وكالة أهل البيت (ع) للأنباء

المصدر : ابنا
الثلاثاء

٢٧ يونيو ٢٠٢٣

٣:٥٢:٢٠ ص
1375654

بمناسبة عيد الغدير الأغر وهو عيد الله الأكبر تتويج مولانا الإمام علي أمير المؤمنين (ع) بإمرة المؤمنين، وذلك بأمر من الله وتنفيذ من قبل الرسول الأعظم (ص)، نقدم لكم بعض ما ورد عن هذه الواقعة العظيمة.

وفقا لما أفادته وكالة أهل البيت (ع) للأنباء ــ ابنا ــ أجمع رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم الخروج إلى الحجّ في سنة عشْرٍ من مُهاجره ، وأذّن في الناس بذلك ، فقدم المدينة خلق كثير يأتمّون به في حِجّته تلك التي يُقال (۱) عليها حجّة الوداع ، وحجّة الإسلام ، وحجّة البلاغ ، وحجّة الكمال ، وحجّة التمام (۲) ، ولم يحجّ غيرها منذُ هاجر إلىٰ أن توفّاه الله ، فخرج صلّى الله عليه وآله وسلّم من المدينة مغتسلاً متدهِّناً مترجِّلاً متجرِّداً في ثوبينِ صُحاريّين (۳) : إزارٍ ، ورداء ، وذلك يوم السبت لخمسِ ليالٍ أو ستٍّ بقينَ من ذي القِعْدة ، وأخرج معه نساءه كلّهنّ في الهوادج ، وسار معه أهل بيته وعامّة المهاجرين والأنصار ، ومن شاء الله من قبائل العرب وأفناء (٤) الناس (٥).

وعند خروجه صلّى الله عليه وآله وسلّم أصاب الناس بالمدينة جُدَريٌّ ـ بضمّ الجيم وفتح الدال وبفتحهما ـ أو حصبة منعت كثيراً من الناس من الحجّ معه صلّى الله عليه وآله وسلّم ، ومع ذلك كان معه جموعٌ لا يعلمها إلّا الله تعالىٰ ، وقد يقال : خرج معه تسعون ألفاً ، ويقال : مائة ألفٍ وأربعةَ عشرَ ألفاً ، وقيل : مائة ألفٍ وعشرونَ ألفاً ، وقيل : مائة ألفٍ وأربعة وعشرون ألفاً ، ويقال : أكثر من ذلك ، وهذه عدّةُ من خرج معه ، وأمّا الذين حجّوا معه فأكثر من ذلك ، كالمقيمين بمكّة ، والذين أتوا من اليمن مع عليٍّ أميرالمؤمنين وأبي موسىٰ (٦).

أصبح صلّى الله عليه وآله وسلّم يومَ الأحد بيَلَمْلَمَ (۷) ، ثمّ راح فتعشّىٰ بشرف السيّالة ، وصلّىٰ هناك المغرب والعشاء ، ثمّ صلّى الصبح بعِرْقِ الظُّبْية (۸) ، ثمّ نزل الروْحاء ، ثمّ سار من الروحاء فصلّى العصر بالمنصرف (۹) ، وصلّى المغرب والعشاء بالمتعشّىٰ وتعشّىٰ به ، وصلّى الصبح بالأثاية (۱۰) ، وأصبح يوم الثلاثاء بالعَرْج (۱۱) واحتجم بلَحْيِ جَمَلٍ (۱۲) ـ وهو عقبة الجُحْفة ـ ونزل السُّقْياء (۱۳) يوم الأربعاء ، وأصبح بالأبواء (۱٤) ، وصلّىٰ هناك ، ثمّ راح من الأبواء ونزل يوم الجمعة الجُحْفة ، ومنها إلىٰ قُدَيْد (۱٥) وسَبَتَ فيه ، وكان يومَ الأحد بعُسْفان (۱٦) ، ثمّ سار ، فلمّا كان بالغَميم (۱۷) اعترض المشاة ، فصُفّوا صفوفاً ، فَشكَوا إليه المشي ، فقال : استعينوا بالنسَلان ـ مشيٌ سريعٌ دون العدو ـ ففعلوا فوجدوا لذلك راحة ، وكان يوم الإثنين بمَرِّ الظهْران ، فلم يبرَحْ حتّىٰ أمسىٰ ، وغرُبت له الشمس بسَرِف (۱۸) فلم يصلِّ المغرب حتّىٰ دخل مكّة ، ولمّا انتهىٰ إلى الثنِيَّتين (۱۹) بات بينهما ، فدخل مكّة نهار الثلاثاء (۲۰).

فلمّا قضىٰ مناسكه ، وانصرف راجعاً إلى المدينة ومعه من كان من الجموع المذكورات ، وصل إلىٰ غدير خُمّ من الجُحْفة التي تتشعّب فيها طرق المدنيِّين والمصريِّين والعراقيِّين ، وذلك يوم الخميس (۲۱) الثامن عشر من ذي الحجّة نزل إليه جبرئيل الأمين عن الله بقوله : ( يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ ) الآية. وأمره أن يقيم عليّاً عَلَماً للناس ، ويبلِّغهم ما نزل فيه من الولاية وفرض الطاعة علىٰ كلّ أحد ، وكان أوائل القوم قريباً من الجُحْفة ، فأمر رسول الله أن يردّ من تقدّم منهم ، ويحبس من تأخّر عنهم في ذلك المكان ، ونهىٰ عن سَمُراتٍ (۲۲) خمْسٍ متقاربات دَوْحاتٍ عظام أن لا يَنزل تحتهنَّ أحد ، حتّىٰ إذا أخذ القوم منازلهم ، فقُمَّ ما تحتهنَّ ، حتّىٰ إذا نودي بالصلاة ـ صلاة الظهر ـ عمد إليهنّ ، فصلّىٰ بالناس تحتهنّ ، وكان يوماً هاجراً يضع الرجل بعض ردائه علىٰ رأسه ، وبعضه تحت قدميه ، من شدّة الرمضاء ، وظُلِّل لرسول الله بثوبٍ علىٰ شجرةِ سَمُرةٍ من الشمس ، فلمّا انصرف صلّى الله عليه وآله وسلّم من صلاته ، قام خطيباً وسط القوم (۲۳) علىٰ أقتاب الإبل (۲٤) ، وأسمع الجميع ، رافعاً عقيرته ، فقال :

« ألحمد للهِ ونستعينه ونؤمن به ، ونتوكّل عليه ، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ، ومن سيّئات أعمالنا ، الذي لا هادي لمن أضلّ (۲٥) ، ولا مُضلّ لمن هدىٰ ، وأشهد أن لا إله إلّا الله ، وأنَّ محمداً عبده ورسوله.

أمّا بعدُ : أيُّها الناس قد نبّأني اللطيف الخبير : أنّه لم يُعمَّر نبيٌّ إلّا مثلَ نصفِ عمر الذي قبلَه. وإنّي أُوشِك أن أُدعىٰ فأُجيب ، وإنّي مسؤول ، وأنتم مسؤولون ، فماذا أنتم قائلون ؟

قالوا : نشهدُ أنّك قد بلّغتَ ونصحتَ وجهدتَ ، فجزاكَ الله خيراً.

قال : ألستم تشهدون أن لا إله إلّا الله ، وأنَّ محمداً عبدهُ ورسوله ، وأنَّ جنّته حقّ وناره حقّ ، وأنَّ الموت حقّ ، وأنَّ الساعة آتية لا ريبَ فيها وأنَّ الله يبعثُ من في
القبور ؟

قالوا : بلىٰ نشهد بذلك. قال : أللّهمّ اشهد ، ثمّ قال : أيّها الناس ألا تسمعون ؟ قالوا : نعم.

قال : فإنّي فَرَط (۲٦) على الحوض ، وأنتم واردون عليّ الحوض ، وإنَّ عُرضه ما بين صنعاءَ وبُصرىٰ (۲۷) ، فيه أقداح عدد النجوم من فضّة ، فانظروا كيف تخلِفوني في الثقَلَينِ (۲۸).

فنادىٰ منادٍ : وما الثقَلان يا رسول الله ؟

قال : الثقَل الأكبر كتاب الله طرفٌ بيد الله عزّ وجلّ وطرفٌ بأيديكم ، فتمسّكوا به لا تضلّوا ، والآخر الأصغر عترتي ، وإنَّ اللطيف الخبير نبّأني أنّهما لن يتفرّقا حتّىٰ يردا عليّ الحوض ، فسألت ذلك لهما ربّي ، فلا تَقدموهما فتهلكوا ، ولا تقصروا عنهما فتهلكوا.

ثمّ أخذ بيد عليّ فرفعها حتىٰ رُؤي بياض آباطهما وعرفه القوم أجمعون ، فقال : أيّها الناس من أولى الناس بالمؤمنين من أنفسهم ؟. قالوا : الله ورسوله أعلم.
قال : إنَّ الله مولاي ، وأنا مولى المؤمنين ، وأنا أولىٰ بهم من أنفسهم فمن كنت مولاه فعليّ مولاه ، يقولها ثلاثَ مرّات ـ وفي لفظ أحمد إمام الحنابلة : أربع مرّات ـ ثمّ قال : أللّهمّ والِ من والاه ، وعادِ من عاداه ، وأحِبَّ من أحبّه ، وأبغِضْ من أبغضه وانصُرْ من نصره ، واخذُلْ من خذله ، وأَدرِ الحقَّ معه حيث دار ، ألا فليبلّغ الشاهدُ الغائب. ثمّ لم يتفرّقوا حتىٰ نزل أمين وحي الله بقوله : ( الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي ) الآية. فقال رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم : الله أكبر علىٰ إكمال الدين ، وإتمام النعمة ، ورضا الربّ برسالتي ، والولاية لعليٍّ من بعدي ».

ثمّ طَفِق القوم يهنِّئون أمير المؤمنين ـ صلوات الله عليه ـ وممّن هنّأه ـ في مُقدّم الصحابة ـ الشيخان : أبو بكر وعمر كلٌّ يقول : بَخٍ بخٍ لك يا ابن أبي طالب أصبحتَ وأمسيتَ مولايَ ومولىٰ كلّ مؤمن ومؤمنة. وقال ابن عبّاس : وجبت ـ واللهِ ـ في أعناق القوم.

فقال حسّان : ائذنْ لي يا رسول الله أن أقول في عليٍّ أبياتاً تسمعهُنّ. فقال : « قُلْ على بركة الله ».

فقام حسّان ، فقال : يا معشر مشيخة قريش أتبعها قولي بشهادةٍ من رسول الله في الولاية ماضية ، ثمّ قال :

يُناديهِمُ يومَ الغديرِ نبيُّهم   بخُمٍّ فأسمِعْ بالرسولِ مُناديا (۲۹)

هذا مجمل القول في واقعة الغدير ، وسيُوافيك تفصيل ألفاظها ، وقد أصفقت الأمّة علىٰ هذا ، وليست في العالم كلّه ـ وعلىٰ مستوى البسيط (۳۰) ـ واقعة إسلاميّة غديريّة غيرها ، ولو أُطلق يومه فلا ينصرف إلّا إليه ، وإن قيل محلّه فهو هذا المحلّ المعروف علىٰ أَمَمٍ (۳۱) من الجُحْفة ، ولم يعرف أحد من البحّاثة والمنقِّبين سواه. نعم ، شذّ عنهم الدكتور ملحم إبراهيم الأسود في تعليقه علىٰ ديوان أبي تمام ، فإنّه قال : هي واقعة حرب معروفة ! ولنا حول ذلك بحثٌ ضافٍ تجده في ترجمة أبي تمام من الجزء الثاني إن شاء الله.

الهوامش

۱. الظاهر أنّه قدّس سرّه ضمّن « قال » معنىٰ « يطلق » فعدّاه بـ « علىٰ ».

۲. الذي نظنّه ـ وظنّ الألمعيّ يقين ـ أنَّ الوجه في تسمية حِجّة الوداع بالبلاغ هو نزول قوله تعالى : ( يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ ) الآية ، كما أنَّ الوجه في تسميتها بالتمام والكمال هو نزول قوله سبحانه : ( الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي ) الآية. (المؤلف)

۳. صُحار : مدينة عمان أو قصبة عمان ممّا يلي الجبل ، وتوأم قصبتها ممّا يلي الساحل. معجم البلدان : ۳ / ۳۹۳.

٤. أفناء : واحدهُ فنو أي أخلاط ، ورجل من أفناء القبائل أي لا يدرىٰ من أيّ قبيلة هو.

٥. الطبقات لابن سعد : ۳ / ۲۲٥ [ ۲ / ۱۷۳ ] ، إمتاع المقريزي : ص ٥۱۰ ، إرشاد الساري : ٦ / ٤۲۹ [ ۹ / ٤۲٦ ]. (المؤلف)

٦. السيرة الحلبيّة ۳ / ۲۸۳ [ ۳ / ۲٥۷ ] ، سيرة أحمد زيني دَحْلان ۳ / ۳ [ ۲ / ۱٤۳ ] ، تاريخ الخلفاء لابن الجوزي في الجزء الرابع ، تذكرة خواصّ الأمّة : ص ۱۸ [ ص ۳۰ ] ، دائرة المعارف لفريد وجدي ۳ / ٥٤۲. (المؤلف)

۷. يَلَمْلَم : هو ميقات أهل اليمن للإحرام بالحجّ ، وهو جبل من جبال تهامة جنوب مكة. معجم البلدان : ٥ / ٤٤۱.

۸. عِرق الظُّبية : موضع علىٰ ثلاثة أميال من الروحاء به مسجد رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم. معجم البلدان : ۳ / ٥۸.

۹. المُنْصرف : موضع بين مكة وبدر بينهما أربعة بُرُد. معجم البلدان : ٥ / ۲۱۱.

۱۰. هو موضع في طريق الجُحفة بينه وبين المدينة خمسة وعشرون فرسخاً. معجم البلدان : ۱ / ۹۰

۱۱. العَرْج : قرية في وادٍ من نواحي الطائف ، بينها وبين المدينة ثمانية وسبعون ميلاً. معجم البلدان : ٤ / ۹۸.

۱۲. لَحْي جمل : هي عقبة الجُحفة علىٰ سبعة أميال من السقياء. معجم البلدان : ٥ / ۱٥.

۱۳. السُّقياء : قرية جامعة من عمل الفُرع ، بينهما ممّا يلي الجحفة تسعة عشر ميلاً. معجم البلدان : ۳ / ۲۲۸.

۱٤. الأبْوَاء : قرية من أعمال الفُرع من المدينة ، بينها وبين الجحفة ممّا يلي المدينة ثلاثة وعشرون ميلاً. معجم البلدان : ۱ / ۷۹.

۱٥. قُدَيْد : اسم موضع قرب مكّة. معجم البلدان : ٤ / ۳۱۳.

۱٦. عُسفان : قال السكري : عُسفان علىٰ مرحلتين من مكّة علىٰ طريق المدينة والجحفة علىٰ ثلاث مراحل. معجم البلدان : ٤ / ۱۲۲.

۱۷. الغميم : قال نصر : الغميم موضع قرب المدينة بين رابغ والجحفة. معجم البلدان : ٤ / ۲۱٤.

۱۸. سَرِف : موضع من مكّة علىٰ عشرة أميال ، وقيل : أقل وأكثر. معجم البلدان : ۳ / ۲۱۲.

۱۹. الثنيّتان : مثنى الثنيّة ، وهي طريق العقبة ، أو العقبة ، والثنيّة : الطريقة في الجبل كالنقب.

۲۰. الإمتاع للمقريزي : ص ٥۱۳ ـ ٥۱۷. (المؤلف)

۲۱. هو المنصوص عليه في لفظ البراء بن عازب وبعض آخر من رواة حديث الغدير ، وسيوافيك كلامنا فيه : ص ٤۲ [ من هذا الجزء ]. (المؤلف)

۲۲. سَمُرات جمع سمرة : شجرة الطلح.

۲۳. جاء في لفظ الحافظ الهيثمي في مجمع الزوائد : ۹ / ۱۰٦ وغيره. (المؤلف)

۲٤. ثمار القلوب : ص ٥۱۱ [ ص ٦۳٦ رقم ۱۰٦۸ ] ، ومصادر أُخر ، كما مرّ ص ۸. (المؤلف)

۲٥. في الأصل « ضلّ » والصحيح ما أثبتناه ، وقد أشار المصنّف في هامش ص ۸۸ إلىٰ هذا الخطأ الموجود في النسخ.

۲٦. الفَرَط : المتقدم قومه إلى الماء ، ويستوي فيه الواحد والجمع.

۲۷. صنعاء : عاصمة اليمن اليوم ، وبُصْرىٰ : قَصَبة كورة حوران من أعمال دمشق. (المؤلف)

۲۸. الثقَل ـ بفتح المثلّثة والمثنّاة ـ : كلّ شيء خطير نفيس. (المؤلف)

۲۹. إلىٰ آخر الأبيات الآتية في ترجمة حسّان في شعراء القرن الأوّل في الجزء الثاني. (المؤلف)

۳۰. البسيط والبسيطة : الأرض العريضة والمكان الواسع.

۳۱. الأَمَم : القُرب.

مقتبس من كتاب  الغدير في الكتاب والسنّة والأدب للعلامة الأميني، المجلّد : ۱، صص ۳۱ ـ ۳٦
..........
انتهى/ 278