وفقا لما أفادته وكالة أهل البيت (ع) للأنباء ـ ابنا ـ رُوِيَ عن الإمام علِيَّ (ع) أنه قال: "آفَةُ الْعَمَلِ تَرْكُ الإخْلاصِ فيهِ".
مَجَّدَ الإسلام العمل، وأعلن أن الغاية من خلق الإنسان هي العمل، وأن العمل هو الذي يمنحه شهادة الإنسانية الكاملة، وأن نوع العمل هو الذي يُمَيِّز إنساناً عن إنسان، وارتقى بالعامل إلى مراتب عالية من التكريم والتبجيل، واهتمَّت شريعته المقدسة بالعامل فسَنّت له حقوقاً لم تُسَنَّ في أي منظومة قانونية إلى يومنا هذا، تقوم على احترام إنسانيته، واحترام جهوده، وتقدير أتعابه، وحفظ حقوقه المادية والمعنوية، حسب ما ورد في وكالة إكنا.
ولا عجب في ذلك، فإن الإسلام يعتبر الإنسان عملاً، العمل هو هويته، العمل هو الذي يعطيه سماته النفسية والمعنوية، فإن صلح العمل كان الشخص صالحاً، وإن طلح العمل كان الشخص طالحاً، إن كان عمله خيراً فهو من أهل الخير، وإن كان عمله شراً فهو من أهل الشر.
بالطبع نحن هنا نتحدث عن العمل الذي هو أعم من العمل المادي الذي يطلب الشخص به معاشه، أو العمل المعنوي الروحي العبادي الذي يجمعه مفهوم العمل الصالح، فكلاهما يحددان قيمة الإنسان ومكانته في نظر الدين، بل في نظر الناس أيضا. فلو اقتصرنا على العمل المادي الدنيوي فلا شك في الفرق بين إنسان مخلص صادق أمين في عمله، يعمله بنية طيبة، ينصح فيه، ويتمه، ولا يدع فيه نقصاناً ولا عيبا، لا شك في أنه أفضل بكثير من ذاك الذي يفعل العكس تماماً، لا يصدق في العمل ولا يؤديه بإخلاص وأمانة، ويغش فيه، ويتركه ناقصاً غير تام ولا مكتمل، الفرق بين الإثنين واضح، والعيب في عمل الثاني جَلِيٌّ.
أما لو اقتصرنا على الأعمال الروحية العبادية سواء كانت عبادات شرعية أو كانت أعمالاً صالحة عامة فالأمر يصبح أكثر وضوحاً، لأن العمل الصالح من وجهة نظر الدين لا يكون صالحاً إلا إذا تقرب به العامل إلى الله تعالى، وهذا يعتمد على صدق النية والإخلاص فيها.
النِّيَّة تحتَل أهمية كُبرى في الإسلام فهي التي تعطي العمل الإنساني قيمته الحقيقية، وعلى أساسها يتُمُّ تقييم العمل والعامل، ولمّا كان العمل تعبيراً عن مكنون الإنسان، كانت النيَّة هي الأداة التي تكشف عن حقيقة ما يُكِنُّه العامل في نفسه، بخلاف الفعل الذي لا يمكنه أن يكشف باطن الإنسان، لأنه فعل ظاهر يمكن للفاعل أن يفعله بصورة مغايرة للباطن، إنك ترى شخصاً يعطي مالاً لفقير، أو يتبرع لمشروع خيري، فقد يفعل ذلك بنية طَيِّبة صادقة، وقد يفعل ذلك بنيَّة خبيثَةٍ، قد يعطي المال ليساعد به الفقير واقعاً دون أيِّ هدف مادي أو معنوي دنيوي، وقد يعطيه المال ليستطيل ويستكبر عليه، والفرق واضح بين الحالَين، والبَونُ شاسع من حيث النِّيَّة، وإن كان الظاهر واحد في الحالَين.
ولمَّا كانت النِّيَّة هي الدافع إلى القول والعمل، كان صدقها شرطاً في قبولهما، فإن صدقت النية تمَّ العمل، وإن فسدت النية فَسد العمل وإن كان ظاهره جميلاً خلّاباً، رُوِيَ عن رسول الله (ص) أنه قال: "يا أيُّها النّاسُ، إنّما الأعمالُ بالنِّيّاتِ، وإنّما لِكُلِّ امرئٍ ما نَوى، فمَن كانَت هِجرَتُهُ إلَى اللّهِ ورَسولِهِ فهِجرَتُهُ إلَى اللّهِ ورَسولِهِ، ومَن كانَت هِجرَتُهُ إلى دُنيا يُصيبُها أوِ امرأةٍ يَتَزَوَّجُها فهِجرَتُهُ إلى ما هاجَرَ إلَيهِ".
فالله سبحانه يجازي على النوايا، فإن كانت النية لله كان العمل لله فيثيب عليه، وإن كانت لغير الله وَكَلَ اللهُ العاملَ لِمَن عمل لهم يطلب الثواب منهم، كما أن التوفيق الرباني للعامل يأتيه بحسب نيته، فإن كانت لله كان العمل لله فالعامل يُمَلِّكُ عمله لله، وما يَمْلُكُهُ الله يهيئ له جميع أسباب نجاحه، فيتحقق لا محالة، ويجني العامل جميع ثماره المرجوة، رُوِيَ عن الإمامُ الصّادقُ (ع) أنه قال: "إنّما قَدَّرَ اللّهُ عَونَ العِبادِ على قَدرِ نِيّاتِهِم، فمَن صَحَّت نِيَّتُهُ تَمَّ عَونُ اللّهِ لَهُ، ومَن قَصُرَت نِيَّتُهُ قَصُرَ عَنهُ العَونُ بقَدرِ الّذي قَصُرَ".
فإذا ساءت النية، أي لم تكن لله، بل كانت لأمر دنيوي بحت، وكان العامل يستهدف بعمل الفوز بمدح الناس وثنائهم كشف ذلك عن عدم الإخلاص في العمل لله، وإذا انعدم الإخلاص ساء العمل، وتلك آفته التي حذَّر منها الإمام أمير المؤمنين (ع).
بقلم الكاتب والباحث اللبناني في الدراسات القرآنية السيد بلال وهبي
........
انتهى/ 278
مَجَّدَ الإسلام العمل، وأعلن أن الغاية من خلق الإنسان هي العمل، وأن العمل هو الذي يمنحه شهادة الإنسانية الكاملة، وأن نوع العمل هو الذي يُمَيِّز إنساناً عن إنسان، وارتقى بالعامل إلى مراتب عالية من التكريم والتبجيل، واهتمَّت شريعته المقدسة بالعامل فسَنّت له حقوقاً لم تُسَنَّ في أي منظومة قانونية إلى يومنا هذا، تقوم على احترام إنسانيته، واحترام جهوده، وتقدير أتعابه، وحفظ حقوقه المادية والمعنوية، حسب ما ورد في وكالة إكنا.
ولا عجب في ذلك، فإن الإسلام يعتبر الإنسان عملاً، العمل هو هويته، العمل هو الذي يعطيه سماته النفسية والمعنوية، فإن صلح العمل كان الشخص صالحاً، وإن طلح العمل كان الشخص طالحاً، إن كان عمله خيراً فهو من أهل الخير، وإن كان عمله شراً فهو من أهل الشر.
بالطبع نحن هنا نتحدث عن العمل الذي هو أعم من العمل المادي الذي يطلب الشخص به معاشه، أو العمل المعنوي الروحي العبادي الذي يجمعه مفهوم العمل الصالح، فكلاهما يحددان قيمة الإنسان ومكانته في نظر الدين، بل في نظر الناس أيضا. فلو اقتصرنا على العمل المادي الدنيوي فلا شك في الفرق بين إنسان مخلص صادق أمين في عمله، يعمله بنية طيبة، ينصح فيه، ويتمه، ولا يدع فيه نقصاناً ولا عيبا، لا شك في أنه أفضل بكثير من ذاك الذي يفعل العكس تماماً، لا يصدق في العمل ولا يؤديه بإخلاص وأمانة، ويغش فيه، ويتركه ناقصاً غير تام ولا مكتمل، الفرق بين الإثنين واضح، والعيب في عمل الثاني جَلِيٌّ.
أما لو اقتصرنا على الأعمال الروحية العبادية سواء كانت عبادات شرعية أو كانت أعمالاً صالحة عامة فالأمر يصبح أكثر وضوحاً، لأن العمل الصالح من وجهة نظر الدين لا يكون صالحاً إلا إذا تقرب به العامل إلى الله تعالى، وهذا يعتمد على صدق النية والإخلاص فيها.
النِّيَّة تحتَل أهمية كُبرى في الإسلام فهي التي تعطي العمل الإنساني قيمته الحقيقية، وعلى أساسها يتُمُّ تقييم العمل والعامل، ولمّا كان العمل تعبيراً عن مكنون الإنسان، كانت النيَّة هي الأداة التي تكشف عن حقيقة ما يُكِنُّه العامل في نفسه، بخلاف الفعل الذي لا يمكنه أن يكشف باطن الإنسان، لأنه فعل ظاهر يمكن للفاعل أن يفعله بصورة مغايرة للباطن، إنك ترى شخصاً يعطي مالاً لفقير، أو يتبرع لمشروع خيري، فقد يفعل ذلك بنية طَيِّبة صادقة، وقد يفعل ذلك بنيَّة خبيثَةٍ، قد يعطي المال ليساعد به الفقير واقعاً دون أيِّ هدف مادي أو معنوي دنيوي، وقد يعطيه المال ليستطيل ويستكبر عليه، والفرق واضح بين الحالَين، والبَونُ شاسع من حيث النِّيَّة، وإن كان الظاهر واحد في الحالَين.
ولمَّا كانت النِّيَّة هي الدافع إلى القول والعمل، كان صدقها شرطاً في قبولهما، فإن صدقت النية تمَّ العمل، وإن فسدت النية فَسد العمل وإن كان ظاهره جميلاً خلّاباً، رُوِيَ عن رسول الله (ص) أنه قال: "يا أيُّها النّاسُ، إنّما الأعمالُ بالنِّيّاتِ، وإنّما لِكُلِّ امرئٍ ما نَوى، فمَن كانَت هِجرَتُهُ إلَى اللّهِ ورَسولِهِ فهِجرَتُهُ إلَى اللّهِ ورَسولِهِ، ومَن كانَت هِجرَتُهُ إلى دُنيا يُصيبُها أوِ امرأةٍ يَتَزَوَّجُها فهِجرَتُهُ إلى ما هاجَرَ إلَيهِ".
فالله سبحانه يجازي على النوايا، فإن كانت النية لله كان العمل لله فيثيب عليه، وإن كانت لغير الله وَكَلَ اللهُ العاملَ لِمَن عمل لهم يطلب الثواب منهم، كما أن التوفيق الرباني للعامل يأتيه بحسب نيته، فإن كانت لله كان العمل لله فالعامل يُمَلِّكُ عمله لله، وما يَمْلُكُهُ الله يهيئ له جميع أسباب نجاحه، فيتحقق لا محالة، ويجني العامل جميع ثماره المرجوة، رُوِيَ عن الإمامُ الصّادقُ (ع) أنه قال: "إنّما قَدَّرَ اللّهُ عَونَ العِبادِ على قَدرِ نِيّاتِهِم، فمَن صَحَّت نِيَّتُهُ تَمَّ عَونُ اللّهِ لَهُ، ومَن قَصُرَت نِيَّتُهُ قَصُرَ عَنهُ العَونُ بقَدرِ الّذي قَصُرَ".
فإذا ساءت النية، أي لم تكن لله، بل كانت لأمر دنيوي بحت، وكان العامل يستهدف بعمل الفوز بمدح الناس وثنائهم كشف ذلك عن عدم الإخلاص في العمل لله، وإذا انعدم الإخلاص ساء العمل، وتلك آفته التي حذَّر منها الإمام أمير المؤمنين (ع).
بقلم الكاتب والباحث اللبناني في الدراسات القرآنية السيد بلال وهبي
........
انتهى/ 278