتجمع أهالي المنطقة والمحبين لإقامة المجالس وتقديم الخدمات ومداولة الأمور الحسينية وقضاء حوائج المؤمنين وانطلاق المواكب باتجاه حرم أبي عبد الله الحسين وأخيه أبي الفضل العباس عليهما السلام.
ولكي يكون المكان ملائما لصاحب الذكرى ارتأى أصحاب التكايا أن يزينوها بالإنارة الجميلة والمزهريات المزركشة ذات الزهور الفواحة فاستخدموا مصابيح (اللالات) لكي تدل على معلم من معالم واقعة الطف الخالدة، فتارة استخدموا (72) لالة وأخرى اضاؤوا (57) لالة للدلالة إلى اصحاب الإمام الحسين في الأولى وعمر الإمام الهمام في الثانية، ويمكن الاستدلال على ان ما يضفوه من جمال وزينة وبخور وزهور وعطور ومرايا في التكايا اشارة إلى ان صحبة الإمام الحسين عليه السلام والخدمة في مجالسه وشعائره مؤداها في النتيجة إلى رضوان الله تعالى وما يرافقه من جنة عرضها السماوات والأرض فيها من النعيم ما لا عين رأت ولا خطر على قلب بشر، أيسرها القطوف الدانية متنعمين بجنات تجري من تحتها الأنهار أعدت للمتقين.
وشكلت التكايا ملتقى ثقافي وفكري يتجمع فيها الأدباء والشعراء والمثقفون ورجال الدين للتداول في شؤون الأمة وانقاذها من الظلم، ولا يكون ذلك إلا من خلال الالتزام بنهج الإمام الحسين الخالد، فالأفكار المطروحة من خلال التكايا سواء ذلك في المجالس الحسينية أو من خلال القصائد وردات المواكب التي تنطلق منها، فإنها تحث المجتمع على الالتزام بنهج أهل البيت عليهم السلام ورفض كل أشكال الظلم والطغيان والفساد والإرهاب والاستبداد وكل الأمور التي يرفضها الإسلام جملة وتفصيلا.
ومن هذا المنطلق أضحت هذه الشعيرة غصة في حلق الظالمين منذ نشؤوئها إلى عصرنا هذا، لأنها ترهب الظالمين والمتكبرين والفاسقين وحكام الجور والإرهاب، ولا غرابة من أنها حوربت من قبل حكام البعث البائد وجميع الأنظمة الفاسدة قديما وحديثا، الذين لا يروق لهم من أن تتحول تلك التكايا إلى مراكز اشعاع فكرية وثقافية واعلامية لنشر الفضائل وردم الرذائل ومحاربة الظالمين اينما حلوا وارتحلوا، وهي الرسالة الخالدة التي يتوخاها أصحاب التكايا التي تتجدد في كل عام حتى يرث الإمام صاحب الزمان الأرض ويملؤها قسطا وعدلا كما ملئت ظلما وجورا.
فالتكايا اذن عالم مكلل بالجلال والخشوع والجمال، إنه عالم التكايا الحسينية التي انتشرت في شوارع وساحات كربلاء المطهرة وهي تستذكر ملحمة الحسين(ع) وأحداثها المتفردة في تأريخ الانسانية، حيث لا يمكن للرائي ان يمر بالتكية مرور الكرام بسبب نفحات الجمال والقدسية التي تفوح من ثرياتها ومصابيحها وصورها وشعاراتها وبخورها وغير ذلك مما يملأ هذه التكية او تلك فيحيلها الى عالم له خصوصية الأماكن المقدسة، وفي أيام عاشوراء ترتدي كربلاء المقدسة رداءها الاسود الحزين على مصاب أبي عبد الله الحسين (ع) وتبدأ بإحياء الطقوس والشعائر الحسينية المقدسة إسهاما منها في نصرة الامام الحسين(ع) الذي استشهد دفاعا عن الحق والحرية ومقارعة الظلم والباطل بكل أشكاله.
والتكايا التي يقيمها عدد من اهالي كربلاء ومواكب الزائرين من داخل وخارج العراق من المسلمين هي إحدى هذه الشعائر المهمة، والخدمات التي تقدمها التكايا للزوار الكرام هي: الماء والشاي والطعام كذلك غالبا ما تكون التكية مكانا مناسبا للراحة والتبرك لكل زوار الحسين (ع) أما معاني وفلسفة التكية والآلات الجميلة المضيئة فيها، ينقل عن بعض الأعيان في كربلاء ورؤساء المواكب أن السر وراء نصب التكايا في العشرة الأولى من المحرم يكمن في ان وصول الامام الحسين (ع) الى كربلاء كان في اول يوم من شهر محرم الحرام وفي بعض الروايات في الثاني منه، ولذلك يستقبل اهالي كربلاء قدوم شهر محرم بتنصيب المصابيح والفوانيس الملونة التي تضيء اجواء المدينة، التي يسمونها بـ(التكية) وهي دلالة وتعبير عن الحزن والمواساة بإضاءة المدينة للإمام الحسين عليه السلام وعائلته واصحابه.
ويمثل كل فانوس ومصباح رمز معين لأصحاب الامام الحسين (ع) وتتزين هذه التكية بالمصابيح والمرايا والزهور والمزهريات، ويكون تجمع كل هيئة في التكية الخاصة بها حيث يتم توزيع الماء والطعام، ويستمر هذا الامر الى التاسع من محرم ليلاً، وعند نزول المشق تعبيرا عن بدء الحرب مع الظالمين يتم وضع البياض (الكفن) على التكية، وفي مساء يوم العاشر من محرم يتم وضع مصابيح حمراء وإطفاء لالات التكية تعبيرا عن انتهاء يوم الحرب ومقتل الامام الحسين واصحابه(ع).. وحينها يتم اشعال الشموع تعبيرا عن حزن المحبين لفقدانهم الامام الحسين (ع) وسبي النساء والاطفال ويتجمع الناس خصوصا الاطفال والنساء عند مخيم الحسين (ع) مواساة لعائلة الامام (ع) واطفاله، وفي يوم الحادي عشر من محرم الحرام يتم تجميع الآلات والمصابيح والفوانيس ووضعها في صناديق خاصة، بانتظار محرم آخر حيث يتم استعادة الذكرى من جديد.
بقلم حسن الهاشمي