بادئ الامر، يهمنا ان نؤكد أن طرحنا لهذا الموضوع لا ينطلق من اي خلفية سياسية او طائفية، ولا نريده تدخلا في الشأن الداخلي لدولة شقيقة، وانما هو اولا مبني على حرصنا على امن الخليج، واستقرار كل دوله وعلى رأسها المملكة العربية السعودية، وهو قائم على محبتنا لخادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز وبرنامجه الاصلاحي ودعوته التوافقية واعلانه عن ترسيخ مفاهيم العدالة واعتماده الشورى والانفتاح وقبول الرأي الآخر.. وهو الامر الذي جعل كثيرين يراهنون عليه.
وما جرى في البقيع، سوف نتناوله بموضوعية شديدة، بعيدا عما يتاجر به الغرب وسلوكه الإفراطي، وعما يستغله الطائفيون ومنهجهم التطرفي.. ما جرى في البقيع، لا نعتقد، ولا يعتقد عربي ومسلم، انه يرضي خادم الحرمين، فهناك نساء تم ضربهن، وهتك سترهن، وتم تصوريهن على ايدي اعضاء في هيئة الامر بالمعروف، وبعض العناصر الموالية لها.. وهناك شيوخ معممون اهينوا والقيت عمامتهم على الارض وديست بالاقدام وتعرضوا للضرب بالحجارة والعصي ومعهم فتية اكبرهم في السابعة عشرة من عمره، وكان مصيرهم إما العناية المركزة او الاحتجاز في السجون.. ماجرى في البقيع، هو ان بعض المؤمنين العزل زاروا المسجد النبوي في المدينة المنورة، فمنعوا من الزيارة، لكنهم اصروا على إتمام واجباتهم الدينية فتعرضوا للاذية وسقط منهم الجرحى، ومن بينهم نساء حوامل ضربن حتى الاغماء، وشباب تعرضوا للطعن بآلات حادة.. «الدار» اتصلت بالدكتور توفيق السيف، المحلل والمفكر السياسي المعتدل والمعروف بالتزامه الوطني وبالحوار الدائم مع الديوان الملكي واجهزة الحكومة، وسألته عما حصل فقال: لقد اعتاد زوار المسجد النبوي الشريف من المسلمين الشيعة التجمع في الباحة الخارجية للمسجد حيث يقرأون ادعية خاصة بهذه الزيارة، لكنهم منعوا من ذلك السنة الماضية، كما منعوا من ادخال جنازاتهم الى المسجد النبوي للصلاة عليها، مثلهم مثل غيرهم من المسلمين، والجديد هذه السنة أن النساء تم تصويرهن من قبل هيئة الامر بالمعروف فاعترض زوار المسجد النبوي على ذلك ولأن التصوير معيب ولا صلة له بالاسلام لكن اعضاء الهيئة واجهوا الناس بعبارات من قبيل: انتم مشركون، انتم كفار، انتم مبتدعون، انتم روافض الى ما هنالك من مصطلحات للتكفيريين، ما ادى طبيعيا الى تجادل، ومواجهة، وصدام، واوقفت الشرطة خمسة من المسلمين الشيعة رهن التحقيق. ويضيف الدكتور السيف: الى هنا والموضوع كان من المفترض انهاؤه، لكن اعضاء الهيئة استمروا بالتعرض للناس وضربهم واهانتهم ، ما دفع بالمؤمنين الى التجمهر امام مكتب الهيئة احتجاجا.ويتابع: في اليوم الثاني (امس الاول) حضرت الى باحة المسجد النبوي عناصر كثيرة بثياب مدنية، ومعها عصي وحجارة (من المعروف ان باحة المسجد لا يوجد بها حجارة) وأخذوا يضربون المسلمين الشيعة بالحجارة، وبالاحذية، وانهالوا عليهم بالعصي، وبالاهانات البذيئة من مستوى الكلام القبيح والشتائم، وعندما تكسرت العصي سحبوا عصي المكانس من ايدي العمال وتابعوا مهمتهم، حتى انهم كانوا قد جهزوا سيارات اسعاف في المكان، وطال الضرب المسلمين العائدين الى بيوتهم، وبعضهم من السنة.وقال الدكتور السيف: واليوم (أمس) استأنف هؤلاء المعتدون ممارساتهم الارهابية، فأطلقوا النار من مسدسات كانوا يحملونها. وتابعوا ضرب المصلين وقد تعرض الشيخ محمد الحويري لضرب مبرح ومعه نساؤه واطفاله ما استدعى نقله الى العناية المركزة، فيما اودع عدد كبير من المسلمين الشيعة في المستشفيات. وتم احتجاز آخرين.
«الدار» سألت الدكتور السيف عن سبب هذه الاحداث فأجاب: أصل المشكلة وجود احتقان شديد في البلد، فهناك اجراءات حكومية كثيرة وضاغطة اتخذت في الاحساء والمدينة المنورة تخللها ضغط كبير وتمييز بحق الناس، فهيئة كبار العلماء اعيد تشكيلها ولم تتضمن ممثلا واحدا للمسلمين الشيعة بل عين فيها ممثل واحد للمالكية، وواحد للشافعية، وواحد للاحناف «المذهب الحنفي»، علما ان ممثل الشافعية اصله موريتاني وقد احتجوا هم على ذلك. والمالكية لا يتجاوز عددهم ربع المليون، اما الاحناف فلا يتعدون المئة عائلة فقط، لكن المسلمين الشيعة يمثلون 20 بالمئة من سكان المملكة، ومع ذلك لم يعطوا مكانهم في الهيئة. وكذلك في المناصب السياسية وقس على ذلك... اما مجلس الشورى فهو يضم 170 عضوا، خمسة منهم شيعة وواحد اسماعيلي، ولو كان الشيعة يمثلون 10 بالمئة من السكان لاستحقوا 17 مقعدا. •ولكن ألم تفاتحوا الحكومة بهذا الامر؟ - يجيب الدكتور السيف: ابلغنا الجميع بوجود خوف من المستقبل اذا استمرت الحال على ما هي عليه، وقلنا للجميع عليكم اتخاذ المبادرة. وبذلنا جهودنا، نحن وغيرنا، لكن للاسف لم يتم شيء. وقابلنا مسؤولين كثيرين، والشيخ حسن الصفار قام بنفس الجهد، فلم نسمع إلا كلاما طيبا ووعودا تدخل في اطار اداب السلوك اكثر منها في الترجمة العملية، لكن بالسياسة، اذا لم تحل المشكلة فأنت تدفعها نحو الانفجار.. وقلنا للمسؤولين لا نريد وقوع مشاكل وتأزيم، بل نسعى للحياة بسلام ولتكريس الاستقرار والامن وصيانة هيبة الدولة.. نريد المساواة في المواطنية وليس اكثر، حالنا حال غيرنا، لا مواطنين درجة ثانية. • أليس من الممكن أن المسؤولين يعتبرون الشيعة أصحاب ولاء خارجي؟ ـ يجيب الدكتور السيف: طلبنا من المسؤولين دائما مناقشة هذا الامر. وقلنا لهم اذا كانت الدولة لا تثق بالشيعة على الاطلاق، فهذا الموضوع يدخل في باب العلاج المستحيل، واذا كان الامر غير ذلك، فتفضلوا لنناقش المشكلة، ونحن نؤكد ان المسلمين الشيعة في السعودية، لا ولاء لهم لغير وطنهم، واذا كانت ثمة حلول للمشكلة عند الدولة فنحن مستعدون للالتزام بهذه الحلول، لكن احدا لم يطرح حلا، بل مجرد شعارات.. ونحن مستعدون للمساعدة بكل امر يؤدي لتثبيت ولاء المواطنين لبلدهم ولتعزيز الامن والاستقرار. • ألم تتم المقارنة بين الشيعة في السعودية وعناصر «القاعدة» على سبيل المثال؟ ـ يقول الدكتور السيف: كل مجتمع يوجد فيه افراد يعارضون الدولة، وحصل ان وجد عند الشيعة السعوديين أربعة او خمسة او عشرة اشخاص قاموا بأعمال ارهابية، لكن عند المسلمين السنة وجد ارهابيون بالمئات ولهم تنظيمات وجمعيات، وسابقا احتلوا الكعبة الشريفة وقاموا باعمال ارهابية لا تزال اثارها حتى اليوم.. هذا الوضع موجود عندنا وعند غيرنا، ولكن هل يصح العقاب الجماعي.. اسرائيل وحدها تعاقب جماعيا.. هل نأتي لقرية فيها 10 حشاشين او مهربين او ارهابيين ونعاقبها كلها ونحظر عليها الحركة؟ اذا كان الامر كذلك، فعناصر «القاعدة» تنتمي لكل فئات ومناطق السعودية فهل نضع حظرا على كل ارجاء المملكة بسبب هذه العناصر؟ ويضيف: ان الشيعة لم يثبت انهم دخلوا بالارهاب ضد الدولة ابدا، بالامس دخلت قوات الامن الى بريدة وضبطت مطلوبين ارهابيين بالعشرات، فلم يفرضوا الحظر على بريدة كلها رغم اعتراف العناصر بما ارتكبوه.. وفي القصيم اعتقل المئات وثبتت التهمة عليهم، فهل نفرض عقوبة جماعية على القصيم.. لذلك اذا وجد عشرة اشخاص ارهابيين من الشيعة، فلا يجب فرض عقاب جماعي على كل الشيعة في السعودية، فالعقوبة الجماعية يحرمها القانون الدولي والاسلام وشرعة حقوق الانسان. الشيخ حسن الصفار ادلى بدوره بتصريح انتقد فيه: التغاضي الحكومي ازاء ممارسات هيئة الامر بالمعروف والنهي عن المنكر بحق الشيعة مطالبا العاهل السعودي بوضع حد لتلك الممارسات واطلاق المحتجزين على خلفية «اعتصام البقيع» في المدينة المنورة، وانتقد الصفار ما وصفها بممارسات التشدد والاهانة التي يواجهها الزائرون الشيعة على يد هيئة الامر بالمعروف في المدينة المنورة، كما دعا في تصريحه الملك عبد الله بن عبد العزيز لوضع حد لتلك الممارسات «التي كان آخرها التعرض لحشد من الزائرات الشيعة من القطيف والاحساء بالاهانة والهتك وهن في رحاب تلك البقعة المقدسة، وطالب باطلاق سراح المواطنين الشيعة المحتجزين في اعقاب «اعتصام البقيع» ومحاسبة الجهات التي تسببت في ما حدث، ومبديا قلقه من تلفيق التهم لاولئك الموقوفين وتبرئة المعتدين، واشار الى ان تعامل «الهيئة» مع ضيوف رسول الله «ص» وزائري البقيع ومقابر شهداء أحد يتنافى مع اخلاق الاسلام وحقوق الانسان والتوجهات التي يتبناها الملك في الحوار الوطني والاسلامي وحوار الاديان. من جهته قال الناشط السياسي في القطيف محمد باقر النمر: الاحداث تشكل صدمة مؤسفة لعموم المواطنين السعوديين والشيعة منهم خاصة لانها تأتي بعد ايام من اصلاحات بدأها خادم الحرمين الشريفين طالت المؤسسات الدينية ومنها هيئة الامر بالمعروف التي كانت ولا زالت طرفا في هذه الاحداث، وفي ظروف احتقان طائفي تعيشه الامة في سنواتها المنصرمة وقال ان الشيعة في السعودية كانوا وما زالوا مواطنين، ولاؤهم لوطنهم وارضهم التي ولدوا ونشأوا فيها، وهم يدعون الجهات الامنية والسياسية لاتخاذ اللازم لايقاف هذه المنازلات وان يتخذ الاجراء المناسب لحلها سلميا باعتماد موقف الحياد بدل الانحياز لطرف «الهيئة» التي بدأت المشكلة. ودعا لايقاف الحملات الاعلامية ضد الشيعة ولاشراكهم في الحياة السياسية العامة ولمعالجة قضاياهم وخاصة اصلاح محكمتي الاوقاف والمواريث في القطيف والاحساء.
انتهی / 131